البنية الأساسية لدين الحق
المصطلح الديني
المصطلح الديني هو كلمة استعملها القرءان بمعنى ديني بالإضافة إلى معناها اللغوي المعلوم، ولابد بالطبع من صلة بين المعنيين؛ معنى المصطلح الديني والمعنى اللغوي.
والمصطلح الديني يقتضي من الإنسان أمورًا دينية، ولذلك فليس من حق أحد أن يكسبه معاني من عنده أو أن يحرف معناه الحقيقي أو أن يلغي المعنى اللغوي بأية حجة مثل من يقول إن تنقيط القرءان كان خاطئا.
وعلى سبيل المثال المصطلح "حلال" له معناه الاصطلاحي المعلوم، فليس من حق أحد أن يقول مثلا "إن حلال تعني حراما"! أو أن يقول إن كلمة "حلال" ينقصها نقطة وصحتها أنها "خلال" مثلا، ولا غرابة في هذا المثال، فيوجد الآن من يقول ما هو أغرب وأعجب من ذلك.
ومن منهجنا أن القرءان هو المصدر الأوحد والمرجع الأوحد للمصطلحات الدينية، فيجب استخلاص معنى المصطلح من كل آيات القرءان ذات الصلة، ولا يجوز استبعاد أي آية بحجة أنها منسوخة أو مشكلة أو مبهمة في هذا الأمر، فالقول بوجود آية قرءانية منسوخة بمعنى أنه بطل العمل بها هو من الإلحاد في آيات الله تعالى، كما أن القرءان كتاب أحدي متسق يبيِّن بعضه بعضا ويُفصِّل بعضه بعضا.
ومع ذلك لا توجد مشكلة في وضع بعض المصطلحات لتسهيل تناول المعلومات والبحث والاختصار على أن تكون متسقة تماما مع دين الحق الماثل في القرءان، وأن يكون تعريفها واضحا تماما، ولا تؤدي إلى أية التزامات دينية غير تلك المقررة سلفًا في القرءان.
كذلك لا يجوز تحريف دلالة مصطلحٍ ما ثم البحث عن حجيته بعد هذا التحريف كما حدث بالنسبة لمصطلح "السنة"، فالسنة الحقيقية لها معانيها القرءانية التي لا يجوز الاعتداء عليها أو تحريفها عن مواضعها، فمن معاني السنة القوانين التاريخية الحاكمة على الشعوب والأمم، والقوانين التي ترتب على فعل الإنسان جزاءه، وكذلك القوانين والأنماط السلوكية وسبل الهدى والرشاد الماثلة في كتاب الله تعالى، وكذلك الأسس والقواعد التشريعية التي يجب الالتزام بها عند سنّ أي قانون أصبحت الحاجة ماسّة إليه بمقتضى التطور.
والسنة لا تمثل كيانا مستقلا قائما بجوار كتاب الله، ذلك لأن الرسول هو عبد محض لله تعالى، فهي لا تقابل كتاب الله تعالى كأصل من الأصول، وإنما هو الذي يتضمنها وهو مصدرها الأوحد بالنسبة لما عظم أمره منها، وهو المصدر الرئيس لما هو ثانوي منها، والقول بأن السنة هي آثار أو اقوال كانت تتداول شفاهيًّا هو خطأ ديني وخطأ لغوي ومخالفة منطقية، فهو خطأ وخيم العاقبة ومتعدد الأبعاد.
أما الآثار المنسوبة إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ المتعلقة بالسنن العملية كإقامة الصلاة والصيام وحج البيت فلم تنشأ من العدم، وإنما كانت موجودة ويمارسها من بقوا على الدين الأصلي وهو الإسلام من أتباع الأنبياء السابقين؛ فهي أساسا من ملة إبراهيم عليه السلام، ولقد ذكرها إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام، وورد ذلك في القرءان، وتم تعديلها وتطهيرها من تحريفات الناس والإضافة عليها في الرسالة الخاتمة، وبذلك اكتمل الدين الإلهي الواحد، فتلك السنن إنما حُفظت وانتقلت بالتواتر العملي المجتمعي، ولم يحدث أبدًا أن انقطع الناس عن الصلاة والصيام منذ أن فُرِضا على الناس إلى يوم الناس هذا، ولم يرد أي أثر تاريخي يقول بشيءٍ من ذلك.
أما كل ما هو من دون ذلك من الآثار فهو مرويات آحادية إلا قليلا، وتلك المرويات تحوطها الظنية من بين يديها ومن خلفها ويتضمن بعضها أموراً غير مطروحة أصلاً، ولا يوجد ما يلزم الناس بها بل إن الإنسان منهي عن اتباع الظن، ولا يجوز له أن يتبع مروية ظنية إلا بعد أن يثبت عنده بطريقة قطعية أنها تشير إلى سنة حقيقية، ولكي يثبت ذلك فلا بد من قرائن قوية، وأقوى القرائن هي اتساقها مع مفردات وعناصر منظومات دين الحق الذي يتضمنه القرءان بحيث يمكن اندراجها في هيكله العام.
لكل ذلك فالمصدر الأوحد لأمور الدين الكبرى والرئيس للأمور الثانوية هو الكتاب العزيز كأمر كلي واحد متشابه متسق يُصدِّق بعضه بعضا ويُبيِّن بعضه بعضا ويُفصِّل بعضه بعضا.
