top of page

القراءة الأوْلى

إطلالة تاريخية


إطلالة تاريخية

موجز تاريخي لمسألة القراءات

1. القرءان أُنزل بلسان واحد، هو لسان الرسول العربي القرشي.

2. القرءان أُنزل على سبعة أحرف هي متضمنة في ذاته، ولا علاقة لها بلغات القبائل العربية.

3. كل مسلم مأمور بأن يقرأ القرءان وأن يتدبره ليعرفها.

4. هذه الأحرف اقتضت وجود قراءتين لبعض الكلمات القليلة لإثراء المعنى والدلالة.

5. المصحف العثماني كان مكتوبًا بحيث يستوعب ذلك.

6. لا علاقة لكل ذلك بلغات الأعراب.

7. أكثر ما قيل بأنه ألفاظ غير قرشية كان قد دخل في اللسان القرشي منذ زمن بعيد لأسباب عديدة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى تشكيل بعض الكلمات، أما ما ثبت ثبوتًا قطعيا أنه ليس من لغة قريش، وأخذت به قراءة من القراءات فيجب استبعاده كقراءة، أي يجب استبعاد القراءة غير القرشية للكلمة، والأخذ بغيرها.

8. العرب في جاهليتهم كانوا متمسكين بلغاتهم معتزين بها، يأنفون من التحدث بغيرها، كما كان يشق عليهم هذا بصفة عامة، ولذلك رُخِص لهم أن يقرؤوا القرءان بلغاتهم، تيسيرًا عليهم، على ألا يبدلوا من كلماته شيئا، ومن البديهي أن هذه كانت رخصة مؤقتة، وأنها كان بجب أن تكون متبوعة بأمر يوجب الكفّ عن ذلك.

9. كان السماح للأعراب بأن يقرؤوا القرءان بلغاتهم رخصة مؤقتة، مثلها مثل القبول منهم بإسلام دون إيمان، حتى يتسلل الإيمان شيئا فشيئا إلى قلوبهم، {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لاَ يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيم} [الحجرات:14]، ومن البديهي أن ما حدث من انقلاب على الأعقاب قد حال دون أن تسير الأمور وفق ما تمنى الرسول.

10. كان يتم إرسال صحابي حافظ للقرءان إلى كل قبيلة، فعنه أخذوا القرءان، وإليه انتسبوا، وأصبحوا بذلك من التابعين، وأصبحت بذلك قراءاتهم بلغاتهم ولهجاتهم مرفوعة إلى الرسول.

11. ظلت كل قبيلة لا تقرأ القرءان إلا بلغتها، وحملها إلى الأمصار المختلفة من هاجر إليها منهم.

12. القرءان كان مجموعًا في العصر النبوي، وآلت النسخة التي تتضمنه إلى العترة النبوية.

13. أرسل أبو بكر القوة الأساسية للأمة المؤمنة لتقاتل العرب الذين أبوا الخضوع لسلطة الدولة القرشية التي أسسها هو وعمر، وكان من هذه القوة قراء القرءان، فاستحرّ القتل فيهم، فقال له عمر: "إنَّ القَتْلَ قَدِ اسْتَحَرَّ يَومَ اليَمَامَةِ بقُرَّاءِ القُرْآنِ، وإنِّي أخْشَى أنْ يَسْتَحِرَّ القَتْلُ بالقُرَّاءِ بالمَوَاطِنِ، فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ مِنَ القُرْآنِ، وإنِّي أرَى أنْ تَأْمُرَ بجَمْعِ القُرْآنِ"، بادر أبو بكر بالرفض قائلًا: "كيفَ تَفْعَلُ شيئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟"!!!؟؟؟!!! ثم اقتنع فجأة!! وأمر زيد بن ثابت بجمع القرءان فاعترض مكررا نفس كلام أبي بكر السابق بحذافيره!!! إلا أنه حوله إلى صيغة الجمع المخاطب، ولكنه هو أيضًا اقتنع فجأة!! وانطلق يجمع القرءان مِنَ (العُسُبِ واللِّخَافِ، وصُدُورِ الرِّجَالِ)!!، كما يقولون!!!! فَكَانَتِ الصُّحُفُ عِنْدَ أبِي بَكْرٍ حتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَيَاتَهُ، ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بنْتِ عُمَرَ!!! وهكذا ظل المصحف حبيسًا، بينما ظلت القبائل العربية تقرأ وفق ما تعلمته من الصحابة الذين كانوا قد أرسلوا إليهم، ومنهم من لم يحضر (العرضة الأخيرة)، ولم يعلم -كما يقولون- بـ (ما تم نسخه فيها)!!!!!! وقد قالوا إن هذا كان من أسباب اختلاف القراءات!!!

