top of page

أمور دين الحق

التسبيح

أمر قرءاني وركن فرعي لوازمي

التسبيح لله

التسبيح لله من الأركان الفرعية للأركان ذكر الله وإقامة صلة وثيقة به والتزكي، وهو من لوازمها.

إنه بثبوت أنه لا يوجد مرجع مادي ثابت يمكن نسبة الحركات والتغيرات إليه وعدم وجود ساعة كونية يمكن حساب الحركات والتغيرات بالنسبة إليها وأن الإطار الزماني المكاني لهذا العالم قد نشأ معه وأن كل الحركات نسبية، فقد ثبت بالضرورة أن الله تعالى هو المرجع الأوحد للحركات والسند الأوحد لوجود الأشياء، فهي بحركاتها الذاتية والخارجية تسعى إليه في مسارات هو الذي رسمها لها في العالم الحقيقي ذي الأبعاد العديدة المتنوعة.

فالتسبيح هو عين الحركة الذاتية المعينة لهوية الكائن وحقيقته والمسببة لبقائه، والتي هي أيضًا علامة حياته.

والأمر بالتسبيح لله هو أمر للإنسان بالسعي إليه بكل إمكاناته، وبكل قوى وجوده، فكل إنسان كادح إلى ربه كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ، شاء أم أبى؛ طوعًا أو كرها، فمن الخير له أن يجعل سعيه إليه طوعا، وبذلك يتناغم مع السنن الكونية، وتعمل لصالحه، وينال من ربه خير الجزاء.

والإنسان، بالنظر إلى حقيقته، يجب أن يسبح ربه بلساني المقال والحال كما تسبحه كل الكائنات بلسان الحال، فيجب أن يجعل الإنسان تسبيحه الذاتي المؤدي إلى بقائه وحياته وسعيه في هذا العالم على كافة المستويات لله رب العالمين مدركا أن ذلك مما يؤدي إلى ظهور سمات الحسن والكمال الإلهية، والتسبيح اللساني مع الحضور والتركيز من وسائل التحقق بهذه الحالة.

قال تعالى:

{يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ }الجمعة1، {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} التغابن1، {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} الحديد1، {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ(36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ...(37)} (النور)

{تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} [الإسراء:44]

*******

أمر قرءاني وركن فرعي لوازمي

التسبيح بحمد الله

التسبيح لله من الأركان الفرعية للأركان ذكر الله وإقامة صلة وثيقة به والتزكي، وهو من لوازمها.

التسبيح بحمد الله هو التسبيح الذي يتضمن إثبات سمات الحسن والكمال لله تعالى مع تقديم ما يقتضيه ذلك من ضروب التنزيه والعبادة، فقد يلزم الاستغفار أو السجود أو الصبر.

وكل الكائنات تسبح بحمد الله من حيث إنها المجالات التي يُظهِر فيها شيئًا من سمات حسنه مع علوه المطلق عليها وتنزهه التام عما هو لها، والإنسان ذو الإرادة الحرة والاختيار مأمور بأن يسبح بحمد ربه بما تقتضيه حقيقته، وبذلك يتآلف مع سائر الكائنات فينصلح بذلك أمره.

فالإنسان مأمور بأن يسبح بحمد ربه بلساني الحال والمقال، وتلاوة صيغ التسبيح القرءانية مع حضور الذهن وسيلة للتحقق بمقتضيات التسبيح بالحمد، وبذلك يتزكى الإنسان.

قال تعالى:

{فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابا} النصر3، {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ}، {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرا}الفرقان58، {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ }السجدة15، {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ}غافر55، {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ}ق39، {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ}الطور48.

*******

أمر قرءاني وركن فرعي لوازمي

التسبيح بالاسم الإلهي

قال تعالى:

{فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} الواقعة 74

فالاسم الإلهي "الْعَظِيم" من الأسماء التي تشير إلى حقيقة الذات الإلهية؛ أي الكيان الإلهي الذي تستند إليه السمات، لذلك فالإنسان وكل الكائنات لا يمكنهم الحياة إلا به، وسر الحياة هو التسبيح، والله سبحانه هو قيوم السماوات والأرض وما فيهن، وجسم الإنسان هو من آيات الله، وهو يسبِّح مثل سائر المخلوقات بمقتضى حقيقته، والإنسان هو مأمور بأن يسبح من حيث نفسه التي هي كيانه الجوهري بمحض اختياره وإرادته، وبذلك يتوافق مع الكون كله، ويعمل الكل على تحقيق المقصد من سعيه وإصلاح أمره.

