التقويم الحقيقي وبدايات شهر رمضان الحقيقي وأشهر الحج
1طريقتنا للتقويم
التقويم The calendar مبني على الحاجة إلى ظواهر طبيعية متكررة ودورية لحساب الزمان، فلابد بالطبع من ارتباط الوحدات الزمنية الرئيسة المناسبة للإنسان بظواهر فلكية دورية Periodical astronomical phenomena يمكن أن يلاحظها وأن يدركها هذا الإنسان، والوحدات المعلومة هي (يوم-شهر-سنة)، وهي مرتبطة بظواهر مختلفة ومستقلة، وهذا ما يجعل الحاجة إلى التقويم (بمعنى التصحيح Correction) أمرًا ملحا، فكل وحدة زمنية مناسبة للإنسان لابد من ارتباطها بدورة فلكية حقيقية يمكن ملاحظتها، والاحتكام إليها، ولكن الدورات الفلكية الطبيعية الأكبر لا تتضمن أعدادا صحيحة Integers من الدورات الأصغر، فتحدث بسبب ذلك فروق، وهذا ما يستلزم التقويم (بمعنى التصحيح The correction) في أي تقويم The calendar، ولولا التقويم لتراكمت الفروق وخرجت بالتقويم عن مقاصده ولما تحقق الانتفاع به، فالمقصود أصلًا بالتقويم هو معالجة آثار الفروق للحفاظ على مفهوم الدورية على مستوى الشهر والسنة.
وقد كان خروج التقويم The calendar عن مقاصده لتراكم الفروق وتأثيرها هو دائما الدافع وراء التقويم The correction، فالتقويم كان دائمًا لنفع الإنسان، وقد جُعِل من أجل الإنسان ولتسهيل حياته، ولم يُجعل الإنسان من أجل التقويم، وقصة اكتشاف تراكمات الفروق في حسابات التقويم الميلادي وتصحيحها حينًا بعد آخر معلومة.
التقويمات الطبيعية، ومنها التقويم العربي، شمسية قمرية، فالأشهر فيها قمرية، والسنة شمسية، وكل شهر منها يعادل المدة اللازمة لدورة قمرية كاملة -أو بالأحرى متوسط دورة قمرية كاملة- حول الأرض، وهذا هو الشهر الطبيعي.
مصطلح الشهر يُطلق على أمرين متميزين رغم أنه يعادل في كليهما دورة قمرية كاملة؛ أحدهما هو الدورة الطبيعية التي يمكن أن تبدأ من أي نقطة على الدورة لتنتهي عندها، والآخر هو الشهر القمري العربي المحدد الذي يبدأ بمولد الهلال، والمفهوم الأول لازم لمعاملات شرعية عديدة مثل حساب العدة والفصال والكفارات وأداء الديون، والثاني لازم أساسًا للصيام والحج.
لا وجود لشيء اسمه سنة قمرية، فتتابع من 12 شهرا قمريا أو 11 أو 13 لا يمثل حولا ولا عودة إلى نفس النقطة في دورة، فهذه الفترات لا تعادل شيئا طبيعيا حقيقيا، ولا توجد ظواهر طبيعية تناظرها، ولا تحقق شرط الدورية اللازم، The necessary condition of periodicity فالسنة يجب أن تكون شمسية، وهي تعادل دورة كاملة للأرض حول الشمس، فهي السنة الطبيعية، وهي التي تحقق الشروط المطلوبة، كما تحقق معرفة الفصول المناخية والاتساق معها.
السنة الشمسية تتضمن بالتحديد اثني عشر شهرًا قمريا طبيعيا، وهذا العدد لا يمكن أن يزيد أو ينقص عن ذلك، فالعدد 12 هو العدد الصحيح للأشهر القمرية الطبيعية التي يمكن أن تحتويها سنة شمسية، هذا هو معناه الخاص بالتقويم، والتقويم بمعنى التصحيح Correction هو أمر لازم لكل تقويم بمعنى Calendar، وهو لازم للحفاظ على مفهوم السنة.
