top of page

الحقائق والشؤون الإلهية والمتشابهات

ضربة قاصمة ضد السلفية المشبهة والمجسمة وأهل التفسير بالمعاني الدارجة

قال تعالى:

{إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10)} الفتح

الآية تؤكد بقوة أن الذين يُبَايِعُونَ النبي إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ، ويترتب على ذلك أن يد النبي التي هي فَوْقَ أَيْدِيهِمْ هي يد الله، فطبقا لقواعد السلفية الأثرية أهل التفسير بالمعاني الحرفية الدارجة يكون النبي هو الله، والآية نص قطعي الدلالة على ذلك!! وهذا ما يقول به المؤمنون بوحدة الوجود من المتصوفة، فمن أصر على أن الآية نص في إثبات اليد بمعنى الجارحة المعلومة لله (بلا كيف) يلزمه القول بأن النبي هو الله سبحانه بلا كيف أيضا!

*******

من العجيب إصرار السلفية على القول بالجهة وعلى الأخذ بالمفهوم المكاني للعلوّ رغم ثبوت نسبية المكان في هذا العصر، ألا يتقي هؤلاء ربهم؟ كيف يصرُّون على تعريض الإسلام لسخرية الناس بإصرارهم على تحريفاتهم التي هي مقتضى جهلهم وتخلفهم؟ إنه يجب إعلان أن دين الحق بريء من أمثال هؤلاء للناس أجمعين، فلا يجوز السماح للشيطان بأن يستخدم نعاله للصد عن سبيل الله، بل يجب التصدي له.

*****

إن السلفية يؤمنون بإله له أجزاء وجوارح وأبعاض مثل الوجه واليدين والأعين والأصابع والساق والجنب والحقو....، وهم يحاولون الزعم بأن هذه الأجزاء ليست مثل التي للمخلوقات أو إنها صفات ذاتية بلا كيف، وهم يكفِّرون من لا يقول بقولهم، ألا ليتهم ينشغلون بتزكية أنفسهم عن التطاول على ربهم وعلى من هم خير منهم.

*****

ما هي الفائدة من إصرار السلفية والأثرية على الزعم بأنه لابد من إجراء إضافة الأعضاء إلى الله على ظاهرها مثل الزعم بأن له سبحانه يدا بالمفهوم الظاهر الدارج مع تحفظ لا يعنى شيئا مثل القول بأنها غير معلومة أو أنها ليست كيد الإنسان أو إنها كما يليق به؟ إن هذا الكتاب إنما أنزل لينتفع به الناس ويكون لكل خبر ورد فيه أو لكل أمر فائدة مباشرة في حياة الناس على مستوى ما من المستويات، فلابد إذاً من أن تكون الآيات التي وردت فيها مثل هذه الألفاظ ذات دلالات تنفع الناس وتكون ذات أثر في حياتهم، ذلك لأن الكتاب إنما أنزل ليدَّبر الناس آياته لا لكي يلقوه وراء ظهورهم أو لكي يعرضوا عنه بأية حجة من الحجج.

ولقد قال السلفية إن له سبحانه وجهًا ويدا وعينا وساقا بالمعاني البدائية الدارجة وتوقفوا عن إثبات الجسم فلم يقطعوا بنفي أو إثبات وإن كانوا أميل إلى الإثبات، بل إن هذا هو ما يقتضيه مذهبهم، ولقد قال تعالى:

{وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }القصص88

فكأنهم بتفسيرهم يريدون إثبات الفناء لكل ما نسبوه إليه إلا الوجه، أما المرويات التي زعموا أنهم يستندون إليها مثل (حتى يضع الجبار قدمه فيها….)، فكأنهم يريدون أن يجعلوا بتأويلهم قدمه أو رجله في جهنم فسبحان الله رب العرش عما يصفون.

*****

إن بعض السلفية يريدون إيهام الناس بأن معنى استوى على العرش أنه جلس على العرش الجلوس المعلوم، واستقر الاستقرار المعلوم، ولكن بلا كيف، هذا مع قولهم بأن العرش مخلوق!!! وهم يستبطنون القول بأن لهذا العرش بنيان مادي فوق الطابق السابع من بنيان ضخم، وهم يزعمون أنه لا يوجد ما ينفي أن لله سبحانه جسما متجاهلين قوله تعالى:

{...لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)} الشورى،

وقد كانوا لا يتصورون إمكانية وجود كيانات بلا أجسام مادية وذلك لشدة بداوتهم وتخلفهم.

