top of page

المثاني والحلقات الإلهية

الاسم اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ

قال تعالى:

{لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} الأنعام103  *  {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} الملك14  *  {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ}الحج63  *  {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} لقمان16  *  {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرا }الأحزاب34.

فهذا المثنى هو اسم من أسماء النسق الأول من الأسماء الحسنى.

إن الاسم اللَّطِيف الْخَبِير يشير إلى سمة واحدة تفصيلها اللطف المقترن بالخبرة، فلأنه هو اللطيف المطلق فإن له الخبرة المطلقة، ومن له اللطف المطلق لا يمكن لأحد أن يدركه على ما هو عليه، بل إن به هو كل إدراك، وهو الخبير بكل شيء من حيث أن له اللطف المطلق والإحاطة الذاتية بكل شيء.

فلطفه المطلق هو عين إدراكه المطلق لكل شيء وإدراكه لكل ما بطن من كل شيء أي عين خبرته بكل شيء، فهو الذي لا يخفى عليه شيء، لذلك فإنه المدرِك لكل اللطائف والكثائف، ولأنه كذلك فهو الذي يخرج النبات اللطيف اللين النامي الزاخر بالحياة من عمق الأرض الكثيفة الجامدة المظلمة، وهو الذي ينزل الماء الثمين اللازم للحياة بعد إخراجه مصحوبا بظواهر رهيبة مرعبة من رعد وبرق وعواصف، فهو الذي يتولى إخراج الأمر من نقيضه الظاهر، وهو الذي له إدراك كل أمر مهما خفَّ ورق ولطف في حين أنه يتعالى على كل إدراك مهما ارتقى وسما.

ومن حيث هذا الاسم فهو يخرج الحكمة من بين الأحداث الرهيبة المتجهمة، وهو الذي يأتي بحبة خردل متهافتة من صخرة أو من باطن الأرض إن شاء.

فمن حيث هذا الاسم فإن له العلم بأخفى الأسرار وبأعمق البواطن لأن له الاطلاع المطلق والإحاطة الذاتية بكل شيء.

ومن حيث هذا الاسم فإنه يؤثِّـر ولا يتأثر، ويفعل ولا ينفعل، ويُدرِك ولا يُدرَك، ولا يخفي عليه أخفي الخفاء ولا مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، ويعلم من خلق العلم التام، فهو لا تدركه الأبصار من حيث أن له اللطف المطلق، ولكنه هو يدركها ويدرك ما هو ألطف منها لأن له الخبرة المطلقة، والأمران يرجعان إلى سمة واحدة تفصيلها السمتان، ولذا اقتضت أولاهما الثانية عند التفصيل، فللألطف دائما إدراك الأكثـف.

فهو سبحانه لا تدركه الأبصار ولا أي حاسة أخرى من حواس الإنسان الظاهرة أو الباطنة، فكما علا وتعالى على إدراك الأبصار فقد علا كنهه على كل إدراك آخر، فله الغيب المطلق لأنه هو الباطن المطلق في عين كونه الظاهر المطلق، فهو المتعالي على الأكوان، وهو الذي من بعيدٍ دان.

وهو سبحانه يؤثِّر ولا يتأثَّـر، ولا يرجع إلى شيء، بل هو مرجع ومصدر كل شيء، ولا يستند إلى شيء بل إليه يستند كل شيء، ولأن له تلك السمة المعبر عنها باقتران اللطف بالخبرة فلا تزاحمه الأشياء ولا يغيب عنها إذ هو معها، ولكنها لا تدرك أنه معها لجهلها كنه ذاته ولعلو تلك الذات فوق قدرات وإمكانات الحواس الظاهرة والباطنة.

