أزهار البستان في عجائب همجستان
الفارسي من أي قبيلة أنت وقبيلة جرذ بن جربوع بن كلب
الفارسي من أي قبيلة أنت وقبيلة جرذ بن جربوع بن كلب
يُقال إن رجلًا من فارس كان يجيد اللغة العربية بطلاقة وتمكن، حتى إنه ساهم في وضع جزء كبير من علوم النحو واللغة والبيان، وافتتح أكاديمية لتعليم اللغة العربية للأعراب.
كان كلما تكلم بشيء صرخ تلاميذه الأعراب: من أي قبيلة أنت؟
كان من يقطنون بجانب الأكاديمية، يسمعون ذلك الصراخ عدة مئات من المرات يوميا، لذلك ظنوا أن هذا هو اسمه.
أصبح الناس في كل مكان ينادونه بهذا الاسم، حاول، ولكن دون جدوى، الحفاظ على اسمه الأصلي، اضطر إلى التأقلم مع اسمه الجديد حتى إنه نسي اسمه الأصلي، وأصبح اسمه: "من أي قبيلة أنت"
ولكن الرجل ظل متذكرًا أنه فارسي، فخورًا بأصله العرقي.
اجتاح قريته قبيلة من الأعراب الأشاوس النشامى، ونهبوا كل ما يمكن نهبه، بما في ذلك الأكاديمية، كان أكثر ما يرعبه أن تضيع المعاجم اللغوية الثمينة التي هي حصيلة عمله لعدة قرون مضت.
ذهب إليهم لمحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه، أخذ يتملقهم بكل ما يعرف من قصائد المدح، ويُلقي عليهم آلاف الأبيات من عيون الشعر.
انفرجت أساريرهم، خفت حدة ملامحهم الصارمة المتجهمة، وبدأوا يتطارحون معه الشعر والملح اللغوية.
قالوا له: ماذا تريد؟ وهم يخشون أن يطلب شيئا من الدنانير الذهبية التي وجودها في خزينة الأكاديمية
قال شيخهم: لا أريد إلا كتبي!
قال وماذا بها؟
قال: كل كلمات اللغة العربية.
ضحك الشيخ، وقال: أقل رجلٍ ممن أمامك يحفظ 20 ألف ألف كلمة، اختبره يا صخر! فإن رسب ضربنا عنقه، واستعملنا رأسه ككرة قدم في دوري القبيلة.
قال صخر: أعرف للأسد مئة اسم، وللسيف خمسين اسمًا، كم تعرف أنت؟
قال الفارسي: أعرف للأسد مئة ألف اسم، وللسيف خمسين ألف اسم
قالوا له: أنت كذاب أشر، اذكرها الآن فورا!
أخذ الفارسي يسرد الأسماء الشهيرة، ثم أخذ يؤلف من الحروف ما يحلو له من الأسماء، وبعد عدة أسابيع، لم ينم أحدٌ منهم فيها، كان الضجر قد بلغ منهم مداه، قالوا: كفى، كفى!
قال شيخهم: ما اسمك يا رجل؟
قال: من أي قبيلة أنت
علا الغضب على وجه الشيخ، ما العلاقة بين السؤال وبين الجواب؟ هذا استهزاء بالشيخ، كيف يجهل هذا الأعجمي أو يتجاهل قبيلتنا؟
قام إليه سبعة رجال بسيوفهم، وتسابقوا كل واحد يحاول أن يضرب عنقه قبل الآخر، فاشتبكوا معًا.
صرخ أبو سفيان ضارعًا: دعوه لي، هند اشتاقت إلى أكل الكبد البشري.
صرخ: معاوية: اتركوه لي، أريد أن استمتع بصراخه عندما أدفنه حيا.
صاح الحجاج: بل أنا الذي سأسلخه وأصلبه مقلوبا أمام خيمتي.
صرخ فيصل: اتركوه لي، أريد أن أمزقه إربا حتى ترضى الصهيونية العالمية وتترك لي سريري الخشبي إلى الأبد.
اشتبكوا في صراح مرير حتى قُتل من السبعة عشرة.
قام إليه تسعة رجال، ولكن تكرر ما حدث، من قبل، فقُتل منهم 21.
أخذ الرجل يصرخ بكل ما أوتي من قوة، هذا اسمي، وليس سؤالا، أنتم قبيلة جرذ بن جربوع بن كلب، وكلكم فرسان معدودون وهزابرة متوحشون، وسفاحون مجرمون، لا يجهلكم إلا بهيم، أنتم أشهر من مارلين مونرو ومن مارادونا ومن آل كابوني ومن مايكل كورليوني.
أخذوا يحملقون فيه في دهشة، أصغوا إليه، واستبد بهم الفضول.
قالوا له: من مارلين مونرو هذه؟ يبدو أنها جارية من بني الأصفر! هل لديك صورة لها؟
اتصل فورًا بفارسي آخر سيظهر في القرن العشرين، وطلب منه إرسال صورة لمارلين مونرو، وشرح له خطورة الموقف!
