top of page

منظومة القيم الإسلامية

احترام حقوق الإنسان

احترام حقوق الإنسان


إن حقوق الإنسان تشكل منظومة من القيم والأخلاق التي هي من عناصر منظومة القيم الإسلامية الثابتة بالقرءان، واحترام وتوقير هذه المنظومة هو من أركان منظومة القيم، وهو عبادة يتقرب بها الإنسان إلى ربه ومقصدًا دينيا يسعى إلى تحقيقه.

وحقوق الإنسان مرتبطة بما يلي ومن مقتضيات ما يلي:

1. الإنسان خليفة في الأرض.

2. ومكرم.

3. ومفضل على كثير من الخلق تفضيلا.

4. وحامل للأمانة.

5. كون اختلاف الناس وسيلة للتعارف وليس للتناحر.

6. كون الحكم في الأمور الدينية مؤجل إلى يوم القيامة.

7. النصّ على أن الناس سيظلون مختلفين.

8. عناصر منظومة القيم الإسلامية مثل العدل والقسط والبر وحرية الإيمان .... الخ.

*******

من حقوق الإنسان

1. حرية الإيمان.

2. حرية استعمال الملكات الإنسانية.

3. العدل

4. القسط

5. حق الحصول على الحاجات الأساسية.

6. حق الحصول على العلم.

7. حق البرّ

8. حق الأمن.

9. حق السعادة.

10. حق الحصول على أجر مقابل عمله.

*******

قال تعالى:

{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُون} [البقرة:62]، {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِؤُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحًا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُون} [المائدة:69]، {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيد} [الحج:17]

إن كل هذه الآيات تؤكد حق كل الطوائف في الأمن والسعادة، وتبين أن الفصل في الأمور الدينية مؤجل إلى يوم القيامة، ولذلك لا يجوز أن تُتخذ الاختلافات حول هذه الأمور ذريعة لإيقاد نيران الحروب.

*******

إن كل إنسان من حيث إنه إنسان هو مكرم ومفضل وحامل للأمانة وخليفة، فليس من حق أحد النيل من شيء من ذلك أو انتهاك شيء من ذلك.

*******

إن الدفاع عن حقوق الإنسان بالمفهوم الحديث، إذا لم يكن بهدف التكسب السياسي، هو أقرب إلى الإسلام، أما التسلط على الناس وأكل حقوقهم تحت أي مسمى فهو من شريعة الجاهلية ومن الشريعة الشيطانية التي أتى الإسلام ليقوضها.

*******

من حقوق الإنسان الأساسية التي ظهرت أهميتها ظهورا جليا في هذا العصر حرية التفكير والرأي وعرض الرأي على الملأ وحرية تشكيل الأحزاب والنقابات والجمعيات والمنتديات، وحرية إصدار الصحف والنشرات والمجلات وحرية إطلاق القنوات التليفزيونية والفضائيات طالما لم يخرج على القانون الأساسي للأمة والذي هو بمثابة العقد الاجتماعي الملزم فلا يعمل على نشر وإشاعة الفاحشة ولا الإفساد في الأرض ولا التحريض على العنف ولا إثارة الفتن ولا تقويض الاستقرار والأمن ولا نشر الجهل والتخلف ......الخ.

وكل تلك الحريات متسقة تماما مع منظومة القيم الخاصة بدين الحق، ويجب أن يكون كل عنصر من هذه العناصر معرفا تعريفا دقيقا لا يتيح لأحد الانتقاص من تلك الحريات ولا إفراغها من مضامينها، ورغم أن الديمقراطية بلوازمها من أحزاب وصحف حزبية ومناقشات بيزنطية ليست هي السبيل الأمثل لعلاج مشاكل مجتمع جاهل متخلف إلا أنها أفضل النظم في ظل عدم توفر الرغبة في تحقيق النهضة وعدم القدرة على تحمل تبعاتها.

