top of page

الأسماء الحسنى المفردة

011

الاسم اللطيف

الاسم اللطيف

قال تعالى:

{وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّداً وَقَالَ يَا أَبَتِ هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} يوسف100، {اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ العَزِيزُ} الشورى19.

فالاسم "اللطيف" هو بذلك من الأسماء الحسنى، وهو من أسماء النسقين الأول والثاني.

وقد ورد أيضًا في المثنى: اللطيف الخبير

الله سبحانه هو اللطيف المطلق لأنه هو النور المطلق ولأن له البساطة المطلقة؛ أي لأنه هو الصمد المطلق، فلا تركيب في ذاته بأيِّ وجه من الوجوه، ولا كثافة، ولا ثقالة، ومن كان كذلك كان له الإحاطة المطلقة بتفاصيل كل ما هو دونه من المعاني والمباني واللطائف والكثائف، وكان له أيضًا القوة الذاتية المطلقة والهيمنة على كل ما هو من دونه والعلم المطلق بكل أمور الوجود وله القدرة والاقتدار على كل من هم دونه.

فلطفه المطلق مُفصَّل إلى نوعين من اللطف ويقتضي أمرين، فثمَّـة لطف مرتبط باسمه "العليم الحكيم"، وثمة لطف مرتبط باسمه "القوى العزيز".

فاللطف المرتبط باسمه "العليم الحكيم" هو من لوازم إحاطته التامة من حيث هو اللطيف المطلق، ولذلك فهو يتعلق بتدبيره الخفي المحكم للأمور والرفق في التدبير وتأليف الوقائع والأحداث وتصريف الآيات بما يحيِّر ألباب الناس، فلا يدركون الحكمة في الأمر إلا بعد لأي وجهد وعلم مفصل، فاللطف هاهنا هو لطف في التدبير بناء على علم تفصيلي محيط قد يقتضى إخفاء النعمة في ثوب النقمة واستدراج الناس إلى ما فيه الخير لهم، فهذا اللطف يؤدى إلى دفع عجلة الوقائع والأحداث في اتجاه كشف الخفايا والنوايا والأسرار وإخراج الخبء في السماوات والأرض وإبراز طبائع النفوس وإظهار أكبر قدر من الكمالات، وبذلك يتحقق المقصد الوجودي الأعظم، أما حيرة الكائـنات في تدبيره للأمور فما ذلك إلا لما هم عليه من القصور، فحجبوا عمَّـا هو له من النور والكمالات بالأهواء والظلمات والضلالات، بل حجبوا بما لبعضهم من الكمالات النسبية عما هو له من الكمالات المطلقة الأصلية.

ومن كان له اللطف المطلق كان له السمة التي تفصيلها القوة المطلقة المقترنة بالعزة المطلقة، واللطف المقترن باسمه "القوى العزيز" هو لطف في إيصال الأرزاق للكائنات طبقًا للقوانين والسنن فيدبر الأمر بحيث يصل إلى كل كائن ما يلائمه من رزق لطيف أو كثيف؛ معنوي أو مادي، كما أنه لا يرزق كائنًا ما إلا وفق ما يحقق المصلحة المطلقة والحكمة البالغة والمقاصد الوجودية، فكلا النوعين من اللطف يتضمن رفقا وحنانا وعطفا، فهو لا يتوانى عن إيصال الرزق اللازم إلى من كفر به وأنكر وجوده أو أشرك به، أو قال عنه ما لم يقله عن نفسه.

وسمة اللطف هي من السمات الإلهية العظمى، وإليها يشير المثنى (اللطيف الخبير)، قال تعالى:

{لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ }الأنعام103، {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ }الحج63، {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} لقمان16، {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً }الأحزاب34، {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} الملك14.

