top of page

نظرات في تاريخ مصر

انهيار الحلم الشيطاني

انهيار الحلم الشيطاني

شياطين الإنس والجن من أهل الغرب وعتاة الصهيونية العالمية يبكون بحرقة ويشقون الجيوب ويلطمون الخدود بسبب (فشل الربيع العربي) في مصر وضياع فرصة الإنسان المصري في الديمقراطية والتقدم والازدهار والتي كانوا يصلون بالليل والنهار من أجل أن تتحقق له، وهم يقارنون حال مصر بحال تونس حيث نجح (الربيع العربي)!!! وشياطين الإنس والجن من أهل الغرب –كما يشهد التاريخ- كانوا دائمًا خير عون لمصر، والدليل هو تاريخ طويل من الذوبان في عشق مصر وتقويض كل جهودها لتكون دولة عظمى مزدهرة، وها هو سرد لبعض ما يتعلق بذلك:

1. بعد أن أصبح صلاح الدين ملك مصر فإنه تمكن بمواردها ورجالها من إعداد جيش قوي به دارت الدائرة على الصليبيين وتم إلحاق هزيمة حطين الثقيلة بهم وتحرير بيت المقدس.

2. أدرك أهل الغرب خطورة مصر فأصبحوا يلقبونها برأس الأفعى وأصبحت هي الهدف الرئيس لحملاتهم الجارفة.

3. هاجم الصليبيون بجيش هائل مدينة دمياط، ربما كان هذا الجيش أكبر جيش هاجم مصر في تاريخها الوسيط، كان مكونا من سبعين ألف فارس وأربعمائة ألف مقاتل، كانت مصر في ذلك الوقت بلا حاكم، فوجد الجند أنفسهم بلا قائد فاستولى الصليبيون على معسكر الجيش المصري بالكامل، وكان شيئا يجل عن الوصف كما يقول المؤرخون، وحاصروا دمياط، ولكن أهلها استبسلوا في الدفاع عن أنفسهم لمدة سنة وثلاثة أشهر، إلى أن انتشرت المجاعة وامتلأت الشوارع بجثث الموتى ولم يبق أمامهم إلا التسليم على أن يتعهد الصليبيون بحماية أرواحهم، وبالطبع نكث الصليبيون بعهدهم هذا ووضعوا السيف في كل من وجدوه وباتوا ليلتهم يغتصبون النساء في مسجد المدينة، ثم حولوه إلى كنيسة!!! وقد لبثوا في المدينة لا يجرءون على الخروج منها إلى أن جاءهم جيش ألماني جديد، كان الملك قد استتب للسلطان الكامل، عرض عليهم للجلاء عن دمياط أن يأخذوا بيت المقدس وطبرية واللاذقية وجبلة (أثبت وطنيته وحبه لمصر!)، ولكنهم رفضوا (ليفضحوا حقيقة دوافعهم)، لم يبق إلا القتال حاصرهم الجيش والشعب وأطلقوا عليهم ماء النيل وأمطروهم بالسهام وقذائف النيران وكادوا يبيدونهم، عرض الصليبيون الصلح، كان من رأي قادة الجيش إبادتهم، ولكن أبى السلطان الكامل ذلك وعامل أسراهم أفضل معاملة وزودهم بالطعام والشراب رغم جرائمهم الفادحة، تم جلاؤهم مدحورين سنة 618 هـ، 1221 م.

4. يبدو أن السلطان الكامل هذا كان (علمانيا ليبراليا منفتحا!!!)، ولذلك أعطى القدس هدية بلا مقابل لصديقه الإمبراطور فريدريك الثاني إمبراطور ألمانيا الذي كان مستعربًا ومحبا للإسلام والمسلمين، وكان لذلك محروما من قبل بابا روما، انتهز الملك الناصر ملك دمشق الفرصة وأثار الرأي العام ضده فزحف الكامل بالجيش المصري على دمشق واستولى عليها ثم من بعد توجه إلى الموصل لمحاربة المغول الذين أبادوا ملايين المسلمين في شرق العالم الإسلامي ثم أزمعوا التوجه إلى بغداد بتحريض من الصليبيين للقضاء التام على الخلافة، ولكن المغول انسحبوا قبل وصوله، وتأجل الصدام بينهم وبين الجيش المصري إلى حين!