لا يحق لأي كيان إنساني أن يدعي لنفسه احتكار الحقائق والعصمة من الخطأ أو أن يدعي أنه وحده من الطائفة الناجية المنصورة، ولا أن يعطي لنفسه حق الهيمنة على الآخرين، ولا أن يفرض لنفسه الوصاية والولاية عليهم، كذلك ليس من حقه أن يدخل من يشاء الجنة ولا أن يدخل من يشاء النار ولا أن يقذفهم بالاتهامات ولا أن ينابزهم بالألقاب.

*******

في دين الحق كل إنسان مكرم ومفضل من حيث إنه حامل للأمانة ومستخلف في الأرض، وهو مطالب بتحقيق مقاصد الدين العظمي ومنها أن يكون إنسانا ربانيا فائقا؛ أي إنسانا صالحا مفلحا محسنا شاكرا، وهذا يقتضي منه أن يسعى إلى أعلى مراتب الكمال وأن يعرف ربه وأن يتعامل مباشرة معه دون السماح لأي شخص أو كيان آخر بأن يقحم نفسه في هذه العلاقة أو أن يتطفل عليها.

كما أن من حقوقه أن يتعامل مباشرة مع القرءان وأن يتدبره كما هو متحررا من أي إلزامات يمليها الخوف من السلف أو تقديسهم، ذلك لأن التقديس المبالغ فيه للأشخاص هو عين الشرك المنهي عنه، فالقداسة المطلقة لله تعالى وحده، ويقتضي ذلك أن تكون القداسة لكتابه وكل ما تضمنه، لذلك فإن القداسة تكون أيضا لكرامة الإنسان وحقه في الالتزام بأوامر ربه ومعرفة الأمور كما هي عليه لا كما يريد البعض له أن يراها.

وكل ما يلزم المسلم لتدبر وفقه القرءان هو الرغبة الصادقة في المعرفة وإخلاص الدين لله تعالى والمعرفة اللغوية الكافية، وهو ليس مطالبا بمطالعة المجلدات الهائلة التي تراكمت عبر العصور نتيجة لمجهودات السلف، ذلك لأن كثيرا من آرائهم إنما أملتها عليهم ظروفهم ومعارفهم وأحوال عصورهم.

ولقد جاهد المسلمون الأوائل وارتقوا إلى أسمى المراتب من حيث إنهم بشر لديهم ما لدى البشر من الدوافع والغرائز، وهكذا عاملهم الكتاب العزيز، ولم يعاملهم أبدا على أنهم ملائكة يمشون في الأرض مطمئنين، وكان ذلك ضروريا ومقصودا وإلا فكيف كان سيكتمل الدين بما احتوى من تشريعات وقوانين إذا أنزل على ملائكة لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.

إن الله تعالى أرسل بشرا إلى بشر، ولم يجعل الرسل ملائكة، ولم يرسلهم إلى ملائكة يمشون على الأرض، بل إنه لا يرسل الرسل إلا عندما يتحتم حسم أمر أمة من الأمم.

أما الملائكة فهم بذواتهم رسل، وهم يتلقون الوحي الإلهي بذواتهم، ويتصرفون توًّا بمقتضاه.

والمغالاة في أمر الجيل الإسلامي الأول فضلا عن كونها من لوازم الشرك ومظاهره تلقي يأسًا بلا مبرر في القلوب أكثر من أن تنمي الرغبة في التأسِّي بهم، وبالتالي لن ينتفع لا السلف ولا الخلف بمثل هذه المغالاة، ولن يتحقق للخلف المقصد من ذكرهم والتنويه بشأنهم.

ولقد أمر الله تعالى الناس أن يستغفروا لهم وألا يحملوا غلا لهم، ولم يأمرهم أبدا بتقديسهم ولا بالتمسك بآرائهم، ولا ينتفع بهذه المغالاة إلا كهنة المعابد الشركية وحملة المباخر وسدنة المذاهب الذين كان وجودهم دائمًا مضادا للرسائل الإلهية وانتصارًا للمساعي الشيطانية وتقويضا للإنسانية والحضارة والعقلانية.

