top of page

دحض القول بوجود آيات قرآنية منسوخة

أسباب إحداث القول بوجود آيات قرءانية منسوخة

إن إحداث إفك القول بوجود آيات قرءانية منسوخة كان للأسباب الآتية:

1. إعادة صياغة الدين ليضفي الشرعية على الوضع الذي ساد بعد استيلاء أهل البغي والمنقلبين والمنافقين على السلطة.

2. إكساب سلوك ومقاصد السلطة المتغلبة طابعا شرعيا.

3. الجهل بالمنهج القرءاني.

4. الإلقاءات الشيطانية التي كان يتلقاها المستعدون لها.

5. عدم تقبل الأعراب للأمور الدينية والتشريعات التي لا تتفق مع منظومتهم الجاهلية. 

6. دفع الاختلاف الذي توهموه في القرءان.

7. التشكيك في وضع القرءان كمصدر أعلى للتشريع.

8. إفساح مكان هائل للمرويات الموضوعة والمحرفة يتم عن طريقها تحريف الدين، أو بالأحرى إحداث دين يحلّ محلّ الإسلام.

9. إفساح المجال لطبقة كهنوتية تحتكر لنفسها التعامل مع القرءان بحجة انفرادها بعلم الناسخ والمنسوخ المزعوم.

10. رغبة المشتغلين بالأمور الدينية في الظهور والتعالم على بعضهم البعض وعلى الناس.

11. صدّ الناس عن التعامل اللائق مع القرءان الكريم والذي يتضمن إدمان النظر فيه وتدبر آياته واتباعه، وذلك خوفاً من فزاعة الناسخ والمنسوخ، وهكذا صار كل هم الناس تلاوة وتجويد القرءان فقط.

12. صياغة الدين كما يتراءى لسدنة كل مذهب.

13. مؤامرات المنافقين من أهل الكتاب.

14. التخلص من الآيات التي تحض على مكارم الأخلاق والحرص على السلام وتبين الأساليب الشرعية للدعوة، وبذلك أمكن تحليل العدوان وانتهاك حقوق الآخرين، وأصبح الدين أيديولوجية تعطي الشرعية للفتك بالآخرين واستيطان أراضيهم.

15. الجهل باللسان العربي.

16. سيادة الفسق والنفاق واللامبالاة تجاه الدين الحقيقي.

وكان المنسق العام للعمل ضد رسالة القرءان الكريم هو الشيطان الرجيم، وكان آلاته في ذلك هم المؤهلون لتلقي إلقاءاته من الطغاة والمجرمين والمتسلطين وتجار الدين.

******* 

إن إجرام الأمويين كان من الأسباب التي قضت مبكرا على خير أمة أخرجت للناس وعلى اليقظة الإسلامية قبل أن تؤتى أكلها وترسخ أقدامها وهو الذي دفع من أعطوا لأنفسهم حق احتكار الدين إلى صياغته بحيث لا يؤدى إلا إلى مجرد الإبقاء على الكيان الشكلي للأمة وعلى الدين المختزل، لذلك صار لزاما على المسلمين الخضوع المطلق لكل من تسلط عليهم وخاصة إذا كان فاجرا مجرما قرشيا يضرب ظهورهم وينهب أموالهم ويسفك دماءهم.

وكذلك ضربوا بمقاصد الدين العظمى عرض الحائط واستبدلوا بالدين الذي جاء ليقوم الناس بالقسط وليكون أمرهم شورى بينهم وليقضى على المجرمين والظالمين والمفسدين في الأرض دينا آخر يرسخ الأوضاع التي جاء الدين الأصلي ليقضى عليها، ولما وجدوا القرءان يقوِّض مزاعمهم وتصرخ آياته ضدهم وتثير الناس عليهم ضخَّموا من أمر المرويات الظنية وبثوا فيها ما يشاؤون وأساؤوا تأويلها لتعطى الشرعية لمذهبهم الزائف وأعملوا سيف النسخ فيما لا يروق لهم من آياته واستخدموا فزاعة الناسخ والمنسوخ التي أحدثوها لاسترهاب الناس وإلزامهم بألا يتدبروا القرءان وبألا يأخذوا إلا بتفسير سدنة المذاهب.

ولما لم يجد الناس أملا للخلاص في المذاهب الرسمية ولم يجدوا فيها مكانا للحب الالهي أو لما يحرك مشاعرهم ووجدانهم من المشاعر الراقية وحب السلام والتسامح فإنهم لجئوا إلى أهل الأديان الأخرى فوجد هؤلاء الفرصة سانحة ليلقوا في الإسلام ما يشاءون، أو نقلوا هم عنهم ما افتقدوه في المذاهب الهزيلة التي حلت محل الإسلام.