ومن حيث البِنْية اللغوية: فالاسم "العظيم" اسم فاعل ذاتي معنوي مؤكد (صفة مشبهة) على وزن فعيل، وذلك من الفعل "عظُمَ"، وهو من الأفعال الذاتية الكيانية الإلهية المعبر عن ثبات سمة العظمة الكيانية لله تعالى في عين كونه حيًّا يمارس مقتضيات إلهيته.

والإنسان إذ يسبح باسم ربه العظيم ينزهه ويعظمه، بما زوده به من ملكات وقدرات، وهو يستعين في ذلك بالاسم العظيم، وبالتالي فهو يستعين بما لهذا الاسم من قوى وملائكة وجنود.

وكل اسم إلهي هو متسم بالعظمة، ذلك لأن العظمة سمة ذاتية، فالإنسان إذ يسبح الله تعالى بأي اسمٍ من أسمائه إنما يُسبح باسم ربه العظيم.

*******

تسبيح الاسم

من الأمور القرءانية التي تقتضي أمرًا دينيا تسبيح الاسم الإلهي، وهو يعني تنزيه كل اسمٍ من الأسماء الإلهية الحقيقية عن كل التصورات والمفاهيم الإنسانية، ذلك لأنها مستخلصة من هذا العالم المادي الطبيعي المشهود، بينما لله سبحانه العلو المطلق فوق الزمان والمكان والأكوان وكل تصورات ومدارك الإنسان.

قال تعالى:

{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} الأعلى1

الاسم الإلهي " الْأَعْلَى" يشير إلى الاسم الوجودي، أي الذات مع سمة العلوّ، أو بالأحرى الأعلوية، فهو يشير إلى علو الذات مع علو المرتبة على كل التصورات والمفاهيم والمدارك علوا مطلقا، لذلك على الإنسان أن يتحقق بهذه الحقيقة، وألا يقيِّد ربه بما لديه بما لديه من تصورات عنه وأن ينزهه عن كل أفكار أو مفاهيم عنه لديه، ليس بمعنى نفيها نفيا تاما، وإنما بمعنى اليقين بأنه سبحانه يتعالى فوقها علوا كبيرا.

فالذي يجب تسبيحه هو الاسم الوجودي، وليس الاسم اللفظي، الاسم الوجودي هو الذات نفسها مع سمة من سماتها، أما الاسم اللفظي فهو الاسم باللسان العربي الذي جعله الله تعالى رمزًا يشير إلى الاسم الوجدوي.

وهذا العلو المطلق تتسم به كل الأسماء الإلهية، فكل اسمٍ إلهي هو الأعلى علوا مطلقًا في مجاله، لذلك وجب على الإنسان تسبيح كل اسمٍ من هذه الأسماء.

والتسبيح يكون بالقول مع حضور الذهن مع معنى التسبيح، ويكون عملًا بمقتضى هذا التسبيح.

والتسبيح هاهنا هو تسبيح الاسم الوجودي "الأعلى"، وهو الذات الإلهية من حيث ما هو لها من العلوّ الذاتي المطلق على كل ما هو من دونها، ومن حيث ما هو لها من الدرجات الرفيعة، وهو بذلك يتضمن تنزيها عن أعلى ما يمكن أن يخطر ببال مخلوق عن الكنه الذاتي الإلهي وعن الأسماء الإلهية.

ورغم أن هذه الآية تنص نصًّا صريحًا على اسمٍ إلهي فإنه لا وجود له في قائمة الأسماء ذائعة الصيت التي لدى عبيد المرويات، تلك القائمة التي يتخذونها بمثابة حرز أو وحدة زخرفية أو نغمات موسيقية!!!

*******

1

bottom of page