التقويم العربي الصحيح أرقى وأدق وأكثر طبيعية من التقويم الميلادي الذي يأخذ بمفهوم مفتعل وغير طبيعي للشهر، هذا التقويم العربي الصحيح هو تقويم شمسي-قمري، السنة فيه هي السنة الشمسية الطبيعية، والشهر فيه يتحدد بالأهلة؛ أي بالدورة القمرية، ويتم تقويمه بحيث تتطابق الشهور مع الفصول المناخية التي تشكل دورة منها السنة الشمسية، وباتباع هذا التقويم العربي يمكن الاستغناء تماما عن التقويم الميلادي، ويمكن تحديد كل الأمور بناءً على التقويم العربي، والقضاء على كل مشاكل اتباع تقويمين مختلفين، وهذا سيكون له عائد اقتصادي ضخم.
وفقًا لطريقتنا فشهر رمضان الحقيقي يتضمن الاعتدال الخريفي في نصف الأرض الشمالي، أي هو الشهر العربي القمري الذي يتضمن هذا الاعتدال، وبذلك فهلاله يظهر في الفترة من 23 أغسطس إلى 22 سبتمبر.
والطريقة تقوم على إضافة شهر التقويم بعد انتهاء السنة التي أصبح الانزياح ينذر بألا يتضمن رمضان القادم الاعتدال الخريفي؛ فالإضافة تحدث بعد شهر ذي الحجة، أي بعد شهر المحرم للسنة الجديدة.
المقارنة بالسنة الميلادية ليست ضرورية بالمرة، يكفي القول بأن الاعتدال الخريفي يقع في شهر رمضان، وهذا يتضمن أن بداية رمضان تقع في في الفترة من 23 أغسطس إلى 22 سبتمبر، ومن جديد يجب القول بأن المقارنة بالسنة الميلادية ليست ضرورية بالمرة.
إضافة شهر تقويم عند ملاحظة ظاهرة طبيعية ثابتة ودورية هي الطريقة السهلة والدقيقة والمنطقية، وهي تغني عن الحسابات الفلكية المعقدة، فهي الطريقة التي كان من الممكن لأناس كانوا يعيشون بمعزل عن الحضارات المعقدة أن يطبقوها بسهولة ويسر! وبالطبع لا يمكن لعربي أو أعرابي أن يتبع طريقة ناسا في الحساب! والخلاصة أن تحديد شهر رمضان مرتبط بالاعتدال الخريفي، فهو الشهر القمري الذي يتضمن هذا الاعتدال، أو يكون الأقرب إليه.
شدة احتفاء القرءان بليلة القدر يتضمن إشارة إلى أنها مرتبطة بظاهرة طبيعية ثابتة، فلابد من ارتباط رمضان بظاهرة طبيعية لتضمنه ليلة القدر الثابتة، هذه الظاهرة هي الاعتدال الخريفي، وحتى إن كانت الليلة مرتبطة بظاهرة أخرى، فلابد من ارتباط هذه الظاهرة بهذا الاعتدال، ولما كان رمضان شهرا قمريا، فهو لا يبدأ أو ينتهي بالضرورة بالاعتدال الخريفي، إذًا فهو يتميز بأنه يتضمنه.
لا توجد أي حاجة لاستعمال سنة تختلف عن السنة الشمسية الخاصة بالتقويم الگريگوري المستعمل الآن في حساب السنين، يكفي معرفة موعد ظهور هلال الشهر القمري الذي يتضمن الاعتدال الخريفي في نصف الأرض الشمالي (الاعتدال الربيعي في النصف الجنوبي)، في الحدود المسموح بها، هذا الشهر هو شهر رمضان، ويمكن بذلك معرفة أشهر الحج والأشهر الحرم.