*****

زعم السلفية أن السلف قد أجمعوا على أن ما يسمونه بصفات الله الخبرية الواردة في الكتاب و(السنة) على الحقيقة لا على المجاز، وهم يقصدون بالصفات الخبرية اليد والعين والساق والإصبع والأعين والجنب والحقو.....، والحق هو أن القرءان قد ذكر لله أسماءً وشئونا وأفعالاً ونزه الله نفسه فيه مطلقاً عما يصفون، فلا يجوز تقييده بالتصورات العامية الدارجة للناس، ويجب العلم بأن القرءان قد أُنزل بلسان عربي مبين، ولا تستعمل أسماء الجوارح كصفات في اللسان العربي، ولا يجوز تصور أن الكيان الإلهي مزود بجوارح كجوارح البشر، ولا يجدي بعد إثبات ما يسمونه بالمعاني الظاهرة القول بأن ذلك بلا كيف، بل إنه لا يجوز استعمال اللفظ "كيف" في هذا المجال، ولا يجوز أيضا القول مثلاً بأن الاستواء معلوم والكيف مجهول، فهم لا يعلمون إلا الاستواء المنسوب إلى المخلوقات، والله سبحانه منزه عن هذا الاستواء المعلوم تنزيها ذاتيا مطلقا، إنه لا يجوز الالتفات إلى مزاعم السلفية الذين غرهم في دينهم ما كانوا يفترون، إن أساس العقيدة السلفية لباطل ولا صحة لما بني على باطل، أما دعوى إجماع السلف على ما ذكره السلفية فهي الكذب الصراح كسائر دعاوى الإجماع الأخرى.

ويجب العلم بأن كل اسم يشير إلى سمة من السمات التي هي من لوازم حقيقة الإله، فالقول بأن لله أسماءً يتضمن القول بأن له سمات، والسمة هي أمر ذاتي فلا حاجة بها إلى واصف، أما الصفات فهي من آثار السمات ولكنها ليست عينها، ولكل ذلك يجب إثبات الحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والحكمة.... لله تعالى، فالكيان الإلهي كيان حقيقي حي فعال ومتسم اتساماً ذاتياً بما لا حصر له من سمات الكمال.

*****

قال السلفية إنَّ اليد والوجه والعين والقدم....هي صفات إلهية لازمة، والحق هو أنها لا تصلح  كصفات لله تعالى، فلا يوجد من الأسماء الحسنى ولا من غيرها ما يشير إليها، ولقد سمى الله نفسه بأسماء مثل (ذو الفضل، ذو الجلال والإكرام، ذو الرحمة)، ولم يسمِّ نفسه بذي الأيدي مثلا، ومن الناحية اللغوية: فالاسم اللغوي لابد أن يكون مشتقا من سمة يعبر عنها لغويا اسم المعنى أو أن يتضمن اسم المعنى هذا بطريقة صريحة، أما أسماء المعاني الجامدة فهي بحكم طبيعتها لا تصلح كصفاتٍ أو سماتٍ لله، ذلك لأن القرءان كتاب عربي مبين، والعربية لا تستعمل أسماء الجوارح كصفات إلا نادرا وعلى سبيل المبالغة، فقد يوصف أحد الناس بأنه أذن للإشارة إلى كثرة إصغائه واستماعه إلى كلام الناس؛ أي إنه يسمع كل قيل ويقبله، ولم يصف الله في الكتاب نفسه بأنه يد أو عين أو وجه وإنما أضيفت إلى اسمه هذه الألفاظ في عبارات لغوية بلاغية معلوم معناها لدى العرب، وهي في كل الأحوال لا يقصد بها إثبات أن للكائن جارحة ما.