أما طاعة أولي الأمر فليس المقصود منها الخضوع والإذعان لطبقة كهنوتية طفيلية جاء الدين للقضاء على وجودها وعلى كل ما يؤدي إلى استنباتها وإنما المقصود طاعة أولي الأمر الحقيقيين الجديرين به والمتمكنين منه.

وتلك الطاعة محكومة ومسبوقة بطاعة الله ورسوله ومشروطة بأن يكونوا من المؤمنين الحقيقيين، فإن تحقق كل ذلك وجبت طاعتهم مهما كان في أوامرهم من مشقة.

*****

إن الإنسان مكرم في القرءان من حيث إنه إنسان ومن حيث إنه هو المخلوق الذي علمه ربه الأسماء واستخلفه في الأرض وحمَّله الأمانة التي أبى من هو أشد منه وأكبر أن يحملها، لذلك فإن ما يسمَّى بحقوق الإنسان هي أصلا واجبات إلزامية على الإنسان لا يملك أن يتخلى عنها لأنه بالأصالة لا يملكها وإنما استخلفه ربه فيها، فهي بالأصالة لمالكها الأصلي، فللإنسان مثلًا حق الحياة، ولذا حرِّم عليه أن يقتل نفسه أو غيره إلا بالحق، وكما حُرم عليه أن يقتل نفسه كذلك حرم عليه أن يتخلى عن إرادته وحريته واختياره.

وحقوق الإنسان المقررة في القرءان إنما هي للإنسان من حيث إنه إنسان، وكل من زعم أن حقوق الإنسان إنما هي للمسلم فقط فقد زعم ما زعمه بنو إسرائيل من قبل، بيْدَ أنه للمسلم على أخيه المسلم حقوق إضافية، كما أن عليه التزامات وواجبات أكثر من حيث أنه مسلم تجاه الأمة الإسلامية وتجاه البشرية جمعاء، وكل هذا يعنى أنه لا يحق للمسلم أن يستبيح ما هو لغير المسلم، بل إن المسلم يصبح محمَّلا بأعباء إضافية منها أن يكون أسوة حسنة لغير المسلم وتجسيدا لمنظومة الأخلاق الإسلامية التي هي أسمى ما عرفه الإنسان من منظومات أخلاقية وأكملها، فإن لم يستطيع فلا أقل من ألا يكون فتنة للناس وليعلن على رؤوس الأشهاد أنه غير أهل لحمل ذلك الاسم النبيل أو لتمثيله، وعليه مع ذلك أن يزداد تمسكا بدينه وأنه يعمل بجد لتزكية نفسه.

والمسلم مطالب بالإيمان بوحدة النوع الإنسان، وهو مطالب بالوفاء بمقتضيات ذلك من العمل لصالح الإنسانية جمعاء، فهو مأمورٌ بالقيام بالقسط والحكم بالعدل ومقاومة الظلم والجور والدفاع عن المستضعفين في الأرض من خلال الأمة التي ينتمى إليها، والمسلم مطالب بالدفاع عن كرامة الإنسان وهو يؤمن بأن اختلاف الناس من حيث السلالة واللغة والدين والمذهب هو من آيات الله تعالى اللازمة لصلاح الأرض ودفع فسادها، وبالتالي فهو لا ينتهك حقوق إنسان آخر ولا يعتدى على كرامته للاختلاف في تلك الأمور المذكورة، والأوامر القرءانية بهذا الشأن لا تفرق بين الناس، قال تعالى:

{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إلى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء:58]، {وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون} [الأنعام:152]، {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا} [الإسراء:35]، {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيز} [الحديد:25]

ولقد قال الإمام علي: "وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان إما أخ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق يفرط منهم الزلل، وتعرض لهم العلل، ويؤتى على أيديهم في العمد والخطأ، فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب أن يعطيك الله من عفوه وصفحه، فإنك فوقهم، ووالي الأمر عليك فوقك، والله فوق من ولاك، وقد استكفاك أمرهم، وابتلاك بهم، ولا تنصبن نفسك لحرب الله، فإنه لا يدي لك بنقمته، ولا غنى بك عن عفوه ورحمته. ولا تندمن على عفو، ولا تبجحن بعقوبة"، "إن آدم لم يلد عبيدا أو إماء، وإن الناس كلهم أحرار"، ولقد سوَّى في العطاء بين كل الناس فسوي بين أخته ومولاتها، فلما راجعته قال لها: "يا أختاه انصرفي رحمك الله، ما وجدنا في كتاب الله فضلًا لآل اسماعيل على آل اسحق".

