top of page

أمور دين الحق

الطلاق

الطلاق


التعامل بين المسلمين يجب أن يكون بمقتضى الأوامر الشرعية، فذلك ركن ركين من أركان الدين، إن الأوامر الشرعية يجب أن تُبجَّل وأن تحترم وأن يتم الالتزام التام بها.

ومن كبائر الإثم أن يجعل الإنسان ربه عرضة لأيمانه، قال تعالى: {وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ النَّاسِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (224) لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225)} البقرة

والزواج ميثاق غليظ لا لغو فيه، قال تعالى:

{وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (21)} النساء21.

والميثاق الغليظ لم يُذكر في القرءان إلا لوصف أمور بالغة الأهمية والخطورة، قال تعالى:

{وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (154) فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (155)} النساء، {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (7) لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (8)} الأحزاب

ونقض الميثاق الغليظ يترتب عليه بالضرورة عذاب أليم كما حدث مع من عدوا في السبت فجُعلوا قردة خاسئين.

فالميثاق الغليظ هو بمثابة يمين؛ أي قسم يقسم الإنسان أمام ربه أن يفي به وألا ينقضه، وهو مؤاخذ به، وكذلك كل ما يترتب عليه أو يرتبط به من علاقات وعواقب، ولا طلاق في حالة التلفظ به على سبيل المزاح، فالله تعالى لا يؤاخذ الناس باللغو في أيمانهم ولكن بما عقَّدوا الأيمان، قال تعالى: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَـكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ ....} [المائدة:89].

والميثاق الغليظ لا يؤخذ من طفلٍ أو طفلة، كما لا يُعطى لطفلٍ أو طفلة، الميثاق الغليظ يؤخذ ممن آنسوا منه رشدا.

ولما كان النكاح ميثاقًا غليظا فلابد من توثيقه، كما أن كل ما يترتب عليه هو أمر غليظ، وكذلك نقضه بالطلاق هو أمرٌ غليظ، ولذلك يجب التنديد بمسلك رجال دين الأعراب وفقهائهم الذين تعاملوا مع هذا الأمر باستخفاف ورعونة وتهريج لا يليق برجال مسؤولين، ولا يصدر إلا من صبية جهلة عابثين لا يقيمون وزنا لآيات ربهم، وما زالت فضائحهم التي يندى لها الجبين ماثلة في كتب فقههم تصنع من هم أسوأ منهم قرنًا بعد قرن..

لذلك فكل أمور النكاح وما يترتب عليه يجب توثيقها، ومن ذلك الإشهاد فيها، لذلك يجب توثيق الطلاق بالإشهاد فيه:

قال تعالى:

{فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا} [الطلاق:2]

فالأمر بالإشهاد بكل ما يعنيه ذلك ملزم في كل مراحل الطلاق، وعلى أولي الأمر في كل عصرٍ ومصر سنّ ما يلزم من قوانين لتفعيل ذلك.

إنه إذا تعذرت الحياة الزوجية وأصبح أمرا واقعا وظاهرا أنه يترتب على استمرارها الإخلال بحدود الله تعالى؛ أي الإخلال بأوامره ونواهيه يتم البدء في إجراءات الطلاق، والطلاق ليس مجرد كلمة تقال بل هو عملية معقدة، ومنها أنه مرَّتان:

قال تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230) وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231) وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (232)} البقرة

إن الطلاق هو مرتان؛ أي هو عملية مركبة A composite process فيطلق الرجل زوجته التطليقة الأولى؛ أي الطلاق الجزئي (لأنه مرة من مرتين) الذي يمكن العدول عنه، ويتم ذلك بحضور شاهدي عدل، والتطليق يجب أن يكون متبوعا بالالتزام بالعدة:

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لاَ تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق:1]

والعدة مدتها ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاَحا، فالعدة هي أن ينتظرن مدة ثلاث حيضات، وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ من جنين أو دم حيض، ويذكرهن الله تعالى إن مثل هذا الكتمان لا يليق بمن كنَّ يؤمنَّ بالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ، وَلبُعُولَتُهُنَّ الحَقُّ الكامل بِرَدِّهِنَّ في ذلك باتخاذ ما يلزم من إجراءات للحفاظ على الجنين الذي قد تعمد المرأة للتخلص منه، فالرجل الذي كان زوجا وصار بعلا مازالت له حقوق على زوجته السابقة التي شرع في تطليقها ومازالت تقيم معه في نفس البيت، فالطلاق لم يتم بعد لأنه مرتان، ويجب أن يكون المقصد دائما هو الإصلاح لا التعنت ولا الانتقام ولا الإفساد.

