شهود على عصر (قصص وحوارات)
حوار حول أبشع احتلال تعرضت له مصر
قال سمير لخليل ولباسل: لماذا تمتدحون بشدة الاحتلال الأعرابي الاستيطاني لمصر وتسمونه بالفتح، بينما تنددون بالاحتلال الرومي البيزنطي لها؟
قال خليل: وهل هذا سؤال أين الثرى من الثريا، هل تريد أن تقارن عدل المسلمين بجور البيزنطيين؟
إذًا اسمع ما يلي: الفرق بين الغزو الروماني لمصر وبين الغزو العربي الخليفي الراشدي المهدي:
الرومان اعتبروا مصر سلة غلال لإمبراطوريتهم الضخمة، لذلك كانوا يهتمون بصيانة الأراضي الزراعية ومدّ الطرق وإنشاء الجسور وصيانة المجاري المائية.
فماذا عن الغزو العربي الخليفي الراشدي المهدي؟
كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى عمرو أن يختم على رقاب أهل الذمة بالرصاص، ويظهر مناطقهم، وأن تجز نواصيهم.
وقال لواليه على مصر: "أخرب الله مصر في عمران المدينة وصلاحها"
وقال عثمان بن عفان لعمرو بن العاص الذي كان واليه على مصر بعد أن عزله ليولي قريبه المرتد السابق: "لقد درت هذه اللقحة بعدك يا عمرو" فقال عمرو: "وقد هلكت فصالها" أي "وقد مات أطفالها جوعا"، ومن المعلوم أن جور وظلم هذا الوالي كان من أسباب الفتنة التي أودت بعثمان وفتحت باب شرّ على الأمة باق ومستمر إلى قيام الساعة.
وروى عن الليث بن سعد، أن عمرو بن العاص جبى مصر اثني عشر ألف ألف دينار، وجباها عبد الله بن سعد حين استعمله عليها عثمان أربعة عشر ألف ألف دينار، فقال عثمان لعمرو: يا أبا عبد الله: "درت بعدك اللقحة (الناقة الحلوب) بأكثر من درها الأول"، فقال عمرو: "وقد هلكت فصالها (أبناؤها)".
إنه الاستغلال الهمجي الغشيم الذي أدى إلى بوار كثير من الأراضي الخصبة وسلسلة من الثورات التي كان يتم قمعها بوحشية، ولم تهدأ إلا باستقلال أحمد بن طولون بمصر سنة 254 هـ في العصر العباسي وباعتناق أكثر الناس الإسلام واستعرابهم.
وكان من الممكن أن تتحسن الأحوال مبكرا ويعم العدل لو استتب الأمر للإمام عليّ الذي أرسل الأشتر إلى مصر محملا برسالة يبين له فيها أصول الحكم وفق دين الحق، ومما قاله فيها: "إن الناس صنفان: إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق"، ولقد عرف له المصريون ذلك وظلوا على ولائهم له ولأهل البيت منذ ذلك الزمن البعيد.
وأتحداك أن تثبت بأي دليل أن عمرو بن العاص حاول أن يجتذب المصريين إلى الإسلام، وهذا ينطبق على غيره من ولاة الخلفاء الراشدين أو ولاة الأمويين أو العباسيين.
أما الآن فمصر تعاني من العنصرية البلهاء المقيتة ومن التعصب الديني الأجوف!
ترى الآن مثقفًا يُقاتل بشراسة لإثبات أن كليوباترا ليست مصرية رغم أن أجدادها قدموا إلى مصر قبل ميلادها بثلاثة قرون!! ورغم أنه هو لا يعرف أصل جده السادس مثلا، وليس لديه ما يثبت أنه من سلالة أحمس الأول!
وترى مجرمًا عاتيا، لا توجد موبقة إلا واقترفها، وهو أجهل من دابة، يريد أن يحرم كل من لم يكن على ملته من أداء واجباته الدينية! ولو وجد المجال لقتله!!
إنه أبشع احتلال تعرضت له مصر في تاريخها، احتلال تمكن من الجذور والقلوب والعقول، الاحتلال السلفي الوهابي!
الاحتلال المفرق الممزق المكرس للجهل والتخلف، والمهدد لكيان مصر.
كانوا يتحدثون في الماضي عن وهمٍ اسمه: الشعب القائد، الشعب المعلم! والآن ماذا تنتظرون من شعوب تمت برمجتها على أن العصر الحجري هو الفردوس المفقود؟ هل يمكن لشعوب كهذه أن تحلم بمستقبل إنساني راقٍ؟
هل هناك من أمل في شعوب تقدس الغزاة الهمج القتلة السفاحين الذين كانوا يمتهنون نهب الأموال وسبي النساء والغلمان وتؤمن بأن ذلك حقٌّ لها عند امتلاك أسباب القوة؟
إذا أعطيت لنفسك حق العدوان فيجب أن تسلِّم بنفس الحق للآخرين!
*******
1