وقال عمر بن الخطاب: "ألا إني والله ما أرسل عمالي إليكم ليضربوا أبشاركم ولا ليأخذوا أموالكم ولكن أرسلهم ليعلموكم أمور دينكم"، وقال لعماله: "متي استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا، إني لم أسلطكم على دماء المسلمين ولا على أعراضهم ولكنى بعثتكم لتقيموا الصلاة وتقسموا فيهم فيئهم وتحكموا بالعدل".

ولكن واقع الأمر أن سياسته في توزيع الأموال على العرب قد أدَّت إلى إحداث طبقات جديدة من السادة والعبيد، كما أن عماله وأعوانهم لم يكونوا عند مستوى ما يقتضيه الإسلام منهم.

إن الحق الجامع الشامل للإنسان هو حقه في القيام بأركان الدين لتحقيق مقاصد الدين، وهو بصياغة أخري حق الإنسان في اكتساب كافة عناصر منظومة القيم الإسلامية والتحلي بها، ومن الحقوق الإنسانية العامة التفصيلية:

1. حق الحياة: الحياة هبة من الخالق الأعظم؛ رب العالمين، وهى لازمة للإنسان بصفة عامة ليقوم بواجباته كخليفة في الأرض وللمسلم بصفة خاصة ليحقق المقاصد الإلهية العظمى وليصل إلى مرتبته اللائقة وكماله المنشود، ولذا فمن قتل نفسا فكأنما قتل الناس جميعا، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا، فالحياة الإنسانية هبة إلهية ليس للإنسان حق ردها أو التخلي عنها، ولكن له أن يشرى نفسه ابتغاء مرضاة ربه وأن يقاتل في سبيل إعلاء كلمته، وقتل النفس المحرم ليس فقط ذلك القتل المعلوم بل هو كل ما يؤدي إلى المساس بالكرامة الانسانية من قهر وكبت وتجويع وحرمان وإذلال وازدراء وسخرية واستهانة وقذف بالتهم الباطلة وغيرها من الأعمال التي تؤدي إلى وأد الإنسان حيا، ولا يوجد الآن من يعتبر قتل الإنسان واغتياله ماديا ومعنويا من أركانه الحقيقية إلا الدين الأعرابي الأمة، وخاصة فرعه الوهابي.

2. حق الإنسان في الأمن، وهو من الحقوق الإنسانية المقدسة، ولقد ذكر الكتاب العزيز الأمن كنعمة كبرى وجزاء للمؤمنين في الجنة.

