الإسلام والأمة والدولة والمذاهب المعاصرة
الإسلام والديمقراطيـة 4
إن الشورى ليست هي الديمقراطية وإنما هي آلية لتبادل الآراء بين مجموعة من الناس بخصوص أمر مشترك فيما بينهم، وهي نوع من التدبر والتفكير الجماعي والمشاركة في الحواس والملكات والخبرات يتيح للكيانات الإنسانية تبادل الخبرات والاستعمال الأمثل للملكات، وهي بمقتضى القرءان ركن فرعي من أركان الدين، وهي من تلك الحيثية ملزمة للناس أجمعين وخاصة بين أولي أمر معين، والمقصود بأولي أمر معين هم أكثرهم إلماماً به وتأهيلاً له وإحاطة به من كافة جوانبه والذين وصلوا إلي ذلك وفقا لآليات شرعية مقررة ومعترف بها من الناس، فولي الأمر ترشحه لذلك ملكاته وقدراته وإنجازاته وصفاته وتحقيقه لكافة المتطلبات اللازمة.
أما الديمقراطية فهي البديل للصراع الدنيوي، فهي منظومة مبادئ ومفاهيم وآليات لجعل التنافس علي القيام بالأمر بين أولي المصالح المتناقضة أو مراكز القوى أو المتنافسين تنافساً سلميا، ولابد من رسوخ مفاهيم وقيم وآليات تضمن استقلال السلطات وتقتلع نزعات عبادة البشر وتوثينهم من النفوس، ولا يمكن أن تنجح الديمقراطية في شعوب يقدس أفرادها كل من تسلط عليهم وقهرهم وعلا عليهم لأي سبب من الأسباب، ويلاحظ أن كافة المذاهب المحسوبة علي الإسلام توطن الناس علي توثين طوائف معينة من البشر والخضوع لهم، ويلاحظ أن النظام الفرعوني هو نتيجة لازمة لأحوال شعب ما، فالفرد في مثل هذا النظام يجمع كما يجمع المغناطيس بين طرفين كل منهما نقيض للآخر ولكن لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر، فكل منهما لازم لوجود وتعين الآخر، والنقيضان هما الخضوع والذل من ناحية والاستكبار والطغيان من ناحية أخري، لذلك يستطيع أي فرد أن يظهر أقصي درجات الخنوع والذل والتملق والنفاق والماسوشية لمن هو أعلي منه ويمارس أقصي درجات الاستكبار والفرعنة والسادية ضد من هو أدني مرتبة منه، أما الديمقراطية فتتضمن منظومة قيمها ما يضمن تنمية ودعم وتزكية الصفات الايجابية والفعالية في نفوس الناس وترسخ فيها مبادئ التكافؤ والمساواة ووحدة الأصل البشري وتسخر من الطغيان والتسلط، إن سر نجاح الديمقراطية هو توفر الآليات الرقابية حيث تجعل من كل حزب من الأحزاب المتنافسة رقيباً علي الآخر ويساعد علي ذلك قوة الصحافة ووسائل الإعلام وحرية الفكر وحرية تبادل المعلومات، وكذلك معاملة سائر الناس كبشر طبيعيين وليس كأرباب معصومين، ولا بديل لتحقيق الرقي بالنظام الديمقراطي إلا تفعيل منظومات قيم ومقاصد وسنن وأركان دين الحق فهو يحقق للناس أفضل ما في الديمقراطية ويحميهم من شرورها، وهو الكفيل بتحقيق السعادة للعالمين في العالمَيْن.
*******
إن موقف الإسلام من المنافقين لمما يدل علي أقصي درجات التسامح مع المعارضة لم يصل إليها دين ولا عقيدة مذهبية أو سياسية من قبله ولا من بعده، إن ما قبله الإسلام من المنافقين لم يكن ليقبله أحقر متسلط أموي أو عباسي من معارضيه؛ فلقد كان هؤلاء يقتلون الناس لمجرد الشك في ولائهم، أما الإسلام فقد كان يسمح لهم حتى بانتقاده والخوض في آياته ولا يطالب المسلمين بأكثر من الإعراض عنهم وهم يخوضون في الآيات وليس بالإعراض عنهم مطلقا، وفي مقابل إيذائهم للنبي فقد أُمر هو بالإعراض عنهم والصفح عنهم، وقد كان مأمورا بأن يجاهدهم بالقرءان، ولكنه لم يؤمر بمعاقبتهم أو قتالهم.
*******
إن الديمقراطية كانت نتاجا طبيعيا لتقدم الغرب ورقي منظومة القيم التي لديه وتطورها، وهي أيضا من وسائل الحفاظ على هذا التقدم، فهي تعمل علي الحفاظ علي الأسباب التي أدت إلي ظهورها، ولكنها ليست بالضرورة الطريق الأمثل كما أنها لا تصلح إلا إذا توفرت وسادت قبلها منظومة القيم اللازمة والمنتجة لها، ولم تكن هي التي أوصلت الغرب إلي حالته تلك ولكنها كانت من ثمار حضارته وتقدمه.
