الإسلام والأمة والدولة والمذاهب المعاصرة
الإسلام والديمقراطيـة 5
إنه في العصر الحديث وبعد أن صار الوطن متعدد الأعراق والطوائف والأديان والمذاهب هو الوحدة الدولية وبعد أن صارت الهوية هي الوطنية فإنه على الأمة الإسلامية في كل وطن أن تعتصم بمنظومة القيم الإسلامية وبالآليات التي يوفرها لها الإسلام للتعامل والتعايش مع الآخرين ومن ذلك:
1. الإيمان بالإخاء الإنساني وبوحدة الأصل الإنساني وهذا يحتم الأخذ بمبدأ المساواة والذي يقتضي أن يكون الجميع سواء أمام القانون المرتضي فلا ينال أي فردٍ امتيازاً أو مزايا بسبب عنصره أو سلالته أو لسانه أو دينه أو مذهبه أو أسرته أو وظيفة أحد أقربائه أو مكانته.
2. احترام حرية كل إنسان في اعتناق أي دين أو مذهب واحترام حريته الفكرية وحريته في تلقي العلم وفي العمل الذي يلائم تأهيله وإمكاناته.
3. ألا يتولى أي أمر إلا من كان أهلاً له وفقاً لآليات متفق عليها من الجميع.
4. أن تكون الشورى بين شتي الطوائف والعناصر هي آلية الوصول إلي القرارات التي تمس مصالح الناس وأمور وطنهم.
5. رفض كل عناصر المنظومة الشيطانية من ظلم وكفر واستبداد ونفاق وجهل.
6. احترام حقوق الإنسان وهذا يتضمن احترام حقوق الإنسان كفرد واحترام حقوق كل كيان إنساني أكبر بدءاً من الأسرة إلي الطائفة أو الأمة، وكل كيان إنساني ملزم باحترام حقوق الكيان الآخر وهذا الاحترام يجعل من صيانة تلك الحقوق واجبات علي كل هذه الكيانات، ولكل كيان حقه في أن يعامل بالعدل والقسط وأن يؤدَّي إليه ما هو أهله من الأمانات وألا يعتدي علي حقوقه وألا يؤاخذ بجريرة غيره، ومن حقوق الإنسان الفرد الحفاظ علي كيانه وبنيانه وتوفير كل ما يلزم لصيانة بنيانه وكيانه وتزكيته وألا يتهم دون بينة وأن يدافع عن نفسه وذويه وأن يحاكم بالعدل وألا يجرَّم إلا بمخالفة منصوص عليها في قانون وألا يعاقب إلا في إطار القانون وأن تصان كرامته وشرفه وأن تحترم خصوصياته وألا ينتزع منه إقرار بوسائل غير مشروعة وأن يحترم حق منتحلي كل دين أو مذهب في الاحتكام إلي شرائعهم إلا إذا ارتضوا أن يتحاكموا إلي الشريعة الإسلامية بمحض إرادتهم، ومن الحقوق والأمور الملزمة شرعاً احترام كافة حقوق أولي أي أمر، حق كل إنسان في استعمال ملكاته الذهنية في كافة الأمور وعرض نتائج هذا الاستعمال علي الآخرين، حق الحصول علي المعلومات، حق كل إنسان في الانتفاع بما هو مستخلف فيه من الأشياء المادية وغيرها ومما يمكن أن يقوم بمال.... إلخ.
*******
إن النظم العلمانية الليبرالية السائدة الآن في الغرب هي خير النظم التي يمكن للمسلمين أن يتعايشوا معها ويحققوا مقاصد دينهم العظمى، ولكن شياطين الإنس والجن لن يتوانوا عن استخدام عباد المذاهب الضالة المحسوبة على الإسلام ضد هذه المجتمعات مما سيدفع بها إلى الردة جزئياً أو كلياً عن علمانيتهم، وعندها ستدفع البشرية كلها الثمن غاليا.
*******
يلزم القول بأن الأمور السياسية والخلافات الحزبية هي بالضبط ما لا تحتاجه أبداً شعوب تلك المنطقة وأن تصريف الأمور التنفيذية يجب أن يكون عملاً إداريا علميا تقنيا محضا، لابد أولا من الرقي بالشعب وتثقيفه وتعليمه، ولابد من إقناع الناس بأنهم بحاجة ماسة إلى ذلك، إقناع المرض بأنه مريض هي أولى مراحل الشفاء، وإلا فإنه سيستطيب الداء!!
