الإسلام والأمة والدولة والمذاهب المعاصرة
من سمات وملامح علمانية الإسلام
1. الإسلام يقرر بأقوى عبارات المكانة المتميزة للإنسان في الكون وأنه كان من مقاصده جعله خليفة في الأرض وحامل للأمانة ومكرَّم ومفضل على كثير من الخلق تفضيلا، وكونه كذلك يلزمه بالاهتمام بهذا الكوكب وبكل ما هو فيه من كافة أنواع المخلوقات وأن يجيد استعماره والانتفاع بموارده وأن يرى آيات الله تعالى فيه، والقرءان يقصُّ على الناس كيف خلق الله الإنسان رغم تعجب ملائكته من هذا الأمر.
2. الإسلام يجعل المسلم يتعبد إلى الله تعالى باحترام حقوق الإنسان وكرامته وأداء الأمانات إلى أهلها والحكم بالعدل والقيام بالقسط.
3. التسامح الديني من أركان منظومة القيم الإسلامية، وهو يأخذ بكل المبادئ اللازمة للتعايش السلمي بين أتباع شتى الأديان والمذاهب.
4. الإسلام لا يهمل شأن الحياة الدنيا بل يعلن أن من المقاصد الوجودية الكونية أن يكون الإنسان خليفة في الأرض يستعمرها وينتفع بها.
5. الإسلام يجعل من أركانه قيام الإنسان بواجباته تجاه الأرض التي يحيى عليها فلا يفسد فيها بل يصلح ويعمل على استعمارها.
6. من مقاصد الإسلام الشرعية صلاح أحوال الناس والقيام بالقسط والحكم بالعدل والتصدي للمفسدين في الأرض.
7. الإسلام يقرّ مبدأ سيادة القانون وتساوي الجميع أمامه.
8. لا وجود لسلطة كهنوتية ولا لتجارة بالدين في الإسلام؛ فالدرجات الدينية العليا متاحة للناس كافة، فمناط التفاضل الديني في الإسلام التقوى والعمل الصالح والقلب السليم.
9. الإقرار بحقائق الوجود وسننه وما يترتب عليها من حتمية الاختلاف بين الناس في كل شيء، فلا يمكن أن يتطابق اثنان منهم تمام التطابق ولا أن يتفقا في كل شيء، والقرآن لا يأمر المسلمين بأن يشنوا حرباً لا نهاية لها ضد كل من خالفهم بعد أن أعلن أن هذا الخلاف كان بأمر الله وبتدبيره، ولا يأمرهم بقتال من أمرهم أن يحكموا بما أنزل إليهم في كتبهم، ولكن القرآن أمر بلا ريب بالتصدي للظلم والاضطهاد والعدوان.
10. احترام فطرة الإنسان.
11. الإسلام يعتبر الإنسان بكيانه كله آية من آيات الله تعالى، ويعتبر حواسه وملكاته من النعم الإلهية، ويأمر الإنسان باستعمالها، ويندد بمن يرفضون ذلك، ويعتبرهم أضل سبيلا من الأنعام، ويتوعدهم بعذاب السعير.
12. احترام القوانين والسنن الكونية والتاريخية.
13. عدم سب الآخرين ولا التطاول على معتقداتهم أو سبها أو الاستهزاء بها، ولا يستلزم هذا من المسلم أن يعجب بباطلهم ولا أن يمتنع عن الجهر بالحق الذي يعرفه ولا أن يسعى لاسترضائهم.
14. الإسلام يأخذ بنظام أولي الأمر الذي يحقق الفصل بين السلطات بطريقة تلقائية.
15. عدم السماح بأن يحظى أي فرد بميزة مجانية بسبب وظيفة دينية أو انتماء إلى سلالة معينة.
16. يتضمن الإسلام قيما وآليات وقوانين وسننا تسمح للمسلمين بالتعايش السلمي مع كل الناس على اختلاف أديانهم ومذاهبهم وتجعل السلم والتسامح والقيام بالقسط والعدل والبر أركان التعايش بين الناس، وفي الحقيقة إن ذلك من مقاصد الدين العظمى
17. يتضمن الإسلام قيما وآليات وقوانين وسننا تمكن المسلمين من التعايش مع عصرهم ومتابعة التقدم وتحقيق التفوق والسبق على غيرهم.
18. الإسلام يجعل من مقاصده وأركانه أن يستعمل الناس ملكاتهم الذهنية ويندد بقوة بمن لا يستعملونها اتباعا لأسباب غير موضوعية، ويجعل الامتناع عن استعمالها السبيل إلى جهنم وبئس المصير.
19. الإسلام يأمر بالنظر في المظاهر الطبيعية ومنها الكائنات الحية ويعتبرها من آيات الله تعالى كما يأمر بالسير في الأرض للنظر في كيفية بدأ الخلق؛ فهو يجعل من إعمال ملكات الإنسان في كل ذلك ركنا دينيا ملزما.
