نظرات ونظريات في اللغة العربية
الفعل الماضي هو الأصل الصرفي العملي لأفراد العائلة الاسمية
فعلى المستوى اللساني (اللغوي) فإن الفعل الماضي هو الأصل الذي تُشتق منه المشتقات بما في ذلك ما يسمونه بالمصدر، ومن البراهين على ذلك:
أولًا:
الأصل يكون واحدا، وهذا ما يتحقق في الفعل الماضي، فصورته ثابتة، بينما تتعدد وتتنوع (مصادره)، ومن ذلك:
الفعل "كتب"، (مصادره): كتابة، كتْب، كِتاب
الفعل "غفر"، (مصادره): غَفْرٌ، غَفِيرٌ، غَفِيرَةٌ، غُفْرَانٌ، مَغْفِرَةٌ
الفعل "بصر"، (مصادره): بَصَر،بِصارة، بَصارة
الفعل "لطف"، (مصدراه): لطْف، لطَافة
الفعل "خبر"، (مصادره): خُبْر، خِبْرَة، خُبْرَة، خُبُور، خِبْر
الفعل "حاطَ"، (مصادره): حَوْط، حَيْطة، حِيطة، حِياطة
الفعل "عظم"، مصادره: عَظْم، عَظْمَة، عِظَم، عَظَامَة
وكذلك يتنوع ما يسمونه بالمصدر، فهناك المصدر الشائع، واسم المصدر والمصدر الميمي والمصدر الصناعي واسم المرة ....
ثانيا:
هم يقولون جميعًا بأن (المصادر) تُصاغ أو تُشتق من الفعل الماضي، بل توجد قواعد تحدد شكل (المصدر) بناءً على صورة الفعل الماضي وطبيعته وحركة عينه ومعناه.
فيقوض زعمهم ما لديهم من طرق قياسية مطردة لاشتقاق (المصادر) من الأفعال غير الثلاثية، وكذلك وجود طرق قياسية لاشتقاق الكثير من (المصادر) من الفعل الماضي، وتزداد القياسية إذا ما أُخِذ المعنى في الاعتبار.
والعبرة بما هو ماثل، وما يحدث بالفعل عند الاشتقاق، فهم يشتقون بالفعل (المصدر) من الفعل الماضي وفق قواعد قياسية معلومة، هذه القواعد منضبطة تماما بالنسبة للأفعال التي حروفها أكثر من ثلاثة، وهي قواعد أغلبية بالنسبة للفعل الثلاثي.
ثالثًا:
تعريفهم لاسم المصدر، فهو يتضمن الإقرار بأن الفعل الماضي هو الأصل، قالوا: المصدر هو الجاري على فعله الذي هو قياسه كالأفعال من أفعل، والتفعيل من فعَّل، والانفعال من انفعل، والتفعُّل من تفعل، وأما اسم المصدر فإنه يخالف المصدر في عدم جريانه على الفعل الذي يجري عليه المصدر، فالسلام والكلام لا يجريان على فعلهما، ومن هنا احتواء المصدر على أحرف فعله أو أكثر، وخلو اسم المصدر من بعضها لفظا أو تقديرا دون عوض.
رابعًا:
تعريفهم للمصدر الميمي فهو يتضمن أيضًا الإقرار بأن الفعل الماضي هو الأصل.
يقولون "المصدر الميمي يُشتق من الفعل الثلاثي على وزن (مَفعَل) أو (مَفعِل) حيث يُحوّل الفعل للفعل المضارع، ومن ثمّ يُستبدل بياء المضارعة ميم مضمومة"، والغريب أنهم لا يُلاحظون ما في كلامهم من التناقض! كيف يكون (المصدر) أصلًا للفعل ثم يُشتق منه؟ ما معنى أن تُسمَّى طائفة من الكلمات بالمصدر إذا كنتَ أنت تجردها من معاني ولوازم ذلك؟ وكيف تتعدد (المصادر) وأنواع (المصادر) لنفس الفعل؟ أليس من البديهي أن تتعدد الفروع لنفس الأصل الواحد، ولا يتعدد الأصل للفروع؟!