وكون الطلاق للعدة يعني أنه بعد التطليقة الجزئية الأولى يبدأ حساب العدة، وأي تلفظ لكلمة طلاق بعد ذلك أو جعل التطليق ثلاثة أو حتى مائة هو لغو لا قيمة له، فبالتطليقة الأولى يبدأ حساب العدة، ولا يُعتد بأي لغوٍ فيها، أما إذا كان المتلفظ يعلم حكم الله تعالى في الأمر فهو يكون من الذين يتخذون آيَاتِ اللّهِ هُزُوًا، فليرتقب عذابا مهينا.

قال تعالى:

{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاَحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيم} [البقرة:228].

فالردّ هو عن كتمان ما في أرحامهن، وليس بقطع العدة المأمور بها في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ}، والكلام هنا عن التطليقة الجزئية الأولى والتي بمقتضاها مازال الرجل بعلا للمطلقة لم يتم طلاقها، وإلا فإنه لا سلطان له عليها، فله سلطة عليها بمقتضى أنه بعلها وليس زوجها، وبموجب ذلك لها الحق في البقاء ببيتها، ولابد من اكتمال العدة، أما بعد اكتمال العدة فهناك احتمالان:

a. الإمساك بمعروف، وبذلك لا يكون الطلاق قد تمّ.

b. التسريح بإحسان مع الإشهاد، والتسريح هو بالتطليقة الجزئية الثانية، وهي المقصودة بالعبارة {فَإِنْ طَلَّقَهَا} في قوله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230)} النساء، وقد ظنوا خطأً أن {فَإِنْ طَلَّقَهَا} تعني تطليقة ثالثة دون أي مبرر، فهذه العبارة لا تمثل إلا الاحتمال أو الاختيار الثاني The second option لما يمكن أن يحدث بعد انقضاء العدة، والاحتمال الأول أو الاختيار الثاني هو الإمساك بمعروف كما سبق القول.

أما بعد هذه التطليقة الثانية فلم يعد يربطه بها أي شيء، فقد سرحها بإحسان وبعد إشهاد الشهود، والتطليقة الثانية بالطبع تكون بعد انقضاء العدة المذكورة، وبذلك لا يوجد خوف من أن يكون في رحمها شيء، ومع ذلك يجب أيضا انقضاء عدة جيدة منعًا لأي شك أو ريبة، فذلك حق لمن سيتزوجها من بعد.

وبالطبع لا معنى للتلفظ بالطلاق ثلاث مرات عند أو بعد التطليقة الأولى، فلابد بعد التطليقة من انقضاء العدة، ولو طلقها لفظيا ألف مرة أثناء العدة لكان ذلك بلا أي معنى.

ولا يجوز إخراج المرأة من البيت الذي كانت تقيم فيه بعد التطليقة الجزئية الأولى، أي قبل إتمام الطلاق، أي بعد الشروع في إجراءاته بالتطليقة الأولى، فهو بيتها بحكم الأمر الواقع، والرجل مازال بعلها، وليس زوجها الذي له عليها حقوق معلومة، وإن كان هذا لا يلغي حق مالك البيت الأصلي.

وفي أثناء العدة لا يجوز للرجل أن يجامع امرأته لأنها طليقة، ولا يجوز له قطع مدة العدة ليجامعها؛ فذلك من باب اتخاذ أحكام الشريعة هزوا، وهو من كبائر الإثم:

قال تعالى:

{وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} البقرة231

وأثناء فترة العدة يمكن عمل ما يمكن من محاولات الإصلاح بين الزوجين لتجنب إتمام الطلاق.