3. الحرية: فالإنسان حر مختار لأن ربه خاطبه على أنه كذلك؛ فأمره ونهاه وحثه على الطاعة وخوفه من المعصية وأمره أن يأكل مما في الأرض وألا يتبع خطوات الشيطان، ولقد أعلن الله سبحانه أنه خلق الإنسان لنفسه وأنه سخَّر له ما في السموات وما في الأرض، وأنه كرم الإنسان وحمله في البر والبحر، وأمره ألا يستعبد نفسه للأشياء وألا يتخذ إنسانا مثله ربا له وألا يستعبد نفسه لتراث الآباء والأسلاف، كما أعلن أنه لا إكراه في الدين فهو يريد من عباده أن يأتوه طوعًا لا كرها لأن تلك هي العبادة اللائقة بمن لديه ملكة الإرادة والاختيار، إن الإسلام بإعلانه أنه لا إله إلا الله قد حرم على الإنسان أن يستعبد إنسانا آخر كما حرم عليه أن يتخذ ربا من دون الله أو أن يرضي أن يُستَعبد، وكذلك بإعلانه الأسماء الحسنى عرَّف الإنسان أن ربه أقرب إليه من نفسه، وبالتالي فإنه قد حرره من العبودية لأهواء نفسه، وبحثِّـه الإنسان على التحقق بالكمال وبإعلانه أن كل ما في السمـوات وما في الأرض مخلوق ومسخر له فإنه حرره من التعلق بالأشياء وبكل ما يشده إلى ما هو دون مرتبته، والحرية هي من خصائص الإنسان الرباني ومن لوازم إعداده، ولذا لا يجوز المساس بها أو تقييدها إلا بالحق، وعلى من يريد أن يقيدها بالنسبة لأمر ما أن يأتي ببينات لا ريب فيها، ولذا فإن قاعدة سد الذرائع وهى قاعدة اجتهادية مستنبطة ليست بمسوغ للمساس بالحرية الإنسانية، وعلى من يعمل على سد ذريعة ما أن يلجأ إلى أي أسلوب آخر لا يقيد الحرية الإنسانية كعمل التوعية اللازمة والتعليم والإعلان المناسب والبيان المقنع والبرهان المبين، كذلك لا يجوز جعل سلب الحرية أسلوبا للعقاب، ولقد عبر سبحانه عن الحرية في الكتاب بمقتضياتها ولوازمها وذلك بإعلانه أنه قد خلق الإنسان لعبادته وحده لا لعبادة غيره، وأعلمه أنه لا إله إلا الله وأن لا رب سواه، ولذى فليس للإنسان أن يسمح لأحد بأن يستعبده أو أن يتسلط عليه ظاهرا أو باطنا، وإنما له أن يقيم علاقات مع غيره من الناس وفقا للأسس التي نص عليها القرءان وكلها عقود أساسها التراضي والسماحة والعدل وليس القهر أو التسلط أو الظلم، ومن سمح لإنسان أن يتسلط على ملكة من ملكاته فقد اتخذه ربا من دون الله وكفر بكلمة لا إله إلا الله، كذلك من ظنَّ أن عبدا مثله يملك قدرة ذاتية على النفع أو التأثير فقد زعم له سمات إلهية ليست له، وذلك هو الشرك المهلك إذ هو مضاد لمقاصد الدين العظمى، إنه كما يأنف الإنسان أن يستعبده إنسان مثله ظاهرا فعليه ألا يرضى أن يستعبده أيضا باطنا فيقوده كما تقاد الدابة، إن الإنسان مأمور باتباع ما أنزل إليه من ربه وبألا يتخذ من دونه أولياء فهو لا يتبع إنسانا مثله إلا إذا أتاه ببينة من ربه أو كان لديه أمر من الله بذلك فيكون بذلك أيضا متبعا لربه.

4. ومن حقوق الإنسان حرية الفكر وحرية التعبير عما يجول في باطنه من المعتقدات والأفكار بل والشكوك حق كفله الكتاب العزيز، فها هم الملائكة الذين لا يعصون الله ما أمرهم يكادون يلومونه على  قرار اتخذه لظنون عندهم ولكنه سبحانه لم يبطش بهم وإنما قدم لهم الحجة والبرهان على  أهلية آدم للاستخلاف في الأرض ببيان عملي مما حملهم على  الاعتراف له بأنه هو العليم الحكيم فعرفوا المزيد من صفاته فازدادوا قربا منه، وها هو إبليس يضل ويعصى الأمر ويأبى ويستكبر ويتعالى على غيره ثم يرفض الاعتراف بذنبه بل يكابر وينسب ذنبه وغوايته إلى ربه ويهدد ويتوعد ويغالط ويسئ الأدب، وبعد كل هذا يمهله ربه إلى الوقت المعلوم ولا يجازيه إلا بأن يكلفه بعمل ما تتوق إليه نفسه من محاولة إغواء بنى آدم وإضلالهم، وها هو الكتاب العزيز يقص كافة آراء وأقوال ومعتقدات الكفار والمشركين والمنافقين والمغضوب عليهم والضالين فتارة يبين بمجرد عرضها بطلانها وتهافتها وتارة يرد عليها بالحجة الدامغة، ذلك لأن الحق لا يخشى الباطل، وإن ترك الفرصة لجند الباطل لعرض آرائهم يدفع جند الحق إلى إعمال ملكاتهم لتفنيد حججهم فتتزكى بذلك ملكاتهم ويزداد إيمانهم منعة وقوة ويكتسب الجسد الإسلامي المناعة الكافية والكفيلة بمواجهة ضلالات أعتى وأشد إذ لا خير في إيمان ضعيف يتبدد لدى أول مواجهة بين الحق وبين الباطل، أما أسمى مراتب حرية الإنسان فهي ألا يكون لمخلوق على  قلبه سبيل أو حكم، وذلك لا يكون إلا إذا أسلم هذا الإنسان كل كيانه لله تعالى فيصبح ما يريده الرحمن عين ما يختاره الإنسان، هذه المرتبة هي مقتضى الإيمان الحقيقي بأنه لا إله إلا الله.

