top of page

نظرات في المذاهب

09b

القياس2

القياس في اصطلاح الأصوليين هو إلحاق واقعة لا نص على حكمها بواقعة ورد نص بحكمها، في الحكم الذي ورد به النص، لتساوي الواقعتين في علة هذا الحكم.

فإن دل نص على حكم واقعة، وعرفت علة هذا الحكم بطريق من الطرق التي تعرف بها علل الأحكام، ثم وجدت واقعة أخرى تساوي واقعة النص على علة تحقق علة الحكم فيها فإنها تسوي بواقعة النص في حكمها بناء على تساويهما في علته، لأن الحكم يوجد حيث توجد علته.

وأركانه هي المقيس عليه، أو الأصل، وهو ما نصَّ على حكمه، والمقيس، وهو ما يزعمون أنه الفرع ويريدون إلحاقه بما يعتبرونه الأصل في الحكم، والعلة هي ما تصوروا أنه بني عليه الحكم في الأصل، وتحقق في الفرع، والحكم، وهو ما حكم به النص على الأصل.

علة القياس

تطلق العلة على المرض وعلى الباعث على الفعل وعلى العلة العقلية، وهي ما يلزم من وجوده وجود شيء آخر عقلا، (رغم قول الأشعرية في السببية)!

تعريف العلة عند الأصوليين:

العلة: هي أصلا الباعث على الفعل، وهي اصطلاحا وصف في الأصل بني عليه حكمه ويعرف به وجود هذا الحكم في الفرع، فالعلة هي وصف أضاف الشارع الحكم إليه وناطه به ونصبه علامة عليه، أو معنى في المحكوم عليه يدرك العقل مناسبته لبناء حكمه الشرعي عليه

مثال: السرقة مناط لقطع اليد، شهود الشهر مناط للصيام، دلوك الشمس مناط لوجوب الصلاة

فكل حكم من هذه الأحكام جعل له الشارع مناطا ربطه به، ورتبه عليه، وهذا هو العلة.

وبالطبع لا توجد علاقة سببية ضرورية بين شهود الشهر وبين الصيام، ولا بين دلوك الشمس وبين الصلاة ... الخ، كما أن هذه الأمور ليست باعثة على الحكم، وإنما هي بالنسبة للإنسان أمارة مجردة، فجعلها علة يترتب عليها العبادة هي أمرٌ عجيب.

أما الحق فهي أن هذه الأمارات هي جزء من مكونات الأمر الشرعي، فصيام شهر رمضان مثلا لا يمكن القول بأنه مكون من جزئين، أحدهما مترتب على الآخر، وصلاة العشاء مقترنة بوقتها المعلوم الذي تستمد منه اسمها، أما قطع اليد فلا يرتبط بعلاقة علية بالسرقة، وإنما هي عقوبة للسارق، وليس عقوبة على السرقة.

ومن المتفق عليه بين جمهور علماء المسلمين أن الله سبحانه ما شرع حكما إلا لمصلحة عبادة، وأن هذه المصلحة إما جلب نفع لهم، وإما دفع ضرر عنهم، فالباعث على تشريع أي حكم شرعي هو جلب منفعة للناس أو دفع ضرر عنهم، وهذا الباعث على تشريع الحكم هو الغاية المقصودة من تشريعه وهو حكمة الحُكْم.

ومن المتبادر أن يبني كل حكم على حكمته، وأن يرتبط وجوده بوجودها وعدمه بعدمها، لأنها هي الباعث على تشريعه والغاية المقصودة منه، ولكن رُئي بالاستقراء أن الحكمة في تشريع بعض الأحكام قد تكون أمرا خفياً غير ظاهر، أي لا يدرك بحاسة من الحواس الظاهرة، فلا يمكن التحقق من وجوده ولا من عدم وجوده، ولا يمكن بناء الحكم عليه ولا ربط وجوده بوجوده وعدمه بعدمه.

