الحقائق والشؤون الإلهية والمتشابهات
الكتابـة 1
الكتابـة 1
من معاني الكتابة: الإيجاب والفرض والتسجيل والتدوين والتجميع.
والأمر المكتوب هو ما وجب تحققه إذا كان بمقتضى المنظومة الكلية للأسماء الحسنى، وهو الأمر الذي لا تبديل له ولا تحويل فهو يشمل القوانين والسنن وكذلك الحقائق والماهيات الأولية، وكذلك يشمل الأحكام التي تصدر على الكيانات المخيرة بسبب أفعالهم الاختيارية وبالنظر إلى نسق القوانين الحاكم عليه.
وهناك أحكام الشرائع، وهي بمقتضى منظومة أسماء الهدى والإرشاد التي مجالها الإنسان المخير، هذه الشريعة تطورت بتطور الإنسان إلى أن اكتمل الدين.
وبالنسبة إلى إنسانٍ ما فإن ما كتبه الله تعالى عليه هو ما قدَّره أو علمه، ذلك لأن له الإحاطة العلمية التامة بهذا الإنسان وبكل ما صدر عنه وما يمكن أن يصدر عنه بكافة احتمالاته الممكنة.
والأصل هو أن ثمة فرقانا بين الأمر المكتوب وبين الأمر المقدر، فالأمر المقدَّر بصفة عامة يعني الأمر المحتمل بالنظر إلى طبيعة إنسان معيَّن، والأمور المقدرة لا حصر لها فهي تعتمد على توفر شروط ومواقف معينة، والأمر الذي قدره من له العلم المطلق لابد من تحققه أو صدوره عن الإنسان عند توفر الشروط الخارجية اللازمة، وتوفر الشروط يحدث في التوقيت المقدر أيضا، فهو لعلمه بطبيعة إنسانٍ ما يمكنه أن يقدر أن هذا الإنسان سيثبت عند لقاء الأعداء، وله بعد ذلك أن يثبت صدق تقديره بأن يدبر الأمر بحيث يجد هذا الإنسان نفسه في مواجهة الأعداء بالفعل فيثبت ويصدق التقدير، والتثبيت هو أيضًا فعل؛ فهو بالأصالة لله لأن له كل كمال وتأثير، وما يصدر عن المؤمنين من أعمال يرضى عنها ينسبها إلى نفسه، وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى.
أما الأمر المكتوب فهو حالة خاصة من الأمر المقدَّر، فهو إما أن يكون حكما صدر على الكيان أو واقعة لابد أن تحدث له على سبيل الابتلاء، وقد يُكتب الأمر المقدر بمعنى أن يدوَّن وأن يسجَّل، كما يكتب الله تعالى بواسطة ملائكته ما قدَّم الناس وآثاراهم، وقد يمحو آثار ذنوبهم باستغفارهم وطلبهم العفو والمغفرة، ولا غرابة في ذلك، ولا مفاجآت بالنسبة إليه سبحانه، فالأمور تجري وفق سننه التي قدرها هو والسنن تسري على عباده الذين خلقهم هو ويعلم ما توسوس به أنفسهم، وهو معهم أينما كانوا، بل إنه القادر على أن يحول بينهم وبين قلوبهم.
ويجب العلم بأن حقيقة الإنسان المقتضية لاستجاباته لما يمر به من وقائع وأحداث لا يمكن أن تتغير قبل أن تتحقق وإلا لما كانت حقيقة أو لما ظهر هذا الإنسان ولظهر غيره، وتلك الحقيقة تظهر كاحتمال ممكن بسريان نسق معين من القوانين والسنن على كون من الأكوان تجري الأحداث والوقائع فيه، ولله وحده أن يختار من بين كافة الحقائق الإنسانية الممكنة ما يخلقه ويحققه.