ويجب العلم بأن فشل النظام الديمقراطي الليبرالي وعدم قدرته على التصدي للتنظيمات الفاشية المتاجرة بالدين كانا من أهم الأسباب التي أدت إلى ثورة يوليو 52 في مصر.
*******
لا يعجب السلفية النص على أنّ إرادة الشعب هي مصدر سلطة الحكومة، وذلك أيضًا من خلطهم بين الأمور، إنه لا يوجد بديل أفضل من ذلك في حالة الدولة العصرية بمثل ما أنه لا بديل الآن عن الدولة العصرية، إن الشعب في أغلبيته المنبثقة عن اقتراع حر ونزيه هو الذي يجب أن يملي على السلطة ما ينبغي فعله، والبديل هو أن تتسلط على كل الشعب فئة قليلة أو حتى فرد واحد مستند إلى قوة قاهرة، وهذا هو ما فرضه أتباع المذهب السني على الناس لمجرد أن المتسلط يسمي نفسه بالخليفة ويزعم نفاقاً أنه متمسك بأحكام الشريعة.
ويحتجون بأنه طالما يمتلك نواب الشعب حق التشريع فقد يحلون ما هو حرام، إنه من الواجب على المسلمين بمقتضى دين الحق أن يكونوا أمة واحدة لها مؤسسة مدنية واحدة تتفاوض باسمهم جميعاً مع القائمين على أمور هذا البلد وأن يبينوا لهم حقيقة أمورهم وأن يضغطوا في اتجاه ألا يكرهوا على ما يخالف دينهم، بل إن لهم أن يتحالفوا مع الآخرين في الأمور المشتركة، فلهم أن يتحالفوا مثلا مع كل الجهات التي تحارب انتشار الخمور والمخدرات والتدخين في سبيل الحد من مثل هذه الأمور وتقييد حريات تعاطيها والتعامل معها، فالمسلم هو كائن إيجابي فعال يدعو إلى الخير ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويجب ألا ينسى سدنة المذهب السني أنهم ألزموا الناس بطاعة المتسلط الظالم الفاسق الذي يسرق الأموال ويجلد الظهور، ولا شك أن الظلم والفسق والسرقة وجلد الظهور هي آثام أكبر بكثير من السماح بتعاطي الخمر مثلا.
وبافتراض أن المسلمين يشكلون أقلية في بلد أحل الزنا مثلاً فإنه لا يوجد بالطبع ما يلزم المسلمين باقتراف الزنا، وعلى كل ولي أمر كل أسرة أن يربي أبناءه على ذلك وأن يحبب إليهم الإيمان وأن يكرِّه إليهم الكفر والفسوق والعصيان، ويجب على المؤسسة الممثلة للمسلمين أن تتفاوض مع القائمين بالأمر لمنع وتجريم الزنا، ولهم في سبيل ذلك أن يتحالفوا مع أهل الكتاب.
*******
يقول السلفية إن تحكيم الشعب عن طريق الاقتراع هو تحاكم إلى غير شرع الله، فهل تحكيم الطواغيت المتسلطين الجائرين الفاسقين هو تحاكم إلى شرع الله؟ سيقولون عندها إنهم مأمورون بطاعة من قهرهم بسيفه وتسلط عليهم، ولكن من أمركم بهذا؟ ولماذا لا تطيعون من ارتضاه الناس عن طريق الاقتراع الحر؟ أما إذا كنتم بحاجة دائمة إلى من يقهركم فلماذا لا تعتبرون اختيار الناس قاهرا عليكم؟ لقد كنتم دائما مؤيدين ومناصرين لكل من تمكن من التغلب على المنافسين له بعد معارك دامية سفكت فيها دماء المسلمين فلماذا لا تعتبرون المعارك الكلامية بين الأحزاب بديلا عن ذلك؟ هذا مع العلم بأن كلا السبيلين لا يصلحان للنهوض بالأمة، ولكن لا شك أن الديمقراطية بنظمها وآلياتها هي أرقى بكثير وأقرب إلى الحق من النظم الإجرامية التي يدافع عنها السلفية.