والأحزاب لديهم هي من وسائل إعداد أولي الأمر من النواحي التشريعية والتنفيذية وتدريبهم وتربيتهم وتعليمهم وتنمية إمكاناتهم وقدراتهم والسماح لهم بالعمل السلمي المنتج والإنجاز والتعامل والتواصل مع الناس والتعرف عليهم ومعايشتهم، وتعدد الأحزاب يؤصل إمكانية التعايش السلمي بين أناس مختلفين، فهو البديل عن ثقافة التمانع والتنافي والتناحر والاستئصال السائدة في العالم المحسوب ظلماً علي الإسلام والتي تجعل كل طائفة تود الفتك بمن يختلف عنها أو معها وتريد الاستمتاع بسحقه واستئصاله، وتعدد الأحزاب يوفر آلية رقابية ناجعة وفعالة واقتصادية مما يحد من الإجرام والفساد وسوء استغلال النفوذ، والأنشطة الحزبية هي من أفضل وسائل إعداد أولي الأمر والرقي بالرأي العام وتثقيف الجماهير فيما يتعلق بالأمور التشريعية والتنفيذية.
إن محاولة تطبيق النظام الديمقراطي تصبح أمرًا خطرا وغير ذي جدوى بالنسبة إلي أمة تعاني من الجهل والتخلف وشتي العاهات والأمراض النفسية والاجتماعية والتي تجعل منها بيئة حاضنة لجراثيم وميكروبات وفيروسات كل صفة ذميمة وكل خلق رديء ويشيع فيها الظلم والجور والاستبداد وأكل الحقوق بالباطل وازدراء الآخر والتعالي عليه بالباطل وازدراء القوانين والسنن والآيات الكونية وفرح كل ذي جهل بجهله وكل فاشل بفشله وكلا ذي خلق سيئ بسوء خلقه، وإذا كانت الديمقراطية فضيلة فإنه في مجتمع كهذا تصبح الفضائل فضلا عن الرذائل خطرا علي الأمة، فصلة الرحم مثلا فضيلة وأمر ديني، ولكنها في مجتمع مريض تصبح وبالا عليه إذ ستكون من أسباب انتشار المحسوبية والعصبية والأخلاق القبلية والرغبة في الاستئثار بكل ما يمكن الاستئثار به.
ويجب العلم بأن كل ما في النظام الديمقراطي من الفضائل هو من قيم الإسلام الحقيقي وأركانه الملزمة للأمة وللفرد ولقد جعلها الإسلام إما حقوقا للفرد وإما واجبات عليه، ولكن هذا الإسلام الحقيقي غريب، والناس لا يتبعون إلا المذاهب الشركية الضالة التي حلت محله، وهم بضلالهم وجهلهم وانحطاطهم فرحون وفخورون.
*******
لا جدوى من إنكار مزايا الديمقراطية، وهي مازالت الأسلوب المتاح والممكن للتعايش السلمي بين فئات متعارضة المصالح، ولكن يجب أيضًا معرفة عيوبها، ومنها أنها تجعل من الأكثرية أو بالأحرى ممن يحسن خداعها أو يجيد استغفالها ربا مشرعا، وتلك الأكثرية خاضعة خضوعا مطلقا لتأثير الإعلام الذي يمكن تضليله، وموقف أمريكا المؤيد لإسرائيل على طول الخط رغم تعارض ذلك مع مصالح الشعب الأمريكي نفسه ومع كل القيم معلوم، ولا توجد أية علاقة بين الديمقراطية وبين الشورى الإسلامية، فالشورى الإسلامية هي تداول الرأي بين أولي الأمر المؤهلين في مجال تأهيلهم للوصول إلى الرأي الأمثل فهي لا تستفتي أحدا فيما يجهله، ولم تكن الديمقراطية هي التي صنعت التقدم الهائل في أكثر دول أوروبا أو في الصين أو في شرق آسيا ولكن الذي صنعه هو منظومة القيم السائدة والتي من أبرز عناصرها سيادة القانون وتقديس العلم والعمل الجاد المتقن والانضباط والنظام الصارم، والأكثرية في الدول التي تتخبط في تخلفها هي في الدرك الأسفل من الجهل والانحطاط وعبادة الماضي والأسلاف، فلا يمكن التعويل عليها للإصلاح، ولقد فشلت الديمقراطية من قبل في مصر وتسبب مجموعة صغيرة من الإخوان الفاشيين في القضاء عليها بسهولة، وهذا ما يبين مدى هشاشتها.
