top of page

نظرات في المذاهب

02

الأمور العملية والمرويات

إن سدنة المذهب الأعرابي الأموي يسمون الأمور العملية والمرويات المنسوبة إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ بالسنة، فالسنة في اصطلاحهم الذي يسمونه بالشرعي هي ما صدر عن رسول الله من قول، أو فعل، أو تقرير، وهم يعتبرون ما ورد في كتب المرويات هو بالفعل ما صدر عن الرسول، وتحفظهم بالقول بدرجات الصحة لا يكاد يعني شيئا.

وهم يتحدثون عن هذه السنة وكأنها كيان قائم وثابت ومشارك لكتاب الله في سلطانه ومهامه، فيقولون "هذا ثبت بالسنة، وهذا ثبت بالقرءان"، وبالطبع هذا يتضمن اعتداءً صريحا على نصوص قرءانية وشركا، وهم يجعلون هذه الآثار ممثلة للرسول بقدر ما يجعلون القرءان ممثلا لرب العالمين، ولذلك يتحدثون عن وحيين، أما الوحي الأول فليس له إلا كتاب واحد، أما الوحي الثاني فله كتب تسعة أو أكثر! ولولا أنهم أقفلوا باب الاجتهاد لتضاعف عددها، ولهذا (الوحي الثاني) عندهم، عمليا وواقعيا، الهيمنة على الوحي الأول، فهو الحاكم والقاضي عليه والناسخ له عند التعارض، فالاسم الحقيقي لدينهم هو بالفعل الدين السني، ولكن لما كانت "السنة" مصطلحًا قرءانيا لا علاقة له بمحدثاتهم فمن الأولى أن يُسمى دينهم بالدين الأعرابي الأموي.

ومن المعلوم أن أكثر آثار ومرويات العصر النبوي قد اندثرت، ومن أسباب ذلك أن جامعي المرويات أنفسهم رفضوا حوالي 99% مما جمعوه، وهم لم يكونوا معصومين في هذا الرفض، فلا شك أنهم اقترفوا أخطاء فادحة، وذلك بسبب قصور معاييرهم، وقصور قدرتهم على إعمالها، وكذلك بسبب ولائهم المطلق لمذهبهم الذي هو مذهب السلطة الطاغوتية الغاشمة التي كانوا يرتعدون هلعًا منها، فلا ريب أن عشرات الألوف من المرويات الصحيحة لم تُدوَّن.

ومن البديهي أنه لا توجد إلا الاحتمالات الآتية بالنسبة لما أبقوا عليه من المرويات بغض النظر عن درجات الصحة التي يقولون بها:

1. أن يكون ما ترويه المروية قد حدث بالفعل، وأن يكون الكلام الذي نسبوه إلى الرسول فيها قد صدر عنه بالفعل بدون أي تغيير أو تبديل، ومن البديهي أن احتمال تحقق ذلك يكاد يكون مستحيلا، ورغم ذلك قد يكون كل موضوع المروية قد أصبح منسوخًا بحكم أن الدين لم يكتمل إلا قبيل انتهاء العصر النبوي، فهم قلما كانوا يدونون تاريخ المروية وكل ما أحاط بها من ظروف وملابسات.

2. أن يكون ما ترويه المروية قد حدث بالفعل، وأن يكون الكلام الذي نسبوه إلى الرسول فيها قد صدر عنه بالفعل، ولكن لحقه بعض التغيير والتبديل والتحريف، وذلك لأسباب عديدة، ومن البديهي أن احتمال تحقق ذلك أقوى من الاحتمال السابق، ورغم ذلك قد يكون كل موضوع المروية قد أصبح منسوخًا بحكم أن الدين لم يكتمل إلا قبيل انتهاء العصر النبوي، فهم قلما كانوا يدونون تاريخ المروية وكل ما أحاط بها من ظروف وملابسات.

3. أن تكون المروية باطلة أو موضوعة.