وبعد انتهاء فترة العدة فإما أن يتم الإمساك بمعروف، وإما أن يتم التسريح بإحسان، ومن المعلوم ومما هو ملزمٌ أيضا أن يتم ذلك باستشهاد الشهود، وبذلك يتم الطلاق الموصوف بأنه مرتان، ولا يجوز أن تبقى المرأة في البيت لأنها لم تعد تحل له، ويجب أن يؤدي لها حقها، فهذا هو الطلاق الذي بنفاذه لاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ.

قال تعالى:

{الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230)} البقرة230.

الأمر كالتالي: الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ، فَإِنْ طَلَّقَهَا -أي اختار بعلها أن يسرحها بإحسان، فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، فَإِنْ طَلَّقَهَا هذا الزوج الآخر أو الثاني فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا، أي هي ومن كان زوجها الأول، أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ، فلا ذكر ولا مكان لما يسمونه بالتطليقة الثالثة!

والطلاق قد يكون بسبب طلب من المرأة وليس من الرجل، وفي تلك الحالة تكون الإجراءات كما هي، فيتم الطلاق الأول، ثم تمر فترة العدة دون أن تخرج من بيتها، وفي تلك الحالة لا يكون للزوج الحق في أن يأخذ مما آتاها شيئا، ولا جناح عليها أن تفتدي نفسها بأن تسمح له بالاحتفاظ بشيء مما آتاها طبقا لميثاق الزواج الغليظ، هذا إذا أيقن الجميع أن استمرار الزواج سيؤدي إلى الإخلال بأوامر الدين.

أما بعد وقوع التطليقة الثانية بمحضر من شهود عدول تكون إجراءات الطلاق قد تمت، وفي حالة وقوع هذا الطلاق لا يجوز إمساك المرأة على سبيل العدوان لإيقاع الضرر بها، وبعدها يمكن للمرأة أن تتزوج رجلا آخر، ولا يحق للزوجين أن يتراجعا إلا إذا طلقها الزوج الثاني متبعا نفس الإجراءات المذكورة، ولا يجوز أن يتراجعا إلا إذا كانا على يقين من قدرتهما على الالتزام بالأوامر الإلهية.

وقوله تعالى {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} كان من المفترض أنه يجعل الرجل يفكر ما لا حصر له من المرات من قبل أن يمضي قدمًا في إجراءات الطلاق، فمن المفترض أنه لا يوجد رجل يمكن أن يتقبل ذلك لامرأة هي زوجته التي يكن لها ولو شيئا يسيرا من الودّ، ولكن لمَّا جعل أتباع الديني الأعرابي الأموي من الطلاق أيسر شيءٍ في الدين لم يعد لهذا التهديد أي وزنٍ عندهم، بل أصبح التحايل عليه لعبة هزلية مسلية لهم، ومن بعد ظهور السينما والمسرح صار موضوعا للأفلام والمسرحيات الكوميدية.

وإذا قرر الرجل أن يمسك امرأته فليكن هذا بالمعروف، وعند ذلك يعتبر الطلاق الأول لاغيًا لعدم اكتمال إجراءاته.

ولقد نصَّت الآية على أن الطلاق مرتان، ولكنهم ظنوا أن الشرط "فَإِنْ طَلَّقَهَا" يجعل الطلاق ثلاث مرات دون أن يعلموا أن ظنهم هذا يبطل كون الطلاق مرتين، مما يجعل هناك تعارضا، والحق هو أن {فَإِنْ طَلَّقَهَا} إنما تشير إلى اكتمال عملية التطليق الكلي بتحقق التطليقة الجزئية الثانية؛ أي هو التسريح بإحسان بدلا من الإمساك بمعروف في قوله تعالى: {الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}.

فالطلاق بالفعل عملية مركبة، فهو مكون من طلقتين جزئيتين لكي يكتمل.

ولكن ماذا إن أمسكها ثم عادت المشاكل والخلافات وتعذر استمرارهما معا؟

سيتكرر ما سبق، فإن انتهى الأمر بتسريح بإحسان فحكمه معلوم، وإن انتهي الأمر بالمراجعة ثم عادت المشاكل وطلقها، تتكرر الإجراءات، فإذا تم التسريح فقد أصبحت لاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ.

