مقاصد الدين العظمى
مختصر مقاصد الدين العظمى

إمداد وتزويد الإنسان بالعلومِ اللازمة لصلاحِ أمره في الدنيا والآخرة وعلى رأسها العلمُ بالله عزَّ وجلَّ، أي العلمُ بأسماء الله الحسنى وبسماته وشؤونه وسننه ومقتضيات ذلك من الأمور الغيبية، ومنها كلُ ما يتعلقُ باليوم الآخر، وكذلك العلمُ بما يتضمنه كتابه من الأوامر والوصايا والمعلومات والبينات، أي كل عناصر وأمور دين الحق.
إعداد الإنسان الربانيِّ الفائق (أي الصالح المفلح المحسن الشاكر)، أي الإنسان الذي يجسِّدُ المثلَ الإسلامي الأعلى على المستوى الفردي والمؤهلِ للعيش السعيد والفلاح في الدنيا والآخرة، وهو الذي يسعى لتحقيق مقاصد الدين بالقيام بأركان الدين الحقيقية الملزمة للفرد، وإعداد هذا الإنسان يقتضي من الكيانات الأكبر الحفاظَ على كافة حقوقهِ وكرامته كإنسانٍ مستخلفٍ في الأرض وحاملٍ للأمانة ومكرمٍ ومفضَّلٍ وعلةٍ غائية لخلقِ السماوات والأرض، والإنسانُ الفائق هو الذي يتميز بأرقى ملكات ذهنية ووجدانية ممكنة وبأعلى تأهيل علمي ومهني ممكن وبأسلم وأصلح بنيانٍ مادي، هذا الإنسان الصالح هو الذي يمكن أن يباهي به الله ملائكته، وهو الذي يحق له أن يقول: "إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ"، إنه الإنسان الحرّ الفائق؛ The superhuman.
إعدادُ الأسرةِ الصالحة المفلحة، والأسرةُ الصالحة هي أسرةٌ شرعيةٌ قانونية تتسم بالتماسك وبسلامة ومتانة البنيان وبارتباط كل فرد منها بالآخرين بأواصر المودة والرحمة والاحترام، يقوم الوالدان بحقوق أولادهما، ويوقر الأولاد الوالديْن ويقومون بحقوقهما، فوجود هذا الكيان الإنساني المسمى بالأسرة هو أمرٌ لازم لإعداد الإنسان الرباني الفائق المفلح وهو المدرسةُ الأولى والمعملُ الأول الذي يتم فيه تربيته وإعدادُ وتنمية شخصيته وتوفيرُ البيئةِ اللازمة لكي تتفتحَ ملكاتُه ومداركُه وكذلك يتمُ منه تزويده بالعلوم والمهارات الأساسية والأولية اللازمة لكل ذلك، وفي الأسرة يجب أن يتلقى الطفل ويألفُ المنظومةَ المعنوية الإسلامية؛ أي منظومة القيمِ والتصوراتِ والمفاهيم والسننِ والأوامر الإسلامية.
إعدادُ الأمة الخيرة القوية الفائقة التي تجسِّد المثل الإسلامي الأعلى على المستوي الأممي، وهي التي تسعى لتحقيق مقاصد الدين بالقيام بأركان الدين الملزمة للأمة ومنها: الدعوةُ إلى الله تعالى، والقيامُ بمقتضيات حمل الأمانة والاستخلاف في الأرض، والأمرُ بالمعروف والنهيُ عن المنكر واحترامُ حقوق وكرامة الإنسان، ومعاملةُ كل من ينتمي إليها أو يحتمي بها وفق الأوامر والقيم والسنن الدينية، ومن مهامها توفير كل ما يلزم للقيام بالمقاصد السابقة من العلوم والوسائل والإمكانات، فالأمةُ تمثل الإنسان المستخلفَ والمكرمَ وحاملَ الأمانة على المستوى الأممي، وهي الأمةُ الداعية إلى الخير المجاهدةُ لإعلاء كلمة الله تعالى الساعيةُ إلى إظهار دين الحق المدافعة عن المستضعفين في الأرض والمقاومة للفتن والتعصب والاضطهادِ الديني والاستعلاءِ العنصري والإفسادِ في الأرض.