وما يحدث في الغرب الآن وما سيحدث من أزمات عاصفة تزلزل أركان نظمهم يثبت أن الديمقراطية على النمط الغربي ليست هي الحل الأمثل لمشاكل الشعوب، إنه على الجميع البحث عن طريق جديد، إن كبار المثقفين والمحللين في الغرب يدركون الآن جيدا أن نمط حياتهم الحالي زائل لا محالة، وما يعنينا هو أي طريق هو الأفضل لنا، إن كل القوى التي تريد أن تلعب لعبة الديمقراطية في مصر الآن لا تؤمن حقا بالديمقراطية إلا كوسيلة للوثوب على السلطة، ولن تقبل الأقلية الأرثوذكسية أبداً بأن تحكم بالشريعة الإسلامية رغم أن هذه هي رغبة الأغلبية الساحقة من المصريين وستتحالف مع إبليس نفسه لتمنع ذلك وقد تهدم مصر على رؤوس الجميع لتحول دون ذلك، وستستهلك طاقات الأمة في التناحر الحزبي وليس في صناعة التقدم وبناء الإنسان، وسيحاول من هو أجهل من دابة أن يلقن الآخرين دروسا في السياسة، وسيقوم من لا يستطيع أن يدير أمور نفسه بتعليم الناس كيفية إدارة البلاد.
إن الديمقراطية كما هو معلوم تماما تجعل من الاحتكام إلى الأغلبية الحكم الفيصل في الأمور، ولا يوجد ما يضمن العصمة لهذه الأغلبية، ولو قرأت القرءان لعلمت أنه لم يذكر الأكثرية إلا في موضع الذم وأنه قرر بوضوح أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات قليلون وأن السابقين قليلون وأن أصحاب اليمين قليلون وأن الأكثرية لا يسمعون ولا يعقلون وأنهم أضل سبيلا من الأنعام، والتاريخ يثبت أن البشرية مدينة بتقدمها وتطورها إلى أفراد معدودين من الأنبياء والفلاسفة والعلماء والمصلحين، وضربنا مثلا بتأييد الإدارة الأمريكية الأعمى لإسرائيل طمعا في أصوات الأغلبية المضللة إعلاميا ضد مصالح أمريكا والعالم وضد كل القيم والمبادئ الإنسانية وحقوق الإنسان، وأنت تعلم كم عانينا نحن من جراء هذه الديمقراطية، أما إدارة الأمور العامة فهي مثل أي علم أو فن فهي ليست أهون من إدارة الأعمال التجارية في الشركات والذي لا يمارسه إلا من تلقى التأهيل اللازم، وإليك هذه الأسئلة: إلى ماذا تستند منظومة القيم في النظام الديمقراطي؟ وما هي المعايير الأخلاقية؟ بل إلى ماذا يستند القانون ذاته؟ إن الديموقراطية والليبرالية والعلمانية هي الآن منظومة واحدة لا تنفصم، ومع كل ذلك تبقى الديمقراطية وسيلة للتعايش السلمي بين طوائف متنافية متمانعة تعيش في وطن واحد، ولكن للتقدم وإحداث الطفرات الحضارية آليات الأخرى.
*******
من الأسباب التي تجعل النظام الديمقراطي محكوما عليه بالفشل حاجة المترشحين (أي طالبي المناصب) الماسة والمتزايدة إلى المال وإلى دعم القادرين، ومن المعلوم أن القادرين على الصمود أمام إغراء المال هم نسبة لا تكاد تذكر من مجموع الناس، ومن المعلوم أن النادر لا حكم له، ولا يمكن أن يعلق به مصير أمة، وبالطبع سيظل المترشح مدينا لمن قدم له أي نوع من أنواع الدعم، ولقد كان ذلك من أسباب دعم الإدارة الأمريكية المطلق للكيان الصهيوني الخارج على كل قانون، هذا فضلا عن حاجة الناخبين أنفسهم إلى المال، ولقد كانت حاجة الفلاحين والعمال إلى أموال من يعملون عندهم من أسباب فشل الديمقراطية في مصر قبل ثورة يوليو، أما النظام الاشتراكي فهو محكوم عليه أيضاً بالفشل الذريع، فلا يمكن أن يؤتمن من هو معدوم الدين والضمير على مصير مؤسسات كبرى هي ملك للأمة جمعاء مع ضعف مخصصاته المادية.
*******
إن الديمقراطية تختلف عن الإسلام في أمور كثيرة منها:
1. لا يعترف الإسلام بأية سلطة للأكثرية، بل هي مذمومة أينما ذُكِرت.
2. ليس من حق الأكثرية ولا ممثليهم أن يشرعوا أصلا مثلما أنه ليس من حقهم سنّ قانون ديني وليس في استطاعتهم اختراع قانون كوني.
