نظرات في المذاهب
10
الاستحسان
قالوا: الاستحسان في اصطلاح الأصوليين: هو عدول المجتهد عن مقتضى قياس جلي إلى مقتضى قياس خفي لقوة الخفي وترجح جانب المصلحة فيه، أو عن حكم كلي إلى حكم استثنائي لدليل انقدح في عقله رجَّح لديه هذا العدول.
فإذا عرضت واقعة ولم يرد نص بحكمها، وللنظر فيها وجهتان مختلفان إحداهما ظاهرة تقتضي حكما والأخرى خفية تقتضي حكما آخر، وقام بنفس المجتهد دليل رجح وجهة النظر الخفية، فعدل عن وجهة النظر الظاهرة فهذا يسمى شرعا: الاستحسان. وكذلك إذا كان الحكم كليا، وقام بنفس المجتهد دليل يقتضي استثناء جزئية من هذا الحكم الكلي والحكم عليها بحكم آخر فهذا أيضا يسمى الاستحسان.
كل هذا الكلام لا علاقة له بدين الحقّ من قريبٍ أو بعيد، ومع ذلك يقولون "فهذا يسمى شرعا: الاستحسان"، فكم من الجرائم تُقترف باسم هذا الشرع!
قالوا: أنواع الاستحسان:
من تعريف الاستحسان شرعا يتبين أنه نوعان:
أحدهما: ترجيح قياس خفي على قياس جلي بدليل.
وثانيهما: استثناء جزئية من حكم كلي بدليل.
مثال:
نص فقهاء الحنفية على أن سؤر سباع الطير كالنسر والغراب والصقر والبازي والحدأة والعقاب طاهرٌ استحسانا، نجسٌ قياسا. وجه القياس: أنه سؤر حيوان محرم لحمه كسؤر سباع البهائم كالفهد والنمر والسبع والذئب، وحكم سؤر الحيوان تابع لحكم لحمه. ووجه الاستحسان: أن سباع الطير وإن كان محرما لحمها إلا أن لعابها المتولد من لحمها لا يختلط بسؤرها، لأنها تشرب بمنقارها وهو عظيم طاهر، وأما سباع البهائم فتشرب بلسانها المختلط بلعابها فلهذا ينجس سؤرها.
ففي كل مثال من هذه الأمثلة، تعارض في الواقعة قياسان أحدهما جلي متبادر فهمه، والآخر خفي دقيق فهمه، وقام للمجتهد دليل رجح القياس الخفي فعدل عن القياس الجلي فهذا العدول هو "الاستحسان" والدليل الذي بني عليه هو وجه الاستحسان.
هل يستحق مثل هذا الكلام النظر فيه؟! إن من يقرأ هذا الكلام لا يملك إلا أن يتعجب من تمكن الداء البقري من (علماء الأصول)!
وقالوا:
من تعريف الاستحسان وبيان نوعية يتبين أنه في الحقيقة ليس مصدرا تشريعيا مستقلا، لأن أحكام النوع الأول من نوعية دليلها هو القياس الخفي الذي ترجح على القياس الجلي، بما اطمأن له قلب المجتهد من المرجحات، وهو وجه الاستحسان، وأحكام النوع الثاني من نوعه دليلها هو المصلحة، التي اقتضت استثناء الجزئية من الحكم الكلي، وهو الذي يعبر عنها بوجه الاستحسان.
فمن احتجوا بالاستحسان وهم أكثر الحنفية دليلهم في حجيته: أن الاستدلال بالاستحسان إنما هو استدلال بقياس خفي، ترجح على قياس جلي أو هو ترجيح قياس على قياس يعارضه، بدليل يقتضي هذا الترجيح، أو استدلال بالمصلحة المرسلة على استثناء جزئي من حكم كلي، وكل هذا استدلال صحيح.
والاستحسان هو في أغلبه نوعٌ من القياس، فهو آلية اجتهادية لا يوجد ما يعطيها الحجية أو المصداقية، فلا يجوز استعمالها لإحداث عناصر دينية، ولكن يمكن استعمالها لسنّ قوانين وضعية أو للحكم في القضايا الجزئية.
1
عدد المنشورات : ٦٥١