كتب أ.د. حسني المتعافي
مقدمة كتاب 187 نظرات في مرويات النووي
مقدمة كتاب 187 نظرات في مرويات النووي
كتاب "الأربعون للنووي وتتمَّة الخمسين لابن رجب" يتضمن 42 مروية منتقاة، أكملها ابن رجب إلى خمسين مروية.
وهذا الكتاب يقدم نظرات في هذه المرويات.
وبداية يجب العلم بأنه لا يجوز التحرج من فحص المروية وإعادة النظر فيها لزعمهم أنها حديث الرسول أو عن الرسول، أو لاستعمالهم عبارة "قال الرسول" فيها، وذلك لما يلي:
1. هذه المرويات هي مجرد أخبار نسبها أتباع أحد المذاهب إلى الرسول، ولا يوجد أي برهان قاطع على أنها من كلامه بالفعل، ولا يمكن أثبات ذلك بأي طريقة قطعية.
2. كل مرويات هذا الكتاب، وكل المرويات بصفة عامة، أخبار آحاد، لا يتحقق بها شرط البلاغ المبين، وذلك على عظم ما تتحدث عنه، وما تلزم الناس به من أمور الدين، هناك، مثلا، مروية يقوم عليها جزء كبير من نظام الميراث، هي خبر واحد، مشكوك فيها من كافة جوانبها.
3. احتمال صحة هذه المرويات، طبقًا لنظرية الاحتمالات، ولما دهم الأمة من كوارث فاجعة وكوارث هائلة قبل تدوينها، صغير، فلا يمكن أن يُعتد بها في أي شأن كبير أو أمرٍ خطير.
4. رغم أن المرويات هي الحاوية للسنة كما يقولون فإن آلهة وأرباب الدين السني لم يعيروها أدنى اهتمام، بل اتخذوا كل ما يلزم لتبديدها ولمحوها محوا.
5. السؤال المحوري الصادع: "لماذا لم يأمر عمر أو عثمان أو معاوية بتشكيل لجنة للتدوين الموثق لسيرة الرسول وأقواله وأفعاله؟" لم يقدم سدنة الدين السني، كإجابات على هذا السؤال إلا كل ما هو هزيل مضحك مبك هزلي.
6. أكثر المرويات منسوبة إلى شخصيات هامشية! لذلك يبرز السؤال الآخر: أين مرويات أكابر أهل القرن الأول؟ ألم يحدث أن تحدث أحدهم يومًا ما في أمور الدين؟ ألم يخطر ببال أحدهم أن يدون شيئا عن الرسول أو عن قصته هو مع الرسول؟ ألم يسألهم أحد المسلمين الجدد يومًا ما عن ذكرياتهم مع الرسول؟ هل كان هؤلاء شخصيات دينية حقيقية؟
7. هذه المرويات لم تدون إلا في القرن الثالث الهجري، وكانت من قبل تراثا شفهيا، فلم يدونها الشهود الحقيقيون الذين رأوا وسمعوا، ما الذي منعهم من تدوينها، أو إملائها على طلاب العلم؟
8. هذه المرويات لم تدون إلا من بعد أن تمزق الدين وتفرقت الأمة وضربتها الفتن الجامحة والكوارث المروعة.
9. هذه المرويات لم تدون إلا في إطار الدين الأعرابي الأموي العباسي، وفي ظل وجود سلطة إجرامية إرهابية، تحكم باسم الدين، هي سلطة العباسيين
10. جامعو المرويات لم يكونوا عربًا من أهل المدينة أو مكة، وإنما عجمًا أتوا من أقاصي الأرض في أزمان متقاربة بطريقة مريبة.
11. جامعو المرويات فحصوها، واستبعدوا أضعاف أضعاف ما استبقوه منها، ولم تأخذهم فيما استبعدوه رأفة أو رحمة، فقد كانوا يعلمون جيدا حالتها.
12. جامعو المرويات فحصوها بناءً على معايير خاصة بهم، وقد طبقوها بأنفسهم، فنتائج أعمالهم هي بالضرورة ظنية احتمالية.
13. لا يوجد أي نصّ ديني يبشر بظهور جامعي المرويات هؤلاء، ولم يتم تكليفهم بما قاموا به من قيل أي سلطة دينية حقيقية، ولم تتم مراجعة أعمالهم أو اعتمادها بواسطة أي سلطة دينية حقيقية
14. لم يتم عمل مجامع مسكونية لمناقشة ما توصل إليه الجامعون رغم خطورة عملهم، فمن جاؤوا من بعدهم اعتبروا كتبهم حاوية لثلاثة أرباع الدين على الأقل!!!!
15. كان الأصل في مسألة المرويات الوضْع والتحريف، وهذا باعتراف الجامعين وضعف نسبة ما استبقوه إلى ما استبعدوه.
16. لا يمكن أن تسلم مروية، إلا فيما ندر، من تحريف عارض أو متعمد.
17. لم يرو أي راوٍ إلا ما ذكره وفقهه من أي مروية.
18. أوردوا كل المرويات كنصوص مطلقة، بدون أي ذكر لتوقيتها أو للأحوال التي قيلت فيها.
كما يجب العلم بما يلي:
1- القرءان الكريم هو المصدر الأوحد لكل أمور الدين الكبرى، وهو المصدر الأعلى لأموره الثانوية، وميزان الأمور هو من أمور الدين الكبرى، فمصدره الأوحد هو القرءان.
2- الغيب من الأمور الكبرى، لذلك فالقرءان الكريم هو المصدر الأوحد لما يجب الإيمان به من أمور الغيب، ما مضى منه، وما هو آت.
3- لا يجوز في شأن المرويات إطلاق أحكام عامة مثل: "كل المرويات باطلة، وهي مجرد تراث، ويجب تجاهلها كلها"، أو "المرويات وحي ثان، وهي مكافئة للوحي الأول، ويمكنها أن تنسخ آياته".
4- يجب النظر في كل مروية على حدة، وفحصها على هدي من دين الحق القرءاني.
***
لكل ما سبق ذكره فمن الواجب إعادة فحص المرويات على ضوء الأسس الراسخة لدين الحق، وقد سبق تقديم المنهج اللازم وبعض نتائجه في كتبنا.
ويأتي هذا الكتاب في هذا الإطار.
*******
لقد جمع الشيخ النووي، بلا شك، مجموعة ممتازة من المرويات، وقد لوحظ أن أكثرها لم يرد في البخاري.
وبفحص هذه المرويات المنتقاة وُجد أن أكثرها له أصول صحيحة مما يعني إمكان اندراجها في البنيان الشامخ لدين الحق.
ولكن هذه المرويات يمكن الاستغناء عنها بالقرءان، ثم تنقسم بعد ذلك إلى قسمين: القسم الأكبر هو ما يجب الإبقاء عليه لأسباب متنوعة، والقسم الثاني لا يلزم فحصها أو الإبقاء عليها، وإنما يجب بيان الآيات القرءانية التي تغني عنها.
وهناك مرويات قليلة تتعارض مع الإسلام أو لا علاقة لها بالإسلام أصلا، أو تقدم معلومات غيبية لم يرد لها ذكر في القرءان، أو تحوم حولها شكوك معينة، فلا يوجد ما يبرر اعتمادها كنصوص دينية.
*******
إن تنزيه الرسول عن المرويات المسيئة والمضادة للدين وقيمه المثلى ومقاصده العليا التي نسبوها إليه هو انتصار له وتعظيم لقدره، ومن الصلاة والتسليم عليه.
*******
1