نظرات في المذاهب
بطلان عقيدة البداء الشيعية 3
بطلان عقيدة البداء الشيعية 3
يقول الشيعة: "إن الدعاء يغير قضاء الله، أي يغير علم الله الفعلي، فالبداء واقع في هذا العلم، وليس في علم الله الذاتي الثابت"!
هذا القول يتضمن جهلا بمفهوم القضاء الإلهي، وإنكارا للمفهوم القرءاني له، كما يتضمن خلطًا بين سمة العلم الإلهية وبين مجالها وهو المعلومات Information، وهذا على كل حال خطأ كل من تكلم من الناس في العقائد، بلا استثناء تقريبا، العلم من حيث إنه سمة إلهية له الكمال التام المطلق، والإحاطة المطلقة والتعالي المطلق.
فلا يحق لأحد تقسيم هذا العلم إلى علمٍ فعلى وإلى علمٍ قولي.
أما المعلومات، وهي المخلوقات وما يصدر عنهم، فلله تعالى من حيث إنه بكل شيء عليم الإحاطة المطلقة التامة بهم، والله تعالى يعلم الشيء كما هو عليه، قبل تحققه وبعد تحققه، يعلمه مقدَّرا، ويعلمه متحققا، فهو الذي خلقه فقدره.
وما نقول به هو بفضل الله تعالى أرقى من كل ما أتت به المذاهب، حاولوا أن تتعلموا منه ما ينفعكم، ونرجو ألا ترهقوا أنفسكم في النسخ واللصق، ثم في التنصل مما ينسخه بعضكم من أقوال أئمتكم والزعم بأنه ليس من مذهبكم، فنحن لم نردّ إلا على ما نشرتموه، كما أرجو ألا تظنوا أنه يوجد في مكانٍ ما من يستطيع الدفاع عن عقيدة البداء بأفضل مما فعلتم!
*******
أحدهم يقدم تفسيرا بشريا للقضاء ثم يقول لنا: "راجع تفسير البيان".
أما نحن فنقول: راجع تفسير الفعل "يقضي" المنسوب إلى الله في القرءان، كتبنا هي من هدي القرءان، وليس من بيان الناس!
أما مفهوم الناس فيتضمن خلطًا رهيبا بين القضاء والتقدير الإلهي من ناحية وبين قضية الحرية الإنسانية والمصير الإنساني من ناحية أخرى، وأكثرهم يظنون أنه يوجد تعارض فيما بينها، ومفهومهم أدى إلى القول بجبرية صريحة أو مقنعة.
*******
في كل لحظة يكون الإنسان معرضًا لما لا حصر له من الأمور، إما كنتيجة لأعماله أو لأعمال الكيان الأكبر الذي ينتمي إليه، وإما ابتلاءً له، وتكون أمامه بدائل متعددة كردّ فعل لكل ذلك، وهو يختار بمحض إرادته ردّ الفعل المناسب، فيترتب عليه آثاره طبقًا للسنن، والدعاء من سبل مواجهة ما قد يلقاه، وستترتب عليه آثاره أيضًا طبقًا للسنن، وكل ذلك معلوم تماما لله تعالى.
*******
قال تعالى:
{وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (47) وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (48)} الزمر
يحتج الشيعة بالآيتين لإثبات قولهم بالبداء!!! مع أن الذين بدا لهم ما بدا هم المخطئون يوم القيامة، هؤلاء سيبدو لهم ما كانوا لا يؤمنون به وسيبدو لهم سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا، فما الذي كانوا لا يحتسبون من الله؟ إنه كل ما كفروا به بأي درجة من درجات الكفر، فمنهم من كفر بوجوده، ومنهم من كفر ببعض أسمائه وأفعاله، ومنهم من كفر بأي تدخل له في أمور البشر، ومنهم من كفر باليوم الآخر وما أعد لهم فيه من ألوان العذاب التي هي نتائج لازمة لأفعالهم الاختيارية.
*******
من الواضح أن الشيعة لا يفقهون الفرق بين "بدا لهم من الله" و"بين بدا لله"، فهم يجعلون هذه عين تلك لإثبات قولهم بالبداء!!
*******
عقيدة البداء على لسان الشِّيَعة:
البداء أصل من أصول الشِّيَعة، وعقيدة من صميم عقائدهم، وقد بوبوا لها في كتبهم، ولدى مراجع وعلماء الشِّيَعة نصوص في ذلك، ومنها ما جاء في الكافي: " ما عبد الله بشيء مثل البداء"، وهذا النص عمدة عند الشِّيَعة للاستدلال به على البداء، وتوجد روايات تقول بخلاف ذلك، وتتبرأ ممن قال بالبداء، ومنها: "عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: "من زعم أن الله يبدو له في شيء اليوم لم يعلمه أمس، فابرؤوا منه".