*******
من نقاط الالتقاء بين الإسلام وبين العلمانية
1- الإسلام ليس فيه كهنوت يزعم سدنته لأنفسهم حق التحدث نيابة عن الله أو حق تقرير مصائر الناس، فيدخلون من يشاءون الجنة ويحرمونها على الآخرين، فمدار ذلك على العقيدة الخالصة والعمل الصالح، وليس المشتغلون بالعلوم ذات الصلة بالدين إلا معلمين ومرشدين مثل غيرهم في سائر العلوم، والأمر متروك بعد ذلك لمن شاء أن يستفيد أو لا يستفيد بالتطبيق، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، وقد يكون المتعلم أقرب إلى اللّه من معلمه، والكل مأمور بالتزام الطريق المستقيم الذي رسمه اللّه لهم جميعا، فما دامت العبادة للَّه وحده فهو وحده الذي يقبل منها ما يشاء.
2- الإسلام ليس فيه سلطة مقدسة مستمدة من سلطة اللَّه، وليس في البشر من هو معصوم من الخطأ، إلا من اصطفاه اللّه لرسالاته، والسيادة في نظامه إنما هي لقوانين الدين أو لما يسنه أولو الأمر من قوانين متسقة معه، فكل شيء فيه اختلاف رأي يرد إلى اللَّه والرسول، وليس في الإسلام عائلات مقدسة ولا أبناء لله، والحكم في النظام العلماني هو أيضاً للقانون، ولا يستمد أي قائم بأمر أية سلطة لأسباب غير متفق عليها أو غير مرتضاة من الناس.
3- لا رهبانية في الإسلام، بل إن الإسلام يقرر أن الرهبانية عند أهل الكتاب مبتدعة، فالإسلام يمقت الرهبنة التي تعطل مصالح الدنيا، ويجعل النشاط الذي يبذل لتحقيق هذه المصالح من أركانه وعناصره، فهو دين يجعل من إصلاح أمر الدنيا وسيلة للنجاة وللدرجات العلى في الآخرة.
4- عقائد الإسلام ليست فيها خرافات ولا أباطيل، وليس فيها ما يستطيع أي عقل أن يقطع ببطلانه، والإسلام لا يمنع الناس من استعمال عقولهم وإنما يأمرهم بذلك ويندد بمن لا يفعلون ذلك، واستعمال العقل للنظر في الآيات الكتابية والكونية هو ركن ديني ملزم.
5- الإسلام يقدس العلم، ويجعله قيمة في ذاته ومناطاً للتفاضل بين الناس وسبباً لارتفاع الدرجات في الدنيا والآخرة، ولقد أوجب على الناس النظر في الظواهر الكونية والتاريخية لمعرفة سننها، وهو دين الحق الذي لا ينحاز أبداً إلى وهم أو باطل أو ظن أو تراث أسلاف أو أي أمر غير موضوعي.
6- الإسلام دين تقدم وتطور وحضارة، فهو يرفض الأساليب الخرافية وغير الموضوعية كاتباع الآباء والظنون والأهواء، وهو ينهى عن الجدال في الحق بعدما تبين، وهو لا يقبل بالقديم على علاته فهو ينهى عن التبعية المطلقة في الفكر كما يأمر بالاعتبار وترك السلوك الذي يظهر بطلانه، بل يقرر أن اللّه يبعث مجددين على رأس كل قرن يعيدون النظر في المعطيات الدينية ويجتهدون للناس فيما استجد من أمور.
*******
إن من أبرز سمات العلمانية العقلانية والتقدمية، والمقصود بالعقلانية رفض الاتجاهات غير الموضوعية والخرافية والماضوية ورفض الاستناد إليها لتفسير وقائع التاريخ أو التنبؤ بوقائع المستقبل أو اتخاذ القرارات في الحاضر، والجانب الإيجابي منها هو الاحتكام إلى المنطق والمناهج العلمية في معالجة الأمور المذكورة، أما التقدمية فتتضمن رفض الاتجاهات السلفية الماضوية أيضاً والإقرار بأن معارف الإنسان التفصيلية قابلة لأن تتضاعف وأن تتحسن وأن الماضي ليس أفضل بالضرورة من الحاضر مع التسليم بوجود عصور ذهبية في الزمن الماضي حدثت فيها طفرات في مجالات متعددة، وعلى رأس هذه العصور بالطبع تلك التي ظهر فيها الرسل.
ورفض التسلط الكهنوتي هو من أبرز سمات العلمانية بل ربما كان سمتها الأبرز والمسبب لوجودها أصلا، فلا يجوز السماح للكهنوت بأن يتسلط على الناس ولا أن يزاحم سلطات الأمة في مجالات عملها، ولا يجوز السماح للمؤسسات المحسوبة على الأديان بالتدخل فيما هو خارج اختصاصها.
*******
1