مصر وعصر الآباء وموسى وفرعون
من تاريخ مصر القديم
من تاريخ مصر القديم
يجب الإشارة أولا إلى إن التواريخ وأرقام الأسرات المستعملة في أكثر هذا الكتاب هي الشائعة بين المؤرخين، وهي في تقديرنا خاطئة، فلقد كان للمؤرخين الغربيين أسباب تدفعهم إلى محاولة ضغط التاريخ المصري في أقل زمن ممكن، كان بعضهم متأثرا بخلفيته الدينية التي تحدد زمن ظهور آدم بزمن صغير مقارنة بالتاريخ المصري، وكان آخرون منحازين إلى حضارة سومر ظنًا منهم بأنها كانت حضارة آرية (هندو-أوروبية).
فهذه التواريخ بصفة عامة تم اختزالها جهلاً أو عمدا إلى أصغر الحدود الممكنة، ولكنا لن نتعرض بالتصحيح إلا لما نراه متعلقا بالموضوع الرئيس للكتاب، أما الترتيب فهو بصفة عامة صحيح.
كما يجب العلم بأن النصوص المدونة على جدران المعابد والمقابر في مصر لم تكن بمثابة صحف يومية أو وكالات أنباء عالمية، وهي لم تكن تسجيلا دقيقا للوقائع التاريخية بقدر ما هي أعمال رسمية دينية تؤدي لدى المصريين القدماء وظائف معينة، ومنها إظهار الأعمال وسردها أمام إله الحساب والجزاء، ولم يكن من الممكن أبدا أن ينفق أحد الملوك ثروة طائلة ليسجل على جدران المعبد كارثة لحقت به أو تسبب هو فيها! لقد كان هم المصري القديم أن يبرئ نفسه أثناء الحساب أمام الإله وأن يذكِّر نفسه بما يجب قوله وأن يبرز أفضل أعماله، فهو لم يكن يعمل صحفيا ولا مؤرخا! ولم يكن إنشاء المقابر الفخمة والتدوين عليها متاحا للناس كافة، وإنما لطبقة الملوك والأثرياء والأعيان.
وكذلك يجب التأكيد على أن ما هو معروف عن تاريخ مصر القديم لا يُعدّ شيئًا مذكورا بالنسبة لما هو مجهول فضلا عن وجود أخطاء فادحة فيه لأسباب عديدة وأن المؤرخين قد ملئوا الفراغات بنظريات وظنون وتخمينات ثم أخذها الناس من بعدهم كأنها حقائق ومسلمات، وكل من أراد أن يتخصص في دراسة التاريخ يجب أن يأخذ بها خشية اتهامه بالجهل أو حرمانه من الحصول على الدرجة العلمية إذا كان يدرس في الخارج.
كما يجب العلم بأن معلوماتهم عن اللسان المصري القديم ليست مؤكدة بطريقة علمية صارمة، وأنه يجب دائما إعادة النظر فيها بناءً على ما يستجد من العلوم والاكتشافات.
*****
كان المصريون هم الشعب المختار والمصطفى على العالمين لحمل الرسالة الإلهية في الزمن القديم، وكان يسوسهم الأنبياء، وكان هؤلاء يعلمون الناس كثيرا من العلم الراقي المتقدم، استمر ذلك لقرون متطاولة، ولكن بدأ الكهنوت يفرض وجوده شيئا فشيئا مع استمرار تدهور الناس، وبمرور الزمن قام الكهنة والناس بتجسيد السمات الإلهية ثم ظنوا أنها أرباب مستقلة وأحيطت الممارسات الدينية بجو كهنوتي رهيب، ثم أصبحت حكرا على الكهنة، ثم أصبحت العلوم نفسها حكرا على الكهنة، فتم تكريس الشرك والتدهور، ولكن استمرت الحضارة بما فيها من قوة دفع.
*****
كان نوح يعيش في جنوب اليمن ولا علاقة له بأرض الرافدين ولا بتركيا، والمصريون القدماء كانوا يعرفون أن أجدادهم أتوا من الجنوب، وكان هو قبلتهم.