*******
يقول السلفية إن تحكيم الشعب عن طريق الاقتراع هو تحاكم إلى الطاغوت، والمشكلة هي أن السلفية يخلطون دائمًا بين الأحكام الملزمة لأمة المؤمنين وبين الأحكام الملزمة للشعب والدولة بالمفاهيم الحديثة، وهذا ناتج مما يلي:
1. إيمانهم بالدين الأعرابي الأموي الهمجي الذي هوى بهم إلى حضيض البهيمية والوحشية.
2. جهلهم بدين الحق وبأركانه الكبرى ومقاصده العظمى.
3. تمسكهم بما ألفوا عليه أسلافهم وهلعهم الشديد من مجرد إعادة النظر في بعضها.
4. الخلل الذي تعاني منه تركيبتهم النفسية والذهنية بحكم السلفية التي ضربتهم وما برمجوا عليه من طرق تقويم الأمور.
5. كفرهم بسنن التطور وجهلهم المطبق بمراحل التطور الإنساني.
6. عدم اعترافهم بالآخرين وعدم القبول بهم إلا كشرٍّ يجب استئصاله بشتى السبل، والآخرون هاهنا هم كل من اختلف معهم وإن كان مسلمًا وإن كان ينتمي إلى نفس مذهبهم.
والحق هو أنه لا يجوز تحكيم الناس فيما يتعلق بأي أمر ديني، فلا يجوز عمل استفتاء لاختزال الصيام مثلا، أما في سائر الأمور الأخرى فيجب الرجوع إلى أولى الأمر الحقيقيين من المؤمنين، وذلك في الحقيقة رجوع إلى الشعب ممثلاً فيهم، فهم طائفة من الشعب مؤهلة للبت في الأمور، ولا يتعارض هذا مع ما يلزم اتباعه عند وجود المسلمين في بلد متعدد الطوائف والمذاهب والأديان، فيجب على المجتمع المسلم تكوين أمة يكون لها ولاة أمورها الذين يجب أن يشكلوا مؤسسات مدنية معترفاً بها، ويجب على تلك المؤسسات اتباع كل السبل القانونية لصيانة حقوق الأمة المسلمة، ومن الواضح أنه لا يوجد تعارض بين أن يرجع المؤمنون إلى ولاة أمورهم الحقيقيين فيما يخصهم كمسلمين وبين أن يتم تحكيم الشعب بكافة طوائفه فيما يتعلق بالأمور التي تخص الجميع.
*******
من يقوم بتطبيق العقوبات في غياب دولة إسلامية؟
س: من يقوم بتطبيق العقوبات في غياب دولة إسلامية؟
ج: ومن سيقوم بتنظيف الحُلَّة التي ليست عندك إذا اتسخت؟ ومن سيقوم بتهذيب الأعشاب التي نبتت في حديقتك التي لا وجود لها؟ وكيف ستؤتي الزكاة إذا كان ليس لديك مال أصلا؟
فهذا السؤال خاطئ أصلًا، ويتضمن جهلًا بمفهوم الدين، وجهلًا أكثر بدين الحق ومقاصده!
إنه يجب العلم بأن أوامر الدين من حيث الكيانات الإنسانية على شكل أنساق، وللدين مقاصده العظمى الخاصة بكل مستوى من المستويات، والخاصة بالمعاملات داخل هذه الكيانات وفيما بينها.
والمستويات الرئيسة والثابتة هي: الفرد، الأسرة، الأمة.
فللدين مقصد أعظم خاص بكل مستوى من هذه المستويات، وتحقيقه يستلزم العمل بمقتضى نسق الأوامر الخاصّ به.
ومن البديهي أن المستوى الأصغر ليس مأمورًا بالقيام بأمر خاصّ بالمستوى الأكبر، فلا يمكن مطالبة أحد الأفراد الذين لم يتزوجوا أصلًا بالإنفاق على أولاد مفترضين لم ينجبهم.
ولا يمكن مطالبة فرد بإعداد ما يلزم من قوة مادية لكي يحارب بمفرده دولة كبرى معادية لدينه.
إن أي مستوى ليس مطالبًا بالقيام بما ليس في وسعه، وليس مطالبًا بزيادة وسعه لكي يقوم بما سيترتب على ذلك، وليس مطالبًا بالقيام بما يلزم له وجود المستوى الأعلى منه.
