الإسلام والأمة والدولة والمذاهب المعاصرة
خلاصة القول في موضوع العترة
الرسول أسس بنص القرءان أمة، ولم يؤسس -كما هو واضح في القرءان- دولة، والأمة مفهومها مختلف تماما عن مفهوم الدولة، ويتولى أمرها واحد منها باعتباره الأرقى والأسبق على المستوى الجوهري، أما الدولة فمواصفات من يملكها أو يرأسها ومتطلباته مختلفة تماما.
ولقد أعلن الرسول أمام عشرات الألوف أن ولي أمر الأمة هو الإمام علي، وهو بالفعل سابق الأمة وهارونها، وبذلك بلَّغ الرسول الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، وقد كان منوطًا بالإمام استكمال المهام النبوية من تعليم وتزكية، خاصة وأن جلّ الأعراب لم يسلموا إلا قبيل انتهاء عصر النبوة، فهم أسلموا ولما يؤمنوا، ولم يهاجروا.
ولكن لأسباب عديدة تمرد الناس على هذا الأمر فتحولت الأمة إلى دولة يتحكم فيها فرد واحد هو وأنصاره، ثم استأثرت بالأمر الأسرة الأقدر على السيطرة على الأعراب بشتى الوسائل غير المشروعة.
وبذلك بطن أمر ولاة الأمر الحقيقيون السابقون على المستوى الجوهري، ولن يعودوا إلى الظهور إلا إذا تحولت الدول المتناحرة المحسوبة على الإسلام إلى أمة واحدة وجسد واحد من جديد، ولن يتم ذلك إلا بالتجديد الحقيقي للدين على أيدي مجددين حقيقيين معتمدين يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ، وَانْتِحَالِ الْمُبْطِلِينَ، وَتَأْوِيلِ الْجَاهِلِينَ، ويتلقون التأويل اللازم لعصرهم.
ولصرف الناس عنهم ظهرت عقائد المنتظرين، وأصولها ترجع إلى التراث التلمودي والتراث الفارسي البابلي.
وبطون ولاة الأمر الحقيقيين لا يعني أنه ليس لهم أي دور، بل إنهم يمارسون مهامهم بدون أن يحظوا بأية سلطة سياسية، فمنهم المجددون والمصلحون، وآيتهم أن معهم علوم القرءان الجديدة، وهم الأصلح لتلقي كل تأويلٍ جديد، وهم العترة على المستوى الجوهري الحقيقي، وهم أهل الله وخاصته، وهم العلة الغائية لوجود هذه الأمة، وبانقراضهم يتحتم هلاكها.
من هم العترة الطاهرة التي يجب الاعتصام بها الآن؟ هل هم مشايخ التصوف، وجلهم يزعم انتماءه إلى أهل البيت؟ أم هم آيات وحجج الشيعة الإمامية؟ أم هم أئمة الزيدية أو الإسماعيلية؟ أم هم عائلة ملك الأردن؟ أم هم عائلة ملك المغرب؟!
كلا، إنهم المعتصمون الحقيقيون بحبل الله، الحريصون على طلب الحقّ واتباعه.
وإذا قلت للناس إن حبل الله هو القرءان سيقولون لك: لابد من ناطق بالقرءان من العترة، والحق هو أن الله تعالى أخفى العترة الحقيقية في الناس من بعد أن رفضوا العترة الظاهرة قديما، ومن معه علم القرءان هو بالضرورة من العترة الحقيقية، والعبرة بالوراثة الجوهرية، ومن ليس منهم جسدا سيلحقه الله بهم كما حدث مع سلمان الفارسي، من أراد التمسك بالعترة فليتمسك بمن معه علوم القرءان، فهو منهم بالأصالة أو بالإلحاق.
إنه لا محاباة في السنن الإلهية الكونية، ومن الحق والعدل ألا يعمل بالطب مثلًا من ليس لديه شهادة معتمدة وذات مصداقية تؤهله للعمل كطبيب، وكذلك من الحق والعدل وتأدية الأمانات إلى أهلها أن يعمل بالطب من هو مؤهل لذلك.
والشهادة المؤهلة لمن هو واجب الاتباع هو العلم بالقرءان الذي يلبي ما هو مطلوب في عصره، فآية من هو من العترة الحقيقية هو ما لديه من التأويل الجديد للآيات القرءانية التي أصبح العصر مستعدًّا لها، والذي يمكن أن يبدأ به عصر جديد للبشرية من الناحية الدينية.
وكل من هم من العترة الحقيقية، ومنهم كل مصلح مجدد معتمد، هم متصلون بالإمام علي بسبب، ولقد استشعر المتصوفة ذلك، ولذلك هم ينسبون طرقهم إلى الإمام علي عبر سلسلة إسناد.
*******
1