3. الإسلام يأخذ بنظام أولي الأمر، وأولو الأمر هم المؤهلون تأهيلا تاما في هذا الأمر وفق معايير العصر والمصر، والأمر كلمة عامة، وإدارة الأمور العامة مثلها مثل أي أمر آخر كممارسة الطب مثلا، لابد لها من تلقي التأهيل اللازم، بل هي أولى الأمور بحتمية تلقي التأهيل الرفيع ولأولي الأمر المؤهلين فقط سنّ ما يلزم من قوانين في مجال تخصصهم فقط ويبقى الناتج عن ذلك قوانين بشرية وضعية.
4. من المعلوم أن السعي إلى الإمارة -أي إلى المناصب الدنيوية التنفيذية بلغة العصر الحديث- يُعتبر من الآثام في الإسلام، بل إنها توجب حرمان من تطلع إلى المنصب منه، والمسلم مأمور بألا يزكي نفسه؛ أي ليس له أن يثني عليها أو أن يتباهى بإمكاناته وإنجازاته، بل من المفترض أن تبرزه إنجازاته وقدراته وكفاءته، فالبديل الإسلامي هو أن يسعى المنصب إلى الإنسان بحكم تأهيله، وهذا يقتضي أن يكون المنصب تكليفاً وليس تشريفاً ولا وسيلة للتربح الدنيوي.
5. الشورى الإسلامية تختلف تماما عن الديمقراطية الغربية، فالشورى تكون بين أولي الأمر وهم الصفوة من أولي الألباب المؤهلين في مجالهم، وهم دائما قلة، أما الديمقراطية فهي تعطي السلطة للأكثرية بحالتهم التي هم عليها، وهذه الأكثرية حتى في أكثر الدول تقدما يصنعها الإعلام الذي يسيطر عليه أصحاب المال والمصالح وشياطين الإنس والجن، أما في الدول المتخلفة فهم كتلة صماء من الجهل والعته والتخلف والهطل والتدين الجهلوتي العبيط، فهم سينتخبون تلقائيا من سيخدعهم برفع أي شعار ديني
6. الفرق هائل بين الإسلام وبين الديمقراطية، والشورى الإسلامية هي آلية للوصول إلى الرأي الأمثل بين أولي الأمر المؤهلين من المؤمنين ولا علاقة لها بالديمقراطية، والفصل بين السلطات من الممكن أن يتحقق بآليات أخرى غير الديمقراطية مثل نظام أولي الأمر الإسلامي.
*******
الصفوة من أولي الألباب المؤهلين تؤهلهم وتختارهم إمكاناتهم، ويجد الناس الجادون أنفسهم ملزمين بالسعي إليهم والالتزام بطاعتهم، وأنت عندما يصيبك داء عضال ستترك كل الأقوال الشاعرية الخيالية وستبحث عن طبيب من الصفوة ليعالجك، وعندما تنشئ مؤسسة للتعليم أو مستشفى استثماري ستحاول اجتذاب الصفوة لإدارته والعمل فيه إن كنت تريد لمشروعك النجاح، وإدارة أمور الدولة الآن هي علم شديد التعقيد، فهي في أشد الحاجة للصفوة من أبناء شعبها ليحسنوا إدارتها، ولقد انتهى عصر الديماجوجية والأيديولوجية.
*******
إن الديمقراطية ليست هي السبيل الأمثل لاختيار أولي الأمر ولا لحسم أي أمر ولا للوصول إلى القرار الأمثل، ذلك لأن الديمقراطية تعني أن تستشير الناس فيما يجهله كلهم تقريبا، وتتغلب فيها الأمور الشخصية على الأمور الموضوعية، ويجب العلم بأن القرءان الكريم لم يذكر الأكثرية إلا في موضع الذم، وأكد دائما على أن المصطفين والسابقين وأصحاب اليمين والمؤمنين ومن يفقهون ومن يعقلون كلهم قليلون، وهذا ما تؤكده دائما الإحصائيات العلمية التي لا ريب فيها ويؤكده منحنى التوزيع القياسي (Standard Normal Distribution) ، فالمتميزون في أي مجال دائماً قليلون حتى لو كان هذا المجال هو الرقص الشرقي، وفي دفعات الطب مثلاً الذين من المفترض أنهم أفضل طلبة الثانوية العامة لا يتفوق ويلمع منهم أيضاً إلا نسبة محدودة، وبالمثل فإن إدارة أمور أمة ليست أقل شأنا من الطب أو الرقص الشرقي، بمعنى أن من يطمع في أن يتولى أمرا يجب أن يكون لديه الاستعداد اللازم لقبول التأهيل، ومن لديهم مثل هذا الاستعداد هم قلة يجب على نظم التعليم أن تكتشفهم وتصقل وتنمي استعدادهم، ويجب أن يتلقوا التأهيل اللازم والذي يشمل التعلم والممارسة والنجاح في اختبارات، ويجب على كل أمة أن تضع الآليات المرتضاة لتأهيل ولاة الأمور التنفيذية واختبارهم، ولابد بالطبع من الانتفاع بتجارب الآخرين مثلما أخذنا عنهم مثلا كيفية تأهيل الطبيب أو المدرس.