5. للإنسان الحق في الانتفاع بكل ما خلقه ربه له، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إلى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم} [البقرة:29]، والانتفاع بكل ما استخلفه فيه وبكل ما سخره له: {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون} [الجاثية:13]، وذلك في إطار الالتزام بكافة التعاليم الدينية الأخرى.

6. التساوي أمام القانون والقضاء، وهي من مقتضيات القيام بالقسط، وهي الوسيلة لتقوية بنيان الأمة والصلات بين أبنائها ولضمان السلام الاجتماعي ولحماية الأفراد من الإحساس بالظلم والغبن ومن الاكتواء بنار الحقد والغضب وغير ذلك من المشاعر المخربة المدمرة، وبالتالي يمكن للإنسان أن يتابع الترقي دون أن يضطر لمقاومة المشاعر الضارة والأخلاق السيئة، وذلك يتضمن حق كل إنسان في مقاضاة من ظلمه أو أخطأ في حقه التحقيق السريع للعدالة، وكذلك حقه في محاكمة عادلة إذا ما اتهم بجرم ما، وهذا ما يوفر لكل فرد الأمان المنشود واللازم لتزكية نفسه.

7. حق كل فرد في تزكية نفسه باستعمال ملكاته القلبية من فقه وفهم وعقل وفكر وغيرها في مجالاتها من الآيات الكتابية والكونية، فذلك الاستخدام هو السبيل لتحقيق مقاصد الدين العظمى وليس لأحد أن يمنع إنسانا مما أوجبه ربه عليه.

8. حق كل إنسان في تلقي العلم والوصول فيه إلى أعلى درجة تؤهلها لها إمكاناته وقدراته، فليس من حق الذكور أن يحرموا الإناث من التعليم كما حدث في هذه الأمة على مدى أكثر من ثلاثة عشر قرنا.

9. حق كل إنسان في العمل وفق علمه وتأهيله وقدراته.

10. حق كل فرد في إعلان نتائج إعمال ملكاته على الناس وتقديم الحجج والبراهين على صدقها، وكذلك حقه في إبداء الرأي وفي أن يُسمع، ولقد رأى الناس كيف سمع الله تعالى قول المرأة التي جاءت تجادل الرسول في زوجها وكيف استجاب الله لها وأنزل في شأنها قرءانا يُتلى، ولذا فأحرى بالناس أن يتعلموا كيف يسمع بعضهم بعضا، ولقد رأى الناس كيف كان الوحي يستجيب لآمال الناس وأمانيهم الطيبة عندما نزلت الآيات تشيد بالنساء المؤمنات استجابة لملاحظة أبدتها الأنصارية نسيبة بنت كعب.

11. حق كل فرد في الدعوة إلى الخير وإسداء النصح والتواصي بالحق والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وكل هذا ينمى في الفرد الحاسة الاجتماعية، ويزكي في نفسه روح المسؤولية تجاه الجماعة التي ينتمي إليها فتنتفع الأمة بجهود وطاقات كل أبنائها الذين يصبحون عوامل بناء لا أدوات هدم وتخريب.