والكتاب العزيز يتضمن آياته ومفاهيم ومضامين وفحاوى آياته ومقتضياتها، والآيات القرءانية بما تتضمنه يمكن التعرف عليها بالقراءة والتفكر والتدبر والتذكر والتفقه أي بإعمال كافة الملكات الذهنية والوجدانية ولابد كذلك من توفر معرفة لغوية كافية وسليقة لغوية.
قال تعالى:
{تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُون} [الجاثية:6]، {....فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُون}[الأعراف:185]، {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُون}[المرسلات:50]
هذه الآيات تنص على أن ما يجب الإيمان به هو آيات الله تعالى وحديثه؛ أي القرءان الكريم وما يتضمنه، لذلك يجب اتخاذ كتاب الله المصدر الأوحد للأمور الغيبية التي يجب الإيمان بها، هذا هو قولنا الذي نلتزم به.
ومن المعلوم أن أكثر المسلمين هم (نظريا) أشاعرة وماتريدية من الناحية العقائدية (رغم أن أكثرهم لا يعلمون عن هذه المذاهب حتى اسمها)، وهؤلاء يقولون بقاعدة مشابهة تنص على أن مرويات الآحاد لا يؤخذ منها علم أو عقيدة، ولكنهم لا يلتزمون بها، فلديهم الكثير من العقائد المأخوذة من شتى المصادر الثانوية، بل من محدثاتهم!!!!
أما السلفية، فهم يقدمون مرويات الآحاد نظريا وعمليا على آيات الكتاب العزيز، ويأخذون منها عقائدهم بلا حرج، وكلما كانت المروية أقرب إلى التجسيم والتشبيه كلما ازداد اهتمامهم بها وقدموها على غيرها، وهم أشد الناس عشقًا للمرويات التي تنسب الجوارح إلى الله تعالى، ويعتبرونها قدس أقداس تصورهم عن الذات الإلهية، وهم يفسِّقون ويزندقون من يحاولون تأويلها.
والآيات القرءانية التي تشترك في معالجة مسألةٍ ما كلها متكافئة وكل آية منها لها حجيتها الكاملة، وهي أشبه بالمصابيح الموصلة على التوالي والتي لا يجوز فصل واحد منها، وهي بذلك تضيء كافة جوانب المسألة؛ لا يجوز لأحد فصل أحدها أبدا ولا استبعاد أحدها أبدا، وإلا فلن يرى حقيقة المسألة، فلا يجوز إهمال أية آية تحت أية ذريعة من الذرائع أو حجة من الحجج، فمن الحجج الباطلة الزعم بأن الآية منسوخة أو إنها تتضمن حكمًا مرحليا، أو إنها من القصص النبوي (كما يقول أحد المجتهدين الجدد!!)، والكتاب العزيز هو المصدر الأوحد الذي له المصداقية التامة والحجية الكاملة، فهو الآن الكتاب الديني الأوحد الموثق توثيقا تاما، فهو المصدر الأوحد للأمور الدينية الكبرى والمصدر الرئيس للأمور الدينية الثانوية.
إن علوّ كلام الله على كلام الناس هو من تجليات ومظاهر علوّ الله على خلقه وعلوّ قدره على قدر كل من هم من دونه، لذلك فمن الشرك أن يُذكَر أي مصدر آخر مقارنا لكتاب الله، فكل المصادر الأخرى تليه وتستند إليه وتستمد شرعيتها ومصداقيتها ومصدريتها منه، ويجب أن يكف سدنة الدين الأعرابي الأموي عن الصراخ بأن كتاب البخاري أصح كتاب بعد كتاب الله، فلا يمكن أن يكون البخاري ندًّا لله، كما لا يجوز إلغاء العلوّ الهائل لرسول الله على البخاري، فلا يحق لهم أن يتصرفوا وكأن البخاري يمثل الرسول تمثيلا مطلقا، كما لا يجوز النصّ بأية طريقة على أن ما تمخض عن عمل البخاري وشركائه يقضي ويحكم على كتاب الله تعالى.
إنه لا سبيل إلى السعادة في الدنيا والآخرة إلا باتباع دين الحق الظاهر بحكم تفوقه الهائل وسموه على الدين كله.
*******
القرءان الكريم هو المصدر الأوحد للمصطلحات الدينية
إن القرءان الكريم، هو المصدر الأوحد للمصطلحات الدينية، أو بالأحرى، القرءانية، فطالما ورد المصطلحُ في القرءان فإن معناه يكون مبيَّنا بالضرورة في الآيات التي ورد فيها وفي فحواها ومقتضاها؛ أي إنه لابد أن فيه من الآيات ما يحدد مدلولاته ومعانيه، فالقرءان كما ذكر الله تعالى مبين ومبيِّن وتبيان لكل شيء، فمن آمنوا بما ذكره الله تعالى فقد أفلحوا.
ولذلك لا يحق لأحد إحداث مصطلح في الدين يجعله من أسسه ويرتب عليه نتائج خطيرة، كما لا يجوز العدول عن مصطلح قرءاني لحساب مصطلحات أحدثها الناس ونفخوا فيها لاعتبارات مذهبية، وكذلك لا يحقُّ أحد أن يفرض على المصطلح القرءاني معانيَ من عنده، إن كل ذلك يكون من باب تحريف الكلم عن مواضعه وتحريف الدين والإحداث في الدين، فهو من كبائر الإثم الخطير والعظيم.
*******
1