5. تولَّى السلطان نجم الدين حكم مصر، تحالف ضده كل أمراء الشام واستعانوا بالصليبيين، هزمهم جميعًا واسترد القدس، وهو الذي أنشأ نظام المماليك في مصر، هاج الصليبيون كعادتهم ودعا البابا إنوسنت الرابع إلى تجريد حرب صليبية جديدة، تصدى لقيادتها الملك (القديس) لويس التاسع ملك فرنسا، زحف على مصر بجيش من ثمانين ألف مقاتل يحملهم أسطول من 1800 سفينة ليتكرر نفس سيناريو الحملة الصليبية السابقة، وجد مصر بلا قائد لوفاة نجم الدين، أدارت جاريته شجر الدر الأمور بحنكة، وتولى الجيش والشعب هزيمة الجيش الغربي المهول، سقط جيش الفرنجة بين قتيل أو أسير، قال الشاعر المصري الساخر مخاطبا القديس لويس:

أتيت مصر تبغي ملكها--تحسب أن الزمر يا طبل ريح

وكل أصحابك أودعتهم---بحسن تدبيرك بطن الضريح

وفقك الله لأمثالهــا---لعل عيسى منكم يستريــح

6. تولى المماليك حكم مصر، كان يحركهم الولاء المطلق للإسلام والحمية له، أدركوا أنه لا جدوى من معاملة الصليبيين بالحسنى بعد أن غدر الصليبيون بعهودهم مع مصر عدة مرات مثلما فعل (القديس) لويس الذي ما إن أطلقوا سراحه على أن يكف عن إشارة المشاكل إلا وذهب إلى الإمارات الصليبية للإعداد لحملة جديدة، بدءوا مشروعهم الضخم الذي انتهى بإلقاء الصليبيين في البحر بعد سلسلة هائلة من المعارك، ولم ينس الصليبيون لمصر ذلك أبدا.

7. حاول الصليبيون التآمر مع مملكة الحبشة لقطع المياه عن مصر، وحرضوا ملك قبرص على الإغارة على الإسكندرية ففعل مستعينا ببقايا الصليبيين، بسبب خطأ والي المدينة تمكنوا من الاستيلاء عليها وأبادوا أكثر سكانها ونهبوا كل ما استطاعوا نهبه ثم فروا إلى سفنهم قبل مجيء الجيش من القاهرة!!

8. أرسل برسباي سلطان مصر سنة 1426 م جيشا مصريا أكثره من المتطوعين سحق الجيش القبرصي وأسر ملك قبرص واقتيد أسيرا هو وأشراف مملكته وتم عرضهم على الجماهير في موكب النصر.

9. دفعت مصر غاليا ثمن سقوط الأندلس، ذلك لأن الصليبيين الأسبان والبرتغاليين الذين تربوا لقرون طويلة على كراهية الإسلام والمسلمين بسبب الأندلسيين المسلمين قد تشبعوا بالحقد ضد العالم الإسلامي وخاصة مصر التي كانت مركز طرق التجارة إلى أوروبا، وكانت تحصل بسبب ذلك على ثروات طائلة أرادوا حرمانها منها، فانطلقوا يبحثون عن طرق بديلة فاكتشفوا طريق رأس الرجاء الصالح وبدأ الفقر يضرب مصر، مما سيتسبب في سقوطها بيد أبشع احتلال تعرضت له في تاريخها الطويل وهو الاحتلال العثماني!

10. بدأت مصر نهضتها الحديثة الهائلة أيام محمد علي الذي تمكن من بناء واحد من أقوى جيوش العالم في ذلك الحين وأسس إمبراطورية تشمل مصر والسودان وأكثر تركيا والحجاز ونجد والشام وسحق ثورة اليونان، عاد التآمر الغربي من جديد وحاربه أصدقاؤه الغربيون قبل أعدائه وتم الوأد الجزئي للنهضة التي تحققت، وقد استغل الغربيون رفض العرب في الشرق لإصلاحاته الحضارية وأثاروهم ضده وزودوهم بالمال والسلاح، وهكذا عاد المشرق العربي إلى أحضان العثمانيين لينعم من جديد بمذابحهم وبطشهم وتخلفهم وهمجيتهم!