ولكن في حالة وجود المستوى الأكبر يكون المستوى الأصغر مطالبًا بالقيام بواجباته تجاه المستوى الأكبر، ومن البديهي أن المستوى الأكبر ملزم بالقيام بواجباته تجاه مكوناته، وأوامر الدين تلزمه بذلك.
فهل المستوى الأصغر ملزم بالعمل لإيجاد المستوى الأكبر؟
هو مكلف بذلك بقدر وسعه، لذلك فيجب عليه أن يتزوج لتكوين أسرة، وعندها تكون الأسرة الجديدة ملزمة بالعمل على تحقيق المقصد الديني الأعظم الخاصّ بها بالقيام بما يلزم من أوامر دينية ملزمة.
ولكنه ليس مأمورًا بتكوين أمة في وجود سلطة قائمة معادية وشرسة، فهو ليس مكلفًا بما ليس في وسعه، وليس مطلوبًا منه أن يموت ليتحقق ذلك.
أما أساليب العمل لتكوين أمة فهي الأساليب السلمية المشروعة؛ الحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، وتقديم الأسوة الحسنة، فلا يجوز التوسل إلى ذلك باتباع أساليب إجرامية إرهابية دموية.
ومن المعلوم أنه منذ انقضاء العصر النبوي لم توجد أمة بالمفهوم الإسلامي، فالأمة الإسلامية الوحيدة التي ظهرت حتى الآن هي الأمة التي كان النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ يتولى أمرها، وكانت مكونة من عترته، وهم كنفسه، ومن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، وكان كل هؤلاء قلة قليلة بالنسبة للمحيط البشري الذي كان موجودا، وكان هذا المحيط البشري يُعتبر من الأمة طالمًا كان خاضعًا لولي أمرها ومبايعًا له.
فلما انقضى العصر النبوي كانت نسبة هذه الأمة صغيرة بالنسبة لمجموع العرب والأعراب، ثم بدأت تتآكل عرضًا أو عمدا، فقُتل الكثير منهم في حروب أبي بكر ضد المعارضين له وللخلافة القرشية، واغتيل زعيم الأنصار سعد بن عبادة، وقام جند الجمل والخوارج بقتل آخرين، وقُتِل الكثير منهم في موقعة صفين على أيدي جيش البغي وعبيد الدنيا بقيادة معاوية، ثم تعرضت الأمة لشبه إبادة على أيدي يزيد بن معاوية.
ولقد حمل العباسيون من بعد الراية الشيطانية للقضاء على أي محاولة لإعادة بناء الأمة، وفي أثناء ذلك كانت قد تمت صياغة الدين الأعرابي الأموي العباسي الذي جعل من أئمة أهل البغي والمنافقين وعبيد الدنيا كيانات مقدسة، وهكذا تلاشى أي أمل في إعادة بناء أمة إسلامية حقيقية.
والأمة نفسها قد تتكون في داخل كيان دولة علمانية، فهي تكون ملزمة بالتعايش السلمي مع مكونات هذه الدولة الأخرى، ومن المفترض بالطبع أن من أسس الكيان العلماني حرية الدين.
فليس مطلوبًا أبدًا من الأمة أن تقاتل الآخرين لتؤسس دولة لتقوم بتطبيق أشكال العقوبات المعلومة على الناس.
والخطاب بجلد الزاني مثلًا هو موجه لأمة دينية حقيقية خالصة أو للدولة التي يمكن أن تنشئها هذه الأمة الخالصة.
فإذا كان لا وجود للأمة فإنه على الكيانات الأصغر أن تسعى لإقامتها بالسبل السلمية النبيلة، ليس بهدف التمكن من جلد الزاني مثلا، وإنما لأن من مقاصد الدين العظمى إعداد وتكوين الأمة الإسلامية الخيرة.
وليس مطلوبًا من الأمة الإسلامية الدخول في صراع مسلح مع الطوائف الأخرى التي توجد معها في كيانٍ مشترك مثل الدولة الحديثة لإلزامها بأشكال العقوبات الإسلامية، بل إن ذلك يُعتبر تمردا خطيرا على الشريعة الإسلامية ذاتها، فهذه الشريعة تأمر بأن يحكم أهل الكتاب بما أنزل الله في كتبهم، وتمنع ولاة أمور الأمة الإسلامية من الحكم بينهم إلا إذا أرادوا هم ذلك، وجاؤوا إلى هؤلاء الولاة طالبين ذلك.
*******
1