*****
إنه لكل كيان إنساني كتاب يتضمن ما صدر عنه من أفعال وأقوال تبيِّن مدي استجابته للأوامر الشرعية وللسنن الوجودية الكونية، وبالنظر إلى نسق القوانين والسنن الحاكم على هذا الكيان يترتب حكمٌ ما عليه قد يتحقق في الدنيا أو في البرزخ أو في الآخرة، والحكم الذي يكتب لابد من تحققه، وثمة أحكام مقدرة لم تكتب فهي قابلة لإعادة النظر فيها.
والأحكام الصادرة تتم بمقتضي أنساق القوانين والسنن التي هي من مقتضيات السمات الإلهية ومنها العدل والرحمة، ولقد اقتضت تلك القوانين أن يكون للإنسان إرادة حرة واختيار وقدرة وغير ذلك من الإمكانات التي هي من مقتضيات طبيعته والتي هي بذلك محددة ومقيدة ولكنها كافية لكي يتحمل بموجبها المسئولية عن موقفه من الأوامر الشرعية، والكيان الإنساني بتوافقه مع الأوامر الشرعية يتحسن كيانه الجوهري بينما يتدهور هذا الكيان بمخالفتها، وهذا يعني أن الإنسان يواجه في حياته إما وقائع مترتبة على تدبير إلهي بهدف ابتلائه حتى تبرز حقيقته وخصائص ماهيته وإما أحكاما واجبة النفاذ مترتبة على أفعال اختيارية سابقة كان لابد من مؤاخذته بها في الدنيا قبل الآخرة أو على أحكام صدرت على الكيان الإنساني الأعلى الذي يشكل هذا الإنسان عنصرا من عناصره، وهذا هو أصل الواجبات المفروضة على الإنسان تجاه ذوي قرباه وتجاه أمته.
فالإنسان معرض لمواجهة أحكام صدرت على قبيلته أو على قومه او على بلده أو حتى على البشرية جمعاء في عصره، وذلك بمقتضي أنساق أعلى من القوانين والسنن، وفي هذه الحالة لن يتم خرق القوانين والسنن من أجل أحد، وإنما يمكن تدبير وسائل طبقا للسنن لنجاة من قدِّر لهم النجاة.
ويجب الإيمان بأن كل ما في الكون إنما هو بالأصالة من تدبير الله تعالي، فهو الذي يدبِّر الأمر ويفصل الآيات لكي يحقق مقاصده وكل ما في الكون يجري بعلمه وبمقتضي قوانينه وسننه، وهو الذي أعطي كل إنسان مجالا يمتد بطول عمره لكي يسعى لتحقيق كماله، وتدبير الوقائع والأحداث الكونية إنما يتم بمقتضي القوانين والسنن وما يترتب على حل المعادلات الكونية لتحقيق المقاصد الوجودية وكل ذلك هو من محض الشئون الإلهية لا يُسأل فيها عما يفعل، ولكن لابد من الثقة التامة به وبلوازم وجوده من الأسماء الحسني ومقتضياتها من القوانين والسنن.
ويجب العلم بأن الله سبحانه لا يكلف نفسًا إلا وسعها الذي يعلمه هو ولا يكلفها إلا ما آتاها من خزائنه وهو لن يحاسب إنسانًا إلا على عمره الذي سمح له به وعلى ما أعطاه فيه من فرص وإمكانات للوصول إلى كماله، ولو تدبر الإنسان لأدرك أنه بالنسبة إلى الزمن اللانهائي المتطاول فإن الفوارق الزمنية الأرضية هي جد قصيرة جدا، وجسم الإنسان الأرضي هذا ليس بمقدر للخلود، وليس ثمة فرقان كبير بين هلاك آلاف الأشخاص في لحظة زمنية قصيرة بسبب كارثة طبيعية وبين هلاك كل منهم على حدة على مدي نصف قرن مثلا، فالحياة الدنيا هي حياة قصيرة عابرة ومتاعها جد قليل ولكنها كافية تماما لتحقيق المقاصد الوجودية.
*****
1