خامسا:
نفس الفعل الوارد يوجد لمصدره بضعة أنواع، وهذا كافٍ تمامًا لتقويض زعمهم بأن (المصدر) هو أصل المشتقات، فالفروع هي التي يمكن أن تتعدد، وليس الأصل، ومن أنواع المصادر المصدر المعلوم وما يسمونه بالمصدر الميمي للفعل، وهو يُشتق من الفعل الماضي بطريقة قياسية، فكيف يكون مصدرًا له؟!
سادسا:
تحقق (المصادر) مسبوق بفاعل يمارس الفعل، فأمور مثل الكتابة والخلق والبرء والتصوير مترتبة على وجود من يكتب ويخلق ويبرأ ويصور.
سابعًا:
اللغات السامية الأخرى، والعربية هي واحدة من اللغات السامية، قد اعتدّت الفعل أصلًا للاشتقاق دون المصدر
*******
لماذا لا يكون الجذر اللغوي الأصلي هو أصل المشتقات بما فيها الفعل الماضي؟ لماذا لا تكون المادة "غ، ف، ر" هي أصل الأفعال والمصادر والمشتقات الآتية: "غفَر، يغفِر، اغْفِر، غفران، مغفرة، غفْر، غافر، غفَّار، غفور، غفير، غُفر، غفْر"؟
الجواب: الإنسان لا يعرف أولا إلا الفعل ومعناه، أما معرفته بالجذر فهي مترتبة على معرفة بالفعل، الطفل لا يتعلم الجذر ثم يشتق منه الفعل، تعلم الجذر هو مرحلة تالية متقدمة.
ولابد من رابطة من حيث المعنى، وعلى المستوى البشري فأبسط ممثل للجذر اللغوي الأصلي هو الفعل الماضي.
ولو كان لدى الإنسان علم جامع محكم بدلالات الحروف الأصلية والمعاني المترتبة على ارتباطاتها وطرق الارتباط وحركاتها في الكلمة الناتجة لساغ له أن يعتبر أن الجذر اللغوي الأصلي هو أصل المشتقات.
فالعلم المنضبط يجب أن يبدأ مما هو مؤكد وثابت، وما لدى الإنسان الآن هو معاني الأفعال، وأبسطها الفعل الماضي، وهو الذي تُشتق منه عمليا الأسماء المسماة بالمشتقة وفق طرق أكثرها قياسي.
ولكون (الكلمات المشتقة) تشترك في الجذر اللغوي فيمكن بسهولة استخراج هذا الجذر منها، فهو بالنسبة لما هو ذو أصل ثلاثي الثلاثة أحرف المشتركة فيما بينها بنفس ترتيبها.
مثال: الكلمات "غفَر، يغفِر، غُفران، مغفرة، غَفْر، غافر، غفور، غفَّار" تشترك في الأحرف "غ، ف، ر" بنفس ترتيبها، هذا هو الجذر، وأول وأبسط كلمة ذات علاقة به هي الفعل الماضي "غفَر".
هذا الفعل هو الذي يُشتق منه سائر الأسماء المنتمية إلى نفس المجموعة، وذلك وفق طرق أكثرها قياسي.
*******
اختلفوا في مسألة أيّ كلمة من كلمات العائلة اللفظية هي أصل باقي أفراد العائلة، وبالنسبة لعلم الصرف المسألة محسومة، الفعل الماضي هو أصل ما يسمونه بالمشتقات، فمنه يُشتق أكثرها بطرق الكثير منها قياسي، بينما لا يُشتق هو من أي شيء آخر.
أما على مستوى عالم المعاني والعالم الأمري فهذه مسألة أخرى خارج نطاق علوم اللسانيات، فالأصل في المراتب الإلهية هو للأسماء الحسنى الإلهية.
وفي العالم العلوي الأمري الأصل هو للمعاني المرموز إليها بحروف، فعلى مستوى التخاطب هناك فالأصل هو للحروف، ومن هذه الحروف تتكون رموز المعاني الأولية.