وقد تكون الحكمة أمراً تقديريا أي أمرا غير منضبط، فلا ينضبط بناء الحكم عليه ولا ربطه به وجودا وعدما. مثال هذا: إباحة الفطر في رمضان للمريض، حكمتها دفع المشقة، وهذا أمر تقديري يختلف باختلاف الناس وأحوالهم، فلو بني الحكم عليه لا ينضبط التكليف ولا يستقيم، فلأجل خفاء حكمة التشريع في بعض الأحكام، وعدم انضباطها في بعضها، لزم اعتبار أمر آخر يكون ظاهرها أو منضبطا يبني عليه الحكم ويربط وجوده بوجوده وعدمه بعدمه ويكون مناسبا لحكمته، بمعنى أنه مظنة لها وأن بناء الحكم عليه من شأنه أن يحققها؛ وهذا الأمر الظاهر المنضبط الذي بني الحكم عليه لأنه مظنة لحكمته، ولأن بناء الحكم عليه من شانه أن يحققها، هو المراد بالعلة في اصطلاح الأصوليين، فالفرق بين حكمة الحُكْم وعلته هو أن حكمة الحكم هي الباعث على تشريعه والغاية المقصودة منه، وهي المصلحة التي قصد الشارع بتشريع الحكم تحقيقا أو تكميلها ، أو المفسدة التي قصد الشارع بتشريع الحكم دفعها أو تقليلها.

وأما علة الحكم فهي الأمر الظاهر المنضبط الذي بني الحكم عليه وربط به وجودا وعدما، لأن الشأن في بنائه عليه وربطه به أن يحقق حكمه تشريع الحكم، فقصر الصلاة الرباعية للمسافر حكمته التخفيف ودفع المشقة، وهذه الحكم أمر تقديري غير منضبط لا يمكن بناء الحكم عليه وجودا وعدما، فاعتبر الشارع السفر مناطا للحكم وهو أمر ظاهر منضبط وفي جعله مناطا للحكم مظنة تحقيق حكمته، لأن الشأن في السفر أنه توجد فيه بعض المشقات، فحكمة قصر الصلاة الرباعية للمسافر دفع المشقة عنه، وعلته السفر.

واستحقاق الشفعة بالشركة أو الجوار حكمته دفع الضرر عن الشريك أو الجار، وهذه الحكمة أمر تقديري غير منضبط، فاعتبرت الشركة أو الجوار مناط الحكم لأن كلا منها أمر ظاهر منضبط، وفي جعله مناطا للحكم مظنة تحقيق حكمته إذ الشأن أن الضرر ينال الشريك أو الجار، فحكمة استحقاق الشفعة دفع الضرر وعلته الشركة أو الجوار.

وعلى هذا فجميع الأحكام الشرعية تبني على عللها، أي ترتبط بها وجودا وعدما، لا على حكمها، ومعنى هذا أن الحكم الشرعي يوجد حيث توجد علته ولو تخلفت حكمته، وينتفي حيث تنتفي علته ولو وجدت حكمته، لأن الحكمة لخفائها في بعض الأحكام، ولعدم انضباطها في بعضها لا يمكن أن تكون أمارة على وجود الحكم أو عدمه، ولا يستقيم ميزان التكليف والتعامل إذا ربطت الأحكام بها.

ومثل هذا الكلام بالطبع لا علاقة له بالدين أصلا، الكلام هنا محض كلام قانوني صرف، يجب أن يكون مكانه المعاملات القانونية بين الأفراد، أو الأحكام الجزئية في الخلافات والمعاملات فيما بينهم، ولا حرج في استعمال القياس لاستخلاص أحكام لمثل هذه الأمور، فهي على كل حال أحكام وضعية لا يُزاد بها الدين ولا تُحدث فيه أمرا.

أما الحق فهو أن كل أمر أو عنصر ديني لكي يكون في استطاعة الناس القيام به يجب تعريفه التعريف الكافي وتقديم ما يلزم من تفاصيله، أما المقصد منه فهو ماثل في القرءان، إما بالنص الصريح، وإما يمكن أنه يمكن استخلاصه أو استنباطه منه، هذا المقصد هو بالنسبة لمن يعمل بالأمر هو الحكمة منه، ولا يجوز تعدية أحكام أمر إلى أمر آخر.

