top of page

منظومة القيم الإسلامية

عباد الرحمن

عباد الرحمن


عباد الرحمن هم أشد الناس احتفالا بآيات ربهم، فهم يحاولون بكل ملكاتهم وبكل قوى وجودهم إدامة النظر فيها وتدبرها واكتشاف القوانين والسنن المسيرة لها لا انشغالا بها عنه بل لأنها آثار أفعاله ومظاهر تجلياته ومقتضيات أسمائه، فهم يطالعون فيها أسماءه وسماته أي يطالعون كل تفاصيل ومقتضيات الاسم الرحمن، فعباد الرحمن هم الذين إذا ذُكِّروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا، ولذا فأعداؤهم هم الجهلة الذين أهملوا ملكاتهم، أما عباد الرحمن فهم يعرفون أن ما لديهم من ملكات وحواس هو من مقتضيات أسماء ربهم ومن مظاهر فضله وكماله، لذلك فهم حريصون عليها، ويعملون على الانتفاع بها وتزكيتها.

ولقد أُمِر عباد الرحمن بالإعراض عن الجهلة لأنه لا جدوى من محاولة إصلاحهم، وليس الجاهل هو من لا يعلم فذلك من الواجب تعليمه، ولكن الجاهل هو من عطل ملكاته الذهنية فلا سبيل الى إصلاحه ولا إلى إعادة برمجته، فالجهل عكس الحلم الذي هو العقل والأناة، والجاهل عكس الحليم من حيث إن الحلم هو العقل أو جماع الملكات الذهنية.

والجاهل ليس له من الإنسان إلا الصورة الظاهرية أما صورته الباطنية فهي صورة أية دابة من الدواب التي يتوافق معها.

وعباد الرحمن يعيشون بين ظهراني الناس فهم الأمة الوسط ولهم الاتزان التام والميزان الرحماني، وهم يتزوجون ويطلبون الذرية التي تقر بها الأعين لأنهم يعلمون أن كل إنسان جديد هو وسيلة من وسائل ظهور تفصيلات جديدة للكمال الرحماني، وهم يقابلون كل تجلٍّ رحماني بالأدب اللائق فيخافون أن يمسهم عذاب من الرحمن ويرجون ثوابه فحياتهم جد وليست بالهزل، وعباد الرحمن هم أئمة المتقين فدعاؤهم الوارد في سورة الفرقان مجاب وهو: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا(74)}، ذلك لأنهم أبعد مدى وأعلى درجة منهم؛ ففي حين يُحشر المتقون من عند المليك المقتدر إلى الرحمن وفدا يوم القيامة فإن عباد الرحمن هم أصلًا عنده، كما أن لهم الغرفة المفردة غير القابلة للتعدد، قال تعالى : {أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا(75)خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا(76)} (الفرقان).

أما المتقون فلهم غرف من فوقها غرف وأعلاها هو تلك الغرفة المفردة: {لَكِنْ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ (20)} (الزمر).

ولما كان للرحمن كل الأسماء الحسنى فإن عباد الرحمن هم الذين عبدوه من حيث كل هذه الأسماء، وذلك بالاستجابة لها كلها، والعمل وفق مقتضياتها، ومداومة ذكرها واستحضار معانيها.

فمن أراد من الناس أن يكون من عباد الرحمن فيجب أن يُحصي هذه الأسماء وأن يعلم ما استطاع من مقتضياتها وأن يعمل وفق هذه المقتضيات.

وكذلك يجب أن يتعلم القرءان التعلم الحقيقي، فيدرك ما استطاع من معانيه وقيمه وسننه، وأن يحيا بمقتضى ذلك.

*******

1

bottom of page