نظرات في المذاهب
30
الألفاظ من حيث ظهور المعنى وخفاؤه؛ واضح الدلالة وخفي الدلالة
واضح الدلالة من النصوص هو ما دلّ على المراد منه بنفس صيغته من غير توقف على أمر خارجي، فما فُهم المراد منه بنفس صيغته من غير توقف على أمر خارجي فهو يسمى بـ"واضح الدلالة"، وما لم يفهم المراد منه إلا بأمر خارجي فهو يسمى بـ"غير واضح الدلالة".
وأساس التفاوت في مراتب الوضوح هو: احتمال التأويل وعدم احتماله، ووجود دلالة واضحة للنص لا ينفي إمكانية وجود دلالات أخرى يشير إليها بلفظه أو بمفهومه.
وواضح الدلالة على أربعة أضرب: الظاهر، النص، المفسر، المحكم
أما لم يحقق شرط الوضوح فهو خفي الدلالة، وأساس التفاوت في مراتب الخفاء هو إمكانية إزالة هذا الخفاء.
وخفي الدلالة على أربعة أضرب: الخفي، المشكل، المجمل، المتشابه
ويستخدم الأصوليون كمعيار لتصنيف مراتب الواضح موضوع النسخ وموضوع سوق اللفظ بالأصالة، ومبدئيا لا يجوز الإسراف في الحديث عن عملية السوق هذه إذا كان الحديث عن العبارات القرءانية، إلا على سبيل الافتراض الاحتمالي، فيجب التحفظ الشديد في استعمالها، وكذلك لا وجود أصلا لآيات قرءانية منسوخة.
والأصوليون مولعون بمحاولة البحث لإيجاد أمثلة لمصطلحاتهم، ومن ذلك قولهم: ((إن من الخفي ما كان ظاهر الدلالة على معناه، ولكن عرض له الخفاء بسبب معارضته لنص آخر)).
فهم بذلك يأخذون النص لوحده فيدركون منه معنى ظاهرا بالنسبة لهم، ويتكرر هذا بالنسبة لنصٍّ آخر، وبذلك يصبح كل نص مأخوذا لوحده خفيا ومثالا يصدق تعريفاتهم، ثم يحاولون -من بعد- النظر ومحاولة التوفيق لإزالة الخفاء.
إن منهجهم هذا خاطئ أصلا، وهو يؤدي بالضرورة إلى نتائج خاطئة، ولا يجوز استخلاص معنى خاص بمسألةٍ ما من عبارة مأخوذة لوحدها طالما توجد عبارات أخرى تعالج نفس المسألة، يجب أخذها جميعا في الاعتبار، ولا حاجة لاستعمال مصطلحات في مثل هذه المسائل.
والحق هو أن الإشكال وبالتالي وجود المشكلة إنما ينشأ من منهجهم في التعامل مع نصوص وألفاظ القرءان، فهم مصرون على اقتطاع أصغر جزء ممكن من العبارة القرءانية ثم تفسيره بمعزل عن الأجزاء الأخرى التي اقتطعوها أيضًا ثم يسندون إلى أنفسهم مهمة التوفيق بين التعارضات التي لا وجود لها إلا في خيالهم وأنفسهم والتي كان من الممكن تجنبها أصلا.
وكان عليهم أن ينظروا إلى اللفظ في كل سياقاته الممكنة، وكذلك إلى كل ما يتعلق بالحكم الواحد قبل أن يطلقوا أي وصف أو يحدثوا أية قاعدة أو مصطلح.
إنه يجب عند التعامل مع القرءان إدراك ما يلي:
1. القرءان يستعمل الألفاظ المفردة بمعانيها اللغوية الأصلية، وليس بمعانيها الدارجة أو بمعانيها التي اصطلح الناس، قديمًا أو حديثا، عليها.
2. لا يجوز التعامل مع القرءان وفق منهجهم التجزيئي.
3. آيات القرءان متسقة متكاملة، ولمعرفة مدلول لفظ معين يجب استفتاء كل الآيات التي ورد فيها هذا اللفظ أو ورد ما له صلة به بطريق مباشر أو غير مباشر.
4. عند استخلاص قول القرءان في مسألة ما يجب اعتبار كل ما ورد عنه بمثابة عبارة واحدة، وينظر فيها ككيان واحد.
وبذلك يمكن أن يتبين لهم أن مصطلحاتهم بخصوص الخفي والمشكل خاطئة أو نسبية، ويمكن فقه النصوص القرءانية بدونها، ولا يجوز تسمية نص قرءاني بالمشكل طالما أنه يمكن اتباع المنهج القرءاني لإدراك دلالاته.
1