والروايتان في أمهات كتب الشِّيَعة، وعند أبرز علماء الشِّيَعة في تاريخها، بل هم الذين قام على أيديهم المذهب الشيعي، فالرواية الأولى جاءت عند الكافي وهو–ثقة الإسلام عند الشِّيَعة-والثانية عند ابن بابويه القمي المعروف بالصدوق، وقد حاولوا حل هذا الإشكال بالقول:
"البداء في الإنسان: أن يبدو له رأي في الشيء لم يكن له ذلك الرأي سابقا، بأن يتبدل عزمه في العمل الذي كان يريد أن يصنعه، والبداء بهذا المعنى يستحيل على الله، لأن من الجهل والنقص، وذلك محال على الله، ولا تقول به الإِمَامِيَّة،...غير أنه وردت روايات عن أئمتنا الأطهار توهم القول بصحة البداء بالمعنى المتقدم، كما جاء عن الصادق: "ما بدا الله في شيء كما بدا له في إسماعيل ابني"، ولذلك نسب بعض المؤلفين في الفرق الإسلامية إلى الطائفة الإِمَامِيَّة القول بالبداء طعنا في المذهب وطريق آل البيت، وجعلوا ذلك من جملة التشنيعات على الشِّيَعة، والصحيح أن نقول كما قال الله: "يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب"، ومعنى ذلك أنه تعالى قد يظهر شيئا على لسان نبيه أو وليه لمصلحة تقتضي الإظهار، ثم يمحوه فيكون غير ما ظهر أولاً مع سبق علمه بذلك".
الردّ:
يتهم المؤلف هنا علماء السنة بأنهم هم الذين أعطوا هذا النص المعنى الكفري للبداء، وشنعوا عليهم، والحقيقة أن أهل علماء أهل السنة بريؤون من هذا الاتهام براءة الداجن من أكل (آية) الرجم، فالكلام هو الذي يعطي هذا المعنى بلا ريب، فهو يدل بلا ريب على تغيير أمر خاص بتوارث الإمامة.
والشِّيَعة الاثني عشرية يحاولون حلّ إشكال التناقض في الأقوال المنسوبة إلى أئمتهم بالقول بالبداء، فعندما يعرض عليها روايتان متناقضتان يقولون: "وقع هذا على سبيل البداء".
قيل لأحد علمائهم: "هل البداء ممكن في الجزئيات؟ فكانت الإجابة: "بالنسبة للتفاصيل كلها يحتمل فيها البداء، بل هو الراجح بالنسبة لخطة عسكرية، يراد بها الانتصار على العدو وهو الشيطان وجنده، فحتى الخروج الذي نص عليه أنه يوم واحد فيه البداء".
وأقوال أئمتهم تقطع بالمعنى الذي يحاولون نفيه، سأل أحدهم أبا جعفر: "هل يبدو لله في المحتوم؟" قال: نعم، قلنا له: "فنخاف أن يبدو لله في القائم"، قال: القائم من الميعاد".
فهم يعلنون خوفهم من أن يغير الله سبحانه كلامه في القائم! فلا شك أن ذلك يمكن كتابته كما يلي:
يبدو له في الأمر = يعدل عما كان قد قرره بشأنه.
ولذلك يقولون بالبداء في أمور دون أمور، ويقولون إن الميعاد هو الذي لا يمكن أن يحدث فيه بداء، أما المحتوم فقد يحدث فيه بداء وقد لا يحدث! وهنا تفقد كلمة محتوم معناها.
وبخصوص ظهور المهدي يؤكدون بالبداء في أمور دون أمور، فهناك تفاصيل وجزئيات سيكون فيها البداء، فالبداء يعني بلا شك أن ثمة أمورا مقررة يمكن العدول عنها.
ومن الواضح أنه إذا وجد التناقض بين الروايات فالشِّيَعة يلجؤون إلى البداء، وهم حرصًّ على عقيدة القائم يستثنونها، فيقولون: الذي ليس فيه بداء هو القائم الذي هو من الميعاد-باعتباره من الكليات وليس الجزئيات- فليس واقعا ضمن ساحة البداء.
أما "المحتوم" فلم يعد محتومًا مائة في المائة، فالمحتوم أصل وجوده محتوم، ولكن يمكن حصول البداء في هذا المحتوم، بمعنى أن تتغير بعض تفاصيله.
وفي أمهات كتبهم من أنكر هذا البداء، وتبرأ ممن قال بها، إذاً فمن الشِّيَعة أنفسهم من لا يعترف بتلك العقيدة، والقول بالبداء لم يكن معروفا في الأطوار الأولى من تاريخ المذهب الشيعي، فقد ظهر القول به متأخرا عن نشأة الشِّيَعة.
والذي حدث أن إسماعيل الابن الأكبر للإمام جعفر الصادق-الإمام السادس عند الشِّيَعة-، قد تُوفي في عهد أبيه، فانتقلت الإمامة إلى أخيه موسى بن جعفر-الابن الأصغر للصادق-، وهذا التغيير في مسار الإمامة التي هي منصب إلهي يسمى بداءً حصل لله تعالى، فانتقلت الإمامة من إسماعيل إلى موسى ثم أولاده، ولم تأخذ الطريق الطبيعي، الذي هو انتقال من الأب إلى الابن الأكبر".