والسنن الفعلية: هي أفعاله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ مثل أدائه الصلوات بهيئاتها وأركانها، وأدائه مناسك الحج، ومن المعلوم بنصوص القرءان أن هذه السنن كانت أصلا من ملة إبراهيم التي أُمر الرسول باتباعها، وقد أضاف إليها ما أمر القرءان به مثل قراءة القرءان فيها وطهرها مما لحق بها وسنَّ للناس فيها بعض الأذكار والتسبيحات، وبلغت بذلك صورتها النهائية، وتعلمها منه ألوف نقلوها إلى مئات الألوف ثم انتقلت إلى ملايين، فلا يجوز الاختلاف بشأنها، ويجب على الناس بدلا من ذلك أن ينشغلوا بإقامتها بإخلاص وخشوع وإخبات وقنوت وحضور ذهن وحضور مع المذكور بإقامتها... الخ، كما يجب أن يجتهدوا في تحقيق مقاصدها مثل ذكر الله والانتهاء بها عن الفحشاء والمنكر.

*****

والسنن القولية عندهم هي ما يزعمون أنه أحاديثه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ التي قالها في مختلف الأغراض والمناسبات.

ومن البديهي أن القول لا يكون سنَّة، وإنما قد يتضمن أمرًا بسنة أو تبيينًا لسنة.

وما لدى الناس ليس أحاديث الرسول ذاتها، وإنما هي ما نسبوه إليه في كتب المرويات في القرن الثالث الهجري، وبالتالي فهذا المنسوب إليه يُظنُّ أو يحتمل صحة نسبته إليه بدرجات احتمال متفاوتة ولكنها ضعيفة بصفة عامة لأسباب عديدة، ولابد من قرينة إضافية لكي يمكن الأخذ بها، هذه القرينة هي بالضرورة وجوب اتساق القول المنسوب إليه اتساقا تاما مع عناصر دين الحق الثابت بالقرءان وإمكان اندراجها في إطاره، ولذلك يجب رفض ما يتعارض مع هذه العناصر تعارضا تاما.

مثال:

قال تعالى:

 {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيم} [القلم:4]،

 فهذه شهادة من رب العالمين العزيز الحكيم لرسوله بالخلق العظيم، أما شهادة جامعي المرويات المعبودين من دونه فهي أنه كان يسبّ الناس ويشتمهم ويلعنهم، جاء في صحيح مسلم:

88 - (2600) حدثنا زهير بن حرب. حدثنا جرير عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عائشة. قالت:

دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان. فكلمها بشيء لا أدري ما هو. فأغضباه. فلعنهما وسبهما. فلما خرجا قلت: يا رسول الله! من أصاب من الخير شيئا ما أصابه هذان. قال "وما ذاك" قالت قلت: لعنتهما وسببتهما. قال "أو ما علمت ما شارطت عليه ربي؟ قلت: اللهم! إنما أنا بشر. فأي المسلمين لعنته أو سببته فاجعله له زكاة وأجرا".

88-م - (2600) حدثناه أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب. قالا: حدثنا أبو معاوية. ح وحدثناه علي بن حجر السعدي وإسحاق بن إبراهيم وعلي بن خشرم. جميعا عن عيسى بن يونس. كلاهما عن الأعمش، بهذا الإسناد، نحو حديث جرير. وقال في حديث عيسى: فخلوا به، فسبهما، ولعنهما، وأخرجهما.

89 - (2601) حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير. حدثنا أبي. حدثنا الأعمش عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اللهم! إنما أنا بشر. فأيما رجل من المسلمين سببته، أو لعنته، أو جلدته. فاجعلها له زكاة ورحمة".

89 - (2602) وحدثنا ابن نمير. حدثنا أبي. حدثنا الأعمش عن أبي سفيان، عن جابر،

عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. إلا أن فيه "زكاة وأجرا".

89-م - (2602) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب. قالا: حدثنا أبو معاوية. ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم. أخبرنا عيسى بن يونس. كلاهما عن الأعمش. بإسناد عبد الله بن نمير. مثل حديثه. غير أن في حديث عيسى جعل "وأجرا" في حديث أبي هريرة. وجعل "ورحمة" في حديث جابر.