*******
إن من عيوب النظام الديمقراطي أنه حتى في أعرق الديمقراطيات فإن النواب المنتخبين الذين سيكون منهم كل أصحاب السلطتين التشريعية والتنفيذية إنما يمثلون أصحاب رؤوس الأموال، فهم الذين يملكون الأموال اللازمة لتمويل حملاتهم الانتخابية ولإيصالهم إلى الحكم، ومقصدهم من ذلك بالطبع تأمين مصالحهم وتصريف الأمور كما يحلو لهم.
أما في الدول التي تتخبط في دياجير الجهل والتخلف فإن النواب المنتخبين الذين سيكون منهم أصحاب السلطتين التشريعية والتنفيذية هم من يمكنهم الحصول على التمويل بأية وسيلة من الوسائل، وهم الذين يجيدون الاستغلال السيئ للدين أو لمخاوف الناس المرضية كما يجيدون استغلال جهل الناس وتخلفهم، وهم بالطبع سيعملون على الحفاظ على مصالح من يمولهم وكذلك سيعملون على تكريس العوامل التي أدت إلى تسلطهم فتزداد البلدان التي تسلطوا عليها جهلا وتخلفا.
*******
إن الديمقراطية ولوازمها هي أفضل نظام ممكن لدولة عصرية حديثة تتضمن طوائف عديدة إذا كان المطلوب هو مجرد التعايش السلمي وضمان الحد الأدنى من حقوق الإنسان، ولكنها لا تصلح أبدا لوحدها للنهوض بأمة تجذرت فيها منظومة الجهل والتخلف والتدين الزائف المغلوط.
*******
يقولون إن من عيوب الديمقراطية أن الأمة تظن نفسها حرة، ذلك في حين أنها لا تكون حرة بالفعل إلا إبَّان فترة انتخابات أعضاء البرلمان، وبمجرد أن ينتخبوا تنتفي عملياً تلك الحرية، فالحرية لا تمارس بالفعل إلا لفترة قصيرة، ولكن هؤلاء النواب المنتخبين يعلمون تماما أنهم مدينون -إلى حد كبير- بمكانتهم للناس ولا يستندون إلى أسرة مسيطرة أو حق إلهي مزعوم أو قرابة من أحد الصالحين، فلا يستطيعون أن ينصبوا أنفسهم على الناس أرباباً من دون الله، وهم يعلمون أن مكانتهم ليست دائمة لهم وأنهم مسئولون أمام من انتخبوهم وأنهم سيتعرضون لحساب قاس عند أول انتخابات تالية، إن الآليات الديمقراطية ترغم الناس على أن يرتقوا مقارنة بالناس الذين استمرئوا الخضوع المطلق لأي نظام طاغوتي يحكم باسم الدين أو بأية أيديولوجية أخرى، وبالطبع فإن النظام الطاغوتي الاستبدادي هو ألد أعداء الدين مهما ادعى خلاف ذلك، ومع ذلك فالديمقراطية تبقى مجرد وسيلة وليست إلها معبودا ولا دينا مقدسا، وهي لذلك لا تجدي نفعا مع أمة تتجرع العذاب في الدرك الأسفل من نيران الجهل والتخلف وعبادة السلف والتدين الزائف المغلوط، يجب أولا إنقاذ الأمة ووقف استشراء الداء.
*******
إن عبيد العقائد البشرية أو الأيديولوجيات ينظرون إلى الصفوة من أبناء الشعب وكأنهم قوة خارجية أو كأنهم أعداء الشعب، هذا مع أن كل الدول المتقدمة بغض النظر عن الأيديولوجية الحاكمة عليها إنما هي تتقدم بجهود هؤلاء، وهي لا تكتفي بما لديها منهم بل تحاول اجتذابهم من بلادهم الأصلية.
أما الإسلام فيعامل هؤلاء على أنهم من صميم الأمة، انظر على الكلمة "منهم" أو "منكم" في الآيات:
{وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً }النساء83، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً }النساء59.
والحق هو أن هؤلاء الصفوة لكونهم قلة هم الأولى بالحماية من الأكثرية، وهذه الأكثرية يجب أن تُبرمَج على الإقرار بما للصفوة منهم من فضل وجدارة، هذا مع العلم بأن مجالات التميز الآن لا حصر لها، فهناك صفوة في كل مجال من مجالات النشاط الإنساني.
ومن العجيب أن تجد أحدهم يود الزواج من أجمل امرأة والعلاج عند أفضل طبيب وأن يبني له بيته أمهر مهندس ولو كان لديه شركة لبحث لها عن أقدر المديرين.... الخ، ولكنه لا يسلم أبدًا بأن إدارة أمور الأمة يجب أن يتولاها من هم مؤهلون لذلك تأهيلا تاما وفق معايير حقيقية ومعلومة للناس.