فلماذا اعتبر الشِّيَعة هذا التغيير في مسار الأئمة بداءً في حق الله تعالى؟ ذلك حدث قبيل الغيبة الكبرى مباشرة-329ه-، وذلك عندما بدأ المذهب الإسماعيلي يظهر بين الشِّيَعة بحكم أنه كان له دولة، وهذا المذهب يرى أن الإمامة مستمرة في نسل الإمام علي وأولاده حسب التسلسل السني، وعليه فإذا توفي الوريث الشرعي-إسماعيل بن جعفر-، فلا يحق لأبيه أن يعين موسى، بل تنتقل الإمامة إلى الابن الأكبر من ظهر إسماعيل.
وبما أن الشِّيَعة تبنت فكرة الإمامة الإلهية، فلكي تخرج من هذا المأزق قالت بفكرة البداء، ونسبتها إلى الله تعالى.
فعقيدة البداء عقيدة دخيلة حتى على الشِّيَعة الاثني عشرية، حيث لم يكن لها أثر ولا وجود في بدايات المذهب الشيعي، ثم أخذت في الظهور بين الاثني عشرية، حتى ترسخت في أذهانهم، رغم ما فيها من خطأ في حق الله تعالى، وذلك بالطبع للزومها لعقيدتهم في الأئمة، وإلا لانهار مذهبهم لحساب الإسماعيلية.
ولا علاقة لعقيدة البداء بمفهوم الإلهية، إنما موضوعها وأصل نشأتها الأئمة، فهي مع التقية من الحلول التي يستخدمونها إذا نسبوا إلى الأئمة أخبارا لم تقع كما أرادوا، فعقيدة البداء أثر لغلوهم في الإمام، الذي هو عندهم شبه إله، بل ويقدمه الغلاة منهم على الله.
فالبداء لا يتعلق بالعقيدة في رب العالمين، وإنما بالأئمة، وهم يفرون من المنكرين عليهم بالتقية أو بالبداء، والذي هو كالنسخ على مستوى التقديرات والأمور الكونية.
*******
من له الكمال الذاتي اللانهائي الواجب المطلق لا يتغير عما هو عليه، والتجلي من شؤونه الثابتة، والتغير من سمات مخلوقاته
*******
يقول بعض الشيعة بأن البداء عقيدة ثانوية مع أنه قد جاء في الكافي: "ما عُبِد الله بشيء مثل البداء" مما يجعله عقيدة وعبادة أيضًا على أعلى درجة من الخطورة، من الواضح أن هذه العقيدة تسبب لكم حرجا شديدا، فالخيرون منكم يحاولون التنصل منها أو تأويلها بما لا يتعارض مع القرءان، أما غيرهم فيحاولون فرضها على القرءان، وليّ عنق بعض آياته لتقول بها!
لماذا لا تكتفون بما نسبه الله تعالى صراحة إلى نفسه في كتابه؟!
*******
حسمًا للأمر:
نرجو أن يكتب أحدكم العقيدة المعتمدة عندكم في البداء في تعليق على هذا المنشور، وأن يصدق كلكم على كلامه، وسنقوم بفضل الله تعالى بالرد الفوري عليها!
الله تعالى لا يغيِّر اسمًا من أسمائه ولا سمة من سماته ولا شيئا من مقتضيات ومقدرات أسمائه ولا سنة من سنة، ذاته وأسماؤه ليست مجالا لأفعاله، ولن تجدوا لسنته تبديلا ولا تحويلا، ومن سنته أنه يرتب على أفعال عباده نتائجها وأنه يجيب المضطر إذا دعاه، وأنه لا يهلك القرى بظلم ....
لماذا تكفرون بما ذكره سبحانه عن نفسه في سبيل عقيدة أحدثها أسلافكم؟!
*******
بعض أتباع المذاهب يقولون: "لماذا الخوض في أمور لن تزيد الناس إلا فرقة؟"
اطمئنوا تماما، لا يتابع هذه الصفحة، بل كل صفحاتنا، إلا بضعة آلاف، أكثرهم لا يريدون منها إلا تأييد ما ألفوا عليه آباءهم، أو ما يضربون به المذاهب الأخرى، يليهم غير المكترثين، وأقلهم من يريد متابعة ما فيها من الحق، وهم أناس مسالمون، ويعلمون أن الدعوة إلى الحق تكون بالوسائل السلمية فقط.
ونحن نعلم جيدًا أن من نشأ على مذهب لن يغيره أبدا، مع وجود استثناءات نادرة، لذلك نقول دائمًا إن كلامنا ليس موجهًا إلى هؤلاء، وإنما إلى الباحثين عن الحق لذاته، وليس إلى الباحثين عما يؤيد مذاهبهم
*******
1