ولكن ماذا إن لم يسرحها؟ هو الآن قد شرع في الطلاق ثلاث مرات وإن لم يكمله، هذا أمر مسكوت عنه في القرءان، ولكن يجوز لوليّ الأمر المختص النظر في الأمر حتى لا يسمح لأحد بالتلاعب في أمرٍ خطير كهذا تُستحل به الأعراض، فله مثلا أن يضع حدًا أقصى لعدد مرات الشروع في الطلاق، وهذا هو أصل القول بأن الطلاق البائن يتم بعد ثلاثة تطليقات؛ أي إن التطليقة الثالثة هي طلقة بائنة.

فمن شرع في الطلاق ثم لم يكمله بأن اختار الإمساك بمعروف، هو لم يكمل إجراءات الطلاق الشرعي، فإن تكرر منه هذا الأمر مرة ثانية ثم ثالثة تُعتبر هذه طلقة بائنة.

والأوامر الإلهية هي الحدود التي لا يجوز لأيٍّ من الزوجين ولا للناس أن يعتدوها بعد أن بيَّنها الله تعالى لهم.

ولا يجوز لأية سلطة الاعتداء على حق المرأة في أن تتزوج من تشاء بالتراضي والمعروف، ومن تصدّى لذلك هو كمن يتخذ آيات الله هزوا، ويجب على كل من زعم أنه مؤمن بالله واليوم الآخر أن يعظِّم الأوامر الإلهية، ولعلم الله تعالى المسبق بميول وأهواء الناس في المجتمعات الشرقية فإنه توعد بشدة من يحاول تجاوز الحدود فيما يتعلق بحقوق النساء، كما ذكرهم بنعمه العظيمة وأمرهم بأن يتقوه.

قال تعالى بعد أن شرح بعض ما يتعلق بالطلاق وحقوق النساء:

{وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا (8) فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا (9) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آَمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا (10)} الطلاق

فلا يمكن أن تكون بلاد المسلمين مباءة للظلم والإثم والبغي والعدوان على حقوق نصف الأمة، ولكن الأعراب الهمج البدائيين فرضوا عاداتهم وتقاليدهم على الناس باسم الدين!

قال تعالى:

{وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4)} الطلاق

الكلام كله على النساء، ولا ذكر لأطفال فيه، اللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ هن مِنْ النِسَاء، وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ هن مِنْ النِسَاء وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ هن مِنْ النِسَاء، ولكن بعض الأعراب المصابين بالولع بالصغار Pedophileجعلوا "اللَّائِي لَمْ يَحِضْن" تعني الإناث الرضع والطفلات الصغيرات.

فاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ لسْنَ البنات الصغيرات، فهن النساء اللائي لم يحضن لعلة من العلل، وقد يُطلق على الواحدة منهم الضَّهْيَاءُ على وزن فَعْلاء.

أما اللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ النساء فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ، وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ، الآية واضحة تماما، وهي تفسر نفسها، ولا تحتاج إلى أي مزيد من التبيين.

*****

الطلاق بالشكل المتبع الآن لا علاقة له بالطلاق طبقًا للقرءان، هذه هي المشكلة، أما القول بأن مجرد التلفظ على سبيل المزاح بلفظ الطلاق يوقعه فهذا من تهريج الدين الأعرابي الأموي، ولا علاقة له بالقرءان، ولقد قال الله عز وجلَّ إن النكاح ميثاق غليظ أخذته المرأة على زوجها، والميثاق الغليظ لا ينقضه مزاح، ولا طلاق في حالة التلفظ به على سبيل المزاح، فالله تعالى لا يؤاخذ الناس باللغو في أيمانهم ولكن بما عقَّدوا الأيمان.

والطلاق مرتان، تفصل بينهما عدة، يكون الرجل فيها بعلا لزوجته التي تقيم في بيته، له عليها حقّ أن يمنعها من كتمان ما في رحمها، وليس له أن يخرجها إلا إذا أتت بفاحشة مبينة، فإذا بلغت الأجل، فله أن يمسكها وله أن يسرحها بمعروف، ويجب إشهاد ذوي عدل على ذلك، ولاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، هذا الزوج لا يجوز القول بأنه محلل، ولكي يطلقها هو الآخر لابد من اتباع الطريقة المذكورة؛ أي لابد من تطليقة أولى تتبعها عدة تتبعها تطليقة نهائية.