11. بدأت نهضة ثانية في عهد إسماعيل، كانت ذات طابع مدني، أما في الجانب العسكري فتمثل في اكتشاف منابع النيل وإتمام الاستيلاء على حوض النيل باستثناء الحبشة الداخلية، وهكذا صار الجانب الغربي للبحر الأحمر كله تحت سيطرة مصر، كانت مصر وقتها في قمة الثراء لازدياد الطلب على القطن المصري بسبب الحرب الأهلية الأمريكية، بدأ التآمر الغربي لإفلاس مصر والاستيلاء على قناة السويس، تم الاستيلاء على أكثر أسهم القناة وإرغام مصر على إخلاء السودان، وبذلك تم وأد مشروع النهضة الثاني في العصر الحديث.

12. بدأت نهضة ثالثة في عهد الملك فؤاد، كانت ذات طابع مدني ليبرالي علماني، أصبحت مصر أكثر أوروبية من أكثر دول أوروبا، ظهر تنظيم الإخوان الفاشي، انصرف نظر كثير من الناس عن المشاكل الحقيقية وعن أمور عصرهم، أصبح أكبر همّ كثير من الناس إعادة الخلافة التي سحقت رقاب أجدادهم ونهبت أموالهم، بدأ الإخوان سلسلة اغتيالات ضد رموز المجتمع المدني، رغم معارضة الحكومة العلمانية تدخل الملك فاروق في فلسطين، ساهم ذلك في استفحال خطر الجماعات الفاشية المدعمة من قبل الغرب، انهار مشروع النهضة الثالث.

13. لم يكن هناك إلا الجيش لينقذ الدولة والشعب من بطش الجماعة الإرهابية، سطع نجم جمال عبد الناصر، بدأ مشروع نهضة جديد وهائل على كافة الأصعدة، تغيرت القيم الاجتماعية، صارت الصدارة للعلماء والأطباء والمهندسين، أدرك عبد الناصر جيدا الدوائر التي يجب أن تكون محور النشاط المصري، تحدى قوى الاستعمار والاستكبار والغطرسة العالمية، تحدى الصهيونية العالمية، بنى السد العالي واسترد لمصر قناة السويس وزرع ربوع مصر بالمصانع وأسس جيشا قويا، تحالف ضده أخسّ تحالف في التاريخ؛ الصهيونية العالمية والغرب الشيطاني وقوى الجهل والتخلف العربية، تم وأد مشروع النهضة الرابع.

14. بدأ شياطين الغرب والصهيونية مشروعهم التدميري النهائي ضد بلدان العالم العربي الإسلامي، كانت الخطة تقضي باستغلال كافة التناقضات الموجودة لتفتيت هذه البلاد إلى كيانات متناحرة، أما بالنسبة لمصر، فكان المخطط أبشع من ذلك؛ تفتيتها إلى شوارع وقرى متناحرة، بل إلى بيوت متناحرة، قام الشعب بثورته المباركة ضد حكم مبارك، نجحت الثورة، طفا على السطح بعض حثالة الخونة من الصبية المأجورين، أعطوا لأنفسهم وهم أجهل من الدواب حق الفتوى في كل شيء والحكم على كل شخص والبت في كل أمر، ولكن اعتلى الأمر في النهاية الإرهابيون القدامى، أسكرتهم نشوة السلطة وأعمتهم عن رؤية الحقائق الراسخة، عاشوا في وهم كبير صنعوه لأنفسهم، لم يبالوا بالنُذُر، لم يكونوا يعلمون أنهم لا يملكون أي دين سليم ولا كفاءة ولا خلق قويم ولا مشروع حضاري وأنهم يحثون الخطى نحو مزبلة التاريخ، الفرق بينهم وبين إخوان تونس هو الفرق بين الشخصية المصرية وبين الشخصية التونسية، فالفرعونية كامنة في شخصية المصري، والشخصية الفرعونية لا تعجب إلا برأيها ولا تسمع إلا لنفسها ولا تعتبر بما ترى، وهي لا تقبل إلا بالسلطة كاملة حتى ولو قادها ذلك إلى الهلاك، وهكذا فشل المشروع الغربي و(الربيع العربي) في مصر، ولكن مصر تبدأ الآن ربيعها الخاص رغم أنف أعدائها القدامى!

*******

1

bottom of page