إيمانيات دين الحق
الإيمان بكتب الله ورسله
يجب الإيمان بمن سمّى الله تعالى في كتابه من الرسل والأنبياء، والمذكورون صراحة هم خمسة وعشرون: آدم ونوح وإدريس وهود وصالح وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ويوسف ولوط وشعيب ويونس وموسى وهارون وإلياس وزكريا ويحيى واليسع، وذو الكفل وداود وسليمان وأيوب وعيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وهناك من لم يقصص الله تعالى قصصهم، فيجب الإيمان بوجود رسل وأنبياء غيرهم.
ولا يحق لأحد أن يفرق بين الرسل فيكفر ببعضهم ويؤمن ببعضهم، والنهي عن التفريق بين الرسل موجه أساسًا لأهل الكتاب الذين رفضوا الإيمان برسالة ونبوة خاتم النبيين محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ، ولكن أهل الضلال من المجتهدين الجدد استعملوا النهي القرءاني ضد من أُنزل عليه القرءان!!
ومع زعمهم أنهم متمسكون بالقرءان، وأنهم لا يفرقون بين الرسل، فلقد فرقوا بينهم على حساب خاتمهم، ورفعوا أقدارهم فوق قدره، وكلامهم عنه لا تجد فيه ذرة من الحبّ أو التوقير له!
فلقد اتفقوا على التهوين من قدر خاتم النبيين صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ وإنكار كل ما يمكن إنكاره من فضائله ومآثره، وفي المقابل هناك منهم من يدعو إلى تأليه المسيح بحجة أنه (ممتلئ بالروح)!، أو الزعم بأنه هو الذي أُنزل القرءان عليه .... الخ، والتهوين من قدر خاتم النبيين صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ يكاد يكون مما أجمعوا عليه هم و(القرءانيون)، وهو في الوقت ذاته من علامات سوء المنقلب.
ومن الكفر الحداثي العصري زعم بعض المجتهدين الجدد أن "محمد" شخصية عامة أو صفة عامة أو أن الرسول أحمد المبشر به ليس هو النبي محمد .... الخ، ومن يعتنق مثل هذه الأقوال يكون قد أخرج نفسه من دين الحق فاحذروه، فقد تم توزيع الكفريات والضلالات على بعض المجتهدين الجدد؛ كلٌّ بقدر وسعه، وكلّ ضالٍّ منهم يجتذب إليه من هم على شاكلته.
كما يجب الإيمان بما ذكره الله تعالى عن الرسل والأنبياء في كتابه العزيز والتأسِّي بهم في تصديهم للباطل بكل عزمٍ وإقدام، انظروا إلى هود عليه السلام، وهو يواجه قومه العتاة الجبابرة الذين زادهم الله تعالى بسطة في الجسم:
{قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56)} هود
وانظروا إلى موقف مماثل لخاتم النبيين صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ:
{قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ (195) إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196)} الأعراف
كما يجب الإيمان بكتب الله المذكورة في القرءان، وهذا الإيمان يعني تصديق ما ورد فيها مما لا يتعارض مع القرءان المهيمن عليها، ومجرد التصديق لا يكفي في القرءان، فلا بد مع التصديق من الأخذ به والعمل بما أمر به وترك ما نهى عنه.
ومن البديهي أن يكون خاتم النبيين محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ مرسلًا إلى الناس كافة، قال تعالى:
{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُون} [الأعراف:158]، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُون} [سبأ:28]، {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان:1]، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين} [الأنبياء:107].
ولذلك فرسالته ملزمة للناس أجمعين إذا بلغتهم البلاغ الكافي المبين، ومن يرفض الإقرار بذلك لا يحق له أن يعتبر نفسه من المسلمين.
*******
إن النبي المرسَل لابد أن يكون بشرا، إذ لابد من المناسبة بينه وبين من أرسل إليهم أي لابد من أن يدرك مشاعرهم وأدق أحاسيسهم ومدى وطبيعة استجاباتهم لأوامره وردود أفعالهم تجاه ما جاءهم به وأن يعلم علم ذوق وخبرة كبشر كل شيء عنهم؛ فهو ليس بكيان مفارق لهم أو متعال عليهم بل هو مرتبط بهم ومكلف بإصلاح أحوالهم التي يجدهم عليها، فهو يعاملهم وفق ما هم عليه لا وفق ما يريده منهم، وهو آلة إلهية معتمدة لإنجاز كل ذلك، فهو بالنسبة إلي قومه مظهر من مظاهر منظومة أسماء الرحمة والهدي والإرشاد والتشريع، وهو بالنسبة إلى الله بمثابة مرآه يرى فيها آثار تجلياته وأسمائه وسماته؛ ومنها طبيعة ومدى استجابة البشر لأوامره، وكل ذلك لا يخرج الرسول عن عبوديته الكاملة لله عزَّ وجلَّ فإنه لا فعل له ولا حول ولا قوة إلا بالله، والْحُكْمُ في ذاته هو لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِير، لذلك لم يتعد أي رسول أو نبي طوره، بل كان كل منهم عبدًا خالصا لله تعالي وبرئوا من الدعاوى وادعاءات الربوبية التي وقع فيها من هم من دونهم.
*******
1