فالإنسان لا يدرك أمرًا إلا بما يلائمه مما لديه من الحواس، فهو يدرك الصور والهيئات بالبصر والأصوات بالسمع والمفاهيم المجردة والقوانين بإمكانات القلب العقلية والمشاعر والوجدانيات بإمكانات القلب الوجدانية العاطفية، كما يدرك الأمور المتقلبة والمتشكلة والرؤى باللطيفة الخيالية…، وهكذا، ولكنه ليس لديه حاسة ما تصلح لإدراك الذات الإلهية التي ليس كمثلها شيء، بينما يدركه الله تعالى إدراكًا كاملًا تامًّا لأنه هو الذي خلقه فقدره ومن ظلمات العدم أبرزه وأظهره، فهو الأعلم بمبتدئه ومنتهاه.

والإنسان مهما ارتقى لن يدرك من الله سبحانه إلا تجليًّا من تجلياته، ولن يدرك من هذا التجلي إلا بقدر وسعه، ولو كان مؤمنًا حقا فإنه سيعلم عند ذلك بالضرورة أنه رأى تجليا من تجليات ربه؛ فهو صادق إن قال إنه رأى ربه، ومن أنكر عليه ذلك هو صادق أيضًا، فلن يرى الله عز وجل على ما هو عليه مخلوق حادث، بل لا قِبَـل لمخلوق بذلك أصلا.

وهو سبحانه لا تدركه الأبصار لأنه اللطيف المطلق، فلا تركيب فيه ولا كثافة ولا كتلة ولا اختلاف، ذلك لأنه ليس كمثله شيء، والأبصار لا ترى إلا بسبب انعكاس الضوء من على كيان مادي، وهو سبحانه ليس بكيان مادي لينعكس الضوء من عليه، والضوء لا يرقى إليه أصلا، فما هو إلا مخلوق من مخلوقاته، ويجب أن يكف الناس عن تصور أنه شخص محدود متحيز مثلهم.

ومن حيث أن له اللطف الذاتي المطلق فإنه الخبير بأعمق أعماق البواطن، فهي ماثلة أمامه، وله إليها النفاذ المطلق، ذلك النفاذ يعلو فوق الإدراكات والتصورات.

إن الله تعالى لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ أبدا، ولا تحيط به أبدا، في حين أنه هو الذي يُدْرِكُ هذه الأَبْصَارَ، فهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ، فهو لا يُدرَك لكون ذاته فوق كل إدراك وتصور، ولكونه هو اللطيف الخبير، فهو اللطيف المطلق الذي يدرك بذاته كل شيء، والكائنات مثل الإنسان لا تدرك الأشياء إلا بما هو ألطف منها من حيث القوام، فالإنسان مثلا لا يدرك الأشياء إلا بالضوء الذي هو ألطف منها، ولا يدرك المعاني إلا بنور قلبي باطني هو ألطف منها، وليس لديه ما يدرك به ذات من له اللطف المطلق، ولن يتغير ذلك أبدا.

أما يوم القيامة فالإنسان يدرك تجليات ربه على لوح قلبه (قلب المدرِك) الذي هو ظاهر هناك، فهو يرى تجليا لربه مقيدا بحقيقة نفسه، ولذلك تختلف الرؤية من إنسان لآخر، بل تختلف بالنسبة لإنسانٍ ما من وقتٍ لآخر، بل إنه لا يمكن أن تتكرر نفس الرؤية لكون كل شيء في تطور مطرد.

فالإنسان في الجنة يرى يوم القيامة ربه على قدر وسعه مقيدا بحقيقة نفسه، ولكنه لا يرى الله في ذاته

*******

وهذا الاسم من:

منظومة أسماء السنن الكونية الخاصة بالمخيرين المكلفين

منظومة أسماء السنن الكونية العامة

منظومة أسماء الخبرة

ومن أسماء حلقة من النوع الثالث:

اللطيف-اللطيف الخبير-الخبير-الخبير البصير-البصير

الاسمية

الاتساق مع تعريف الاسم: 1

درجة البساطة: 1

درجة الورود: 3

درجة العمومية: 1

درجة الاسمية: 1

درجة الورود: يحقق الورود المؤكد؛ خبر مؤكد لجملة اسمية، خبر لجملة اسمية مؤكدة.

من أسماء النسق الأول

*******

1

bottom of page