نظرات في المذاهب
50
حجية مفهوم المخالفة
مفهوم المخالفة ما عدا مفهوم اللقب حجة عند الجمهور، مع اختلافهم في قوة كل نوع من أنواعه.
قالوا: ((إذا كان الشارع قد خصص حكم المنطوق بحالة معينة وقصره عليها، احترازا عن غيرها من الحالات الأخرى؛ فإن المنطق التشريعي قاض بأنه إذا انتفت هذه الحالة التي قيد بها الحكم، انتفى الحكم تبعا لذلك؛ لأنه فقد أساس تشريعه وثبت نقيضه، إذ لا يعقل أن تتحد إرادة المشرع وحكمه في حالتين متنافيتين، طالما أنه قد ثبت أن المشرع قد جعل الحالة الأولى قيدا معتبرا في تشريع حكم المنطوق وأساسا له.
وعلى هذا إذا ثبت أن القيد قد تمحض لبيان التشريع في الفروع كانت دلالته على هذا المفهوم المخالف حجة بلا ريب، ولهذا القيد أيضا فوائد أخرى تتجلى في تحديد مجال تطبيق الحكم لا في إنشاء الحكم.
قولنا:
هناك جمل قرءانية تعلق المعنى أو الحكم بقيدٍ ما، هذا القيد له أنواع عديدة، منها من الوصْف أو الشرط أو العدد أو الغاية أو الحصر أو اللقب .... الخ.
فهل الحكم أو المفهوم في حالة زوال القيد يكون هو الحكم المقابل أو المضاد بالضرورة للحكم أو المفهوم في حالة ثبوت القيد؟ وهل يجب تسمية الحكم الجديد أو المفهوم الجديد بمفهوم المخالفة؟!
في الحقيقة يجب أولا تحديد المسألة ثم إعمال المنهج القرءاني، وعادة لا يمكن أن تستقل الجملة بعد إلغاء القيد بالحكم أو المعنى، بل يجب إعمال منظومات وعناصر دين الحق، وخاصة منظومة السنن التشريعية ومنظومة سمات الدين.
كما لا يجوز السفسطة وعمل افتراضات لا مبرر لها، مثال:
ثمة آية تحدد عقوبة الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء بالجلد ثَمَانِينَ جَلْدَةً، فلا معنى هنا لبحث حقانية مفهوم المخالفة.
ثمة آية تأمر بالتثبت من الخبر الذي يأتي به فاسق، فلا يجوز القول بوجوب قبول الخبر الذي يأتي به من ليس معروفًا بالفسق، والذي قد يزعمون له أنه عدل، فالأصل وجوب التثبت واستشهاد الشهود وطلب البرهان المبين في المسائل العلمية.
وبالأحرى لا يجوز قبول أي قولٍ ينسبه أحدهم إلى نبي من الأنبياء ليصبح أمرًا دينيا ملزمًا للناس إلا بتوفر ما يلزم من شهود وبراهين وبينات.
وارتفاع القيد الوارد في العبارة يؤدي إلى ظهور حالة بلا قيد، هذه الحالة هي بصفة عامة مسكوت عنها، وما يقدمه مفهوم المخالفة ليس إلا احتمالا قد يثبت إذا اتسق مع الجملة القرءانية وقد لا يثبت.
وقد ثبت باستقراء الحالات التي قدموها لإثبات مفهوم المخالفة ما يلي:
إما أنه باطل، وإما أنه تحصيل حاصل، وإما أن الحكم ثابت بما هو أقوى في الدلالة منه.
فلا قيمة له إلا أن يقدم قولا متسقًا مع الجملة القرءانية التي تعالج نفس المسألة.
1
عدد المنشورات : ٦٥١