******* 

من جرائم منظري المذاهب زعمهم أنه قد أبيح لهم استرقاق النساء والأبناء وقتل أنفس من هُزموا وأقروا بهزيمتهم وجنحوا للسلم من معتنقي الأديان الأخرى، فهؤلاء كذَّبوا بآيات القرءان وبمقاصده العظمى وقدموا صورة سيئة للإسلام والمسلمين، ولقد دفعت الأمة الثمن غاليا بسبب تحريفهم وقولهم بنسخ الحكم القرءاني: {فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء}، ذلك لأن الإسلام في سبيل محاربته لاستعباد الناس أعلن أنه (لا إله إلا الله) وأن الله هو رب العالمين وأن الناس أجمعين قد خلقوا من نفس النوع وجعل من فك الرقاب وعتق الأسرى والعبيد والإحسان إليهم أعظم القربات ومن كفارات الذنوب وعمد إلى تجفيف منابع الرق، ولا يجوز القياس على حال قبائل العرب والأعراب، ذلك لأن قوم كل رسول لا بد لهم من الإسلام له وإلا فلا بد من القضاء عليهم إما بسنة كونية أو بأيدي المؤمنين، وهذا ما بينته بكل جلاء سورة التوبة وإن فتحت لهم أبواب الرحمة بالإمهال، فالآيات الأولى من تلك السورة تبين طرق التعامل مع قوم الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ في الحجاز، فهي لا تشكل كما يظن البعض أحكامًا نهائية أو أحكاما ناسخة لكل ما سبقها.

وقال سدنة الدين الأعرابي الأموي الدموي إن استرقاق النساء والأطفال هو الحل الأمثل بعد القضاء على الرجال من الكفار، ولكن من قال لهم ذلك؟ إنه كانت توجد حلول كثيرة ممكنة ويمكن أن تتسق مع مقاصد الدين العظمى والتي تقتضي تكريم الإنسان، ولقد كان من العار على تلك الأمة الظالمة للإسلام والتي لا هم لها إلا صد الناس عنه أن يسبقها أهل الغرب إلى منع وتجريم الرق.

واتساقا مع نظرتهم الأعرابية فإنهم زعموا أن المرأة كلها عورة بينما قالوا إن عورة الأمة هي ما بين صدرها إلى ركبتيها، وهذا من العجب العجاب أن يكون للوضع الاجتماعي دخل في تحديد العورة، إن عورة المرأة تتضمن السوءتين فقط أما باقي جسمها فيلزم إدناء الجلباب عليه من باب آخر كما يلزمها عدم محاولة لفت نظر الناس إليه، فزينتها هي تفاصيل جسمها وأعضائها، فالمطلوب من المرأة تجنب محاولة إبراز مفاتن الجسم عن طريق الحركة أو عن طريق الزي.

******* 

ولقد كرَّس استئثار معاوية وحزبه بالأمر انهيار هيمنة منظومة القيم الاسلامية على قلوب الناس وبدأ تصدع بنيان خير أمة أخرجت للناس حتى أجهز عليها يزيد اللعين وولاته، وبقيت جماعات من المسلمين تمارس الدين على المستوي الفردي وتركز على الشعائر التعبدية المحضة، فانحل الكثير من عرى الإسلام واستمر التدهور العام والذي في ظله تم اختزال الدين واختفاء الأركان الخاصة بالأمة والملزمة لها وولدت صياغة مختزلة ومحرفة للدين.

ولقد استلزم ذلك تجاهل معظم الجوانب الإيجابية من الدين وتحريف كثير من المصطلحات والتصورات والمفاهيم وكذلك استلزم الأمر تحريف ما كان متداولا من المرويات الشفهية، وفي ظل سلطة لا مبالية بل متواطئة تم وضع الآلاف المؤلفة من المرويات على أيدي المنافقين والذين كفروا من أهل الكتاب ممن أسلموا ليخربوا الدين وليمزقوا الأمة، ولقد استغل هؤلاء الجهل العام الذي كان سائدا ليرتعوا كما يشاؤون، وهكذا تم وضع المرويات التي تنال من قدر النبي نفسه وتهون من شأنه لحساب كل من هم من دونه من أنبياء بني إسرائيل أو من تلامذته، وكذلك المرويات التي تضخم من أمر جانبه البشري على حساب جانبه الديني والروحاني والتي تصوره زعيما قبليا يسعى إلى تأسيس مملكة لحساب قبيلته ويعمل على تكريس سيادتها على العالمين إلى يوم الدين.

وكذلك اتخذ المنافقون كل ما يلزم للحيلولة بين الناس وبين كتاب الله، ولقد كان من أمضي الأسلحة التي استحدثوها فزاعة الناسخ والمنسوخ ووضع ما يلزم من الآثار التي تلزم الناس بألا يتدبروا القرءان بحيث يحتفظ سدنة المذاهب لأنفسهم ولعملائهم من الجهلة بحق تفسيره، ولقد كان القول بالنسخ من أمضي الأسلحة التي ابتدعوها وأعملوها في الكتاب العزيز لإلغاء مفعول كافة الآيات التي يمكن أن تقوض مساعيهم، ولحساب المتسلطين على الأمور نسخوا الآيات التي تبين السبل الشرعية للدعوة وجعلوا السيف هو وسيلة التعامل الوحيدة مع الشعوب المجاورة والتي كان يكفي لاجتذابها إلى الإسلام بعض الدعاة المحتسبين وبعض المساعدات المالية من خزائن السلاطين المتخمة بالأموال، وبسبب ذلك أيضا صار وجود دول السلاطين هو الضمان لاستمرار تجارة الرقيق وازدهارها إذ كانوا في حاجة ماسة إلى الولدان لإعدادهم ليكونوا كلاب حراسة للسلاطين ضد أعدي أعدائهم وهم شعوبهم التي ابتليت بهم، وكذلك كانوا في حاجة ماسة إلى الجواري الحسان لمحاولة إشباع سعارهم الجنسي الذي لم تشهد البشرية له مثيلا.

******* 

1

bottom of page