فكل ما ظهر في عالم الشهادة هو مركب على كافة المستويات، ولا يمكن أن تظهر فيه الحقائق والمعاني الأولية بطريقة سافرة.
والأصل على مستوى عالم الشهادة أنه توجد في اللسان العربي عائلات من الكلمات، يشترك أفراد كل عائلة في وجود حروف مشتركة فيما بينها، عددها ثلاثة في أكثر العائلات، هذه الحروف هي التي لا يظهر غيرها في أحد أفراد العائلة، وهو الفعل الماضي، فهي حروف جذره اللغوي.
وكل فرد آخر من أفراد العائلة يتضمن هذه الحروف بالإضافة إلى حرف آخر أو أكثر، ولكل فرد صيغة أو وزن معين، يشترك فيه، من هذه الجهة مع أفراد من العائلات الأخرى.
وهكذا تنشأ عائلات مشتركة في نفس الصيغة من العائلات المذكورة.
ونحن نفضل أن نسمي الألفاظ المشتركة في جذر لغوي واحد بالعائلة الاسمية، أو بالأسماء ذوات القربى.
فكلمة اشتقاق تعبر تعبيرا غير دقيق عن ظاهرة اشتراك كلمات متعددة في الجذر اللغوي، هذا الاشتراك يعني أن تكون فاء الكلمة وعينها ولامها واحدة إذا كان الجذر ثلاثيا، كما هو الحال في أكثر الكلمات العربية، وأن ترد الحروف في كل الكلمات دائمًا بنفس ترتيبها.
هذا الاشتراك اللفظي يشير بالضرورة إلى اشتراك في معنى أصلي واحد، هذا المعنى مستقل بالضرورة عن الألفاظ المستعملة للتعبير عنه، ولذلك تتعدد الألفاظ بتعدد الألسنة.
ولهذا المعنى اسمٌ باللسان العربي، ولكل كلمة من الكلمات المسماة بالمشتقة اسمٌ ذو صلة بهذا الاسم وأسماء المشتقات الأخرى.
وكل اسمٍ لكائن يتسم بالحياة لابد أن يتضمن جانبًا فعليًّا، وأن تصدر عنه أفعال مصدقة لحقيقته ومظهرة لها.
فيجب أن يؤخذ في الاعتبار ما سبق بيانه، وإن كان من الصعب بالطبع تعديل مصطلحات أصبحت راسخة، لذلك عند استعمال كلمة مشتقات يجب أن يكون معلومًا أنها مجموعة ألفاظ ذات صلة قرابة فيما بينها.
أما عملية الاشتقاق نفسها فيجب أن توصف كما تتم بالفعل عمليا وواقعيا، فالاشتقاق يحدث من الفعل الماضي، وهناك كلمات مثل (المصادر) يستلزم اشتقاقها معرفة حركة عين الفعل والفعل المضارع، وعلى سبيل المثال فاسم المعنى (المصدر) من الفعل "لطُف، يلطُف" هو "لطافة"، أما من الفعل "لطَف، يلطُف" فهو "لُطف".
***
يوجد في اللسان العربي مجموعات أو عائلات من الكلمات تتميز كل مجموعة أو عائلة منها عن الأخرى بوجود حروف مشتركة فيما بينها، هذه الحروف هي بعينها المكونة لأحد أفراد كل عائلة، وهو الفعل الماضي، فهي تشكل بالترتيب فاء وعين ولام هذا الفعل، وهي تأتي بنفس ترتيبها في كل كلمة من كلمات العائلة.
نظرًا لهذا التقارب تصوروا أنه لابد من أن يكون أحد أفراد هذه العائلة هو الأصل، وباقي أفرادها هم الفروع المشتقة منه، ثم اختلفوا في هذا الأصل، قال بعضهم إنه الفعل الماضي، وقال آخرون إنه ما يسمونه بالمصدر.
