المنظومة المعنوية الشيطانية
انهيار الأمم وهلاكها
إن انهيار الأمة إنما يحدث عندما تستبدل بالمنظومة الأمرية الرحمانية منظومات شيطانية وتألفها حتى تستغرب وتستنكر أي منظومة أخرى، ولذا كان استنكارهم وعجبهم مما أتتهم به رسلهم، قال تعالي حاكيا عنهم:
{قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ(87)} (هود)، {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ(56)} (النمل)، {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ(5)} (ص).
فالمنظومات الشيطانية تجعلهم يألفون ما هو مضاد للفطرة السوية، ومن مقومات تلك المنظومات أن تختل الموازين فتتضخم الوسائل على حساب الغايات ويعلو الأسافل ويحيا ما يجب أن يموت، ويموت ما يجب أن يحيا.
ولبيان ذلك: لقد سخَّر الله سبحانه كل شيء للإنسان وكرَّمه وحمله في البر والبحر وخلقه حرا ولم يجعل له من دونه ربا وأمره بألا يتخذ من دونه وليا، فإذا ما اختل الأمر استعبد الإنسان نفسه لإنسانٍ مثله، واستعبده غيره ورضي لنفسه بالمهانة فامتهنه غيره، وسخر نفسه للأشياء واستعبد لها نفسه فصار كل همه الاستكثار منها في حين أهمل الاستكثار مما يصلح به جوهره وشأنه؛ فأهمل التزكي والتحلي بكل ما من شأنه أن يجعله إنسانا حقًّا فعليه إذًا أن يتحمل عاقبة خطئه وأن يتبوأ المكانة المهينة التي ارتضاها لنفسه.
وكل ما دعا إليه الرسل أقوامهم هو من الأمور اللازمة لتحقيق المقاصد الدينية وكل ما نهوا عنه هو من الأمور التي تقوض تلك المقاصد وتمنع تحققها وبالتالي تؤدى إلى هلاك الأمم، ومما نهى عنه الأنبياء:
1. إنكار الإله أو سوء الظن به أو إنكار أي اسم من أسمائه أو سمة من سماته أو ادعاء شركاء له.
2. العلوّ في الأرض بادعاء الألوهية أو الربوبية ولو بلسان الحال والاستبداد وازدراء آراء الآخرين.
3. ازدراء الصالحين المصلحين والاستخفاف بهم والسخرية منهم والكيد لهم.
4. تمزيق الناس بجعلهم شيعًا يضطهد بعضهم بعضا ويتعالى بعضهم على البعض.
5. الظلم والبغي بانتهاك حقوق الإنسان الأساسية ماديا أو معنويا واستعباده وامتهان كرامته والعدوان على ماله أو عرضه أو وطنه.
6. بطش الأقوياء بالضعفاء وازدراء الملأ لعامة الناس.
7. الإكثار من الفساد في البلاد بمقاومة الفضائل وإشاعة الفسق والرذائل.
8. الاستسلام لكل جبار عنيد واتباع أمره.
9. الكفر بأنعم الله.
10. عبادة الأشياء والاستئثار بالمال وإمساكه وكنزه أو استخدامه للإفساد فى الأرض.
11. الترف.
وآليات انهيار الأمم ليست على نمط واحد وإنما تتنوع تبعا لطبيعة كل أمة وحضارتها ونمط معيشتها.
فانهيار قوم شعيب هو النمط التقليدي لانهيار أمة تجارية.
أما انهيار قوم فرعون فهو النمط التقليدي لانهيار نظام ملكوتي كهنوتي عنصري راسخ.
وانهيار قوم عاد هو نمط انهيار أمة عاتية محاربة ذات حضارة مادية فائقة.
أما انهيار الأمة المحسوبة على الإسلام فمن أسبابه ما يلي:
1- الجهل بمقاصد الدين العظمى المترتب على صياغة خاطئة للمعطيات الدينية اختلت فيها الموازين وحرِّفت المعاني الأصلية للمصطلحات؛ أي حُرِّف الكلم عن مواضعه، ولقد أدَّى ذلك إلى إنكار السببية وازدراء القوانين والسنن.
2- سيادة تصور خاطئ عن الله سبحانه لا يليق بذاته.
3- تقديس الأسلاف، وإنما كان الاختلاف فيما بينهم فيمن هو الأولى بالتقديس.
4- سيادة النزعة النقلية واعتبار الدين آثارا وأخبارا تمتطى.
5- تغليب جانب النقل والحفظ على كافة الجوانب الأخرى وإهمال ملكات الإنسان العليا.
6- تغليب التقاليد العربية والملامح المحلية على المفاهيم والتصورات الإسلامية العالمية.
7- الجهل بقدر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ ومجاملة من يسمونهم بأصحابه على حسابه.
8- تأطير الدين وتحنيطه إما بتحويله إلى مدونات قانونية جافة أو إلى طقوس حرفية أو إلى مدونات كلامية جدلية.
9- إهمال الجانب الروحاني والوجداني من الدين، أو جعلها تحت بند الطرائف والرقاق والملح.
10- إهمال تزكية النفس ومكارم الأخلاق.
11- إهمال أداء الواجبات العظمي المنوطة بالأمة مثل الدعوة الجادة والمنهجية والمنظمة إلي الإسلام (وليس إلى المذاهب التي حلت محله) ونشر اللغة العربية.
12- إهمال أكثر الأوامر القرءانية وخاصة المتعلقة باستعمال ملكات الإنسان الذهنية للنظر في آيات الله الكونية والكتابية.
والحقّ أن كل الصياغات الدينية الموجودة الآن محملة بأعباء وأوزار القرون ولا تصلح لإحياء أمة ولا تثير حماسا ولا تلهب شعورا ولا تزكِّي نفسا.
*******
إن ثمَّة أمورا هى من كبائر الإثم بالنسبة للأمة، وأمرها أخطر من كبائر الإثم على المستوى الفردى، وإن الإصرار علي اقتراف كبائر الإثم تلك هو من أسباب انهيار الأمم وهلاكها، ومن تلك الكبائر العدوان والظلم والإفساد في الأرض وسفك الدماء والفتنة، ولقد أعلن الله سبحانه بكل وضوح أنه لا يحب المعتدين، وبالتالى فإنه ليس من حق أمة أو طائفة أن تعتدى على أخرى مهما كانت مقاصدها، فالوسائل في دين الحق يجب أن تكون مشروعة، إن أسمى غاية ممكنة وهى الدعوة الى دين الحق لا يمكن أن تتحقق بالعدوان على الآمنين المسالمين، فالقتال لا يكون إلا دفعًا لعدوان أو إخمادًا لفتنة أو دفاعا عن مستضعفين أو كفاً لبأس الذين كفروا، لذلك فالعدوان محرم بالأحرى إذا كان فى سبيل غاية دنيوية مثل الاستيلاء على خيرات أمة أخرى أو قهرها واستعبادها أو استيطان أراضيها، وما يحرم على الكيان الصغير مثل الفرد يحرم بالأحرى على الكيان الكبير، والسرقة من كبائر الإثم التي تستوجب عقابا شديدا ونكالا من الله العزيز الحكيم إذا اقترفها شخص، وهي أشد من ذلك إثماً وجرما إذا اقترفتها طائفة.
*******
1