12. حق كل إنسان في أن يتلقَّى تعليما يتناسب مع ميوله وملكاته وقدراته، وينمى به ملكاته، ويؤهله لعمل ينفع به نفسه وأمته.

13. حق كل إنسان في عمل نافع يتناسب مع قدراته وتعليمه وتأهيله وهذا هو السبيل لنفع أمته واستمرار ترقية نفسه وتزكيتها وزيادة علمها ومعارفها.

14. حق كل إنسان في ألا يضار بسبب دينه أو مذهبه الديني أو سلالته العرقية أو مهنته التي يمارسها.

15.  حق كل فرد في أن يسلك كافة السبل المشروعة للرقى بنفسه وبأهله.

16. حق كل فرد في الأمن وفى أن يكرم وأن تصان كرامته فلا يهان إجلالاً لمن كرَّمه وخلق له ما في الأرض وسخر له كل شيء، ولقد أعلن الله سبحانه أنه كرم الإنسان وعاقب من رفض السجود له وطرده من جنته.

17. حق كل إنسان في القيام بواجباته تجاه أمته فإنما هو عضو في جسد تلك الأمة لها عليه حق النصح والدعوة إلى الخير، بل الإنسان ملزم بأن يكون لديه ما ينفع الناس من علم أو عمل.

18. حق الإنسان في بناء أسرة فذلك أمر لازم لاكتمال نفسه بتذوق مشاعر جديدة عليه لازمة له ولضمان استمرار الأمة وقوتها، فإن كل إنسان يضاف إلى الأمة هو ثروة تفوق ما لديها من ثروات أخرى.

19. حق كل إنسان في الانتفاع بماله والإنفاق منه واستثماره كيف يشاء طالما أدى حق الله وحق أمته فيه واعتبر نفسه مستخلفا فيه يديره طبقا لأوامر من استخلفه.

*****

إن حقوق الإنسان إذًا هي كل ما يجب على أمته توفيره له وكل ما يجب عليه هو أن يتمسك به حتى يحقق مقاصد الدين العظمي اللازمة له، ويجب القول بأن التفريط في حقوق الإنسان أو إهدارها هو من كبائر الإثم ومن أسرع السبل إلى هلاك الأمم، فعلى كل من يريد أن يكون إنسانًا ألا يفرط في حقوقه كإنسان، فمن يرضي لنفسه أن يهمل ملكاته كإنسان وأن يحيا كالأنعام فهو ليس بإنسان، ومن استطاب الهوان والذل والطغيان فلن يعرف أبدًا قدر كرامة الإنسان.

إن أكثر الناس يرضى بأن يسلم قياده لغيره بل ويتطلع إلى ذلك حتى لا يتحمل أعباء قدَره، ذلك لأنهم لا يعرفون قدْر الحرية وأنها هي شرف الإنسان، كما أنها أمانة ومسؤولية.

وعلى الناس أن يعلموا أنه ليس من حق أحد أن يجعل من نفسه وصيا على الناس أو وكيلا حفيظا مصيطرا جبارًا عليهم، ولقد قال الله تعالى لرسوله الحبيب:

{وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ(66)} (الأنعام)، {وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ(107)} (الأنعام)، {مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا(80)} (النساء)، {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلا الْبَلاغُ} (الشورى: 48)، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ(108)} (يونس)، {إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنْ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ(41)} (الزمر)، {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَـوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا(132)} (النساء)،وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلا} (الإسراء: 54)، {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (22)} الغاشية.

ولقد أُمِر هو نفسهصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ أن يتخذ ربه وكيلا فأحرى بذلك غيره، قال تعالى: {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلا (9)} (المزمل)، وهكذا فليس لأحد أن يكل أمر دينه وعقيدته لغيره، وليس لأحد أن ينصب من نفسه وكيلا أو حفيظا على سائر الناس في أمور دينهم، وكل ذلك يؤكد مبدأ الحرية الفردية وما يترتب عليها من مسؤولية، ألا فليعلم كل إنسان أنه آتٍ ربه يوم القيامة فردا وأن الاعتصام بغير ربه لن يجديه نفعا.

*******

1

bottom of page