اعتمد القرءان الكريم التقويم العربي الأصلي وألغى النسيء المذموم الذي كان يتضمن التلاعب بالأشهر الحرم بالتأخير استجابة لطلبات القبائل، كما أكد على أن الشهور هي اثنا عشر فقط ردًّا على ما كان يترتب على النسيء من تعمدهم زيادة أشهر السنة للإبقاء على عدد الأشهر الحرم صحيحا، وكل ما ورد من روايات وآثار تثبت أن النسيء لا يعني إلا ما ذكره القرءان وندد به، وقد أعلن الرسول أن الزمان قد استدار ليعود شهر ذي الحجة الذي حج فيه هو إلى مكانه الطبيعي، وهذا يعني أن كل شهر له طبيعته المناخية الخاصة، وشخصيته الخاصة، وأنه توجد دورة لها مرجعها، كما يدحض شرعية اللاتقويم الاعتباطي المستعمل الآن حيث لا يتميز أي شهر عن الآخر، فكل شهر يمكن أن يأتي في أي موسم من الواسم المناخية!!! وجميع الشهور القمرية مُتشابهة فيما بينها بالكيفية نفسها: فسببها: دوران القمر حول الأرض، وكيفيتها: اقتران ثم إهلال، أما في التقويم الحقيقي فكل شهر بالإضافة إلى كيفية تكوينه المشتركة مع باقي الأشهر يتميز بمناخ خاص لاختلاف زاوية سقوط أشعة الشمس على المكان الواحد من الأرض بين شهر وآخر.
التقويم الصحيح لا يؤثر على عدد الأشهر في السنة الشمسية، فعدد الأشهر القمرية الطبيعية في السنة الشمسية سيظل دائما 12 شهرا، كما أنه يحقق أن تكون الأهلة مواقيت للناس والحج.
إضافة شهر التقويم هو للحفاظ على المواضع الحقيقية للأشهر القمرية في السنة التي هي بالضرورة شمسية، فالسنة الشمسية ذاتها لا تتأثر بذلك، بل إنه يمكن العمل بالتقويم الگريگوري المستعمل الآن في حساب السنين باعتبار السنة فيه شمسية؛ أي إنه يوفي بما يلزم لمفهوم الحول والدورية، فلا يلزم أبدًا استعمال (سنوات قمرية) لا وجود لها، ويستمر بالطبع حساب الأشهر بالأهلة لتحديد مواقيت الصيام والحج.
ليس ثمة حاجة إلى إعادة تصحيح كل التواريخ الماضية أو استبدال التقويم الصحيح باللاتقويم الخاطئ (رغم أن هذا اللاتقويم الخاطئ لا معنى له ولا نفع منه ولا قيمة له أصلا، ومن الأفضل إلغاؤه)، يكفي فقط التحديد الصحيح كل عام لرمضان وأشهر الحج.
شهر رمضان هو الشهر القمري العربي الذي يتضمن الاعتدال الخريفي في النصف الشمالي من الأرض، وعندما يتبين أنه في السنة التالية لن يتضمن شهر رمضان الاعتدال الخريفي يتم إضافة شهر التقويم قبل شهر رمضان التالي دون الحاجة إلى معرفة مكان إضافته، والتوقيت المنطقي والطبيعي لإضافته، والذي تشير إليه الآثار هو بداية السنة المشار إليها.
الأساس الطبيعي للقول بأن شهر رمضان هو الشهر القمري الذي يتضمن الاعتدال الخريفي، وأن إضافة شهر التوقيت تكون بهدف الاستمرار في تحقيق ذلك هو أن توقيتات الإضافة تحدث تلقائيا بدورية متفقة مع الدورة الميتونية دون تحري ذلك، هذه الدورية هي: (3، 2، 3، 3، 3، 2، 3)، أي إنه بدءا من السنة صفر، سيتم إضافة شهر التقويم في السنوات: (3، 5، 8، 11، 14، 16، 19)، ولكن تتميز طريقتنا بأن لا يلزم معرفة السنة صفر، ويمكن البدء بأي سنة للحساب، وعندها قد تكون الدورية هي مثلا: (3، 3، 2، 3، 3، 3، 2)، وفي هذه الحالة سيتم إضافة شهر التقويم في السنوات: (3، 6، 8، 11، 14، 17، 19).
