المنظومة المعنوية الشيطانية
أنواع الكفر 1
أنواع الكفر
الكفر أنواع كثيرة:
1. الكفر بالمعنى اللغوي، وهو يُطلق على كل من يقوم بعملية تغطية أو ستر، فالفلاحون كفار مثلا لأنهم يفعلون ذلك بالبذور، وسمي مأواهم بالكَفْر لذلك، والكلمة الإنجليزية Cover مشتقة منه.
2. الكفر الاصطلاحي كصفة، وهو أن ينكر أحدهم شيئا من الأمور الغيبية التي ألزم الدين الناس بالإيمان بها، وهذا هو الكفر الجزئي، ومنه إنكار أية آية قرءانية أو معانيها الظاهرة الواضحة.
3. الكفر الاصطلاحي المخرج من جماعة المسلمين، وهو إنكار وجود الإله كليةً أو إنكار أي ركن من أركان الإيمان المعلومة، ولا يجوز اتهام أحد به، بل يجب عليه هو أن يعلن ذلك على رؤوس الأشهاد.
4. الكفر الاصطلاحي كفعل، وهو أن يتبع صفته المذكورة في البند السابق بما تقتضيه من أفعال، ومنها اضطهاده للمؤمنين.
5. الكفر الذي يدفع صاحبه إلى الحكم بالردة على من يؤمنون بأركان الإيمان المعلومة واستباحة دمائهم وأموالهم وأعراضهم بسبب ذلك، فمثل هذا كفر بمكانة أركان الإيمان، بل لم يقم لها أي وزن، وقدم عليها ما يحلوا له، فقد قدم على الإيمان بالله إيمانه بمقولات حزبه أو جماعته، وجعل هذه المقولات مناط الكفر والإيمان، وهو بموقفه هذا يكون من الذين كفروا ومن الذين أجرموا أيضًا.
فلا يجوز التلاعب بمسألة التكفير، ولا يجوز المبادرة بقذف أحد بالكفر المخرج من الأمة في هذه الدنيا إلا إذا أعلن الكافر عن نفسه على رؤوس الأشهاد، وفي هذه الحالة لا يوجد أي عقاب دنيوي عليه طالما سالم الناس، ولكن يجب أن يعلم الناس بذلك لوجود أحكام شرعية مترتبة على إعلانه الكفر، ويكفي عقابا للكافر أنه اختار لنفسه الهلاك وعذاب الأبد على المستوى الجوهري.
أما من كفَّر المسلمين واستباح بذلك دماءهم وأموالهم فقد حكم على نفسه بأنه كافر ومن الذين كفروا، وهو أعلن بأفعاله هذه كفره.
*******
المعنى الأصلي للفعل "كفر" هو التغطية والستر، وهو تغطية مقصودة تؤدي إلى إظهار شيء ما، والكفر الاصطلاحي المذموم هو محاولة تغطية وإخفاء الحقائق لغرض خبيث.
فالكفر صفة تتضمن محاولة إخفاء أو طمس حقيقة، ويترتب عليه أفعال تكون مصدقة لتلك الصفة ومن مقتضياتها، فمن يكون كافرا بحقيقة مثلا سيتصرف بمقتضى هذا الكفر؛ أي يتبع الكفر كصفة بالكفر كفعل مصدق لها، وهذا الفعل يترتب عليه آثار تكون مقوية للصفة التي صدر عنها، ولكل ذلك تتحدث آيات القرءان عن الكافرين وهم المتصفون بهذه الصفة، وعن الذين كفروا أي عملوا بمقتضاها؛ أي صدرت عنهم أفعال مصدقة لها.
ولم يعط الله تعالى سلطة الحساب والفصل النهائي في أمور الدين لأحد، بل لقد أعلن أنه هو نفسه لن يفصل الفصل النهائي في هذه الأمور إلا يوم القيامة، ولذلك سماه يوم الفصل، ولقد أعلن أنه هو وحده الأعلم بما تخفي الصدور، فليس لأحد أن ينتحل سلطات إلهية فهذه أيضًا كبيرة من كبائر الإثم مثلها مثل الكفر!
كما أعطى الله تعالى لكل إنسان مهلة لمراجعة نفسه والإنابة والتوبة تمتد بطول عمره، ولا يحق لأحد عتاة المجرمين المحسوبين على المسلمين أن يحرمه من المهلة التي أعطاها الله تعالى له والممتدة إلى أجله المسمى عند الله!
فلا حرج من بيان الحقائق للناس، فمن أنكر حقيقة دينية مثل اسم إلهي أو آية قرءانية أو سنة إلهية وجحدها يكون قد كفر بتلك الحقيقة، هذا هو التوصيف الشرعي لها، فيجب بيان الأمر له بالحكمة والموعظة الحسنة وغيرها من الوسائل الشرعية السلمية، وهو له الحق في أن يختار لنفسه، فدين الحق يكفل للناس حرية الإيمان.
