القراءة الأوْلى
مقدمة القراءة الأوْلى والقراءات العشر الكبرى وغيرها سورة الفاتحة وسورة البقرة
مقدمة القراءة الأوْلى والقراءات العشر الكبرى وغيرها سورة الفاتحة وسورة البقرة
يقدم هذا السفر الضخم القراءة الأوْلى لشورتي الفاتحة والبقرة، والمرجع الأساسي له هو القراءات العشرية الكبرى، كما يتضمنها كتاب النشر في القراءات العشر: ألفه ابن الجزري، وهو كتاب حافل عظيم، يعدّ عمدة للمشتغلين بعلم القراءات، فهذا الكتاب يتضمن 980 طريقًا لقراءة القرءان، مقارنة بالعشرية الصغرى التي لا تتضمن إلا 21 طريقا,
المقصد من القراءة الأوْلى أن يكون كل مؤمن بدين الحق عالمًا علمًا حقيقيا بالقرءان، يستطيع قراءته بسهولة ويُسر، ويدرك معانيه، ويجعله أساس حياته، ويقوم بما يجب عليه من حقوقه.
فللقرءان على كل مسلم حقوق، وهي تتمثل في ركن ديني كبير، ومنها وجوب تلاوته وقراءته وتدبره والنظر في آياته والتفكر فيها، ولن يقوم بمثل هذه الحقوق عن الإنسان غيره، بمثل ما أن جسمه لن ينتفع بما يأكله غيره.
فالقراءة الأوْلى هي ثمرة العمل بالآيات القرءانية الآتية:
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم} [إبراهيم:4]، {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُۥ بَشَرٌۭ ۗ لِّسَانُ ٱلَّذِى يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِىٌّۭ وَهَـٰذَا لِسَانٌ عَرَبِىٌّۭ مُّبِينٌ} [النحل:103]، {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا} [مريم:97]، {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُون} [الدخان:58]، {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195)} الشعراء، {وَمِن قَبْلِهِۦ كِتَـٰبُ مُوسَىٰٓ إِمَامًۭا وَرَحْمَةًۭ ۚ وَهَـٰذَا كِتَـٰبٌۭ مُّصَدِّقٌۭ لِّسَانًا عَرَبِيًّۭا لِّيُنذِرَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوا۟ وَبُشْرَىٰ لِلْمُحْسِنِينَ} [الأحقاف:12]
فهذه الآيات مجتمعة تقول بأفصح لسان:
القرءان هو بلسان واحد، فهو بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ، وهذا اللسان هو لسان الرسول بالذات، أي باللسان القرشي، وأن القرءان مُيسَّر للذكر بلسان الرسول.
فلا علاقة للتنزيل بلغات العرب الأخرى، فهي لم ينزل بها قرءان، أما الكلمات التي يقولون بأنها أعجمية أو بلغات القبائل الأخرى فهي كلمات دخلت إلى اللغة القرشية، وكانت معلومة لديهم، وهي كثيرة في القرءاني المكي.
ولا علاقة للأحرف التي نزل عليها القرءان بلغات العرب والأعراب، القرءان منذ البدء منزل على سبعة أحرف.
والقرءان ثابت بما هو أقوى من التواتر، كما سلق بيانه في كتب للمؤلف، وهو محفوظ فيما هو معتمد من قراءات، فالقراءة الأوْلى هي القراءة التي تأخذ من كل قراءة لكلمة اختلفوا فيها القراءة الأوْلى لأسباب قرءانية منطقية، كما تبين ما يلزم لكل مسلم للنطق القويم لألفاظ القرءان بعيدًا عما اختلقوه من تعقيدات، وبعيدًا عن تأثير لهجات ولكنات الأعراب، فلا اختلاق ولا إحداث فيها.
أما طريقة النطق بالألفاظ فهي تتحرى فيها ما ثبت من خصائص لغة الرسول، أي لغة قريش، فلقد يسَّر الله القرءان بلسان الرسول الذي هو لسان قومه.
فالقراءة الأوْلى هي ما ينتج عن النظر بحقانية في أمر القراءات والاختلافات الشديدة فيما بينها، وهي مطهرة من تأثيرات لغات ولكنات ولهجات القبائل العربية المختلفة ومن التهويلات والأساطير التي تراكمت عير العصور.
ومن أهم ما يلزم للقراءة الأوْلى النطق القويم للسان العربي.
وكذلك يلزمه العلم بالقراءة الأوْلى لما اختلفوا فيه من الكلمات.
وليس المقصد من ذلك إبطال القراءات المختلفة، ولا مدارسها، وإنما وضع كل أمرٍ في حجمه الطبيعي، فلا يتضخم أمر فرعي صغير على أمرٍ كلي كبير.
لذلك لا حرج من وجود مدارس لتعليم القراءات يلتحق بها من أراد أن يتخصص فيها.
ولا حرج أيضًا من دراسة هذه القراءات دراسة علمية حقانية محايدة بطريقة شاملة، يشترك فيها كل العلماء الأكاديميين من كل ما يلزم من التخصصات.
إن القراءة الأوْلى هي للتعبد، وللقيام بحقوق الله وكتابه، والعمل بمقتضى أوامره، وليست لاسترهاب العامة والتفنن في إقامة حواجز تحول بينهم وبين كل ذلك.