90 - (2601) حدثنا قتيبة بن سعيد. حدثنا المغيرة (يعني ابن عبد الرحمن الحزامي) عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة؛

أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "اللهم! إني أتخذ عندك عهدا لن تخلفنيه. فإنما أنا بشر. فأي المؤمنين آذيته، شتمته، لعنته، جلدته. فاجعلها له صلاة وزكاة وقربة، تقربه بها إليك يوم القيامة".

90-م - (2601) حدثناه ابن أبي عمر. حدثنا سفيان. حدثنا أبو الزناد، بهذا الإسناد، نحوه. إلا أنه قال "أو أجلده". قال أبو الزناد: وهي لغة أبي هريرة. وإنما هي "جلدته".

وجاء في فتح الباري شرح صحيح البخاري:

9510 قَوْلُهُ بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ آذَيْتُهُ فَاجْعَلْهُ لَهُ زَكَاةً وَرَحْمَةً ) كَذَا تَرْجَمَ بِهَذَا اللَّفْظِ وَأَوْرَدَهُ بِلَفْظِ اللَّهُمَّ فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ سَبَبْتُهُ فَاجْعَلْ ذَلِكَ لَهُ قُرْبَةً إِلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَوْرَدَهُ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ وَهُوَ ابْنُ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِثْلَهُ وَظَاهِرُ سِيَاقِهِ أَنَّهُ حُذِفَ مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ أَوَّلِهِ وَقَدْ بَيَّنَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمِّهِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ بِلَفْظِ اللَّهُمَّ إِنِّي اتَّخَذْتُ عِنْدَكَ عَهْدًا لَنْ تُخْلِفَنِيهِ فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ سَبَبْتُهُ أَوْ جَلَدْتُهُ فَاجْعَلْ ذَلِكَ كَفَّارَةً لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ اللَّهُمَّ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ ، فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ سَبَبْتُهُ أَوْ لَعَنْتُهُ أَوْ جَلَدْتُهُ فَاجْعَلْهُ لَهُ زَكَاةً وَرَحْمَةً وَمِنْ طَرِيقِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلَ رِوَايَةِ ابْنِ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ لَكِنْ قَالَ فَأَيُّ الْمُؤْمِنِينَ آذَيْتُهُ شَتَمْتُهُ لَعَنْتُهُ جَلَدْتُهُ فَاجْعَلْهَا لَهُ صَلَاةً وَزَكَاةً وَقُرْبَةً تُقَرِّبُهُ بِهَا إِلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ طَرِيقِ سَالِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ اللَّهُمَّ إِنَّمَا مُحَمَّدٌ بَشَرٌ يَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ وَإِنِّي قَدِ اتَّخَذْتُ عِنْدَكَ عَهْدًا الْحَدِيثَ وَفِيهِ " فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ آذَيْتُهُ " وَالْبَاقِي بِمَعْنَاهُ بِلَفْظِ " أَوْ " [ ص: 176 ] وَأَخْرَجَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ بَيَانَ سَبَبِ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَتْ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلَانِ فَكَلَّمَاهُ بِشَيْءٍ لَا أَدْرِي مَا هُوَ فَأَغْضَبَاهُ فَسَبَّهُمَا وَلَعَنَهُمَا فَلَمَّا خَرَجَا قُلْتُ لَهُ، فَقَالَ أَمَا عَلِمْتِ مَا شَارَطْتُ عَلَيْهِ رَبِّي؟ قُلْتُ اللَّهُمَّ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ فَأَيُّ الْمُسْلِمِينَ لَعَنْتُهُ أَوْ سَبَبْتُهُ فَاجْعَلْهُ لَهُ زَكَاةً وَأَجْرًا وَأَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ نَحْوَهُ وَأَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَفِيهِ تَقْيِيدُ الْمَدْعُوِّ عَلَيْهِ بِأَنْ يَكُونَ لَيْسَ لِذَلِكَ بِأَهْلٍ وَلَفْظُهُ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَرْضَى كَمَا يَرْضَى الْبَشَرُ وَأَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ فَأَيُّمَا أَحَدٍ دَعَوْتُ عَلَيْهِ مِنْ أُمَّتِي بِدَعْوَةٍ لَيْسَ لَهَا بِأَهْلٍ أَنْ يَجْعَلَهَا لَهُ طَهُورًا وَزَكَاةً وَقُرْبَةً يُقَرِّبُهُ بِهَا مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَفِيهِ قِصَّةٌ لَأُمِّ سُلَيْمٍ.