ولكن يجب التصدي لما يلي:
1. من كفر بحقيقة دينية ثم أخذ يملأ الأرض شغبا وأخذ في محاربة من آمن بها وتعمد إيذائه والتحريض عليه.
2. من أتبع كفره الشامل باضطهاد المؤمنين لفتنتهم في دينهم.
3. من أقام نفسه كمحكمة تفتيش على الناس فجعل من نفسه خصمًا وحكما وربما منفذا للعقوبة التي حددها هو، وهذا مجرد مجرم عتيد.
مثال للتوضيح:
هناك من يقول إنه مسلم، والقرءان ينص على أن الله بكل شيء عليم، والمسلم يعلم ذلك جيدا بحكم أنه يقرأ آيات القرءان التي تنص على ذلك، والمسلم يجب أن يؤمن بكل ما ذكره القرءان، وبافتراض أنه يوجد مسلم يقول إنه يؤمن بالله ولكنه لا يصدق أنه بكل شيء عليم، فإنه بذلك يكون قد كفر بهذه السمة الإلهية، وليس له أن يقول لمسلم آخر: "هات لي الدليل القاطع على أن الله بكل شيء عليم، وإلا فليس لك شيء عندي"! فالقرءان برهان، ولكن هناك من كبار الفلاسفة المسلمين من ينكرون بالفعل علم الله بما يسمونه بالجزئيات!!
مثال آخر: ينص القرءان على أن الله تعالى قد أرسل رسوله رحمة للعالمين، وهناك من ينكر ذلك بلسان المقال أو الحال، فهو بذلك يكون قد كفر بآية قرءانية وبحقيقة كونية، وليس له أن يقول لمسلم آخر: اثبت لي أنه رحمة للعالمين حتى أؤمن بذلك.
*******
يجب أن يعلم الجميع أن الإيمان متعلقه الغيب، وأن ما يسمونه بالعقل هو أداة محدودة جدا لا تعمل إلا وفق ما تُغذَّى به من المعلومات والبيانات الآتية عن طريق الحواس والأجهزة التي تمد في نطاق عمل هذه الحواس، فما يسمونه بالعقل فقير جدا!!! ولو لم يتعلم الإنسان التسامي فوق معطيات الحواس لما ترك الغابة ولا الكهوف!!
أما المنطق الشائع، وهو المنطق الصوري، فهو جماع قواعد التفكير والبحث في الأمور المستخلصة والمجردة أيضا من العالم الفيزيقي المحسوس، وعلى مستوى أعلى من هذا العالم يمكن بسهولة دحض هذا المنطق، بل إنه على مستوى الكيانات الدقيقة قد تم دحضه!
*******
الكفر هو موقف يتخذه الإنسان بمحض إرادته واختياره وعن وعي وعلم بمضمون ما كفر به! ولذلك فلابد من البلاغ المبين، ويتناسب حجم وفداحة الكفر مع حجم ووزن الحقيقة التي كفر بها الإنسان، والإنسان مخير في أمر الكفر والإيمان، ولكن ليس له أن يضطهد المؤمنين أو أن يحاول أن يفتنهم في دينهم أو أن يعتدي على حقوقهم.
*******
إن الكفر هو إنكار الإنسان أو تجاهله عمدا –أي وهو في كامل وعيه وبمحض إرادته واختياره- لأي عنصر من عناصر الدين بعد أن علمه، وهذا يتضمن محاولة تغطية وإخفاء هذا العنصر، ومن يكفر بأمرٍ ما سيتصرف بمقتضى ذلك، وبذلك ستعود عليه آثار تؤدي إلى تقوية كفره، وتلك الآثار تختلف من حيث النوعية والمقدار وفقًا لوزن الأمر الشرعي، فالكفر بالأمر الكبير ليس كالكفر بالأمر الصغير، ولذلك لا يخلو من كفرٍ ما إلا عباد الله المخلصون، وهم ندر.
والأعمال الصادرة بمقتضى الكفر هي من المعاصي، والمعاصي بصفة عامة هي بريد الكفر، فالتمادي في معصية صغيرة سيقود الإنسان حتما وبالضرورة إلى الوقوع في معصية كبيرة، والإصرار على اقتراف كبائر الإثم يقود الإنسان عادة إلى الكفر الغليظ مهما غالط أو كابر.
