top of page

الأفعال الإلهية والحرية الإنسانية

الإضلال

الله تعالى يُضِلُّ الظَّالِمِينَ، وَيَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِين، فهو سبحانه يضل الظالمين وهو أيضا يضل الفاسقين، وليس في ذلك جبر ولا إكراه، فهو سبحانه لم يقل إنه يضل الإنسان، فضلا عن أنه لم يقل إنه يضل المهتدين.

فاقتراف الظالم للظلم يتسبب له في المزيد من الضلال حتى يهلكه ضلاله، فكلام الله تعالى يتضمن سنة إلهية كونية، لا تبديل لها ولا تحويل.

وكذلك لن يجلب الفسق للفاسق إلا الضلال.

ويمكن للإنسان كسر هذه الحلقات المهلكة بالفرار إلى ربه والتوبة إليه والاستعانة به.

لقد اختار الإنسان بمحض إرادته أن يظلم ويظلم حتى صار ظالما، أي ثبتت الصفة بالنسبة له، وأصبحت كل أفعاله مصدقة لها، وكذلك اختار أن يتمادى في الفسق حتى صار الفسق صفة ثابتة له وعلما عليه، فهؤلاء يُضَلون بمقتضى السنن الكونية التي عليها مدار الكائنات، فيُنسب الفعل بذلك إلى الله من حيث إنه هو الذي قدَّر السنن الكونية، ومن حيث إن له وحده التأثير الحقيقي في الكون، فهو الفاعل الحقيقي، فهو يفعل ما يشاء، وهو الفعال لما يريد، وله الفعالية المطلقة.

فالآيات تشير وفقًا للنهج القرءاني إلى سنن إلهية كونية.

ولا يجوز أبدا لأحد أن يشتق من هذا الفعل اسما لله يجعله علما عليه يُدعى به، فهذا من باب الإلحاد في الأسماء، فالاسم الإلهي يجب أن يرد بنصه في القرءان دون اشتقاق من فعل منسوب إليه.

فالإنسان الظالم أو الفاسق هو الذي اختار لنفسه بنفسه ما تسبب في إضلاله، وما اختاره هو لنقصٍ ما عنده لم يعمل على التطهر منه بينما هو مأمور في القرءان بأن يزكي نفسه وجعل الله تعالى فلاحه منوطًا بذلك، أما الله تعالى فهو المنزه ذاتيا عن كل نقص، ذلك لأن حقيقته هي عين الكمال والحسن المطلق.

*******

إن للإنسان إرادة واختيار طبقا للقوانين والسنن، والمجال المؤثر بعمق على الإنسان هو الأوامر الدينية التكليفية الصادرة عن منظومة أسماء الرحمة والهدى والرشاد، فمن كان حريصا على الالتزام بها والقيام بمقتضياتها سيتولد لديه مزيد من الاستعدادات للهدى والرشاد، أما من كان حريصا على ألا يأبه بها وأن يعمل بخلافها فستتولد لديه استعدادات لمزيد من الضلالات فينالها وفقا للقوانين والسنن فيضل ويزداد ضلالا، ولما كانت تلك القوانين والسنن من مقتضيات الأسماء الحسنى ولما كان الفعل من حيث هو فعل محض هو كمال وكل كمال هو بالأصالة لله تعالى فإن كل فعل ينسب إليه.

والإضلال من وظائف الشياطين، والشيطان يضل الإنسان باستخدام كل ما يمكن من الوسائل بل إنه يستدرج الإنسان من حيث ما يحب إذ يدفعه إلى الغلو في شأن من يحب كما أضل الشيعة من حيث تعلقهم بأهل البيت وكما أضل أهل السنة من حيث تعلقهم بـ(الصحابة) أو بالسلف.

وقد يتحير الشيطان في كيفية إضلال إنسانٍ ما فيأخذ شيئا مما رسخ في ذهنه من معتقدات ويلقيه في ذهن إنسان آخر متبحر في أمور الضلال وذي درجة راسخة في الكفر، فيعمل على دحض وتفنيد تلك المعتقدات بحجج يرتبها وشكوك حولها يؤلفها وينمقها فيتلقف الشيطان كل ذلك ويلقيه في ذهن من يريد إضلاله.

*******

1

bottom of page