وشهر رمضان الحقيقي يبدأ عادة في الفترة من 23 أغسطس إلى 22 سبتمبر، فشهر رمضان ليس هو شهر سبتمبر نفسه، وإنما هو الشهر العربي الذي يظهر هلاله في أكثر الأحيان في شهر سبتمبر، فرؤية الهلال في سبتمبر أو في أواخر أغسطس هي علامة بدء رمضان الحقيقي، وفي رمضان هذا ليلة القدر الحقيقية بخواصها الفريدة المميزة من حيث الأهمية العظمى واعتدال المناخ، فشهر رمضان شيء، وشهر سبتمبر شيء آخر، ويمكن الاستغناء تماما عن ذكر شهر سبتمبر، فلا حاجة بالتقويم العربي إلى التقويم الميلادي إذا تمَّ ضبط التقويم كما سيتضح في البند التالي.
بافتراض أن هذه السنة مثلا هي سنة (س) طبقًا للتقويم العربي، فالشهر العربي الذي يتضمن الاعتدال الخريفي هو شهر رمضان الحقيقي، فبأخذ البداية الصحيحة المذكورة لشهر رمضان في الاعتبار وباتباع التقويم الصحيح من الآن فصاعدا سيأتي رمضان في توقيته الطبيعي بطريقة تلقائية، وهو الخريف (في نصف الكرة الشمالي)، كما ستأتي أشهر الحج تقريبا في الشهور (نوڤمبر، ديسمبر، يناير) فلا حاجة مطلقا لمعرفة متى بدأ الانحراف عن التقويم والأخذ باللاتقويم.
الأشهر الحرم المتصلة التي يحرم فيها القتال على المسلمين في كل مكان وصيد البر للمحرم في الحجاز تبدأ بشهر ذي القعدة الحقيقي الآتي بعد رمضان الحقيقي، وهي الأشهر العربية: (ذو القعدة، ذو الحجة، محرم)، وهي تعادل تقريبا: (نوڤمبر، ديسمبر، يناير)، وهي نفسها أشهر الحج، فالحج أشهر معلومات، يمكن الحج في أي شهرٍ منهن، وشهر ذي الحجة فيه الحج الأكبر، ويوم الحج الأكبر المشار إليه في سورة التوبة هو يوم عرفة الخاص بشهر ذي الحجة، وفي قوله تعالى "يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ" دليل وبرهان على أنه يوجد أكثر من حج، وأن أكبرها هو حج شهر ذي الحجة، فكلمة " الْأَكْبَرِ" مجرورة، ذلك لأنها صفة للحج، وليست صفة لليوم، وإلا للزم نصبها، فحج شهر ذي الحجة هو الحج الأكبر، فالحج متعدد.
اليوم في القرءان ليس بالضرورة هو اليوم المعروف، بل إنه يمثل الطور أو الفترة الزمنية التي يتم فيها ما هو مضاف إليه، فيوم البعث هو الذي يحدث فيه البعث ويكتمل ويتمّ، ويَوْم الْحِسَاب هو الذي يحدث فيه الحساب ويكتمل ويتمّ، ويَوْم الْفَصْلِ هو الذي يحدث فيه الْفَصْل ويكتمل ويتمّ، ويَوْم الْقِيَامَةِ هو اليوم الذي يقوم الناس فيه لربّ العالمين، ويوم الحج هو اليوم الذي يحدث فيه كل الْحجّ ويكتمل ويتمّ ..... الخ، والأيام المذكورة في القرءان هي يَوْم الْقِيَامَةِ، يَوْم الْحِسَاب، يَوْم الدِّين، يَوْم الْوَقْتِ الْمَعْلُوم، يَوْم الْفَتْحِ، يَوْم التَّلاَق، يَوْم الآزِفَةِ، يَوْم الأَحْزَاب، يَوْم التَّنَاد، يَوْم الْجَمْعِ، يَوْم الْفَصْلِ، يَوْم الْوَعِيد، يَوْم الْخُلُود، يَوْم الْخُرُوج، يَوْم الْجُمُعَةِ، يَوْم التَّغَابُنِ، يَوْم الْفُرْقَانِ، يَوْم الْحَجِّ الأَكْبَرِ، يَوْم