أما من يشرع في الطلاق، فطلَّق التطليقة الجزئية الأولى ثم اختار بعد انقضاء العدة إمساك زوجته، وكرر ذلك ثلاث مرات فتعتبر المرة الثالثة طلقة بائنة طبقا لما قرره الرسول عليهم وألزمهم به.

*****

يمكن الاستغناء عن كثير من كلام (الفقهاء) وأسسهم وأصولهم بإدراك أن الحكم الموزع على آيات يجب تجميعه في عبارة واحدة؛ قد تتضمن مثلا تقييدا أو استثناءً أو مزيدا من البيان.

فللوصول إلى القول القرءاني في مسألة الطلاق مثلا يجب تجميع كل الآيات التي تحدثت عنه والنظر فيها جميعا مع العلم بأن الحكم الذي هو مقتضى سمة أو شأن إلهي له التقدم على غيره.

لذلك فأحكام المطلقات من القرءان هي كما يلي:

الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ،والْمُطَلَّقَاتُ يُطلَّقن لعدتهن فيَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ، وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن الْمُطَلَّقَاتُ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ، وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُوْلاَتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ، أما الْمُطَلَّقَاتُ منهن مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا، وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لَّتَعْتَدُواْ، فَإِن طَلَّقَهَا (أي اختار التسريح، وهو الاختيار الثاني في: فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا (الزوج الثاني باتباع الأسلوب المذكور) فَلاَ جُنَاحَ على المطلقة وزوجها الأول أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللّهِ.

فالقرءان يخاطب قوما يفقهون ويعقلون ويعلمون أن المقصد هو إبراء الرحم وحفظ الأنساب، كما أنه يخاطب قوما يتأدبون مع كلام ربهم، فلا يوجد أي تخصيص أو نسخ، بل إنه توزيع للحكم على آيات عديدة طبقا للنظم القرءاني.

والشهر هو الشهر القمري الطبيعي؛ أي الذي ينتهي عندما يعود القمر إلى الوضع الذي بدأ به، والكلام على أن المعيار هو المحيض، فالتربص يكون ثلاثة حيضات، أي أن العدّة تنتهي بعد رؤية المرأة الدّم الثالث، وَأُوْلاَتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ، لذلك فعدّة المطلّقة الحامل مدّة حملها، وهي تنقضي بوضع الحمل، وهذا ليس نسخا لحكم، وإنما هو بيان لحكم حالة خاصة محددة، وهو أيضًا يبين المقصد من الحكم الأول، فَإِن طَلَّقَهَا (أي اختار التسريح وليس الإمساك بمعروف) فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللّهِ، ويجب إشهاد ذَوَيْ عَدْلٍ من الرجال وإقامة الشَّهَادَةَ لِلَّهِ، وهذا بيان بغلظة الحكم، وأنه لا مزاح فيه.

ومن السنن العملية أنه لا يجوز للزوج طلاق زوجته في طهر جامعها فيه، وإنما عليه الانتظار حتى تحيض زوجته ثم تطهر من حيضها ثم يطلقها بعد طهرها من الحيض.

*****

لا يعتد بالطلاق بدون شاهدين ذَوَيْ عَدْلٍ طبقًا للآية: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا}[الطلاق:2] ومن يتلاعب في ذلك واقع تحت طائلة الوعيد: {وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُّكْرًا}[الطلاق:8]، {فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا}[الطلاق:9]

وفي الحقيقة من أعجب الأشياء جرأة الناس على حكم ربهم في هذه المسألة وتجاهلهم المطلق له، ولكن من يعلم أن الناس لا يتبعون إلا الدين الأعرابي الأموي وليس دين الحق فسيزول عجبه.

