التقويم الحقيقي وبدايات شهر رمضان الحقيقي وأشهر الحج
متى انحرف التقويم؟
السؤال التقليدي:
متى انحرف التقويم؟
أو بالأحرى متى توقف التقويم؟
بداية التقويم الذي كانت تقوم به العرب، كما ذكر البيروني، هو إضافة شهر كل سنتين أو ثلاثة إلى الأشهر القمرية لكي يظل كل شهر قمري محتفظًا بهويته المناخية، وبالمناسبة فإن طريقتنا تحقق ذلك بطريقة تلقائية، وبدون تعمد، عكس طرق الآخرين التي تسلك سبلا معوجة تجعلهم بأمس الحاجة إلى معرفة التاريخ الدقيق لما يسمونه بـ "انحراف التقويم"!!
قال لهم النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ في حجة الوداع "إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ" معلنا بذلك أن شهر ذا الحجة الذي حجَ هو فيه بالناس قد عاد إلى مكانه المناخي الصحيح.
لماذا كان النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ حريصًا على ذكر ذلك في أكثر خطبه توثيقًا لكون الذين سمعوها أكثر من مائة ألف؟!
ماذا فعلوا بهذا القول؟
كما أكَّد الرسول على حرمة الأشهر الحرم.
فماذا فعلوا بها؟! تقاتلوا وقاتلوا فيها ثم أبطل الجمهور حرمتها.
وحذرهم من أن يرجعوا من بعده كفارا يضرب بعضهم رقاب بعض، ولكنهم فعلوا، وأسرفوا في ذلك!
فالذي حدث من بعد الرسول أنهم أعلنوا أنه "قد مات" كما صرخ بذلك كبيرهم، وخالفوا كل ما أمرهم به في خطبة الوداع!!
إنه لم ترد أي آثار تشير إلى أن من تولوا الأمر من بعد الرسول كان يعنيهم أمر التقويم في شيء، أو أنهم اتخذوا أي إجراءات لضبطه، أو أنهم شكلوا أي لجنة لتولي أموره، بدلا من طائفة العادّين أو القلامسة التي اندثرت واختفت في ظروف غامضة، وكانت هي القائمة، في العصر الجاهلي وطوال أكثر العصر الإسلامي على أمور التقويم، بل إنهم لم يلجؤوا إلى التأريخ إلا عندما اشتدت الحاجة إليه في عهد عمر، فقد كانوا شديدي التمسك بجاهليتهم وتقاليدها، لا يتحولون عنها إلا تحت ضغط شديد.
وهكذا تركوا الشهور القمرية تجري بلا تقويم، وهم لم يعودوا أصلا في حاجة إلى ضبط تقويمهم للآتي:
1. تركوا الناس في الأمصار يعملون وفق تقاويمهم المنضبطة، وكانوا يعلمون جيدا أن ذلك أفضل لكي يتمكنوا هم من نهب حصيلة وثمار عمل هؤلاء، وإلا لأودت بهم المجاعات جميعا.
2. لم يعد الناس في بلاد الأعراب بحاجة إلى تقويم، لم يعد هناك رحلتا الشتاء والصيف، لم يعد هناك أشهر حرم، لم يعد هناك أسواق، لم يعد العرب والأعراب بحاجة إلى رعي أو كدّ أو كدح، وقد كان خلفاء قريش يغدقون عليهم أنهارًا من الأموال والكنوز التي نهبوها من أغنى دول العالم في عصرهم.
3. ومن المعلوم أنهم سرعان ما دفعوا ثمن ذلك غاليا، فجبال الذهب التي كدَّسها سادة قريش الجدد في قصورهم لم تنفعهم شيئا، وسرعان ما ضربتهم المجاعة، ولم ينقذهم إلا قيام عمرو بن العاص بالسطو المسلح على بيوت المصريين ونهب كل ما وجده فيها من طعام مدَّخر وإرساله إلى عمر في المدينة في قافلة ممتدة من مصر إلى المدينة، هذا رغم أن هؤلاء المساكين كانوا قد دفعوا الجزية المقررة.
4. سرعان ما انتقل مركز السلطة بعيدًا عن الحجاز، تحول العرب في بلادهم الأصلية إلى خوارج أو عصابات إجرامية دموية تعيش على نهب الحجيج، ولم يعد الناس بحاجة إلى التقويم في شيء، إلا لمعرفة بداية شهر رمضان، وكان كل بلد يصوم وفق رؤيته للهلال بغض النظر عن الأقطار الأخرى.
5. أما الحج فقد أصبح ذا تاريخ محدد لكي يمكن إرسال جيش مع الحجيج لحمايتهم من الأعراب، وإلى عهد قريب كان كل حجاج أفريقيا يتجمعون في مصر لكي يذهبوا إلى الحج تحت حماية فرثة من الجيش المصري، ولم يتوقف ذلك إلا بقيام الدولة السعودية الحالية بعد الحرب العالمية الأولى.