فسمة "اللطف" تعني أن له سبحانه الخفاء المطلق في حال حضوره التام، ومن كان له الخفاء المطلق كان له الإحاطة المطلقة، فهو يدرك كل ما يتسم بالخفاء النسبي المقيد، فلا يحجبه شيء عن شيء، وهو يدرك كل شيء من حيث لا يدركه شيء، وهو لذلك يدبر الأمر ويُصرِّف الآيات من وراء حجب القوانين والسنن والأسباب الظاهرة، وهو الذي يدرك ما يخفيه كل كائن في أعمق أعماق نفسه أو ما هو مستكن في نفس هذا الكائن فلا يعلمه عنها، فمن حيث هذا الاسم له إدراك كل كائن من حيث أن هذا الكائن هو جماع كيانات أمرية لطيفة وتجسيد لها.

إن اللطف المطلق يعني بالضرورة القوة المطلقة والعزة المطلقة، لذلك كلما ارتقت الكائنات كلما كانت الهيمنة والقوة للسمات الألطف، وكلما اشتدت هيمنة وسيادة المعاني على المباني واللطائف على الكثائف.

*****

إن اللطف الإلهي المطلق مرتبط بالصمدية المطلقة، فالله تعالى الصمد لأنه اللطيف، وهو اللطيف لأنه الصمد، فهذان الاسمان يشيران إلى حقيقة ذاته.

ولارتباط الاسم اللطيف المباشر بحقيقة الذات الإلهية ارتبط أيضا بالاسمين "العليم الحكيم" و"القوي العزيز"، لذلك يرفع إليه سبحانه الأمر محكما بعد تفصيله وتتسم أفعاله بما هو له من القوة والعزة في عين احتجابها باللطف.

*****

إن الله تعالى هو حميد الفعال، وهو ذو المنّ على جميع خلقه بلطفه، وكم له من لطفٍ خفيّ، فهو اللطيف في إيصال الأرزاق إليهم، وهو اللطيف في تدبير الأمر لما فيه صالح من توكَّل عليه وفوّض أموره إليه، فلطفه يتجلَّى في علمه وحكمته، وفي قوته وعزته بمثل ما أنه يمارس مقتضيات هذه السمات المثلى بلطفه.

*****

إن الله سبحانه هو اللطيف المطلق، بل إن المعاني وهي من ألطف اللطائف تُعدّ كثيفة بالنسبة إليه، وهي لم تتعين إلا بنوره وكمقتضيات لأسمائه، فهو الذي أعطى للمعنى معناه كما أعطى للمبنى معناه ومبناه، وهو الذي يراها ويحيط بها.

*****

ومن الناحية اللغوية فالاسم اللطيف على الوزن فعيل، وله فعلان: الفعل المتعدي "لَطَف، يلطُف"، فهو بذلك اسم فاعل ذاتي معنوي مؤكد (صيغة مبالغة، صفة مشبهة)، والفعل اللازم "لطُف، يلطُف"، فهو بذلك اسم فاعل ذاتي لازم (صفة مشبهة).

فبالمعنى الأول يكون رفيقًا في فعله بالناس وبعباده، بارًّا بهم، ويستدرجهم إلى ما فيه الخير لهم.

أما المعنى الثاني فيشير إلى سمة كيانية هي اللطف المطلق الذي له العلو على اللطائف والكثائف، ومن المعلوم أن للكيان اللطيف العلوّ والتحكم في الكيان الكثيف، فنفس الإنسان تتحكم في جسمه، وقلب الإنسان يتحكم في نفسه وجسمه، فلمن له اللطف المطلق التحكم المطلق في كافة الكيانات، والقوة والعزة على كل الكائنات، ولمن له اللطف المطلق القدوسية التامة والسبوحية الكاملة

وللطفه المطلق فهو حاضر حضورا ذاتيا مع كل ما خلق، حضورا لا يمكن الإحاطة به، ولا إدراكَ كنهه، وهو خبير بهم لذلك ومن حيث ذلك، فلا يمكن لأحد إدراك حقيقة هذا الحضور إلا بالإحساس بآثاره الناتجة عن تجلياته الأسمائية، وهذا المعنى هو الذي يشير إليه المثنى اللطيف الخبير:

{لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِير} [الأنعام:103]، {أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِير} [الملك:14]، {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِير} [لقمان:16].