والدين الأعرابي الأموي هو دين النفاق الذي يقدم المصادر الثانوية على كتاب الله العزيز ويقضي عليه بها وينسخ آياته بها رغم الزعم بأنهم يتخذونه الأصل الأول للتشريع، وهو أيضًا دين التبجح والإجرام، فهو يتهم من يريد تصحيح الأمور بأنه منكر للسنة خالع للربقة متبع غير سبيل المؤمنين ..... الخ ثم يستتيبه أو يقتله.

ومن أراد دليلا واضحًا على أن دين الحق قد توارى ليحل محله الدين الأعرابي الأموي الهمجي فلينظر إلى موقف الدين الأعرابي من المرأة وحقوقها، لقد كفر الأعراب بالقرءان وفرضوا على الدين تصوراتهم ومنظومتهم الجاهلية المولعة بالسلب والنهب وترويع الآمنين وازدراء المرأة، وموقفهم من الطلاق واضح تمام الوضوح، لقد جعلوه حقا مطلقا للذكر (ولا نقول للرجل)، وأحدثوا أحكاما للطلاق لا علاقة لها بما هو مقرر بالقرءان، ورفضوا العمل بنصٍّ قرءاني قطعي الدلالة وهو:

{فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا} [الطلاق:2]

*******

{الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُون} [البقرة:229]

قالوا إنَّ {وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا} منسوخة بالعبارة {إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}!!

والاستثناء هو تخصيص وبيان ولا نسخ فيه بالمعنى الذي اصطلحوا عليه، فالنسخ عندهم هو إبطال العمل بالحكم الشرعي بدليل متراخ عنه، فأين هذا التراخي في أحكام نزلت في نفس الآية؟!

فمن العجيب أن يوجد من يقول إن هاهنا نسخا مع أن الحكم كله وارد في نفس الآية!! والاستثناء أو التخصيص موجود في نفس الآية، وليس في آية أخرى، ولكن المشكلة هي خلطهم بين المصطلح القديم، وبين المصطلح الذي أحدثوه، وهم في كل ذلك يتجاهلون تماما أن الآية التي يستندون إليها لإثبات قولهم بالنسخ تتحدث عن إمكانية نسخ آية بآية أخرى، ولم تذكر أبدًا احتمال أن ينسخ جزء من الآية جزءا آخر منها!!!

والآية تنص على أن الطَّلاَق عملية مركبة، فهو مَرَّتَانِ، يمكن الإشارة إلى كل مرة منهما بالتطليقة الجزئية، والتطليقة الأولى تكون متبوعة بعدة لا تخرج فيها المرأة من بيتها، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لاَ تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا}[الطلاق:1]

وقوله تعالى {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء} يشير إلى الشروع في الطلاق بالتطليقة الجزئية الأولى، فهي متبوعة بعدة لا تخرج فيها المرأة من بيتها، باكتمال العدة بعد التطليقة الأولى يكون هناك احتمالان؛ إما إِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ، هذا التسريح هو التطليقة الثانية، قال تعالى:

{فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا} [الطلاق:2]

والآية {فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُون} [البقرة:230] لا تشير إلى تطليقة ثالثة! وإنما هي تبين تبعات اختيار الاحتمال الثاني، فالتسريح بإحسان هو أن يطلقها التطليقة الثانية، ولا وجود لذكر أي رجوع ثم تطليقة ثالثة!

والأمر باختصار كما يلي:

الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ، إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ، فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ.

فَإِن طَلَّقَهَا (اختار المفارقة بمعروف) فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، فَإِن طَلَّقَهَا (الزوج الثاني) فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ.

ولكن ماذا إن اختار الإمساك بمعروف وقبلت هي بذلك؟ سيستكملان حياتهما معا، ولكن إذا حدث ما دفع الزوجين إلى الطلاق؟ سيتكرر ما سبق.

فماذا سيحدث إذا اختار الإمساك بمعروف وقبلت هي بذلك؟ سيستكملان حياتهما معا، ولكنه بذلك سيكون قد شرع في الطلاق ثلاث مرات ولم يكمله، وهنا فإنه يسري عليه الحكم الذي سنه لهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ، وهذا الحكم يجعل الشروع في الطلاق ثلاث مرات مكافئا للتطليق الكامل البائن.

*******

1

bottom of page