ومن الناحية العملية فهذا (المصدر) يُشتق مثله مثل غيره من أفراد العائلة من الفعل الماضي بطرق الكثير منها قياسي، كما أنه يوجد لكل فعل ماضي مصادر تبدأ من اثنين لتصل إلى أكثر من عشر مصادر، ومجرد وجود طرق قياسية لاشتقاق (المصدر) من الفعل ينفي بالضرورة أن يكون (المصدر) هو أصل الفعل.
هذا بالإضافة إلى وجود أنواع متعددة مما يُسمى بالمصادر لنفس الفعل.
وبذلك يكون الفعل الماضي هو مصدر هذه المصادر ومصدر باقي أفراد العائلة.
*****
أصل المشتقات في الرأي الشائع الغالب عندهم هو المصدر الصريح، ومنه تتفرع هذه المشتقات، وأقوى أدلتهم هو قولهم: إنه "بسيط"؛ لدلالته على المعنى المجرد، و"البسيط" أصل المركب، بخلاف "الفعل الماضي" الذي يعده آخرون الأصل؛ بحجة أنه يدل على المعنى المجرد وعلى الزمن؛ فهو يدل على ما يدل عليه المصدر وزيادة، وبتغيير يسير يدخل على بنيته يجيء المضارع أو الأمر ...
وهذا قول لا علاقة له بعلم الصرف أصلا.
إنه على مدى التاريخ كان إدراك الأمر المجرد البسيط هو الأصعب، وهو المترتب على مطالعة التفاصيل العديدة والمظاهر الفعلية، وكان يتم تبسيط بعض الألفاظ بحذف ما يمكن حذفه.
وما يُسمَّى بالمصدر عندهم هو ما يدل على المعنى المجرد؛ أي معنى الفعل في ذاته، فلا دلالة له على ذات، أو زمان، أو مكان، أو تذكير، أو تأنيث أو عدد، إلا المصدر الذي يدل على المرة أو الهيئة، والمصدر المؤول الذي يدل على زمن.
وهم لذلك يجعلونه الأصل، والحق أن هذا يتضمن خلطًا بين أمور حقانية معنوية أو أمور فلسفية من ناحية وبين أمور عملية بشرية من ناحية أخرى، فالأصل في عالم الحقائق هو المعاني، أما الأصل في عالم الشهادة فهو الأفعال والتفاصيل، ومنها يستخلص الإنسان الأمور المجردة والمعاني.
مثال: كان الماثل أمام الإنسان في البداية مجموعات من دواب الأرض، لاحظ وجود تشابه بين كل مجموعة منها مع وجود بعض الاختلافات بين أفراد كل مجموعة، فالذي كان ماثلًا أمامه هو الأشياء المادية الواقعية الملموسة Concrete things، أما مفهوم التشابه فقد ترتب على ملاحظتها.
وكذلك نشأ مفهوم العدد والأرقام من ملاحظة المجموعات المتشابهة من الأشياء المحسوسة، فمن ملاحظة مجموعات من الأشياء المختلفة المتفقة في عدد عناصرها لاحظ عامل الاتفاق وأطلق عليه ثلاثة مثلا، فلا وجود لهذا العدد مجسدا، ولا يمكن الإمساك به في الخارج، وإنما يوجد بوجود المجموعات الثلاثية.
فبالنسبة للإنسان كان الوجود الحسي الواقعي منشأ وأصل المفاهيم والتصورات.
فالإنسان لم يستخلص المفاهيم المجردة مثل الحياة، العلم، الفهم، الحق، العدل، القوة ... الخ إلا من بعد رؤية ما يصدر عن الظاهرين بمثل هذه المعاني في عالمه، بمثل ما أنه لم يستخلص القوانين الطبيعية إلا بملاحظة الظواهر الطبيعية.
كذلك هو على المستوى اللساني لم يستخلص أسماء المعاني أو المصادر إلا من الأفعال المعبرة عنها.
وعلوم النحو والصرف هي أصلًا علوم صورية، البساطة فيها بساطة التركيب، ولا شك أن الفعل الماضي أبسط من كل أنواع الأسماء التي يمكن أن تُشتق منه، ومنها كافة أنواع المصادر.
