نظرات في المذاهب
47
نقض ما يُسمَّى بمفهوم المخالفة
المقصود بالنقض ليس الإبطال المطلق لهذا المفهوم، وإنما نقض اتخاذه دليلا شرعيا لاستخلاص علم أو حكم.
إنه يجب العلم بأنه لا يجوز إحداث أية آلية بشرية لاختلاق أحكام وأقوال يُقال إنها دينية، الآليات البشرية لا تنتج إلا أحكامًا بشرية، ويمكن أن تُستعمل فقط في المعاملات وفي القضايا الجزئية، وليس في أصول الدين.
والعمل بمفهوم المخالفة هو من تلك الآليات البشرية.
ومفهوم المخالفة هو ثبوت نقيض حكم المنطوق به للمسكوت عنه، أي دلالة اللفظ على مخالفة حكم المسكوت عنه لحكم المنطوق، وذلك لانتفاء قيد من القيود المعتبرة في هذا الحكم، وسُمِّي بمفهوم مخالفة لأن الحكم الذي يثبت للمسكوت نقيض للحكم المنطوق به مختلف عنه.
إذا دل النص الشرعي على حكم في محل مقيدا بقيد، بأن كان موصوفا بوصف أو مشروطا بشرط أو مغيًّا بغاية أو محددا بعدد، يكون حكم النص في المحل الذي تحقق فيه القيد هو منطوق النص، وأما حكم المحل الذي انتفى عنه القيد فهو مفهومه المخالفة.
وهذا يعني أن النص الشرعي لا دلالة له على حكمٍ ما في المفهوم المخالف لمنطوقه، لأنه ليس من مدلولاته بطريق من طرق الدلالة المعلومة، بل يعرف حكم المفهوم المخالف المسكوت عنه بأي دليل آخر من الأدلة الشرعية التي منها الحكم الأصلي.
وما يسمونه بمفهوم المخالفة لا يوجد أي نص قرءاني يسمح بإعماله، والقرءان هو المصدر الأوحد لآليات استنباط الأحكام الدينية.
كما أنه لا يوجد أي قول أو أثر ثابت عن الرسول يسمح بإعماله.
والحكم أو القول الثابت لحالة مقيدة لا يجوز إثبات عكسه للحالة الناتجة عن رفع هذا القيد، أما الحكم المقيد بزمنه فهو بكل بساطة مقيد بزمنه، فالحج مثلا يكون في أشهر معلومات، فلا حاجة إلى مفهوم المخالفة لإثبات أنه لا حج في غير هذه الأشهر، كذلك لا حاجة مثلا للقول بأن تسمية صلاة الفجر بهذا الاسم يعني أنه لا يجوز أن تؤدى طبقًا لمفهوم المخالفة في الظهيرة، ولا حاجة للقول بأن معنى إتمام الصيام إلى الليل يتضمن أنه لا صيام في الليل طبقًا لمفهوم المخالفة.
فالبديهيات أقوى من الدلالات المفتعلة، ويجب دائمًا اتباع المنهج القرءاني لتحديد كل ما يلزم لتوصيف عبادة معينة أو لاستخلاص القول القرءان في مسألة.
والحق أنه توجد مغالطة منطقية A logical fallacy في الأخذ بمفهوم المخالفة، وهي أنهم يعملون ما هو داخل فيه وكأنها متغيرات تخضع لجبر بول Boolean algebraويمكن صياغة معنى كلامهم كما يلي:
The variable A is supposed to be a logical variable. A variable C is associated with it. Now the variable B is usually supposed to be the complementary of A. Hence, to B is associated D which must be the complementary of C!
وبذلك يتضح شيء من المغالطة المركبة في استعمال هذا المفهوم، وأن كل شيء عنه بحاجة إلى إثبات مستقل، وهو غير موجود، وهناك مغالطة أخرى في استعماله أيضًا.
فإعمال مفهوم المخالفة لم يأت بأي حكمٍ جديد غير ثابت بدونه، وهو لم يؤدِّ إلا إلى مضاعفة الكلام في الفروع بدون طائل، فهو جعجعة بلا طحن.
1