وقد ورد في سفر التكوين ما يُسمَّى بقوانين أو شرائع نوح، التي فسرها حاخامات إسرائيل بأنها سبعة، إذ حظر الإله على نوح وأبنائه عبادة الأوثان والهرطقة وسفك الدماء والزنا والسرقة وأكل لحم الحيوان الحي، كما فُرض عليهم إقامة نظام قانوني، أي تنفيذ الشرائع السابقة، وهذه الشرائع يعتبرونها ملزمة لليهود وغير اليهود، وما هو موجود في سفر التكوين، الإصحاح التاسع هو ما يلي:
1وَبَارَكَ اللهُ نُوحًا وَبَنِيهِ وَقَالَ لَهُمْ: «أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلأُوا الأَرْضَ. 2وَلْتَكُنْ خَشْيَتُكُمْ وَرَهْبَتُكُمْ عَلَى كُلِّ حَيَوَانَاتِ الأَرْضِ وَكُلِّ طُيُورِ السَّمَاءِ، مَعَ كُلِّ مَا يَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ، وَكُلِّ أَسْمَاكِ الْبَحْرِ. قَدْ دُفِعَتْ إِلَى أَيْدِيكُمْ. 3كُلُّ دَابَّةٍ حَيَّةٍ تَكُونُ لَكُمْ طَعَامًا. كَالْعُشْبِ الأَخْضَرِ دَفَعْتُ إِلَيْكُمُ الْجَمِيعَ. 4غَيْرَ أَنَّ لَحْمًا بِحَيَاتِهِ، دَمِهِ، لاَ تَأْكُلُوهُ. 5وَأَطْلُبُ أَنَا دَمَكُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَقَطْ. مِنْ يَدِ كُلِّ حَيَوَانٍ أَطْلُبُهُ. وَمِنْ يَدِ الإِنْسَانِ أَطْلُبُ نَفْسَ الإِنْسَانِ، مِنْ يَدِ الإِنْسَانِ أَخِيهِ. 6سَافِكُ دَمِ الإِنْسَانِ بِالإِنْسَانِ يُسْفَكُ دَمُهُ. لأَنَّ اللهَ عَلَى صُورَتِهِ عَمِلَ الإِنْسَانَ. 7فَأَثْمِرُوا أَنْتُمْ وَاكْثُرُوا وَتَوَالَدُوا فِي الأَرْضِ وَتَكَاثَرُوا فِيهَا».
8وَكَلَّمَ اللهُ نُوحًا وَبَنِيهِ مَعهُ قَائِلاً: 9«وَهَا أَنَا مُقِيمٌ مِيثَاقِي مَعَكُمْ وَمَعَ نَسْلِكُمْ مِنْ بَعْدِكُمْ، 10وَمَعَ كُلِّ ذَوَاتِ الأَنْفُسِ الْحَيَّةِ الَّتِي مَعَكُمِْ: الطُّيُورِ وَالْبَهَائِمِ وَكُلِّ وُحُوشِ الأَرْضِ الَّتِي مَعَكُمْ، مِنْ جَمِيعِ الْخَارِجِينَ مِنَ الْفُلْكِ حَتَّى كُلُّ حَيَوَانِ الأَرْضِ. 11أُقِيمُ مِيثَاقِي مَعَكُمْ فَلاَ يَنْقَرِضُ كُلُّ ذِي جَسَدٍ أَيْضًا بِمِيَاهِ الطُّوفَانِ. وَلاَ يَكُونُ أَيْضًا طُوفَانٌ لِيُخْرِبَ الأَرْضَ».
أما الأوامر والنواهي (المتسفوت)، فقد اعتبروها ملزمة لليهود وحدهم.
والكتابات الدينية اليهودية القديمة وصفت المسلمين على أنهم من النوحيين أي من غير المشركين، وشريعة نوح هي أساس كل الشرائع التي أتت من بعد، قال تعالى:
{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13)} الشورى.