الْحَسْرَةِ، يَوْم الزِّينَةِ، يَوْم الظُّلَّةِ، يَوْم الْبَعْثِ، فكل الأيام منسوبة أو مضافة إلى ما يحدث فيها، وأيام العرب معلومة، ويطلق لفظ أيام العرب على الوقائع الحربية التي دارت بين القبائل العربية، أو بين القبائل العربية وما جاورها من الدول، فكل واقعة اسمها يوم من أيام العرب، رغم أنه كان من الممكن أن تستغرق عدة أيام من الأيام المعلومة، والأيام المعلومة هي المرتبطة بالشعائر المذكورة في القرءان، فاليوم في القرءان يُضاف إلى ما يحدث فيه أو يتميز به، ويتعين به، وعلى سبيل المثال هناك يوم الفرقان، وهو يوم بدر، ويوم أحد، ويوم حنين، ويوم ذي قار.... الخ، وهكذا، وقد ذكر القرءان يومًا مقداره ألف سنة، ويومًا مقداره خمسون ألف سنة، وهناك يوم لكل شعيرة من شعائر الحج المنصوص عليها في القرءان، فأيام الحج تستمد معناها مما يحدث فيها من مناسكه، وقد يكون يوم النحر مثلا يومين أو ثلاثة من الأيام الزمنية، ولكنه بالنسبة لحاج معين هو يوم محدد، فالأيام المعلومات هي أيام الحج المعلومة؛ "التروية، عرفة، النحر" من أشهر الحج المعلومات، وأهمها أو أكبرها هو يوم عرفة، وأيام الحج هي ما ورد منسوبا إلى الرسول، وكان لها أصل في القرءان، فهذه هي المناسك، ويمكن لأولي الأمر اختيارها للناس بما يحقق المصلحة واليسر، فالأيام المعلومات تستمد أسماءها مما يجب فعله فيها.
يجب على من وصله هذا العلم أن يصوم شهر رمضان الحقيقي، المتضمن للاعتدال الخريفي في نصف الأرض الشمالي.
أما رمضان المزيف فكل مسلم مخير بشأنه، والناس عبيد ما ألفوا عليه آباءهم، ويجب أن يأخذوا فرصتهم حتى يفيقوا من الظلمات التي أغرقتهم على مدى القرون، فلا يحق لأحد إحداث فتنة بسبب هذه المسألة! الدعوة إلى الحقّ تكون بوسائل سلمية راقية: الحكمة، الموعظة الحسنة، الجدال بالتي هي أحسن، الأسوة الحسنة، فلا يجوز أن يعيش الناس في صراع دائم بسبب هذه الأمور، ولا إكراه في أي أمرٍ ديني، فإلى أن يتم تصحيح الوضع لا حرج من الالتزام بالصيام أيضًا مع الناس، فمراعاة وحدة الأمة هي على درجة عالية من الأهمية، فركن وحدة الأمة هو ثاني الأركان الملزمة لجماعة المسلمين بعد ركن وحدة الدين، فله التقدم على الأمور الأخرى، ومنها ركن صيام رمضان، الذي هو ركن فردي، والمقصود بوحدة الأمة هو اتفاق جماعة المسلمين في البلد الواحد، وليس وحدة كل المسلمين في كل العالم، ولا يجوز الإصرار على ما سيؤدي لا محالة إلى شقاق وفتنة، أما المسلم الذي يعيش منفردا في بلد بعيد مثلا وكان على علم بذلك الأمر فعليه أن يلتزم بما هو حق، وكذلك يمكن لطوائف المسلمين المنعزلة في البلدان البعيدة الاتفاق على العمل بما هو حق، وأولى الناس بالعمل بالتقويم الصحيح هم بالطبع من يعيشون في أقصى الشمال أو في أقصى الجنوب من الكرة الأرضية، ومن الممكن للمسلم بالطبع الإكثار من الصيام والنوافل في رمضان الحقيقي.