14. هذا يبين أنهم رفضوا المصحف المجموع الذي كان بحوزة الإمام علي لأسباب خاصة بهم، وأصروا على أن يتم جمع القرءان بمعرفتهم وتحت نظرهم على يد من يرتضونه.

15. لم تُتخذ أي إجراءات لمنع الاختلاف، فظلت كل قبيلة تقرأ القرءان بلغتها.

16. اختلفت القراءات بشكل ينذر بكارثة، رأى حُذَيْفةُ اختلافَهُم في القُرءانِ، فقالَ لعُثمانَ بنِ عفَّانَ: يا أميرَ المؤمنينَ، أدرِكْ هذِهِ الأمَّةَ قبلَ أن يختلِفوا في الكتابِ كما اختلفتِ اليَهودُ والنَّصارَى، فقرروا أخيرًا القيام بعمل للحفاظ على الرسالة التي شنوا الحرب على البشرية لدعوتهم إليها!!!!

17. شكل عثمان لجنة لنسخ المصاحف من مصحف أبي بكر!!! وحرص في تشكيل اللجنة على استبعاد أكابر العلماء بالقرءان، مثل الإمام علي وعبد الله بن مسعود وأبي ابن كعب، وعلى إشراك ثلاثة من القرشيين كانوا أطفالا عند انتقال الرسول، ولكن لم يعترض أحد عما نتج عن عملهم، فعمل عثمان أدَّى، على أية حال، إلى وجود نسخ موثقة ومعتمدة للقرءان.

18. كانت المصاحف المنسوخة، والمرسلة إلى الأمصار، متطابقة، ولا يوجد فيما بينها إلا اختلافات طفيفة، ولقد زعموا أن هذا الاختلاف كان لحفظ الأحرف المتعددة التي كانوا يعرفونها، وهذا مجرد زعم بلا أدنى إثبات، وقد ينطبق ذلك على عدد جد قليل من الكلمات، ولكن الاختلافات الأخرى يمكن إرجاعها لأسباب موضوعية.

19. من البديهي أن الناس في الأمصار المختلفة كانوا ينسخون نسخًا من النسخة التي لديهم، فمن الوارد أن تحدث أخطاء طفيفة في عملية النسخ، خاصة وأنه لم تكن توجد لجان رسمية لمراجعة النسخ الجديدة، والتأكد من مطابقتها للنسخ الأصلية.

20. كان الناس يعتبرون القراءة حجة على الرسم، خاصة وأنهم رأوا كثيرًا من الكلمات لا يتطابق رسمها مع نطقها.

21. حدثت تغيرات طفيفة ومحدودة في المصاحف المنسوخة من المصحف العثماني، في كل مصر من الأمصار، ومن البديهي أن ذلك كان ليتوافق مع القراءة التي كانوا يعرفونها ويتوارثونها، فهم كانوا لا ينظرون إلى لجنة عثمان نظرة التقديس المفرط أو التأليه التي لدى الناس الآن، بل كانوا يعتبرونهم بشرًا مثلهم، خاصة وأن قراءهم كانوا ينتسبون إلى من هم خيرٌ منهم، مثل الإمام علي وعبد الله بن مسعود وأبي بن كعب.

22. كان عمل عثمان يستلزم متابعة وقرارات تنفيذية، ولكن ذلك لم يحدث، بل إنه تركهم يقرؤون القرءان بلغاتهم، أما أمره بتحريق المصاحف فهو لم يطل إلا الثمين والموثق منها، والذي كان لدى أكابر العلماء بالقرءان، فكان تأثيره كارثيا.

23. وكان يمكن للإمام عليّ حسم الأمور، ولكن الدولة القرشية كانت تكن له عداءً مستترا، وتنظر إليه كخطر داهم وماثل عليها، أما الدولة الأموية فقد كانت تعتبره عدوها المبين، وقد شغلوه بتأجيج الحروب ضده.

24. قام الوزغة مروان بحرق مصحف أبي بكر، ومن المفترض أنه الأصل الذي تمَّ نسخ مصحف عثمان منه.

25. نشأ في الأمصار أجيال جديدة، وخاصة من العجم المستعربين، حاولوا تنظيم الأمور وعمل نسخ من مصاحف أمصارهم، وكانوا، بصفة عامة ينظرون نظرة تقديسية إلى الأعراب، ويعتبرونهم حججا في أمور اللغة، فاعتبروا طريقة نطق الأعرابي وفقًا للغته ولهجته من القرءان المنزل.

26. كل ما سبق أدى إلى نشأة القراءات، والتي كان من البديهي والحتمي أن تتعدد.

27. كان كل قارئ، بصفة عامة، يختار قراءته لكل حرف وفق ما يفضل مما وصل إليه علمه، ولم يكن القراء يجدون حرجا من تعديل قراءاتهم وفق ما يصل إليهم.