ولقد انتخب المغيبون والمغفلون في مصر أحد إخوان الشياطين المتخلفين رئيسا ثم اكتشفوا أنه بحاجة ماسة إلى أن يتعلم كل شيء ليمارس مهنته وتسبب في فضائح وكوارث معلومة!
*******
إنه لا حرج من الرجوع إلى الشعب في أمر قانون أو قرار كما يقتضي النظام الديمقراطي، فإذا كانت الأمة الإسلامية في بلد ما تشكل الأغلبية فيمكنهم فرض القانون الذي يتفق مع الشريعة، أما إذا كانوا أقلية فهم غير مكلفين إلا بما هو في وسعهم ويكون حكمهم حكم المضطر، ولكن عليهم أن يقوموا بواجب الدعوة إلى ما يتفق مع الشريعة.
*******
إن النظام الحزبي الديمقراطي يسعى إلى تعميق وتضخيم الخلافات بين طوائف الشعب بل واختلاقها إن لم يكن لها وجود، أما دين الحق فيقر بالاختلافات ولكنه يستثمرها إلى المدى الأقصى لزيادة الثروة الأمرية (المعنوية والفكرية والثقافية) للأمة، أي إلى زيادة ما يسمونه بالقوة الناعمة لها، وهو يجعل الشورى بين أولى الأمر وسيلة للوصول إلى الرأي الأمثل أو لصياغة القانون الأمثل، فحق سن القوانين الملزمة للناس مقصور علي أولي الأمر في المجال الذي يراد سن قانون بخصوصه، وقد يستلزم سن قانون ما تضافر هيئات متعددة من أولي الأمر، وبالطبع فإن هذا القانون يظل قانوناً مدنياً ولا يكتسب أبداً أية صبغة دينية، إنه يجب العلم بأن الديمقراطية تفرق في حين أن دين الحق يوحد.
*******
إنه لا جدوى ولا معنى لافتعال أحزاب لا جذور تاريخية لها، وإنما يمكن أن تتعدد آراء أولي الأمر عند إصدار تشريع ما أو البت في أمر ما، وعندها يجب إعمال الشورى واتباع المناهج العلمية السليمة، وكلها مناهج موضوعية لا دخل فيها للأصول الاجتماعية ولا الأهواء المذهبية أو الطائفية.
رغم كل محاسن النظام الديمقراطي إلا أنه ليس هو النظام الأمثل المتفق مع دين الحق كما أنه لا يصلح أبداً للخروج بالأمة من ظلمات الجهل والتخلف والانحطاط والتمزق، بل إنه يؤدي إلي تفاقم وترسيخ تلك الظلمات، وهو أيضاً لا يصلح لتحقيق تقدم حقيقي وجاد في أمة تريد أن تنمو وتتقدم.
*******
إن أفضل ما في النظم الديمقراطية سيادة القانون وتساوي كل الناس أمامه وشدة الرقابة على من يمارس الأمور العامة، وكذلك حرية الرأي والفكر والعقيدة وحق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتواصي بالحق وحق الحصول على المعلومات والفصل بين السلطات واستقلالها....، وكل تلك الأمور يمكن تحقيقها بتفعيل نظام أولي الأمر الإسلامي وإلغاء كل مظاهر التسلط، ولكن يلزم دائماً درجة معينة من الرقي العام للناس، إن استيراد أفضل النظم لن يصلح للرقي بشعب جاهل منحط متخلف يحتقر العمل ويزدري النظام والقانون ويعبد الكهنوت ويؤمن بالخرافات ويحترم ويوقر الاستبداد ولا يعرف معنى الحرية أو الكرامة ويقدم الولاء للأسرة أو القبيلة أو المذهب الذي هو محسوب عليه ولا يعرف عنه شيئا على أي ولاء آخر، ويجب القول بأنه لدى الشعوب المحسوبة على الإسلام أفضل الأديان ولكنهم لم يتمكنوا من الانتفاع به، فقد اتبعوا من قديم المذاهب التي حلت محله، هذا في حين أن تسرب بعض قيمه ومناهجه إلى أوروبا قد تسبب في نهضتها وتحررها من ظلمات العصور الوسطى.