هذا بالإضافة إلى أن الواقع الماثل هو أنه يمكن أن تجد للفعل الواحد مصادر متنوعة ومتعددة، بينما لا تجد لأي مصدر إلا فعلا واحدا، كما أن المصدر هو الذي يُشتق من الفعل بطرق أغلبها قياسي.
*****
وجود أنواع عديدة مما يسمونه بالمصدر، وكذلك وجود صيغ وزنية متعددة له، يدل على أنه ليس بمصدر، ومن المعلوم أنها كلها تشتق من الفعل الماضي بطرق الكثير منها قياسي مطرد، ومع ذلك يصرون على أنها أصلٌ له!
*******
من ناحية المعنى؛ (المصدر) أبسط من الفعل لكونه لا يدل إلا على الفعل المحض، فهو اسمه الخاص الذي يميزه عن غيره، أما الفعل فيتضمن معناه والزمن، كما يستبطن بطريقة مبهمة فاعله ومفعوله إذا كان متعديا.
ولكن هذا الكلام يكون على مستوى المنطق والفلسفة وعلوم تطور اللغة، وليس على مستوى اللغة.
فتعريف مصدر عائلة لغوية في الصرف هو الكلمة التي يُشتق منها بالفعل باقي أفراد هذه العائلة، وبالتالي فالقضية محسومة.
ومن المعلوم أن تعدد الحركات الممكنة لعيْن الفعل الماضي ومضارعه يؤدي إلى اختلاف المعنى مع الاتفاق في شكل المشتقات، فالفعل اللازم "لطُف، يلطُف" يختلف في معناه عن الفعل المتعدي بالباء "لطَف، يلطُف"، ولذلك فـ"لطيف" المشتقة من الأول ليست كـ"لطيف" المشتقة من الثاني، و(مصدر) الأول هو لطافة المقابلة للكثافة، أما الثاني فمصدره "لُطْف".
فإذا كان ثمة حاجة إلى اعتبار أحد أفراد عائلة الكلمات ذوات القربى أصلا، وأُريد أخذ ذلك في الاعتبار فمن الأفضل اعتبار الفعل الماضي مع مضارعه أصلا لباقي أفراد العائلة.
***
الاشتقاق يحدث عند حاجة الإنسان للتعبير عن أمرٍ معين، وعما استجد من أمور بالنسبة له، فالإنسان الفطري لا يلتزم بالضرورة بالقواعد التي سيضعها علماء اللغة، وقد يحتاج الناس لإحداث اسمٍ لآلة الآن مثلا، فيضطرون لاشتقاق اسمٍ لها، ولكن الأمر الفطري هو أن الطفل يتعلم أسماء الذوات أو الأسماء الوظيفية ثم يتعلم الأفعال الأولية، أما المعاني المجردة فعادة ما تكون آخر ما يتعلمه.
والإنسان في الحقيقة يدرك الحدث بما هو عليه، ثم يبدأ في استخلاص كل ما له صلة به بالتجريد، وآخر ما يستخلصه هو المعنى المحض، فالتجريد مرحلة ذهنية متقدمة.
إنه لم يحدث أن كان لدى طلائع البشر سجلات بكل المعاني المجردة، ثم كلما أرادوا (تكثير المعاني) اشتقوا منها أفعالا وأسماء فاعل وصفات.
ومن الناحية الشكلية فإن عدد حروف (المصدر) يساوي عادة أو يزيد على عدد حروف الفعل الماضي.
وإذا كان المصدر أشد تجريدًا من الفعل فهذا يعني بالضرورة أنه مشتق من الفعل بالتجريد، وليس العكس، فالتجريد مرحلة ذهنية متقدمة.
ولا معنى لاستعمال كلمة "حدث" عند الحديث عن مصدر كلمات العائلة الواحدة، فالمعنى المحض للفعل ليس بحدثٍ بالضرورة، الحدث هو حالة خاصة من الفعل، ولا يُعرَّف العام بما هو خاص.