والاسم كرمز يشير ما هو له من كنه يتسم بالإحكام الذاتي والبساطة التامة والتماسك المطلق وبالحسن والطهر والقدوسية والعلو والبهاء والكبرياء والترفع والتحكم وإلى لوازم كل ذلك على كافة المستويات، وإلى أن ذلك مؤد بالضرورة إلى فتح وفرج إلى انتشار الآثار إلى أبعد مدى، ومن تلك الآثار أرزاق المخلوقات، وخاصة الأرزاق المعنوية التي يحظى بها عباد الله.

قال تعالى:

{اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْقَوِيُّ العَزِيز} [الشورى:19]

وعلى الإنسان أن يذكر ربه بهذا الاسم وأن يتوجه إليه فيما هو من مهامه المنصوص عليها في القرءان، فمن أراد الرزق فليطلب اللطف من حيث الاسم القوي العزيز، ومن أراد تدبير الأمر لصالحه والتيسير فليطلب اللطف من حيث الاسم العليم الحكيم.

ويقتضي الاسم اللطيف من الإنسان أن يتحلى بالرفق واللين والسماحة والبرّ، وأن يلتزم بذلك في تعاملاته مع نفسه وذوي قرباه والناس أجمعين، كما ينبغي أن يتطهر من الغلظة والقسوة والجفاء والشح، وغير ذلك من الصفات المنفرة.

كما ينبغي أن يكون الإنسان لطيفًا في ذاته، فينحاز إلى ملكاته العليا ضد غرائزه الدنيا، وإلى لطائفه ضد كثائفه دون جور، كما ينبغي أن يعتصم بما يسموا به إلى الأعالي وأن يتبرأ مما ينزل به إلى الحضيض.

البنية: على الوزن فعيل، وله فعلان: الفعل اللازم لطُف، فيكون اسم فاعل ذاتي لازم (صفة مشبهة)، والفعل المتعدي لطَف، فيكون اسم فاعل معنوي مؤكد (صيغة مبالغة، صفة مشبهة)، وأصل السمة هو المتعلق بالذات الإلهية، أي: لطُف.

*****

الاسمية

ورد مفردا في:

{إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} يوسف 100

{اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ العَزِيزُ} الشورى 19

وورد في المثنى: اللطيف الخبير

الاسم على الوزن فعيل، وله فعلان:

الفعل اللازم "لطُف، يلطُف"، واسم معناه "لطافة" المقابل لاسم المعنى "كثافة"، فيكون اسم فاعل ذاتي معنوي مؤكد (صفة مشبهة) على وزن فعِيل.

والفعل المتعدي بحرف "لطَف، يلطُف"، واسم فعله "لُطْف"، فيكون اسم فاعل فاعلي معنوي مؤكد (صيغة مبالغة، صفة مشبهة) على وزن فَعِيل.

وأصل السمة هو المتعلق بالذات الإلهية، أي: اسم فاعل الفعل اللازم "لطُف"، فاللطف الذاتي يتجلى في لطف الفعل والتدبير

درجة الطلاقة: 1، ورد في مثنى

درجة التوكيد في الورود: ورود مؤكد: ورد كخبر في جملة إسمية واردة في مطلع آية، وكخبر في جملة إسمية مؤكدة.

والاسم من منظومة أسماء السمات الذاتية، ومن منظومة أسماء السمات المعنوية، ومن منظومة أسماء السمات الفاعلية.

أنساق الاسم: النسق الأول، النسق المطلق، النسق المؤكد بالتكرار، نسق الأسماء المفردة، النسق التفصيلي

*******

1

bottom of page