*******
إن القول بأن الشعب هو الذي يحكم في النظام الديمقراطي ليس بالقول الدقيق، فالذي يحكم بالفعل هم دائمًا الأقلية وهم صنائع أصحاب القوة الحقيقية والمصالح والنفوذ، وبالمقارنة بين نظام أولي الأمر الشرعي وبين النظام الديمقراطي يتبين تفوق نظام أولي الأمر، ذلك لأن المؤهلين للقيام بالأمر في النظام الديمقراطي ليسوا هم الشعب كله، بل هم مجموعة أناس معينين محدودين ممن احترفوا العمل السياسي، أما الشعب فلا يمارس الحكم، وإنما يختار من المرشحين من يقومون بممارسة الحكم، وهو لا يمارس هذا الحق إلا مرة كل بضع سنين عندما يحين أوان الانتخابات، وهو ما يئول في النهاية أن تكون الديمقراطية بحق هي حكم الأقلية وليس حكم الأكثرية، وكم خيب المنتخبون ظن الناس، والمشكلة هي أن تلك المجموعة المنتخبة سيتم اختيارها من محترفي العمل السياسي، فهم متمرسون بكل ما يستلزمه ذلك من مكيافيلية وبهلوانية وبراجماتية وديماجوجية، وهؤلاء أثناء صعودهم لابد لهم من قوى تدعمهم ثم تستغلهم لتحقيق مآربها، فهم منحطون بالضرورة وسيزيدون من انحطاط أنفسهم وأمثالهم والناس الذين قد يضطرون أحياناً لاختيار أفضل السيئين، أما الدول المتقدمة فيوجد لديها مراكز أبحاث استراتيجية ومراكز لصنع القرار توفر كل ما يلزم لمن وقع عليه الاختيار ليتخذ القرار، أما النظام الشرعي فإن القيام بالأمر فيه يتم عن طريق هيئات قوية ومترابطة من أولي الأمر، فهو يجعل من ولي الأمر صانعا للقرار ومتخذا له بحكم تأهيله الرفيع، وبذلك تتم إدارة أمور الأمة بأسلوب علمي وقيمي رفيع ويتم القضاء على أسباب الفساد والإفساد، وهيئة أولي الأمر تشكل كياناً دائماً تتراكم فيه المعلومات والخبرات وتجنب الناس شر القرارات الجاهلة الأهوائية وشر القرارات الارتجالية العشوائية وشر المغامرات الطائشة.
أما سبب نجاح النظم الغربية فهو فيما يتمتع به الإنسان هناك من الرقي وما اكتسبه على مدى العصور من حقوق لا يمكن لأحد منهم المساس بها، وكان ذلك نتيجة كفاح وثورات وصراع طويل، ومن تلك الحقوق حقوق الإنسان الرئيسة ومنها حق التملك وحق الأمن وحرية التنقل والاستقلال في الرأي والتفكير وحرية العقيدة والمشاركة في القرار السياسي وفي اختيار الحكومة، وفي القدرة على إبداء الرأي وانتقاد الأوضاع، وتغيير الحكومات عندما يثبت فشلها أو تتجاوزها التطورات، كما تحقق هذه النظم المساواة للجميع أمام القانون، ومن المعلوم أن الإسلام يكفل للمرء حقوقاً أفضل وأسمى من هذه الحقوق المذكورة بل ويجعل صيانتها والحفاظ عليها من أركانه ومقاصده.
*******
الديمقراطية في ذاتها نظام مبدد للطاقات مهدر للموارد، وكل مزاياها ستتحول إلى كوارث عند محاولة تطبيقها في بلاد همجستان، ما ننادي به منذ عشرات السنين: أن تدار أمور الدولة بواسطة مجامع تقنية مستقلة متخصصة كما تُدار شركة عملاقة، يتم ذلك بتحويل كل وزارة أو مصلحة أو مؤسسة إنتاجية أو خدمية إلى مجمع خبرات دائم ذي تراتبية أكاديمية عسكرية، هذه المجامع يجب أن تكون على أعلى درجات الانضباط العسكري، ولا يجوز افتعال أحزاب، ولا جدوى منها، وفي هذه المجامع يتم تصعيد الفرد طبقا لتأهيله وإنجازاته، لا جدوى من اتباع تجارب الغرب، ولا أمل في اللحاق بهم لمن يصر على أن يسلك نفس طريقهم، وقد رأيتم -كما أعلنا ذلك في حينه- أن ما يُسمَّى بالنشطاء السياسيين هم مجموعة من الخونة المرتشين والممولين من منظمات مشبوهة، ولن يكون رجال الأحزاب بأفضل حالا منهم، يجب اختزال الجدل السياسي إلى أدنى حد ممكن وأن يكون للإنتاج وإعداد القوة على كافة الأصعدة الأولوية، يجب الاستفادة من تجربة محمد علي مع تلافي عيوبها.
*******
لا جدوى من الديمقراطية إذا كان الشعب مكونا من طوائف دينية أو مذهبية أو عرقية أو لغوية بحيث توجد أغلبية كاسحة وأقليات متعددة كما هو الحال في أكثر الأحيان، ولكن المطلوب هاهنا هو نظام مدني سليم، إن محاولة افتعال نظام ديمقراطي في بلد لا حاجة له به ولا جدوى من تطبيقه فيه لن يزيد الأوضاع إلا سوءا، فسيؤدي ذلك بالضرورة إلى ظهور أحزاب مفتعلة وإلي إحداث انقسامات وإلى استهلاك طاقات الأمة في تمزيق نفسها وتكريس مشاكلها وإلى سيطرة أقدر الأحزاب على تحريك الدهماء والغوغاء والقطعان وعلى استغلال جهلهم وتخلفهم، ويجب العلم بأنه في ظل التعليم المصري المتخلف وسيطرة منظومة الصفات الشيطانية على الناس، ويجب العلم بأنه لا يوجد ارتباط كبير بين الحصول على درجة أكاديمية عالية وبين الثقافة والرقي والتحضر.