*****

يقول السلفية إن من أسس مذهبهم تقديم النقل على العقل، فما هو المقصود من هذه العبارة، وهل مثل تلك العبارة تصلح للدعوة إلى سبيل الله؟ وهل تصلح لمعالجة شكوك أو شبهات يمكن أن تعتري أي إنسان؟ ولماذا هذا العداء غير المبرر للعقل؟ ومن العجيب أن تصدر مثل هذه الأقوال عمَّن ينتسبون إلى الدين الوحيد الذي أعلى من شأن العقل في نصوص قطعية الدلالة وجعل من أركانه إعماله في آيات الله الكتابية والكونية.

ومن المخالفات المنطقية الجسيمة أن يقرن في نظم واحد أو معادلة واحدة بين أمرين مختلفين تماما، أما العقل فهو أداة الإنسان لفقه واستيعاب وتمحيص النصوص والآثار التي يسمونها بالنقل، فليس ثمة ما يستدعي افتعال معركة أو منافسة بين الأمرين، ولذلك لا معنى للعبارة المضادة، وهي تقديم العقل على النقل، يجب على كل فريق دائما التحديد الدقيق لما يقصده بكلٍّ من العقل والنقل.

*****

يزعم السلفية أنهم يثبتون لله ما أثبته الله لنفسه، ولكن من أدراهم بما أثبته الله لنفسه، إنه ليس ثمة إلا العبارات القرءانية، فهي المصدر الأعلى الذي يسلم به الجميع للعقيدة، فما الذي أثبته الله لنفسه فيها؟ إن كل الآيات التي أوردت شيئا من الشئون الإلهية هي آيات متشابهات، ذلك لأنها تشير إلى أمور فوق متناول لغة الإنسان وتصوراته ومفاهيمه، فهل يستطيعون الحكم على العبارة بأنها نص محكم أم إنها من المجمل أم من الظاهر؟ وبافتراض أن تلك الآيات هي نصوص محكمة، فهل سيأخذون بمنطوق النص أم بمقتضاه أم بفحواه؟ إنهم بالطبع لن يأخذوا إلا بما فقهوه هم منه، وهم سيجعلون ما أثبته لنفسه هو ما فقهوه هم من العبارات القرءانية، ولذلك ظنوا أن إضافة اليد إليه يعني أن له عضوا أو شيئا ما اسمه اليد بغض النظر عن الأسلوب أو السياق الذي أضيفت إليه اليد فيه، وذلك ظنهم الذي ظنوا بربهم أرداهم فأصبحوا خاسرين، وهم من بعد أن يثبتوا له الجارحة بقولهم بأن العبارة على معناها المعلوم فإنهم يقولون إن ذلك بلا كيف أو يقولون بأن اليد صفة خبرية ذاتية لازمة، إنه لا يجوز لأناس ذوي تفكير بدائي صبياني أن يفرضوا فقههم على الناس أجمعين فضلا عن أن يحاكموهم إليه ويستبيحون دماءهم بسببه.

ومن أين للسلفية بكلمة صفات التي لم ينسبها الله إلى نفسه أبدًا بل نزه نفسه عنها، قال تعالى:

{وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ}الأنعام100،  {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ}الأنبياء22، {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ }المؤمنون91، {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ}الصافات159، {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ }الصافات180، {سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} الزخرف82

وإنما أضاف إلى نفسه الأسماء، فمن الأولى أن تضاف إليه سمات وليس صفات أو أوصاف.

أما المعتزلة والأشاعرة فيأخذون بالمعاني المشهورة التي تشير إليها العبارات اللغوية البلاغية العربية المعلومة ومنها المجاز المشهور وينزهون ربهم عن أن تكون له جوارح أو أعضاء بأي صورة من الصور. 

*****

قال السلفية في الصفات: "وإنما مذهب السلف هو الإيمان بكل ما ورد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من صفات الله عز وجل من غير تمثيل ولا تأويل مع تفويض (كيفية) الصفة لا (معناها)؛ لأن معنى الصفة معلوم أما كيفيتها فعلمه عند الله"، وهذا ادعاء على السلف بلا دليل، أما أهل السنة من الأشاعرة فقالوا إن مذهب السلف هو التأويل أو التفويض، والسلفية يجعلون من الصفات أمورا مثل الاستواء والنزول والضحك واليد والوجه والساق والقدم والإصبع.....الخ ويقولون إن معانيها معلومة أما كيفيتها فمجهولة، والحق هو أنه لا معنى للصفة بل لا معنى للعين إلا بعد إضافتها إلى المتصف بها، ولقد وردت "اليدان" و"الأيدي" في آياتٍ منها:

{فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (66)} البقرة، وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (95)} البقرة، قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (97)} البقرة، {.... يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ .... (255)} البقرة، نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (3)} آل عمران، ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (182) آل عمران، وَقَفَّيْنَا عَلَى آَثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآَتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (46)} المائدة، {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ... (48)} المائدة، {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57)} المائدة   

ومن الجليّ الواضح أن "اليدين" و"الأيدي" ليس لهما نفس معنى أيدي الناس، بل إنهما داخلان في تراكيب لغوية معلوم معناها لدى أي عربي، ولا يمكن أبدا القول بأن هذه الآيات وردت لإثبات جارحة اليد للريح أو الكتاب أو القرية!

ولا يجوز استعمال أسماء الجوارح والأعضاء كصفات بأي حال من الأحوال وإنما يجب إدراك معنى العبارة اللغوية ككل واحد، وكذلك الأمر بخصوص الأفعال كالاستواء والنزول...، ولا يجوز بحال تحويل الفعل إلى صفة أو اسم، أما تلك الكيفية التي لا يملون من التشدق بها وتكرارها فلا يجوز نسبتها بحال إلى الله وإنما يجب تنزيهه عنها.

*****

لما كان مجموع كل ما سوى الله هو العدم أو الصفر المطلق كان لابد أن يكون في مقابل كل نبي عَدُوّ من شَيَاطِينَ الإنْسِ وَالْجِنِّ، قال تعالى:

{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} الأنعام112،

وكان لابد أن يقابل كل مجموعة من المسلمين مجموعة كبيرة من المجرمين وأن يقابل المتقين عدد كاف من الفجار.

*****

جاء في صحيح مسلم:

19 - (2786) حدثنا أحمد بن عبدالله بن يونس. حدثنا فضيل (يعني ابن عياض) عن منصور، عن إبراهيم، عن عبيد الله السلماني، عن عبد الله بن مسعود قال:

 جاء حبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد! أو يا أبا القاسم! إن الله تعالى يمسك السماوات يوم القيامة على إصبع. والأرضين على إصبع. والجبال والشجر على إصبع. والماء والثرى على إصبع. وسائر الخلق على إصبع. ثم يهزهن فيقول: أنا الملك. أنا الملك. فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجبا مما قال الحبر. تصديقا له. ثم قرأ:

{وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه، سبحانه وتعالى عما يشركون} [39 /الزمر /67].

20 - (2786) حدثنا عثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم. كلاهما عن جرير، عن منصور، بهذا الإسناد، قال:

 جاء حبر من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. بمثل حديث فضيل. ولم يذكر: ثم يهزهن. وقال: فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه تعجبا لما قال. تصديقا له. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "وما قدروا الله حق قدره" وتلا الآية.

21 - (2786) حدثنا عمر بن حفص بن غياث. حدثنا أبي. حدثنا الأعمش قال: سمعت إبراهيم يقول: سمعت علقمة يقول: قال عبد الله:

 جاء رجل من أهل الكتاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أبا القاسم! إن الله يمسك السماوات على إصبع. والأرضين على إصبع. والشجر والثرى على إصبع. والخلائق على إصبع. ثم يقول: أنا الملك. أنا الملك. قال فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه. ثم قرأ: وما قدروا الله حق قدره.

22 - (2786) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة و أبو كريب. قالا: حدثنا أبو معاوية. ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم وعلي بن خشرم. قالا: أخبرنا عيسى بن يونس. ح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة. حدثنا جرير. كلهم عن الأعمش، بهذا الإسناد. غير أن في حديثهم جميعا: والشجر على إصبع. والثرى على إصبع. وليس في حديث جرير: والخلائق على إصبع. ولكن في حديثه: والجبال على إصبع. وزاد في حديث جرير: تصديقا له تعجبا لما قال.

وعبيد المرويات من السلفية يريدون بمروية كهذه إثبات أن لله أصابع ويسمون الإصبع بالصفة الخبرية!!!!!!!!