والسؤال هنا، ما هو المقصد من إيراد مثل هذه القصص في كتب اعتبرها الناس مصادر للدين زعموا نظريا أنها تالية لكتاب الله، أما عمليا فقد قدموها عليه وقضوا عليه بها وحكموها فيه ونسخوا العديد من آياته بها، بل وأخذوا منها أكثر مادة دينهم؟!

وما هو سرّ حرصهم على إثبات أن الرسول كان يسب ويلعن ويشتم ويجلد الناس؟

وإذا كانت هذه المرويات هي السنة الملزمة للناس فهل يجب على المسلم بذلك أن يسبّ الناس وأن يلعنهم؟!

وهل (السنة) المذكورة متسقة مع ما أورده القرءان عن أخلاق الرسول ومكانته الرفيعة؟

*****

والسنن التقريرية عندهم: هي ما أقرّه مما صدر عن بعض تابعيه من أقوال وأفعال بسكوته وعدم إنكاره، أو بموافقته وإظهار استحسانه فيعتبر هذا الإقرار والموافقة عليه صادرا عن الرسول نفسه.

ولا يجوز التسليم بهذا التعريف، بل يجب النظر فيما هو منسوب إليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ على ضوء كل ما ثبت من عناصر دين الحق الماثل في القرءان وإعطائه وزنه الحقيقي، فربما كان ما سكت عنه لا شأن له بالدين أصلا، أو ربما سكت عنه لعلوّ مقامه عن أن يخوض فيه، ومن ذلك ما كان يسمعه من أحاديث الصبية التي يفضلون فيها آباءهم على غيرهم.

وما هو منسوب إلى الرسول يمكن أن يكون:

1. إعادة ذكر ما هو مذكور في القرءان الكريم بأسلوب ملائم لهم.

2. تجميع أمور وردت موزعة في القرءان في حديث واحد.

3. قول مستخلص من القرءان وفق المنهج القرءاني الذي كان هو أعلم الناس به

4. كيفيات وأشكال العبادات العملية، وبالتحديد أداء الصلاة والحج.

*****

ويقولون إنه توجد (سنة) زائدة على القرءان، وهي (السنة) التي أنشأت أحكاما لم ترد في القرءان، وها هي المثلة التي يضربونها عادة:

أولا:

تحريم أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من طير.

إنه يجب العلم بأن الإسلام لم يبدأ من الصفر في العصر النبوي، وهذا ما ذكره القرءان صراحة، وإنما كانت الرسالة المحمدية تتويجًا للدين الخاتم، والعرب كانوا على ملة إبراهيم في هذه الأمور، والأديان الإبراهيمية كلها -بحكم ما تبقى فيها من ملة إبراهيم- تحرِّم أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من طير، وعلى ذلك كان قوم الرسول، فهذا مما تبقى لديهم من ملة إبراهيم.

وهذا الحكم متضمن في القرءان من حيث تحريم أكل ما أكل السبع، فأكل السبع نفسه أولى بالتحريم، وكثير من المنسوب إلى الرسول إنما يرجع إلى ملة إبراهيم، والمسلمون مأمورون باتباعها، وغير مسموح في ملة إبراهيم بأكل السباع، واليهود والنصارى والصابؤون ومتبعو الحنيفية ملتزمون بذلك، فالرسول كان يبين لهم ما هو مقرر.

كما أن الأصل في سفك الدماء الحرمة، والنصّ على تحليل بعض الأنعام إنما هو للتأكيد ولذكر النعم التي يجب أداء واجب الشكر لله تعالى عليها.

ثانيا:

رجم الزاني المحصن.