*******
إن الكفر هو صفة تتضمن إنكارا للحقائق وانحيازا إلي الباطل وسعيا إلي التشبث بالعدم ويترتب عليها موقف أو فعل يسمى بنفس الاسم، لذلك فهو أمر مهلك وأثره علي الكيان الإنساني الجوهري ماحق ومدمر، ذلك لأن الإنسان يقطع به علي نفسه الطريق إلي الرقي، والكفر هو صفة أو فعل من جاءته الآيات والبينات والمعلومات والدلائل والبراهين الخاصة بدين الحق ولكنه آثر أن يجحد وأن ينكر كل كذلك بمحض اختياره وإرادته ودون جبر أو إكراه، أما من لم يصله شيء مما ذكر فإن المعوَّل هو على ما تتركه في نفسه أفعاله الاختيارية وفقا للسنن الفطرية والقوانين والسنن المعتبرة في مجتمعه.
والكافر لا يؤمن بالأمور الغيبية فهو ينكر عالم الغيب وكل ما يتعلق به أو يأتي منه، وهو كافر بصفة خاصة بالكتب السماوية وباليوم الآخر، ولذلك فقد جعل الدنيا أكبر همه ومبلغ علمه وعمل علي اكتشاف كل ما يلزم لصلاح أمره فيها فاستفاد مما يعرف من القوانين والسنن الكونية الاستفادة القصوى، كما عرف بعد طول عناء وكفاح بعض القوانين والسنن اللازمة لتنظيم حياته الدنيا ففاز منها بأقصى ما يستطيع من متع، ولكن تلك المتع مهما سعي أو اجتهد هي قليلة محدودة.
إن المجتمعات الكافرة تكرس كل طاقاتها وإمكاناتها للفوز بالنصيب الأوفر من الثروات والمتع الدنيوية فتُعامل وفق استعداداتها بمقتضي العدل، ولذلك تقدموا ماديا وفازوا بما أرادوا، ولقد خسروا في مقابل ذلك صلاح كياناتهم الجوهرية فخسروا بذلك الآخرة.
والكافر باتخاذه موقفًا مسبقا لا يحيد عنه ألا وهو إنكار كل ما يمكن أن يذكره بوجود ربه وإنكار أعظم الحقائق الوجودية فإنه يقطع على نفسه السبيل إلى الرقي الجوهري ولا ينتفع كيانه الجوهري بأي عمل يقوم به ولو كان هذا العمل عملاً صالحا بمعنى أنه يتضمن نفعا لكيانٍ ما.
*******
ويجب العلم بأن الكفر من أكبر العقبات في سبيل التقدم والرقي الحقيقي، وللكفر درجاته التي لا تتناهى ولا يخلو منه إلا الندر من عباد الله المخلصين.
والعلماء الحقيقيون مؤمنون وإن لم يعرفوا أو يسلموا بذلك، فهم يؤمنون إيمانا راسخا بوجود حقائق وقوانين في عالم الغيب، وهذا الإيمان اليقيني هو الذي يدفعهم إلى حرمان أنفسهم من متاع الدنيا وتكريسها للبحث عن القانون أو الحقيقة التي أيقنوا بوجودها، فهم ما كفروا إلا بالصياغات البدائية المحرفة للأديان.
والكفر هو صفة تقتضي عملاً، وهو يتضمن محاولة إنكار حقيقة أو جحد آية، فهو كعمل يتضمن كل محاولة يقوم بها الإنسان للحيلولة بين كيان ما وبين أن يدرك الحقائق بما في ذلك كيانه نفسه، فهو الانحياز للعدم ضد الوجود وللنقص ضد الكمال وللظلمات ضد النور، فالكافر بذلك من أولياء الشيطان.
وقد يمارس الإنسان أعمالاً ذات صبغة كفرية وهو لا يعلم، والجهل هو البيئة الخصبة اللازمة لنمو الكفر واستفحاله، ومن يصر على إنكار حقيقة علمية أو آية كونية أو سنة كونية ثبتت بالبراهين العلمية القاطعة ويتصرف بمقتضى ذلك فهو كافر بما ذكر، وهو أيضًا كافر بالسنن الإلهية التي اقتضتها، وألوان الكفر يقوي بعضها بعضا، ومن ترسخت عنده صفة الكفر يصبح ولياً للشيطان عدواً للرحمـن ويجلب علي نفسه الهلاك والخزي واللعنة، والكفر بالنعمة يعني إنكار أنها من الله، أما إذا ادعاها لغيره استقلالا فذلك هو الشرك.
ومن أنواع الكفر: كفر بالله أو بأي اسم أو سمة أو سنَّة أو فعل أو شأن مما نسبه إلى نفسه في كتابه- كفر بآيات الله -كفر ببعض الكتاب- كفر بنعمة الله -كفر بالغيب (المعلومات التي أوردها في كتابه عن الأمور الغيبية).
1