ولم يوضح عبيد المرويات ما هو المبهم أو المطلق أو المشكل أو المجمل في القرءان الذي جاءت هذه المروية لتوضحه أو تقيده أو تفصله، أليست هذه هي الوظائف التي ناطوها بالمرويات وجعلوا بها القرءان في أمس الحاجة إليها وجعلوا لها بها الحكم والقضاء على القرءان؟!

كما لم يوضحوا كيف اعتبروا ضحك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ من كلامه تصديقا له؟!

ونسبوا إلى الرسول أنه قال: "إن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن عز وجل يقلبها"، كما نسبوا إليه أنه قال: "هكذا" وأشار بإصبعه، ونسبوا إليه أنه قال: "ما من قلب إلا وهو بين أصبعين من أصابع رب العالمين إذا شاء أن يقيمه أقامه وإذا شاء أن يزيغه أزاغه"، والمقصود من مرويات كهذه حث الناس على تقوى الله وتحذيرهم من الارتكان إلى أعمال صالحة قدموها.

ولقد أثبت السلفية الذين يسمون أنفسهم بأهل السنة لله ما يسمونه بصفة الإصبع استنادا إلى هذه المرويات وزعموا أن ذلك من باب الأخذ بظاهر الحديث ومن باب عدم التعطيل، والحق هو أن إضافة أسماء الجوارح إلى الله لا يعني أنها أجزاء منه ولا يعني أنها صفة له، فاسم الجارحة لا يستعمل كصفة في اللسان العربي، والمروية تشير إلى أن لله التصرف المطلق في قلوب خلقه وتقصد إلى دفع الإنسان للتحلي بمزيد من التقوى.

*****

قال تعالى:

{الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }التوبة67، {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّا} مريم64، {قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى} طه52، {قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى} طه126، {فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} السجدة14، {وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمْ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ}الجاثية34، {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ{50} الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَـذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ{51} الأعراف.

إن هذه الآيات حجة على السلفية المنكرين للمجاز والقائلين بوجوب الأخذ بالمعاني الحرفية التي وضعت لها الألفاظ أو المعاني الدارجة، أما إصرارهم على قولهم فيترتب عليه التسليم بوجود اختلاف في القرءان، ومن المعلوم أن من علامات كون القرءان من عند الله أنه لا اختلاف فيه.

ولقد زعم السلفية أن معاني مثل هذه الآيات ثابتة ومعلومة وهي على ظاهرها وإنما المجهول هو الكيفية، وهم بذلك يقولون أن ثمة اختلافا في آيات مثل الآيات المذكورة، فالآيات السابقة تقوض أركان المذهب السلفي، وبالنظر في الآيات في إطارها القرءاني على أن يؤخذ في الاعتبار أن القرءان هو كتاب عربي مبين يستطيع المسلم أن يفقه المراد منها، فالأمر الثابت المحكم هو أن الله سبحانه لا ينسى، أما الآيات التي تضيف أفعال النسيان إليه فهي تستعمل أساليب عربية لبيان بعض أفعاله المترتبة على بعض الأفعال الاختيارية لفئات من الناس بينتها الآيات؛ ومنهم من نسوا الله ومن نسي آياته ومن نسي اليوم الآخر، والنسيان من هؤلاء الضالين هو كفرهم بما ذُكِر أو تجاهلهم التام له، فيترتب على ذلك أن يعاملهم ربهم بمثل ما اختاروه لأنفسهم فيتركهم أحقاباً في العالم الذي استحقوا أن يكونوا فيه بأعمالهم ومتصفين بالصفات التي أردتهم والتي كانت تحلو لهم.

*****

إن السلفية يثبتون الاستواء على المعنى الحسي الدارج المعهود والمألوف ثم ينفون عنه الكيف، والحق هو أن الله تعالى منزه عن كل التصورات والظنون والأوهام والكمية والكيفية والمثل والشبيه، ولا يجوز تعريف الاستواء بمعزل عن التركيب اللغوي أو السياق الذي ورد فيه؛ فالاستواء على العرش هو أمر واحد مفسر بكل الآيات التي ورد في سياقها، وهو يختلف مثلًا عن الاستواء إلى السماء.

*****

1

bottom of page