هذا الرجم لا وجود له في دين الحق أصلا، وعقوبة الزاني مذكورة في القرءان في نص محكم قطعي الدلالة، وليس من حقّ أحد أن يقرر عقوبة عظمى لم يرد لها أي ذكرٍ في القرءان استنادًا إلى آثار ظنية ثم يجعل من فعله حجة على القرءان وعلى الناس.

ثالثًا:

قتل المرتد.

لا شرعية لهذا الحكم أصلًا في دين الحق، فمن أسس دين الحقّ حرية الدين، وذلك مقرر في نصوص محكمة، لم يستطيعوا إبطال أحكامها إلا بالقول بالنسخ، فاقترفوا بذلك كفرًا على كفر.

رابعًا:

تحريم نكاح المرأة على عمتها ونكاح المرأة على خالتها.

وكان من الأولى بمن أدرج حكمًا كهذا أن يخجل من نفسه، إن الإسلام لم ينزل لمجرد إدارة شؤون مجتمع ذكوري همجي يمكن للذكر فيه أن ينكح قبيلة من النساء، إن الخوض في مثل هذه الأمور هو من الأسباب التي كبلت الأمة ومنعتها من الرقي والانطلاق في المجال الإنساني.

وإذا كان أحد الأعراب سأل عن حكمٍ كهذا، فما هي جدوى إدراجه في الدين أصلا؟ وفي كل الأحوال فالعمة والخالة من أمهات النساء.

أما الفيصل في الأمر فهو أن الأصل في الفروج هو الحرمة، فالتحليل هو الذي يحتاج إلى نصّ.

أما بالنسبة للنص على التحريم في مثل قوله تعالى 

{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (23) وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (24)} النساء

فإنه يجب العلم بما يلي:

من المعلوم أن العرب لم يكونوا ينكحون أمهاتهم أو بناتهم أو أخواتهم ...، ولذلك كان يجب البحث عن الحكمة في ذكرهن هاهنا، فالآية تسرد ما حدث على مدى التاريخ من تحريمات؛ أي تسرد التطور التاريخي للتحريم، وهذا التطور أيضًا يعبر عن شدة درجات التحريم، فالتحريم يشتد كلما زادت درجة القرابة، وأول ما تم تحريمه هو تحريم نكاح الأم ثم الابنة ... الخ.

والآية توضح أن التحريم يتسع باطراد التقدم والتطور، ولقد تبين الآن للناس أن من الأفضل للذرية انخفاض درجة القرابة بين الوالدين.

كما توضح الآيات وجوب مراعاة المشاعر الإنسانية، فالجمع بين الأختين سيكون على حساب رابطة الأخوة، وقد يؤثر بالسلب عليها، كما تبين وجوب توسيع دائرة الصلات بين مكونات الأمة.

فمن مقاصد الآيات النصّ على أنواع جديدة من التحريم، هذا مع أن الأصل في الفروج الحرمة، وذلك مراعاة لأحوال المتعنتين المطالبين دائمًا بنصوص قطعية، ولكون الأصل في الفروج الحرمة ورد النصّ 

{وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ}.

إنه بالنسبة لمسألة الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها أو عمة خالتها أو خالة عمتها أو عمة خالة عمتها فهذا أمرٌ لا يُطرح إلا في مجتمع بدائي ذكوري همجي يتصور أن من حق الذكر أن يتزوج قبيلة من الإناث، وجعْل مثل هذه الأمور من العلوم الدينية التي من الواجب انشغال الصفوة من الناس بها هو تكريس للهمجية والبهيمية، ومن المعلوم أن السادة (الفقهاء) اعتبروا مثل هذه الأمور هي العلم الحقيقي، بينما قالوا عن العلوم الطبيعية: "إن الجهل بها لا يضر والعلم بها لا ينفع، ولا يتعلق بها غرض شرعي"!!!

والقرءان اشترط شرطا صارما بل مستحيلا لتعدد الزوجات، وهو العدل، والزواج على الزوجة الأصلية لمجرد الاشتهاء هو أصلا جور عليها، والزواج هو حاجة فطرية نفسية ووظيفة اجتماعية لكلٍّ من الرجل والمرأة، وليس للرجل فقط، والجور على الزوجة الأصلية يتنافى مع المودة والرحمة التي جعلها الله بين الأزواج، والانشغال بمتاع الدنيا مذموم بشدة في القرءان، أما إيثار الحياة الدنيا على الآخرة فهو من كبائر الإثم المهلك.