*******
أمور هامة خاصَّة بالتقويم
كان العرب يضيفون شهر تقويم عندما تتأخر بداية الربيع إلى شهر ربيع الآخر بدلا من ربيع الأول، أو يتأخر نضج الشعير شهرا، ولم يثبت أنهم كانوا يضيفونه بالضرورة وفق قانون ثابت، ومكان إضافته لا جدوى من محاولة معرفتها الآن، ولكنها لا تهم للأسباب الآتية:
الذي كان يهم العرب هو إصلاح الخلل في الأشهر العربية لكيلا تدور مع الفصول المناخية، بمعنى أن تظل لأسماء الأشهر معانيها، وأن يكون للتقويم فوائده، وكانوا يعرفون الخلل عندما تتأخر بداية الربيع شهرًا، أي من ربيع الأول إلى ربيع الآخر، أو يتأخر نضج وجماد حبوب الشعير من جمادى الأولى إلى جمادى الآخرة، فكانوا يضيفون شهر تقويم لإصلاح هذا الخلل.
لم يثبت أنه كان لدى العرب مشروع طويل المدى للحفاظ على التقويم، ولكن وردت آثار تشير إلى وجود صفر أول، مما يدل على أنهم كانوا يضيفون شهر تقويم كلما اقتضت الضرورة ملتصقًا بشهر صفر المعلوم.
لا يوجد أي دليل على أن العرب عرفوا شيئا عن الدورة الميتونية، ولكن تحري أن يتضمن أي شهر ظاهرة طبيعية أو فلكية يعبر عنها اسمه يؤدي تلقائيا إلى عمل التقويم وفق هذه الدورة.
لم يكن عدد الشهور في السنة ثابتًا عندهم بسبب استعمالهم للنسيء، فكان عدد أشهر السنة يتجاوز أحيانًا الرقم 12، وذلك لحرصهم في الوقت ذاته على ثبات عدد الأشهر الحرم، وذلك ما ندد القرءان به، ونهى عنه.
المهم الآن هو تحديد بدء شهر رمضان، ومنه يمكن تحديد بدء أشهر الحج، وطالما أن الربيع مرتبط بالاعتدال الربيعي، وطالما أن رمضان يأتي بعده بستة أشهر، فمن البديهي أن يرتبط رمضان بالاعتدال الخريفي (في نصف الأرض الشمالي بالطبع).
كذلك لابد من ارتباط رمضان بظاهرة طبيعية لتضمنه ليلة القدر الثابتة، هذه الظاهرة هي الاعتدال الخريفي، ولما كان رمضان شهرًا قمريا، فهو لا يمكن أن يبدأ أو ينتهي بالضرورة بالاعتدال الخريفي، إذًا فهو يتميز بأنه يتضمنه.
تأخر الاعتدال الربيعي حوالي شهر بالنسبة للأشهر العربية يعني تأخر الاعتدال الخريفي بنفس المدة.
إضافة شهر التقويم لضمان احتواء شهر رمضان على الاعتدال الخريفي تكون قبل رمضان التالي.
لا وجود للسنة القمرية، فالتتابع المكون من 12 أو 13 أو 14 شهرا قمريا لا يعني أبدا سنة ولا حولا، ولا توجد أي ظاهرة طبيعية تناظر ذلك، والأمر الذي كان أكثر إلحاحا لدى العرب هو ضبط الأشهر مع الفصول المناخية لتنظيم أمور حياتهم، ولذلك وبالإضافة إلى تلاعبهم بالأشهر الحرم المسمَّى بالنسيء كان عدد الأشهر في السنة الافتراضية يختلف عن 12 شهرا، وإلزام القرءان لهم بأن يكون عدد الشهور 12 شهرا يعني أن السنة شمسية، فهذا هو عدد الشهور القمرية الطبيعية الصحيح في السنة الشمسية، لا يزيد، ولا ينقص، هذا فضلا عن أن السنة الشمسية هي التي ينطبق عليها مفهوم الدورية (المعبر عنه بالحول والاستدارة).
لكون أكثرهم من أهل البادية، ولعدم وجود أسس حضارية راسخة قبل الإسلام كانت بداية التأريخ تتغير وفق الأحداث التي يرون أنها الأهم، وكان آخر تعديل أن جعلوا التأريخ يبدأ بالسنة التي حدثت فيها الهجرة، والتأريخ لا يؤثر بالطبع في طبيعة السنة.