6. لم تقم أي محاولة جادة للنظر في التقويم إلا في عهد السلاجقة، وهي دولة سنية، بل هي الدولة التي أنقذت المذهب السني من الفناء، وقد استولوا على فارس والعراق، وأخضعوا الخليفة لسلطانهم، وفي عهد هذه الدولة عهدوا إلى الفلكي الشهير عمر الخيام بمعالجة المشكلة، لاحظ أن اسمه عمر، وفي بلاد فارس، قام عمر الخيام بمساعدة فلكيين آخرين بوضع التقويم الفارسي الهجري الشمسي، وهو تقويم مداره الأبراج الفلكية التي تمر فيها الشمس، حيث إن لكل برج فلكي 30 درجة قوسیة على مسار الشمس، والشمس تمر ببرج واحد في كل شهر شمسي، وهو بذلك يختلف عن التقويم الگريگوري الذى لا يوجد فيه شهر طبيعي حقيقي، كما أن دقة التقويم الهجري الشمسي أعلى من الگريگوري، حيث تبلغ نسبة الخطأ فيه يوم واحد فقط لكل 3.8 مليون سنة، في مقابل نسبة الخطأ في التقويم الگريگوري البالغة يوم واحد لكل 3300 سنة.
*******
السؤال التقليدي: متى بدأ انحراف التقويم؟
إجابتنا غير المسبوقة:
بمجرد انتقال الرسول، اختفت طائفة العادين أو القلامسة المنوط بهم ضبط التقويم، ولم يرد لهم أي ذكرٍ من بعده، لم يعد العرب بحاجة إلى أي تقويم حقيقي نظرًا للحروب الشعواء التي شنوها على شعوب المنطقة، بدأ نزوحهم الجماعي إلى كافة بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كان مفهوم الأشهر الحرم قد اندثر، وأصبحوا يتفننون في انتهاك حرمتها، كانت رحلة الشتاء والصيف قد اندثرت، لم يعد من تبقى في شبه الجزيرة العربية يمارسون أعمالهم القديمة التي كانت تحوجهم إلى التقويم، أصبحوا يعيشون على ما يتم نزحه إليهم من خيرات شعوب المنطقة التي كانت أغنى شعوب العالم وأكثرها تحضرا، كانت كنوز كسرى والإمبراطورية الفارسية تفوق الخيال والتصور، تم نهبها ثم تبديدها بالكامل، تم صهر كل المشغولات الذهبية لشعوب المنطقة وتحويلها إلى تلال من الذهب الخالص في بيوت سادة قريش الجدد.
ولكن المشكلة أن الذهب لا يصلح طعامًا، لذلك اجتاحت بلادهم مجاعة كادت تقضي عليهم، لولا أن أدركهم عمرو بن العاص بقافلة من المواد الغذائية طولها، كما قال، من مصر إلى الحجاز، وأتبع ذلك بتسخير المصريين ليحفروا قناة تمتد من النيل إلى خليج السويس، وهلك في ذلك عشرات الآلاف منهم، وتخليدًا لذكرى من تسبب في هلاكهم أطلقوا على هذه القناة اسم "خليج أمير المؤمنين"!!!
ولكن بمجرد انتقال السلطة بعيدًا عن الحجاز لم يعد لدى سكانه أي موارد، فبدأت موجات جديدة من الهجرات إلى البلدان المفتوحة، أما من بقي هناك فأصبح يعيش على ما يغدقه عليهم (الخلفاء) الجدد.
ولم يستمر ذلك طويلا، فأصبح مورد رزقهم الرئيس قوافل الحجيج، إما بما يقدمونه من خدمات لها، وإما بسلبها ونهبها، هذا بالإضافة إلى الحرفة الأساسية لهم، وهي الإغارة على البلدان الغنية المتاخمة لصحرائهم ونهبها.
وفي البلدان المفتوحة ترك العرب الناس يعملون بما لديهم من تقويم، فقد كانوا يعلمون جيدا أن هؤلاء الناس هم ثروة ومصادر للثروة، وأن من الأفضل تركهم يعملون وفق ما ألفوه.
والخلاصة أنه لم تعد بالعرب حاجة إلى أي تقويم، ومن المعلوم أنهم أعداء تقليديون للحضارة ولكل إنجازاتها، وأنهم لا يأخذون بها إلا إذا وقعت كارثة، أو أوشكت أن تنزل بهم أو أصبحت الحاجة ماسة إليها.
والحاجة الماسة هي التي ألجأتهم إلى التأريخ؛ أي إلى اختيار سنة معينة تكون نقطة بدء لحساب السنين، ولكن لم يرد أي أثر يشير إلى أنهم أسسوا هيئة لضبط أمور التقويم، ولذلك تركوا الشهور تجري على أعنتها دون أي تقويم، وفقد التقويم وظيفته الرئيسة.
1