top of page

المنظومة المعنوية الشيطانية

الكذب

الكذب هو مضاد للصدق؛ كصفة أو كفعل، فالكاذب هو من يقول ما يخالف الحقيقة مع العلم بها، ومن يتحرى الكذب يصبح الكذب صفة راسخة عنده بارتداد آثار فعل الكذب على قلبه، وعندها يصدر عنه الكذب بطريقة طبيعية تلقائية لا تكلف فيها.

والكذب يتضمن تشبثا بالباطل ومحاولة إظهار أمر عدمي على حساب أمر وجودي، فالكذب يتضمن الانتصار للعدم على حساب الوجود والباطل على حساب الحق والوهم على حساب الحقيقة!! فهو يتضمن ادعاء الوجود لما هو عدم وانحيازا للنقص ضد الكمال، وهو انحياز للشيطان ضد الرحمن.

وأول من اقترف إثم الكذب هو إبليس اللعين، فهو الذي كذب على آدم وزوجه بل وأقسم على كذبه.

فمن اقترف الكذب فقد خالف قوانين الوجود والفطرة، فستعمل ضده قوانين الوجود والفطرة، فقد خلق الله تعالى كل شيء بالحق والميزان.

ولابد من انتصار الصدق ومن اعتصم به على الباطل ومن تشبث به!

وآيات القرءان تندد بمن اتصف بهذه الصفة أو عمل بمقتضاها:

{فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِين} [آل عمران:61]، {بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُون} [الأنعام:28]، {لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاَّتَّبَعُوكَ وَلَـكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُون} [التوبة:42]، {وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُون} [التوبة:107]، {وَيَا قَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُواْ إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيب}[هود:93]، {لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَاذِبِين}[النحل:39]، {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأُوْلـئِكَ هُمُ الْكَاذِبُون}[النحل:105]، {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِين} [العنكبوت:3]، {أَلاَ لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّار}[الزمر:3]، {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُون} [المجادلة:18]، {نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَة} [العلق:16]

*******

إن الكذب صفة ذميمة وكذلك سماعه، وعاقبته وخيمة، والكذب من أكبر مظاهر النقص الإنساني، فهو صفة عدمية تقابل سمة الحق الوجودية، ومن يتحرى الكذب إنما يهرول نحو العدم، فهو يهرب من الرحمـن ليلقي بنفسه في أحضان الشيطان، وكفى بالمرء جهلاً وخسة أن يفر من الوجود إلى عدم وأن يتشبث بعدوه المبين.

فالكذاب الذي يتحرى الكذب يدمر بنفسه كيانه الجوهري بما يجلبه إليه من أمراض وبعمله على استفحال خطرها، والمرء الذي يستمرئ الكذب إنما يعمل على إفساد نفسه وفطرته فتنقلب آثار كذبه عليه حتى يتألم من نور الحقيقة ويتلذذ بظلام الباطل فيهيئ نفسه بذلك لتتبوأ مكانها من بعد في جهنم.

والآيات الآتية تبين ما يتعلق بهذه الصفة وكذلك مقتضياتها:

{فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضا وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ }البقرة10  *  {انظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ }الأنعام24  *  {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ}التوبة77  *  {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ }الزمر60  *  {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }المجادلة14  *  {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِن جَآؤُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُم أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ }المائدة42

*******

إن الكذب هو من أركان المنظومة المعنوية الشيطانية، ولذلك وجب التطهر منه طبقا لركن التزكي، واجتنابه طبقا لركن اجتناب الآثام والفواحش، وكل ذلك من لوازم تحقيق المقصد الأعظم الثاني وهو إعداد الإنسان الرباني المفلح الفائق.

*******

إن الكذب هو الصفة المضادة للحق والصدق، فهي مناقضة لمقتضيات منظومة أسماء الحق، وهي: "الحَقّ، الملك الحق، الحق المبين، المولى الحق".

فمن كان حريصًا على أن يتحرى الكذب فهو يسعى بذلك إلى أن يشاقَّ ربه الحقّ، ومن هو كذلك إنما يقذف بنفسه إلى هوة العدم.

*******

1

bottom of page