بذل صديقه المستحيل ليرسلها إليه، وأخيرًا وصلت صورة لها بالمايوه البيكيني، ما إن رأوها حتى خروا مغشيا عليهم، انتهز الفارسي الفرصة، وحاول التسلل إلى الخارج.
لسوء حظه كان يقف حارس كالصقر خارج المخيم، صاح صيحة مرعبة، أفاقوا جميعًا، وأحدقوا به.
طلبوا منه أن يقصّ عليهم كل شيء عن هذه المارلين وبلادها، ففعل.
قالوا لأنفسهم: بعد أن ننتهي من هذا الفارسي، لابد أن يخاطب شيخنا الخليفة ليسمح لنا بغزو بلد مارلين، سنطالبهم بالإسلام الفوري، سيرفضون بالطبع، سنقاتلهم ونسبي مارلين وكل من على شاكلتها.
قال أحدهم: ولكن الخليفة هو الذي سيأخذ مارلين!
قال آخر: لا تيأس مبكرا يا رجل، ربما وجدنا حلا، أو وجدنا من هن خير منها.
قال الشيخ: وما هي قصتك أيها الفارسي؟
قصّ عليهم القصص، ففقه الشيخ قوله، وأمرهم بالكفّ عنه.
أخذوا من جديد يتبادلون الملح والطرائف اللغوية وعيون الشعر، ظهر بجلاء تفوقه عليهم، سحقهم سحقا.
نسي أنه في مجلس أعراب، ضحك وقال: أنا فارسي وأجيد العربية أكثر من العرب!
ما إن قال ذلك حتى قام إليه سبعة رجال أشداء، كل واحد منهم يحمل سيفين، وهو يُقسم أن يحوله إلى (ترانشات) من اللحم، وأن يبيعه لمحل الكباب والكفتة العتيد في قلب همجستان النابض.
ولكنهم كالعادة اشتبكوا قبل الوصول إليه، وقُتل منهم 11 رجلا.
ضج الشيخ من هذه القصة السخيفة التي لا تريد أن تنتهي، التفت إلى حكيم القبيلة طالبًا المشورة.
قال له: أرسل فارسًا يأتيك بأصغر فتاة يصادفها من القبيلة، ولنتركها لتختبره.
على الفور أرسلوا الفارس الخطير صرصور بن نملة المجنح، ليفعل.
انطلق صرصور بسرعته الفائقة، وفرسه يسابق الريح، وجد على باب خيمة أعرابية ترضع صغيرتها، انتزعها من على ثديها، صرخت المرأة، قال اسكتي وإلا ثقبت بطنك برمحي هذا، انطلقت المرأة وراءه، تصرخ وتولول، وقد جن جنونها.
ألقى صرصور بالرضيعة في حجر شيخ القبيلة، فتبولت عليه، لم يتمالك الحضور أنفسهم، رغم حرج الموقف، انطلقت قهقهاتهم الرعدية.
صرخ فيه شيخ القبيلة ولعنه، وأمر بسحقه بشبشب رديء مستورد من الصين.
قال للرضيعة، وهو مستشيط غضبًا، اختبري هذا الرجل، نريد أن نعرف هل هو عربي أم أعجمي؟
قالت له: لقد سقطت على خبير.
انفردت الرضيعة بالفارسي، وأخذت لتوها تمتحنه في كل كلمات اللغة العربية، وفي أصل كل كلمة وطريقة نطقها أو ما يرادفها عند كل قبيلة، أخذت تختبر كيفية نطقه للحروف المختلفة، وخاصة تلك التي تنفرد بها العربية.
بعد مئات السنين، انتهى الاختبار، وخرجت الرضيعة لتعلن عليهم النتيجة!
قالوا للرضيعة: ما قولك فيه؟
قالت: إنه ليس عربيا، بل علج فارسي!
صرخوا جميعا: علج فارسي، ويفتتح أكاديمية لتعليم اللغة العربية؟ تبًّا له، الويل له! لا يسلم الشرف الوضيع من الأذى*حتى يُراق على جوانبه الدم.
صاحت الرضيعة: اقتلوا علجلا، فقط كفر.
صرخ فيهم: وهل أنكرت أني فارسي؟
ذهبت صرخاته بلا جدوى، وضاعت سدى!
امتشق كل واحد سيفه وقاموا إليه قومة وحش واحد.
لم يتبق من الفارسي شيء، تم تحليله إلى خلاياه الأولية.
وصلت أم الرضيعة، وهي تصرخ بجنون، ما إن رأتها الرضيعة حتى صرخت: وااء، وااااء، واااااء، ثم التقمت ثديها، وأخذت تمصه بجنون.
هذا، وقد عاش الفارسي بعد قتله وتمزيقه، مئة عام، وخلد هذه الوقائع في كتابه الشهير: "الخطير، في قصتي مع البهائم والحمير"، ونظمها في كتابه: "حديث من القلب عن غزوة أبناء جرذ بن جربوع بن كلب".
*******
1