أهل الكتاب
عودة إلى مسألة أَهْلِ الْكِتَابِ
إن القرءان يضمن لأهل الكتاب كافة حقوقهم الإنسانية، فكل إنسان هو خليفة في الأرض ومكرم ومفضَّل عند الله على كثير ممن خلق تفضيلا، كما يقرر القرءان لهم حقوقًا إضافية كأهل كتاب منزل يؤمنون بالله ويتطلعون إلى عالم الغيب، هذا رغم العلم بما يقولونه على الله وكتابه ورسوله، فلا حاجة إلى الزعم بأنهم مسلمون، ولا يجوز الخلط بين المعاني اللغوية وبين المصطلحات الدينية، هذا مع العلم بأن كل الرسل والأنبياء ومن اتبعهم في عصورهم كانوا مسلمين، وللكلمات "إسلام" و"مسلمون" معانيها الاصطلاحية الواضحة، هذا فضلا عن أن اليهود والنصارى لم يطلبوا من أحد أن يعتبرهم مسلمين، وليس من حق أحد أن يتبرع بإضفاء اللقب عليهم، ومن الأفضل لمن يزعم ذلك أن يحاول أن يكون هو جديرا بحمل هذا اللقب.
وأهل الكتاب هم أهل الكتاب، هذا هو اسمهم القرءاني، يجب برهم والإقساط إليهم واحترام كرامتهم وحقوقهم، بل إن احترام حقوق الإنسان وكرامته من الأوامر الدينية التي يتعبد المسلم إلى ربه بالعمل بمقتضاها.
ويجوز نكاح المحصنات منهم والأكل من طعامهم، أما الكفر والشرك فهي صفات لا يخلو منها إنسان بما فيهم المحسوبون على الإسلام، وهي لا تغيِّر شيئا من الصفة القرءانية القانونية.
وأكثر المحسوبين على الإسلام الآن كفروا بالكثير من عناصر الإسلام وأشركوا بربهم، ولكن هذا لا ينفي عنهم الصفة القرءانية القانونية.
ولكن هناك من أتبعوا الكفر النظري الاعتقادي بتصرفات عدوانية بمقتضى كفرهم وأوقدوا نيران الحروب وسعوا في الأرض فسادا مثل داعش وغيرها من حركات الإجرام السياسي، هؤلاء مجرمون وليسوا بمسلمين وهم الذين كفروا.
*******
حرية الدين من حقوق الإنسان الأساسية المقررة في القرءان بأجلى بيان، والإنسان هو خليفة ومكرم ومفضل لكونه إنسانا، والذي جعله كذلك هو ربه الرحمن، لذلك لا يجوز لأحد من البشر أخذ أموال منه مقابل السماح له بممارسة حقٍّ من حقوقه الأساسية، والله تعالى لم يعين أحدا من الناس وكيلا عنه أو مسيطرا عليهم باسمه.
ولا يجوز فرض جزيةٍ على أهل الكتاب المسالمين؛ الجزية تُفرض على من اقترف ما يوجب شرعا قتاله ولو كان من المحسوبين على الإسلام مقابل إنهاء القتال وذلك جزاءً لكونه اقترف عدوانا وليرتدع عن فعلِ مثلِه غيرُه.
*******
زعم بعض المجتهدين الجدد أن اليهود والنصارى مسلمين طبقا لتعريفهم هم للإسلام، وقد تابعهم في ذلك دراويشهم المؤمنون بهم إيمانا لا يتزعزع، وهذا الزعم باطل، بل إن اليهود والنصارى بنص القرءان ليسوا من ملة إبراهيم وهي الشرط الأول ليكون المرء مسلما حقا، قال تعالى:
{وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِين} [البقرة:135]،
فهذه الآيات تبين أنهم مشركون بالإضافة إلى كونهم ليسوا من ملة إبراهيم، فالشرط الأساسي ليكون الإنسان مسلما أن يتبع مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا، ففحوى القول: {وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِين} أنهم هم كذلك.
فهم بانحرافهم عن ملة إبراهيم لم يعودوا مسلمين، ويجب العلم بأن الديانة اليهودية لم تظهر إلا بعد العودة من السبي البابلي، وأن القرءان لم يسمِّ أبدا من آمن بموسى باليهود وأن النصارى هم من أطلقوا على أنفسهم هذا الاسم، وكذلك فعل المسيحيون، فهذه أسماء ما أنزل الله بها من سلطان.
فمصطلح الإسلام يُطلق على متبع الدين الصحيح الذي بدأ بما وصَّى الله تعالى به نوحًا، ثم بدأ رسميا بإبراهيم واتبع كل نبي مرسل جاء مجددا لهذا الدين أو مضيفا إليه برسالة جديدة، لذلك فهو يُطلق على من اتبع إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والمسيح وخاتم النبيين، أما من نأى بنفسه عن هذا الدين الصحيح فهو غير مسلم.