تزويدُ كل كيانٍ إنساني -بما في ذلك الفرد والأسرة والأمة وكل ما يمكن أن يستجدَ من كيانات والبشرية جمعاء- بالمنظومة المعنوية (القيم، القوانين، السنن،...) التي تمكنه من القيام بمقتضيات حمل الأمانة والخلافة في الأرض، ومن ذلك التعايش السلمي المثمر مع الكيانات الأخرى رغم الاختلاف في الدين والمذهب وأسلوب المعيشة والوطن والقومية والسلالة....إلخ، وهذا يتضمنُ التوظيفَ الإيجابيَّ للاختلافات بين الفرق المختلفة، وهذه العلوم لازمةٌ لصلاحِ أمر البشرية وازدهارها وقيامِها بمقتضياتِ حمل الأمانة والاستخلاف في الأرض وحتى يتحقق الأمن والسلام والتعايشُ السلمي بين الناس وحتى تتحققَ الاستفادةُ الأمثل من موارد الأرض والحفاظ عليها والانتهاء عن الإفساد فيها، والمنظومة المعنوية تشمل العلوم والقيم والمناهج والأوامر والسنن والأحكام والمعايير الأسس والآليات والسلوكيات، ومن فروع هذا المقصد تزويدُ الجماعةِ المسلمة في أي بلد من البلدان بالمنظومة المعنوية اللازمة لتمكينها من أداء المهام المنوطة بالأمة بقدر وسعها ومن التعايش مع شتي الأحوال الممكنة.
إن كل متبعٍ لدين الحق يجب أن يعلم هذه المقاصد وأن يضعها نَصبَ عينيه وأن يبذل كل ما هو في وسعه لتحقيقها.
وحيث أن مقاصد الدين الحقيقية التي قدمناها في هذا الكتاب وفي كتبٍ سابقة مستخلصة وفق منهج علمي دقيق من القرءان الكريم فإن حكمها يصبح كحكم البينات والمسلمات؛ أي يجب أن تكون نصب عيني كل من يسعى إلى تدبر آيات القرءان أو يريد أن يفقهها على أكمل وجه ممكن.
كذلك فالمعرفة بها هي لازمة لأولي الأمر المشرعين أو المبينين، وكل سنة تشريعية لابد أنها مرتبطة بمقصد ديتي أو أكثر.
وأولو الأمر المشرعون هم المنوط بهم سنّ قوانين تنظم شئون أمر مستجد كقوانين المرور مثلا أو القوانين المنظمة للأمور المالية أو المعاملات أو الترقيات داخل مؤسسة، فيجب هاهنا مراعاة تحقيق العدل والقيام بالقسط واجتناب بخس الناس أشياءهم واحترام ومراعاة حقوق الإنسان.
أما أولو الأمر المبينون فهم من لديهم القدرة على الاستنباط والبيان، فهم من لديهم الإمكانات والقدرة على إعمال المنهج القرءاني لاستخلاص القول القرءاني، وكذلك على اكتشاف إمكانية اندراج أمر مستجد تحت أصل قرءاني، فمن المعلوم أن بعض المصطلحات القرءانية قابلة بحكم تعريفها لتشمل أمورا تستجد وتتطور بمضي الزمن وبتطور العصر والمصر، ومن ذلك مثلا التعريفات المتعلقة بما يلي: العمل الصالح، الفقراء، نصاب الزكاة، المؤلفة قلوبهم، السارق، الإفساد في الأرض.... الخ.
ومعرفة المقاصد الحقيقية كفيلة بالاهتداء إلى الهيكل العام لدين الحق، فمنها يمكن معرفة أركان الدين الحقيقية والتي هي تفاصيلها وسبلها، كما يمكن بمعرفة أركان الدين معرفة حِكمها والغايات منها، والتي يكون جماعها هو مقاصد الدين.
*******
1