ولقد رووا أن النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ قال: "إنَّ هذا القرءان أُنْزِلَ علَى سَبْعَةِ أحْرُفٍ، فَاقْرَؤُوا ما تَيَسَّرَ منه".
وهذا هو القول الثابت، وهو يعني أن الأحرف السبعة هي في بنية القرءان ذاته، فهي من سماته التي أُنزل عليها لكونه بالأصالة يتضمنها.
ولقد هدانا الله تعالى إلى معاني هذه الأحرف، وتمَّ اكتشاف نسقين منها، وتضمنها كتابان سابقان.
وهذه المعاني هي معانٍ بناءة مثمرة تفتح أبوابًا جديدا لفقه القرءان ولحسن التعامل معه.
والأمر واضح، وهو تصديق للأمر القرءاني بقراءة ما تيسَّر من القرءان، قال تعالى:
{۞ إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَىِ ٱلَّيْلِ وَنِصْفَهُۥ وَثُلُثَهُۥ وَطَآئِفَةٌۭ مِّنَ ٱلَّذِينَ مَعَكَ ۚ وَٱللَّهُ يُقَدِّرُ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ ۚ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ۖ فَٱقْرَءُوا۟ مَا تَيَسَّرَ مِنَ ٱلْقُرْءَانِ ۚ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَىٰ ۙ وَءَاخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِى ٱلْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ ۙ وَءَاخَرُونَ يُقَـٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ۖ فَٱقْرَءُوا۟ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ۚ وَأَقِيمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُوا۟ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَقْرِضُوا۟ ٱللَّهَ قَرْضًا حَسَنًۭا ۚ وَمَا تُقَدِّمُوا۟ لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍۢ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ هُوَ خَيْرًۭا وَأَعْظَمَ أَجْرًۭا ۚ وَٱسْتَغْفِرُوا۟ ٱللَّهَ ۖ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌۭ رَّحِيمٌۢ} [المزمل:20]
والأمر الإلهي {فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقرءان} هو أوضح من الشمس في رائعة النهار، وهو لا يعني أبدًا "اقرؤوا القرءان بأي لغة تجيدونها".
كما يجب العلم بأن القراءة لا تعني مجرد تحويل صورة القرءان المرسومة في المصحف أو الكائنة في الذهن إلى صورة صوتية مسموعة، بل إن الإنسان يستطيع أن يقرأ القرءان بعينيه أو في ذهنه.
القراءة لها صلة بإدراك معاني القرءان وعلومه.
فالأمر النبوي الجليل "إنَّ هذا القرءان أُنْزِلَ علَى سَبْعَةِ أحْرُفٍ فَاقْرَؤُوا ما تَيَسَّرَ منه" هو مصدق للقول الإلهي القرءاني {فَٱقْرَءُوا۟ مَا تَيَسَّرَ مِنَ ٱلْقُرْءَانِ}، ولا علاقة له بلغات ولهجات ولكنات الأعراب، والتي كانوا مختلفين فيها، ومن المعلوم أنه تمَّ السماح في مرحلة ما للعرب بأن يقرؤوا القرءان بلغاتهم، وليس بلسان الرسول وقومه، تيسيرًا عليهم.
والعرب والأعراب كانت لغاتهم مختلفة، فمنهم من كانت لغته رصينة، يخرج كل حرف فيها من مخرجه السليم، وتتسم بالإظهار، وإعطاء كل حرف حقه، فلا تأكل حروفًا، ولا تدغم حروفًا، ولا تخفي حروفًا، ولا تغالي في المدّ، ولا تميل ألفًا ... الخ.
ومنهم من كانوا عكس ذلك، وبينهما لغات متفاوتة.
ولا يجوز الخلط بين القرءان وبين ما يُعرف بالقراءات، والتي هي طرق مختلفة للنطق بألفاظ القرءان، القرءان ثابت بما هو أقوى من التواتر، أما القراءات ففي ثبوتها تفصيل.
والمقصود بالقراءة مذهب إمام من القراء في أداء أو نطق كلمات القرءان يخالف فيه غيره.
فلا علاقة للأحرف السبعة التي أُنزِل عليها القرءان بلغات ولهجات ولكنات الأعراب.
وبداية يجب التأكيد على أن الاختلافات بين القراءات جلها يتعلق بطرق الأداء والنطق، والنادر منها يتعلق بالمعاني، ورغم ذلك فحتى هذه الاختلافات طفيفة، فلماذا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وألزموهم بألا يقرؤوا إلا بها بعد أن تفننوا في تعقيدها؟ كان ذلك في إطار الخطة الشيطانية لتجهيل الأمة وحملهم على اتخاذ القرءان مهجورا، وبالتالي الحيلولة بينهم وبين دين الحق والعمل به.
ويقدم هذا الكتاب نتائج تطبيق مناهج وأسس القراءة الأوْلى على القراءات العشر الكبرى كما وردت في طيبة النشر، وذلك لسورة الفاتحة ولسورة البقرة.
ولا يمكن تلخيص نتائج البحث في مقدمة موجزة، لذلك فالقارئ مدعو إلى قراءة الكتاب كاملا.
*******
1