top of page

مقاصد الدين العظمى

أولو الألباب

أولو الألباب


أولو الألباب هم ذوو القلوب الفائقة، فهم الذين تميزت لطائفهم العالية العميقة، فلهم ملكات قلبية متميزة، والملكات القلبية هي ثلاثة أنواع: ذهنية، وجدانية، وقلبية عامة، ولذلك لديهم استعداد للترقي في درجات الكمال الفائقة، ولذلك يلزمهم التحقق بالذكر والتقوى.

فأولو الألباب هم الذين لديهم أرقى وأقدر وأسمى الألباب، فلديهم ملكات ذهنية فائقة، ولكنهم كانوا حريصين على تزكية ألبابهم وزيادة قدراتها بتفعيلها، وإعمالها في مجالاتها الراقية، كما أن ألبابهم منورة بنور الحقّ، فهم منشغلون به، متطلعة إليه، يطلبون الحقّ في كل شيء

أولوا الألباب هم الذين يعلمون أنه سبحانه ما خلق شيئا إلا بالحق وأن له في كل أمر وفعل غاية وحكمة وقصد، فهم الذين ارتقي قلب كل فرد منهم وأصبح هذا القلب ينطبق عليه تعريف اللبّ، ولذا فالفرد منهم يخاطب ربه كما يليق بجلاله ويحادثه وينزل به كل حوائجه، كما أن فكره يجول دائمًا في آيات الله الكتابية والكونية فيتحقق بمعرفة الأسماء الإلهية ويتذوق آثار تلك الأسماء ويدرك المقاصد من الآيات ويفقه القوانين والسنن وعواقب الأمور، وهو أيضًا متحقق بذكر الله تعالى ويسعي للقيام بمقتضيات التقوى.

إن أولى الألباب هم الذين يذكرون الله تعالى في كل أحوالهم وخاصة أثناء تفكرهم في خلق السماوات والأرض فلا ينشغلون بهذا عن ذاك وهذا ما يطلق ألسنتهم بالدعاء لربهم، وبذلك يطالعون آياته في كل ما يرون، وهم يتزكون بإعمال ملكاتهم في مجالاتها الطبيعية.

والفرق بين أولي الألباب وبين علماء الغرب هو أن هؤلاء غفلوا عن ذكر الله تعالى فجاءت معارفهم مبتورة وجزئية وشقوْا بها وإن ظنوا غير ذلك، وشقي بهم غيرهم وكانوا فتنة للقوم الظالمين.

ولقد كان مما أودى بتلك الأمة وهوى بها إلى الحضيض الأسفل اشتغال المتفوقين المتميزين فيها بما نقل إليهم من أساطير الأولين وأديان الضالين وفلسفات المبطلين والصياغات الناقصة والمحرفة للدين، وكذلك بالمنطق الصوري الأجوف والجزئيات والتفريعات المتعلقة بظواهر العبادات والأحكام والمعاملات فتضخم كل ذلك على أيديهم وغفلوا عن كل ما لم يندرج تحت هذه البنود، أي اتخذوا القرءان مهجورا، وأعرضوا عن آياته، ولم يتفاعلوا التفاعل الحى المثمر مع الأوامر الدينية ولم يأخذوا أكثرها مأخذ الجد، ولم يحفلوا بما يتضمنه الدين من المشاعر الراقية النبيلة ولم يحاولوا استنباط مناهج شرعية لتزكية النفوس؛ فكان أن ترك كل ذلك لينمو نموا عشوائيا تحت تأثير كل ما تواجد في البيئة الإسلامية من تراث الملل والنحل والمذاهب السابقة، ويمكن إيجاز مساعيهم وأعمالهم في تلك العبارة: إنهم ضيعوا أهم ما يلزم في سبيل ما ألزموا به أنفسهم وغيرهم وهو في الحقيقة لا يلزم.

فأولوا الألباب هم من تزكت لديهم الملكات الذهنية العقلية فهم الذاكرون لما علموا والمتحققون به وهم على بينة مما علموا من الآيات والقوانين والسنن، وهم الذين يمكنهم الانتفاع بما يرونه من آيات كونية وما يتلون من آيات كتابية، فهم القادرون على تدبرها وتذكر ما فيها، ولكي يتم اكتمالهم لابد لهم من التحقق بالتقوى بمعنى أنه يجب عليهم العمل على تزكية ملكاتهم الوجدانية.

وتبين الآيات الآتية المكانة السامية التي خصَّ بها الله تعالى أولي الألباب:

{..... وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَاب} [البقرة:197]، {يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَاب} [البقرة:269]، {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَاب} [آل عمران:7]، {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَاب}[آل عمران:190]، {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُون} [يوسف:111]، {أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَاب} [الرعد:19]، {هَـذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الأَلْبَاب} [إبراهيم:52]، {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَاب} [ص:29]، {وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لأُوْلِي الأَلْبَاب} [ص:43]، {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَاب} [الزمر:9]، وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18)} الزمر، {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لأُوْلِي الأَلْبَاب} [الزمر:21]، {وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ (53) هُدًى وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (54)} غافر، {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون} [البقرة:179]، {.... فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آَمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا (10) رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا (11)} [الطلاق]

*******

1

bottom of page