ولا حاجة إلى الديمقراطية الغربية في شعوب تملك صيغا للتعايش السلمي بين مراكزها وطوائفها المتعددة أو تتسم أصلاً بالتجانس.
*******
إنه في نطاق الوطن الواحد أو الشعب الواحد من حق أية طائفة ترى أن ثمة ما يجمعها من المبادئ أو الميول أو المصالح أو المقاصد أن يكون ثمة إطار شرعي أو كيان شرعي يجسد اتجاهها هذا، وذلك أقرب إلي تحقيق مقاصد دين الحق، والنظام الديمقراطي به ما يلزم من الآليات والوسائل لتحقيق ذلك، ولكن لا يجوز أن يؤدي ذلك إلي تكوين أحزاب تسعى للاستحواذ علي السلطة عبر الصناديق، إن ذلك يعطي مزايا غير موضوعية للأكثرية العددية، إن النظام الحزبي لا يصلح للنهوض بشعوب أعماها الجهل وضربها التخلف والانحطاط والفقر القيمي والماضوية في مقتل، ولقد نجحت الديمقراطية بالفعل مع شعوب كانت أكثر فقراً في الموارد الاقتصادية وعاشت علي مدى التاريخ علي هامش التاريخ البشري، ولكن تلك الشعوب لم تُشرب في قلوبها منظومة الصفات الشيطانية كما حدث مع الشعوب المسماة بالإسلامية.
ولقد فرض محمد علي خطواته الإصلاحية الجبارة على المصريين بالقوة، ولو استفتاهم فيها لرفضوها، ولقد اضطر لأن يؤسس المدرسة الحربية على النمط الفرنسي بعيدا في أسوان هربا من الجهلة والمشايخ الذين كانوا يؤلبون الناس عليه، وأشرك ابنه إبراهيم مع الطلبة الآخرين في تلقي العلم العسكري على أيدي الفرنسيين، فبرع وأصبح من أقدر قادة القرن التاسع عشر، وعندما فرض التجنيد الإجباري على المصريين شوه بعضهم نفسه وفرَّ الكثيرون منهم إلى الشام وكانت استعادتهم مما تذرع به لشن الحرب على العثمانيين في الشام.
إنه لا جدوى ولا معنى لافتعال أحزاب لا جذور تاريخية لها، وإنما يمكن أن تتعدد آراء أولي الأمر عند إصدار تشريعٍ ما أو البت في أمر ما، وعندها يجب إعمال الشورى واتباع المناهج العلمية السليمة، وكلها مناهج موضوعية لا دخل فيها للأصول الاجتماعية ولا الأهواء المذهبية أو الطائفية.
*******
إن نجاح النظام الديمقراطي يستلزم حداً أدني من رسوخ التقاليد والقيم والتطور وكذلك حداً أدني من البشر المؤهلين والمتمرسين، وهي لا تحقق بالضرورة طفرات تقدمية أو إحياء أمة، أما سبب تقدم شعوب أوروبية مثل الأسبان والبرتغاليين والتشكيك...الخ بعد الأخذ بالديمقراطية فلأنهم كانوا أوروبيين بالفعل وعلي صلة وثيقة بالثقافة والقيم والمناخ والتأثير الأوروبي العام فضلا عن تعاطف الغرب معهم ودعمه لهم وليس تآمره عليهم ولا تربصه بهم، هذا فضلاً عن أنه كان لدي شعوبها من الدوافع والحوافز والإصرار ما جعل اللحاق بالغرب أمرا لازما وحتميا لهم.
*******
إن الشورى ليست هي الديمقراطية وإنما هي آلية لتبادل الآراء بين مجموعة من الناس بخصوص أمر مشترك فيما بينهم، وهي نوع من التدبر والتفكير الجماعي يتيح للكيانات الإنسانية تبادل الخبرات والاستعمال الأمثل للملكات، وهي بمقتضى القرءان ركن فرعي من أركان الدين، وهي من تلك الحيثية ملزمة للناس أجمعين وخاصة بين أولي أمر معين، والمقصود بأولي أمر معين هم أكثرهم إلماما به وتأهيلاً له وإحاطة به من كافة جوانبه والذين وصلوا إلي ذلك وفقا لآليات شرعية مقررة ومعترف بها من الناس، فولي الأمر ترشحه لذلك ملكاته وقدراته وإنجازاته وصفاته وتحقيقه لكافة المتطلبات اللازمة.
*******
1