ومن مقاصد الدين العظمى إعداد الأسرة الصالحة، ولا يمكن -في هذا العصر- تحقيق ذلك إذا كان الرجل أو بالأحرى الذكر يقتني في بيته أربعة إناث بأبنائهن.

إنه يجب العلم بأن القرءان مبين ومبيِّن وتبيان لكل أمور الدين لمن علم وعمل بالمنهج القرءاني، وما يرد في (السنة) من أحكام يظهر للناس أنها زائدة على ما ورد في القرءان هي -إذا كانت صحيحة- مستنبطة أصلا من القرءان، أو مصدقة لما هو ماثل فيه.

*******

وقالوا: ((إن (السنة) قد تكون سنة مثبِتَة ومنشِئَة حُكما سكت عنه القرءان، فيكون هذا الحكم ثابتا بالنسبة ولا يدل عليه نص في القرءان، ومن هذا تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها، وتحريم كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطيور، وتحريم لبس الحرير والتختم بالذهب على الرجال، وما جاء في الحديث: "يحرم من الرضاع ما يحرم بالنسب"، وغير ذلك من الأحكام التي شرعت بالسنة وحدها، ومصدرها وحي ثان أو اجتهاد الرسول)).

سبق الحديث عن أكثر هذه الأمور، وباختصار هذا النوع مصدره هو القرءان الكريم وإعمال المنهج المستخلص من القرءان الكريم، وليس مطلوبا من القرءان أن يعطي حكما لأمور شديدة الندرة ولا أن يكون طوع بنان متبعي نهج بني إسرائيل ولا أن يعطي حكما لأمر جزئي معزولا عن الأمر الكلي.

أما اجتهاد الرسول فكان أساسه القرءان، فهو أعلم الناس بأسسه ومبادئه وسننه، فكان يحكم بين الناس ويبت في الأمور الجارية بما أنزل الله إليه من القرءان وما يتضمنه من أسس وسنن وقيم، وعندما تكون ظواهر الأمور وشهادات الشهود يمكن أن نؤدي إلى حكم خاطئ كان القرءان ينزل لتبيين حقيقة الأمر كما حدث في قضية اليهودي الذي اتهم ظلما بالسرقة وشهد الشهود ضده.

ومن البديهي أن الرسول قام بالحكم في عدد هائل من القضايا على مدى السنوات التي أمضاها في المدينة، ولم يتحدث عنها القرءان، ولم يُدوَّن أكثرها في كتب المرويات، وكانت الأحكام فيها إعمال مباشر للأوامر والسنن القرءانية.

أما النهي عن لبس الحرير والتختم بالذهب بالنسبة للرجال فهو لكون ذلك من التبذير والترف، فهو تبيين للمقصود بالتبذير والترف في القرءان، والترف مثلا هو مصطلح ديني عام، وتفاصيله تتسع وتتنوع مع مضي الزمن، فالبلاتين وبعض المعادن الثمينة الأخرى والمجوهرات مثلا أغلى من الذهب، فهي بالتالي من مظاهر وتفاصيل الترف، ولا يحتاج الأمر إلى تطبيق أي قواعد لإدراك ذلك، ومن مظاهر الترف الآن امتلاك السيارات الفارهة وغيرها، أو استعمال صنابير ذهبية أو مطلية من الذهب .... الخ، لذلك من مساوئ من أصروا على القضاء على القرءان بالمرويات أنهم قضوا بالفعل على الأوامر القرءانية بتفريغها من مضامينها ومعانيها.

ومن كل ذلك يتبين أنه لا يمكن أن يقع بين أحكام القرءان وبين أحكام (السنة) تخالف أو تعارض إلا إذا كان ما ورد في (السنة) قد تعرض للنسخ بحكم أن الدين لم يكتمل إلا قبيل انتهاء العصر النبوي.

1

bottom of page