top of page

نظرات جديدة في المرويات

مروية السبع الموبقات

مروية السبع الموبقات

إن النظر في مروية السبع الموبقات، يوضح بعض الأمور الخاصة بالكبائر، وطبقًا لمنهجنا فإن من علامات المروية الصحيحة أن يمكن الاستغناء عنها بالقرءان، ومن ذلك هذه المروية:

روى البخاري ومسلم في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال: "اجتنبوا السبع الموبقات - يعني المهلكات - قلنا: وما هن يا رسول الله؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات".

فهذه الكبائر وردت موزعة على سور القرءان وآياته وفقًا للمنهج القرءاني، وما فعله الرسول هو أنه استخلصها من القرءان، وجمعها لهم في حديثٍ واحد، وذلك لأنه لم يكن كلهم يحفظون القرءان كله، ولم تكن نُسخُهُ الكاملة متداولة بينهم كما هو الحال الآن.

وبالطبع فإنه بذلك وجب على المسلمين أن يستخلصوا من القرءان العوامل المشتركة بين هذه الكبائر في كيفية الورود وما ذكره القرءان من العقوبات الخاصة بها، وبذلك يكون لديهم منهج لاستخلاص الكبائر، ونظرية لها.

فالشرك من أكبر الكبائر، ذلك لأنه يأتي دائما على رأس المحرمات، كما يتوعد الله تعالى من يتصف به أو يعمل بمقتضاه بالعذاب الأليم، قال تعالى: {لاَّ تَجْعَل مَعَ اللّهِ إِلَـهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَّخْذُولا}[الإسراء:22]، {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون} [الأنعام:151]، {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} [النساء:48]، {.... وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا} [الإسراء:39].

والذي ورد في السحر: {وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ .....} [البقرة:102]، فالسحر ورد مقترنًا بالكفر الشيطاني، وهو أبشع ما يمكن أن يقترفه أو يتصف به إنسان.

أما قتل النفس التي حرم الله، فمما ورد فيه: {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون} [الأنعام:151]

فقرن في نظم واحد قتل النفس والشرك الذي هو أكبر الكبائر، وكذلك قال: {وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا} [الإسراء:33]، وذلك في سياق بدأ بالنهي المشدد عن الشرك، قال تعالى: {لاَّ تَجْعَل مَعَ اللّهِ إِلَـهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَّخْذُولا} [الإسراء:22].

كما قال في بيان استبشاع قتل النفس: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاء تْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُون} [المائدة:32]، وكذلك توعد مَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا، قال تعالى:

{وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء:93]

وبذلك كان من تعريف الكبائر؛ أي من عناصر النظرية الخاصة بها ومنهج استخلاصها، أن يعلن الله تعالى غضبه على مقترفها أو أن يلعنه أو أن يتوعده بالخلود في جهنم والعذاب الأليم.

وفي كبيرة التولي يوم الزحف قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16)} الأنفال.

وبذلك كان من تعريف الكبائر؛ أي من عناصر النظرية الخاصة بها ومنهج استخلاصها، أن يعلن الله تعالى غضبه على مقترفها أو أن يلعنه أو أن يعلن أن مَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ.

وجاء في كبيرة قذف الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاَتِ: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاَتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيم} [النور:23]

فالكبيرة بذلك هي ما توعد الله تعالى مقترفها باللعن فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَالعَذَاب العَظِيم.

وجاء في الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء:10]

فالكبيرة هي من توعد الله تعالى مقترفها بهذا العذاب الأليم.

وبذلك يتبين منهج دين الحق في استخلاص عناصر الدين، فهو يتضمن أسسا راسخة لا يمكن المراء فيها، ومن ذلك: "القران في النظم يوجب القران في الحكم".

كما أن الكبيرة تكون مضادة لقيمة عظمى من منظومة القيم الإسلامية الرحمانية التي هي من مقتضيات منظومة الأسماء الحسنى الإلهية.

ولكن ما هو القول فيمن اقترف إحدى كبائر الإثم؟ الإجابة ببساطة هي أنه اقترف إحدى كبائر الإثم، وهو مطالب أمام ربه بالاستغفار وأن يُتبع السيئة الحسنة، وإذا كان الإثم متعلقًا بحقٍّ للغير وجب عليه تدارك الأمر وإعطاء كل ذي حقٍّ حقه، وإذا كان الشرع قد رتَّب على فعله عقوبةً ما وجب إنزالها به، ولا يوجد أي مبرر للبحث عن تسمية شرعية أو حكمًا شرعيا عليه.

ولكن هذه المسألة كانت السبب في انقسام المسلمين وظهور طائفة المعتزلة القائلة بالمنزلة بين المنزلتين، أما الخوارج فيكفرون مقترف الكبيرة إذا لم يتب عنها، أما أهل السنة فيقولون بأنه فاسق بمعصيته.

وقد قال تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} [النساء:48]

وآيات القرءان متكاملة، والآية لا تعني أن الله تعالى ملزم بأن يغفر لمقترفي الكبائر ما هو من دون الشرك، ولكن المفسرين يستبطنون عادة أن المشيئة هي أمر عشوائي اعتباطي، وهذا ليس بصحيح، المشيئة هي جماع مقتضيات كل الأسماء الحسنى من السنن، وغفران ما هو دون الشرك بل غفران الذنوب جميعًا يتم وفق السنن الإلهية، فعبد الله الذي تاب إلى ربه وأناب وكان حريصا على اجتناب الكبائر بالبعد عن مظانها (وهي اللمم أي صغائر الذنوب) سيكفر الله عنه سيئاته، ومن المعلوم أن من لم يكن حريصا على ألا يتورط في اقتراف الكبائر أو من استصغر شأن اللمم والصغائر سيقع لا محالة في الكبائر.

مثال الحرص الشديد على حضور عروض الرقص العاري ليس من الكبائر، ولكن من كان حريصًا على هذا الحضور سيتورط في اقتراف الكبائر، وحتى إن كانت مقاومته كبيرة في البداية فهذا الحرص ستؤدي آثاره إلى ضعفها وإلى تدهور حالة كيانه الجوهري.

*******

1

bottom of page