لذلك لا يجوز أن يُسمَّى اليهود والمسيحيين بالمسلمين، ذلك لأنهم رفضوا اتباع خاتم النبيين وكفروا به وبرسالته، فالذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين هم اليهود والنصارى، وقد قال الله تعالى فيهم:
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّة} [البينة:6]
ومن يسميهم بذلك يسيء إلى النبي الخاتم ويوافقهم على موقفهم منه.
ومع كل ذلك فالإسلام الحقيقي يكفل لهم حرية العقيدة رغم كفرهم به ويأمر المسلمين ببرهم والإقساط إليهم واحترام حقوقهم الإنسانية وكرامتهم.
والدين عند الله واحد، هو الإسلام بالمعنى الاصطلاحي، وهو الذي بلغ ذروة كماله بالرسالة المحمدية؛ وهي القرءان الكريم، أما اليهود والمسيحيون فهم الذين نأوا بأنفسهم بعيدا عن هذا الدين الواحد؛ فلا يجوز اعتبارهم مسلمين رغم أنوفهم، ولا يجوز تمييع الفواصل بدعوى العصرانية فإنها لن تكون إلا على حساب دين الحق.
ولليهود والمسيحيين وغيرهم من أتباع شتى الديانات والمذاهب كافة حقوقهم الإنسانية المقررة في الإسلام ومنها حرية الإيمان، والمسلم الحق يتعبد إلى ربه بالحفاظ على حقوق الناس واحترام كرامتهم وبرهم والإقساط إليهم، فكل إنسان هو خليفة ومكرم ومفضل وحامل للأمانة.
والإسلام له معانٍ عديدة، منها معانٍ لغوية مثل الانقياد والإذعان والدخول في السلم، ومنها هذا الدين الواحد الذي هو الدين عند الله؛ أي المعتمد عنده، وهو الإسلام الذي بدأ رسميا بإبراهيم عليه السلام، وأخذ ينمو مواكبا للتطور البشري ودافعًا إليه، وكان ذلك يتحقق بظهور كل رسالة جديدة، وبلغ الإسلام ذروة عالية بالرسالة التي تلقاها موسى عليه السلام، ثم أخذ تفصيلها يزداد وتضاف إليها تعاليم جديدة في الإطار القائم بما كان يتلقاه أنبياء بني إسرائيل، ثم بلغ ذروة جديدة برسالة المسيح عليه السلام، وبلغ ذروة كماله بالرسالة التي تلقاها خاتم النبيين صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ، والاكتمال لم يحدث إلا قبيل انتهاء العصر النبوي، وأعلنه الله تعالى في نصٍّ قطعي الدلالة، قال تعالى:
{..... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا .....} [المائدة:3].
وبذلك فالناس الآن ملزمون بالإيمان بالإسلام في صورته الكاملة التامة، ومن المعلوم أنه لا يجوز الكفر ببعض القرءان وأن من يفعل ذلك هو الكافر حقا، فكيف بمن كفر بالقرءان كله؟
كما ان من الأوامر الدينية الكبرى الملزمة لكل كيانٍ إنساني محسوب على الإسلام الدعوة إلى الإسلام بالسبل السلمية المذكورة في القرءان، ومن يزعم بأن اليهود والنصارى والمجوس وغيرهم مسلمون هو يعمل على تقويض هذا الأمر الكبير.
أما اليهود فقد كفروا برسالة المسيح عليه السلام، وخرجوا بذلك عن الخط العام للإسلام، أما المسيحيون فقد رفضوا رسالة خاتم النبيين، وخرجوا بذلك عن الخط العام للإسلام، ولذلك فاليهود والنصارى ليسوا مسلمين، وهم لا يقولون بذلك ولا يزعمونه لأنفسهم ولم يسمهم الله تعالى بالمسلمين في كتابه.
ومع ذلك ظهر من بين المحسوبين على الإسلام من يصرون على أنهم مسلمون ضاربين بالاسم القرءاني لهم عرض الجدار! والأدهى والأمر هو أنهم يعتبرون أن من يقول بغير ذلك هو المطالب بشرح موقفه!!!!ألا ما أتعس الضالين!!
والمشكلة الخطيرة هي أن هؤلاء كفروا بجزء كبير من القرءان كفرا بواحا، ويمكن لكل المسلم تجميع كل الآيات التي ورد فيها ذكر أهل الكتاب والذين أوتوا الكتاب واليهود والذين هادوا والنصارى صراحة أو ضمنا ليعلم المقدار الهائل من الآيات التي كفروا بها، وهم يحسبون أنهم على شيء.
وعظمة الإسلام المعلوم تتجلى في اعتباره اليهود والنصارى من أهل الكتاب وأنه يأمر بالعدل والإحسان واحترام حقوق الناس وببرهم والإقساط إليهم رغم كفرهم به وإنكارهم له.
1