28. أكثر الاختلافات بين القراءات تتعلق أساسًا بطرق الأداء، الناتجة أساسًا من اختلاف لكنات ولهجات القبائل، فهي ليست منزلة، ولا علاقة لجبريل عليه السلام بها.

29. يمكن إرجاع كل اختلاف في القراءات إلى أسباب موضوعية.

30. توجد اختلافات طفيفة في كلمات ليست بكثيرة، القليل منها يعود إلى الأحرف الحقيقية، كما سبق بيانه، والأكثر له أسباب مختلفة، أهمها اختلاف لغات القبائل.

31. كل قراءة من القراءات المنسوبة إلى القراء تمثل القراءة التي كانت سائدة في عصره في مصره، وكانوا يختارون ويتخيرون لأنفسهم ما هو أوْلى عندهم، كما كانوا ينوعون في طرق الأداء والتجويد.

32. بدأت محاولات تنظيمية منهجية لاختيار وتدوين أفضل القراءات.

33. كان اول سابق الى ذلك الامام ابو عبيد القاسم بن سلام، 224 ه، جمع ما انتهى اليه في كتاب بلغت عدة من نقل عنهم فيه 25 قارئا، ثم جاء من بعده الاسم احمد بن جبير ابن محمد الكوفي نزيل انطاكية، 258 ه، وضمَّن كتابه قراءات امصار خمسة: مكة والمدينة ودمشق والبصرة والكوفة، بعد ان اختار من كل مصر واحدا ، ثم كان القاضي اسماعيل بن اسحاق المالكي (282 ه)، فألف كتابا في القراءات جمع فيه 20 قراءة، ومن بعده كان الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (310 ه)، الذي ألف كتابا جمع فيه ما يربو على 20 قراءة، ومن بعد الطبري كان الداجوني أبو بكر محمد بن أحمد ابن عمر (324 ه) الذي ضمن كتابه عشر قراءات.

34. أبرز الأعمال والعلامات على هذا الطريق كان كتاب السبعة في القراءات، للإمام أبي بكر أحمد بن مجاهد البغدادي، ت 324 هـ، وهو مسبوق بكتب عديدة تحدثت عن قراءات كثيرة، ولكنه كان أول كتاب اقتصر فيه مؤلفه على قراءات القراء السبعة المشهورين، أو بالأحرى من اشتهروا من بعد أن اختارهم من بين سائر القراء، وكان اختياره لانطباق الشروط التي وضعها بنفسه عليهم، وهو ما يفسر تسميته بمسبّع السبعة، ورغم أن عمله قوبل بمعرضة وانتقاد لأسباب عديدة إلا أنه اشتهر شهرة عظيمة ودار عليه أمر الإقراء في أمصار المسلمين.

35. كانت العلامة التالية كتاب التيسير في القراءات السبع للإمام أبي عمرو عثمان بن سعيد الداني، ت 444 هـ، وهو أيضا في القراءات السبع، لكنه اشتهر في مغرب العالم الإسلامي.

36. كانت العلامة التالية كتاب حرز الأماني ووجه التهاني، المعروف بالشاطبية، للإمام أبي القاسم بن فِرُّه الشاطبي ت 590 ه وهو منظومة من 1173 بيتا نظم فيها صاحبها ما في كتاب التيسير للداني، وزاد عليه بعض ما ليس فيه، واستخدم فيها رموزا للدلالة على القراء، فصار المتلقون للقراءات يحفظونها ويقرؤون بمضمّنها، وانتشرت في الآفاق وكثرت شروحها وتحريراتها.

37. كانت العلامة التالية كتاب النشر في القراءات العشر للإمام محمد بن محمد بن محمد الجزري ت 833 هـ، وهو كتاب القراءات العظيم الذي لم يترك شيئا من الروايات والطرق الثابتة إلا وضمنها كتابه، وقد جمعه مؤلفه من محفوظاته ومروياته، ومن أصول بلغت نحو ستين كتابا تسمّى أصول النشر، وقد نظم قبله منظومة الدرة المضية من 240 بيتا في القراءات الثلاث الزائدة على السبع، وكتب قبله أيضا تحبير التيسير أضاف إليه القراءات الثلاث، ثم نظم النشر في منظومته "طيبة النشر" من 1015 بيتا، والتي صار كل من يبتغي جمع القراءات العشر يلزم بحفظها، ثم اختصره في تقريب النشر، فهذا الكتاب جمع كل ما هو قرءان ثابت القرءانية، وليس له نظير في كتب القراءات، وقد تلقته الأمة بالقبول، وصار أمر إقراء العشر لا يخرج عنه وعن نظمه له في الطيبة.



1

bottom of page