شهر رمضان يجب أن يتضمن الاعتدال الخريفي المرتبط بالسنة الشمسية، ونتيجة لانزياح الأشهر القمرية، ولكون 12 شهرا عربيا أقل من السنة الشمسية بالفارق المعلوم، وهو حوالي 11 يومًا، فإن الاعتدال الخريفي الذي يحدث مثلا يوم 22 أو 23 سبتمبر سيتأخر بمقدار الفارق المعلوم من سنة لأخرى، وهذا بمعنى أن شهر رمضان في التقويم غير المقوم يأتي مبكرا بنفس المقدار بالنسبة للاعتدال الخريفي وعندما يتبين أنه في السنة التالية لن يتضمن شهر رمضان الاعتدال الخريفي، أي سينتهي قبله، يتم إضافة شهر التقويم قبل شهر رمضان، ولا يلزم معرفة مكان إضافة شهر التقويم.
ثبت من الحسابات أن توقيتات إضافة شهر التقويم تتم وفق تتابع دوري هو (3، 2، 3 ،3، 3، 2، 3)، ولكونها دورية فإن رقم البداية من هذه الأرقام يتحدد بسنة البدء، فيمكن أن يكون التتابع (3، 3، 2، 3 ،3، 3، 2)، وأساس ذلك هو الاتساق التلقائي مع الدورة الميتونية الطبيعية عند تحري ثبات ظاهرة فلكية بالنسبة للشهر القمري.
أما السنة الطبيعية فهي شمسية، ويمكن الأخذ بالتقويم الگريگوري بلا مشاكل.
لكل ما تقدم يتبين أنه لا حاجة إلى محاولة البحث عن بداية للتقويم، ولا مشكلة في اختيار السنة الشمسية المستعملة الآن، فهي السنة التي تحقق الحفاظ على ثبات الأشهر بالنسبة للفصول المناخية، ويكون رمضان هو الشهر القمري العربي الذي يتضمن الاعتدال الخريفي في نصف الأرض الشمالي.
التوقيت الطبيعي لإضافة شهر التقويم هو في بداية السنة التي لن يتضمن شهر رمضان فيها، وفقًا للحسابات، الاعتدال الخريفي.
بمعرفة بداية شهر رمضان، يمكن حساب بدايات أشهر الحج، وهي ذو القعدة، ذو الحجة، محرم، وهي أيضًا الأشهر الحرم المتصلة.
فطريقتنا قائمة على أن شهر رمضان هو الشهر الذي يتضمن الاعتدال الخريفي، وأنه يجب إضافة شهر التقويم كلما تبين أن شهر رمضان التالي سينتهي قبله، وبذلك يرتبط شهر رمضان بالشهر التاسع الشمسي طبقًا للتقويم الگريگوري لكونه الشهر الذي يتضمن الاعتدال الخريفي، وليس لتطابق رقمي الشهرين، فمن المعلوم أنه يمكن اعتبار أي شهر في السنة الشمسية هو الشهر الأول، وأن بدايتها أصلا كانت ما يُسمَّى بشهر مارس، وكلمة سبتمبر ذاتها تشير إلى أنه الشهر السابع، وليس التاسع.
فبداية شهر رمضان يجب أن تكون بحيث يتضمن الاعتدال الخريفي في نصف الأرض الشمالي، ولذلك تكون في أكثر الأحيان في شهر 9 الميلادي المعلوم، ونتيجة لانزياح الأشهر القمرية، ولكون 12 شهرا عربيا أقل من السنة الشمسية بالفارق المعلوم، وهو حوالي 11 يومًا، فإن الاعتدال الخريفي الذي يحدث مثلا يوم 22 أو 23 سبتمبر سيتأخر بمقدار الفارق المعلوم من سنة لأخرى، وعندما يتبين أنه في السنة التالية لن يتضمن شهر رمضان الاعتدال الخريفي، أي سينتهي قبله، يتم إضافة شهر التقويم قبل شهر رمضان، ولا يلزم معرفة مكان إضافة شهر التقويم، أما السنة فهي شمسية، ويمكن الأخذ بالتقويم الگريگوري بلا مشاكل.
*******
1
عدد المنشورات : ٦٥١