إن الفعل هو تجسيد وظهور، والمصدر تجريد وبطون، والمجسد الظاهر أسبق إلى الإنسان في عالم الشهادة من المجرد الباطن.
*******
كل مجموعة من الأسماء ذوات القربى (الأسماء المشتقة) هي في الحقيقة عائلة واحدة من الألفاظ المشتركة فيما بينها في جذر واحد، وأكثر هذه الجذور ثلاثية، والاسم من أسماء المجموعة قد يكون مكونا من حروف هذا الجذر فقط، وقد تضاف إليه حروف أخرى، والإضافات لا تحدث اعتباطًا، بل هناك أنماط محددة يتم الالتزام بها ومحاكاتها للحصول على صيغ محددة، لكل صيغة منها معناها ووظائفها.
والأسماء المشتقة هي أسماء أصلها هو جذور الأفعال، وعمليا على المستوى الصرفي هي مشتقة من الأفعال الماضية التي لها هذه الجذور بطرق أكثرها قياسي، فالمشتقات تشترك معها بحروفها المعجمية وتستقل عنها بأبنيتها، ولأنها مأخوذة من الأفعال فإن علاقتها بالمعنى ليست علاقة اعتباطية، ذلك لأن هذه الأسماء مقترنة بدلالات أفعالها فهي قد تعبر عن فاعل الفعل أو عمَّن وقع عليه الفعل أو عن زمن الفعل أو مكانه أو آلته.
ومعنى الاسم المشتق لا يعتمد فقط على معنى الفعل الماضي، وإنما على حركة عينه وحركة عين فعله المضارع، لذلك يختلف معنى الاسم المشتق من "لطُف، يلطُف" عن معنى الاسم المشتق من "لطَف، يلطُف" رغم تطابق شكلي الاسمين، ومن هنا ظهر نوع من المشترك اللفظي.
والذي يلزم العلم به لفقه الأسماء، ومنها الأسماء الحسنى اللفظية، هو ما يمكن أن يُسمَّى بالأسماء الواصفة، وهي الأسماء المشتقة من الفعل، ويعمل بعضها عمله، ويمكن استعمالها للوصف، وهي: اسم الفاعل البسيط، اسم الفاعل المؤكد فعليا (صيغ المبالغة)، اسم الفاعل المؤكد معنويا (الصفة المشبهة باسم الفاعل)، اسم الفاعل المؤكد معنويا وفعليا (احتاروا في أمره)، اسم المفعول، اسم التفضيل.
أما ما يُسمَّى بالمصدر عندهم فهو عندنا مشتق من الفعل الماضي مثله مثل اسم الفاعل وغيره، وهذا ما يحدث بالفعل واقعيا وعمليا.
***
بما أن الاسم غير مقترن بزمان فإنه أكثر دواما وثباتا من الفعل الذي يرتبط بالزمان، فالفعل إما أن يكون ماضيا أو حاضرا أو مستقبلا، وقد يعبر عن استمرار الفعل في أي زمن منهما، لذلك فالوصف بالأسماء يشير إلى ثبوت وترسيخ للوصف مقارنة بالوصف بالفعل، فهو يتضمن تأكيدا في الوصف مقارنة بالفعل، والتعبير عن أمرٍ بالجملة الاسمية يشير إلى ثباتٍ ورسوخ أكبر مقارنة بالجملة الفعلية.
والمشتق المسمَّى باسم الفاعل يؤدي دور بعض الصيغ الفعلية الموجودة بطريقة صريحة في بعض الألسنة الأخرى كالإنجليزية مثلا، ومنها المضارع المستمرThe present continuous tense ، والمستقبل المستمر The future continuous tense ، وذلك مع التأكيد.
واسم الفاعل هنا لا يُستعمل هكذا إلا مع أفعال العمل أو الحركة أو النشاط أو الإجراء، وليس مع الأفعال الوصفية (أفعال الاتصاف أو بيان الحالة الوجودية) مثلا، فأفعال النشاط هي التي يمكن أن تستغرق مدة زمنية.
*****
1