top of page

نظرات في تاريخ السلف

الفرق هائل بين الدين وبين تاريخ المحسوبين على هذا الدين

الفرق هائل بين الدين وبين تاريخ المحسوبين على هذا الدين


الفرق هائل بين الدين وبين تاريخ المحسوبين على هذا الدين، إنه كالفرق، مثلا، بين علم الفيزياء وبين تاريخ العلماء الذين ساهموا في تطور هذا العلم على مدى العصور، أنت لست مطالبًا بأن تعرف السير الذاتية لهيزنبرج وبوهر وبورن وباولي وشرودنجر وديراك لكي تفقه وتستوعب ميكانيكا الكم مثلا.

كما يمكنك أن تتعلم الفيزياء وأن تنتفع بها بدون أن تعرف شيئا عن علمائها الذين أسهموا في اكتشاف نظرياتها يمكنك أن تتعلم الدين وأن تمارسه وأن تحيا به بدون أن تعرف شيئا عن السلف.

العلم بالفيزياء لا يستلزم منك تقديس ولا توثين علماء الفيزياء الأوائل، وكذلك الأمر بالنسبة للعلم بالدين.

للدين بنيان علمي، هو الذي نقدمه ونتحدث عنه ونبينه، هذا البنيان العلمي هو مستقل بالضرورة عن تاريخ المحسوبين على الإسلام، ولكن يمكن، للإنسان، بالاستناد إلى قيم وسنن هذا الدين أن ينظر في عاقبة الذين خلوا، وأن يستخلص العبر منها، بل إن هذا هو أمرٌ ديني يجب على الإنسان العمل به بقدر وسعه، ولكن يحول بين الناس وبين ذلك الدين الأعرابي الأموي المصاغ لكي يحبط مقاصد دين الحق، وقد اتخذ هذا الدين الشيطاني ما يلي من إجراءات لتنفيذ ذلك:

أولا:

التأويل الشيطاني لآية قرءانية هي: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُون} [البقرة:134]، هذه الآية يصرخون بها في وجه كل من أراد العمل بالأمر القرءاني المشدد: {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُم مُّشْرِكِين} [الروم:42]

والآية التي ألحدوا فيها لا تنهى عن دراسة التاريخ، وإنما تقرر مسؤولية كل كيان عن أفعاله، فهي تعبير عن المبدأ القرءاني الصارم {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}.

ثانيا:

التأليه النفاقي المستتر لأهل البغي والنفاق وعبيد الدنيا وسفاكي الدماء والمفسدين في الأرض، واعتبارهم بمثابة أرباب مشرعين، لا يُسألون عما يفعلون، فهم يُطالبون الناس بتأليه (الصحابة) بحجة أنه كان منهم فلان وفلان من السابقين الأولين، ثم يفاجئون الناس بأنهم لا يؤلهون حقيقة إلا أهل البغي، وهذا أمرٌ طبيعي، فهم الذين صاغوا لهم دينهم.

ثالثا:

اعتبار من لم يؤمن بما سبق أكفر ممن كفر بالله تعالى، وقد أفتى لهم شياطينهم بأنه لا توبة لمن وقع في حقّ (الصحابة)، وهم يعلمون جيدًا أنه لن يتحدث أحد بسوء عن السابقين الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، ولكن يجد كل إنسان سويّ نفسه مرغما على انتقاد أفعال أرباب الدين الأعرابي الأموي الحقيقيين من أهل البغي والنفاق وعبيد الدنيا وسفاكي الدماء والمفسدين في الأرض، وهذا ما حدث على مدى التاريخ من خيرة الناس، وقد كانت لهم (سيوف الشريعة) دائمًا بالمرصاد، أما من بعد أن تطورت البشرية، ولم يعد لعتاة المجرمين هؤلاء حق سفك دماء الناس فقد استبدلوا بذلك التكفير والحكم بالردة وتسليط شرّ دواب الأرض على خيار الناس.

*******

1

bottom of page