منهج جديد لإحصاء الأسماء الحسنى
ضرورة وجود منهج للإحصاء
للقرءان منهجه الفريد في إيراد الأمور الدينية، فهو يوردها موزعة على سور عديدة، وآيات قد تكون كثيرة، وذلك لتحقيق المقاصد القرءانية والدينية والوجودية، فالقرءان ليس كتابًا لتقديم معلومات بطريقة نمطية تقليدية، وإنما هو كتاب مُتعبَّد بتلاوته والنظر فيه، وله مقاصده، وله آثاره العميقة في الكيان الإنساني، وثمة ركن ديني كبير يتضمن ما يجب على الإنسان فعله قيامًا بحقوق القرءان، مثال، قال تعالى:
{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيز} [الحديد:25]
هذه الآية تنصّ أن الله تعالى أرسل رسله بِالْبَيِّنَاتِ، وتبين المقصد من ذلك، وهو أن يَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ، كما تبين أن الله تعالى هو الذي أنزل الحديد، وتشير إلى منافعه، كما تنص على مقصد من المقاصد الوجودية، وهو إظهار مَن يَنصُرُ الله وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ، كما تبين أن كل ذلك يستند إلى الاسم الإلهي القَوِيّ العَزِيز، والآية تذكر بذلك الأسماء الإلهية "اللَّهَ، القَوِيّ العَزِيز، القَوِيٌّ، العَزِيز".
هذه بعض المعلومات المباشرة التي تقدمها الآية بأقل عدد ممكن من الألفاظ وبأعلى أسلوب بلاغي، وهناك أيضًا فحاوى ومقتضيات وإشارات للآية.
والآية بالإضافة إلى كل ذلك لها فعلها في نفس وقلب من يتلوها ومن يقرأُها، فآيات القرءان مَّوْعِظَةٌ مِّن رب العالمين، وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِين، وتِبْيَان لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِين.
فلذلك كان للقرءان نظمه الخاص الفريد، وكان لابد من منهج لاستخلاص القول القرءاني في أي أمر من الأمور الدينية، وخاصة الكبرى منها، يقوم على العلم بسمات القرءان وبكيفية التعامل معه، هذا فضلًا عن العلم بأسس الدين الراسخة الماثلة في القرءان.
فلإحصاء الأسماء الحسنى التسعة والتسعين كان لابد من وجود نظرية علمية (منهج علمي) تتضمن مسلمات وتعريفات وشروط ومنهج للاستخلاص، وكان لابد من اتصاف هذه النظرية بالاتساق التام وبالقدرة على تفسير كل ما يقع في نطاقها، وكان لابد أن يتمّ إعمالها بصرامة وحيادية، وأن تنجح في تحقيق المقصود منها، وكان لابد من صمود هذه النظرية ضد محاولات الدحض، وأن يكون من الممكن نقلها للآخرين ليتحققوا منها بأنفسهم، وكان لابد أن تفسر ما كان موجودا وأن تبيِّن حدوده ومكامن الخطأ فيه، وكان لابد أن تكون مثمرة؛ أي بأن تعطي نتائج جديدة.
وقد يجد بعض الناس صعوبة في متابعة النظرية وفقهها وتقبلها، ولكن من قال إن النظريات المتعلقة بالأمور الكبرى لابد بالضرورة أن تتسم بالسهولة؟ إن استنباط النظرية وإعمالها وفقه مفرداتها قد يكون صعبا على أكثر الناس، ولكن ذلك لا يمنعهم من الانتفاع بنتائجها واستثمارها لصالحهم! إن الأسماء الحسنى مذكورة في القرءان الكريم، ولا يستطيع مسلم سليم الفطرة والطوية أن ينكرها من بعد أن يعلمها، وحسْب المسلم أن يعلمها بعد استخراجها وأن يدعو ربه بها، أما المشكلة فهي في إصرار أكثر الناس على الإعراض عن كتاب الله عزَّ وجلَّ والتمسك بكل ما هو سواه، ولقد آن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق.
ولقد وُجد بإعمال النظرية أن ثمة نسقين من الأسماء الحسنى في القرءان الكريم؛ النسق الأول منها يتضمن تسعة وتسعين اسمًا من ثلاثة أنواع من الأسماء الحسنى، هذا بالإضافة إلى الاسم "الله" تصديقا للحديث "إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمَا"، والتصديق على كافة المستويات، وهذا هو النسق المطلوب إحصاء أسمائه.
والنسق الثاني يتضمن تسعة وتسعين اسمًا من الأسماء الحسنى المفردة بالإضافة إلى الاسم "الله" الذي له الأسماء الحسنى.
هذا بالإضافة إلى باقي الأسماء الحسنى المذكورة في القرءان والتي يتضمنها ما يمكن تسميته بالنسق التفصيلي.
فالنسق التفصيلي يتضمن كل ما ثبت أنه من الأسماء الحسنى في القرءان بما في ذلك الأسماء المطلوب إحصاؤها.
وهناك أنساق نوعية أخرى، وتصنيفات متعددة للأسماء.
والنسق الأول يتضمن الأسماء ذات الحسن المطلق، وهو النسق الذي يتضمن الأسماء المطلوب إحصاؤها، وهو يتضمن ثلاثة أنواع من الأسماء، الأسماء المفردة والمثاني والحلقات كما سيتم بيانه، أما النسق الثاني فهو نسق الأسماء الحسنى المفردة، والأسماء التي لم ترد في أي من النسقين ولكنها وردت في القرءان هي أيضًا من الأسماء الحسنى، ولكن للأسماء الواردة في هذين النسقين أهمية خاصة.
ولقد تم انطلاقًا من إحصاء الأسماء الحسنى اكتشاف الكثير من الأمور في القرءان الكريم وتقديم تفسيرات ونظرات جديدة للكثير من آياته وتقديم نظريات كاملة ومتسقة للإسلام تشمل بالإضافة إلى منظومات الأسماء الحسنى منظومات الشؤون والأفعال الإلهية وكذلك منظومات القيم والأخلاق والمقاصد والأركان والسنن الكونية والشرعية والتشريعية كما وردت في القرءان الكريم.
هذا بالإضافة إلى اكتشاف الكثير من الحقائق الدينية وتقديم نظرات جديدة للآيات القرءانية واكتشاف الكثير من الحقائق والعناصر الدينية وحل الكثير من الألغاز والمعضلات الفلسفية، وعلى رأس ما تمّ اكتشافه كثير من العلوم المتعلقة بالأسماء الحسنى الحقيقية، وهذه العلوم تقدم للمسلم أسس وعناصر عقيدته وتغنيه عن كل ما يُسمى بعلم الكلام وأصول الدين.
وبالإضافة إلى ذلك فإنه نظرًا للارتباطات الوثيقة بين كل تلك المنظومات فإنه يمكن انطلاقا من أيٍّ منها صياغة نظرية كاملة متسقة للدين، وهذا مما يبين مدى خصوبة النظرية واتساقها ومتانة بنيانها.
*******
1