والدين المشروع واحد، وهو الإسلام، والإسلام هو دين تراكمي، نما وتطور عبر العصور، والآية تشير بذلك إلى وحدة الدين، كما تومئ إلى إمكانية التعايش السلمي بين من يزعمون الانتماء إلى نبي دون نبي! والمسلم المتبع بإخلاص لدين الحق هو وحده المبرأ من الشرك وهو وحده الذي يلتزم التزاما دقيقا بهذه الآية!
*****
إن الأرض المسماة الآن بفلسطين كانت مأهولة منذ آلاف السنين قبل الميلاد وقبل ظهور بني إسرائيل على مسرح التاريخ بكثير، ويوجد ارتباط بين تاريخي فلسطين ومصر منذ بداية التاريخ الإنساني، إذ كثيرا ما قامت مصر بضم فلسطين أو فرض سيطرتها عليها، كما كان ملوك مصر، من بعد، يلعبون دورا كبيرا في تحديد سياسة الدويلتين العبرانيتين (المملكة الشمالية والمملكة الجنوبية) اللتين انقسمت إليهما المملكة الإسرائيلية الموحدة، وذلك من خلال الأحزاب الموالية لمصر فيهما، وكانت فلسطين هي أيضا الممر الذي يأتي منه الغزاة لمحاولة الاستيلاء على مصر، لذلك كانت ميدانًا لمعاركها الكبرى في كافة العصور.
ومنذ أقدم العصور ومنذ عصور الأسر الأولى كانت توجد علاقات تجارية لمصر مع رتنو Retnw التي تعني البلاد الأجنبية، وهو اللفظ الذي كان يشير به الفراعنة إلى منطقة فلسطين وبلاد الشام في المملكتين القديمة والوسيطة، والتغلغل المصري قد وصل إلى شرق الأردن عبر صحراء النقب، كما وُجد فخار فلسطيني متأثر بالأسلوب المصري بكميات كبيرة في هذه الفترة.
وقد أرسلت مصر في عهد المملكة القديمة في الفترة 2700 ـ 2200 ق.م (من الأسرة الثالثة إلى الخامسـة) حمـلات استكشافية إلى سيناء لاستثمارها وضمها، وهناك، في نهاية المملكة القديمة، في فترة حكم بيبي الأول 2343 ـ 2294 ق.م (من الأسرة السادسة) نقش عن حملة برّية وعسكرية ناجحة ضد سهل جبل الكرمل في فلسطين. وقد انحسر النفوذ المصري في الفترة من نهاية الأسرة السادسة حتى الأسرة العاشرة، وبعد انهيار المملكة القديمة دخلت مصر فترة من الفوضى دامت قرنين (فترة الانحلال الأول) حكمت أثناءها الأسرات السابعة والثامنة والتاسعة والعاشرة، واختفت خلالها أيضا السلطة المركزية واختل النظام الاجتماعي وتغلغلت العناصر الآسيوية في شرق الدلتا.
وقد تم توحيد مصر العليا ومصر السفلى مرة أخرى إبّان حكم الأسرة الحادية عشرة وهو ما مهَّد لقيام المملكة الوسيطة ومع اعتلاء أمنمحعت الأول العرش (الأسرة الثانية عشرة) بدأت مرحلة الازدهار في المملكة الوسيطة، واستمرت العلاقات بين مصر وبين الشام، ومنها فلسطين، ويبدو أن مصر أخضعت أجزاء من الشام وفيها فلسطين لهيمنتها أثناء حكم أمنمحعت الثاني وسنوسرت الثالث، إذ وُجدت آثار لحكام وكهنة مصريين في مجدو وأوجاريت، ويؤكد هذه النظرية أن حكام بعلبك كانوا يحملون ألقابا مصرية يمنحها فرعون مصر، الأمر الذي يعني شكلاً من أشكال السيادة المصرية، ويظهر شقيق أمير رتنو (فلسطين)، في اللوحات المصرية لهذه الفترة، وهو يساعد المصريين في إدارة واستغلال مناجم الفيروز في سيناء، كما أن هناك إشارات مباشرة إلى حملة قام بها الفراعنة ضد سيكمان (شكيم).
*******
1