مثال:

من أمور الدين، ومن أوامره وأركانه، صيام شهر رمضان، وبمقتضى التعريف والاسم لا يمكن تجزئة هذا الأمر، ولا معنى ولا ضرورة للخوض فيما هو أكثر من ذلك لكل يتسنى من بعض إحداث أحكام جديدة في الدين بالقياس.

والمقصد من صيام شهر رمضان: التحقق بتقوى الله، أداء واجب الشكر لله، الاحتفال بنزول القرءان الكريم.

ولكل أمر ديني تفاصيله الخاصة، فللمريض أو من هو على سفر أن يفطر، وعليه عدة من أيام أخر، والسكوت عن تفاصيل المرض أو السفر يجعل أمرهما مفوضًا أولا إلى الإنسان نفسه ثم إلى أولي الأمر المتخصصين، والأطباء هنا هم أولو الأمر، فللمرء أن يفطر لمجرد إدراكه أنه مريض، ولولي الأمر أن يأمره بالإفطار إذا كان في الصيام خطر ما عليه.

ولا دخل لقياس في هذا الأمر، ولا يجوز استنباط أن أحكام الصيام تشير إليه من قريب أو بعيد، وكلام الأصوليين في العلة المنضبطة هنا لا جدوى منه، ولا علاقة له بالدين أصلا.

قالوا: ((فالشارع الحكيم لما اعتبر لكل حكم علة هي أمر ظاهر منضبط، يظن تحقق الحكمة بربط الحكم به جعل مناط الأحكام عللها، ليستقيم التكليف وتنسق أحكام المعاملات ويعرف ما يترتب على الأسباب من مسببات. وتخلف الحكمة في بعض الجزئيات لا أثر له بإزاء استقامة التكاليف واطراد الأحكام، لهذا قرر الأصوليون أن الأحكام الشرعية تدور وجودا وعدما مع عللها لا مع حكمها)).

هم هنا يتقولون على الله تعالى الذي يسمونه بـ(الشارع) وينسبون إليه أفعالهم، فهم الذين جعلوا لكل حكم علة هي أمر ظاهر منضبط، بعدما قرروا أن الحِكم من الأوامر الدينية أمور تقديرية غير منضبطة أو أمور مجهولة، وهم الذين جعلوا مناط الأحكام عللها، وكان كل ذلك لكي يتمكنوا من إحداث أحكام دينية جديدة بالقياس، فهم مولعون بإحداث أحكام بعدما حاصروا الأمة وأعلنوا أن العلم هو ما يتعلق به غرض شرعي فقط، وأكثر الأغراض الشرعية عندهم كانت متعلقة بالطقوس والدماء والفروج وكيفية إخضاع الرعية للمتسلط عليها ولممتهني التربح بالدين.

وقالوا: ((وبعبارة أخرى مناط الحكم الشرعي مظنته لا مئنته، فمن كان في رمضان على سفر يباح له الفطر لوجود علة إباحته وهي السفر، وإن كان في سفرة لا يجد مشقة. ومن كان شريكا في العقار المبيع أو جارا له يستحق أخذه بالشفعة، لوجود علة استحقاقها وهي الشركة أو الجوار، وإن كان المشتري لا يخشى منه أي ضرر، ومن لم يكن شريكا في العقار المبيع ولا جارا له لا يستحق أخذه بالشفعة وإن كان لأي سبب من الأسباب يناله من شراء المشتري ضرر. ومن كان في رمضان غير مريض ولا مسافر لا يباح له الفطر وإن كان عاملا في محجر أو منجم ويجد من الصوم أقسى مشقة. ومن حصل على النهاية الصغرى في الامتحان نجح وإن لم يلم بالعلوم، ومن لم يحصل عليها لا ينجح وإن كان ملما بالعلوم.

وما دام الحكم الشرعي يبني على علته لا على حكمته فعلى المجتهد أن يقضي بالحكم حيث توجد العلة بصرف النظر عن الحكمة، فإذا قضي بالشفعة لغير شريك ولا جار بناء على أنه يناله الضرر من شراء هذا المشتري فهو خاطئ، وإذا رفض الحكم استحقاق الشفعة لشريك أو جار بناء على أنه لا ضرر عليه من شراء هذا المشتري فهو خاطئ)).

إن ما يجب الاعتداد به هو المقاصد الكلية والجزئية من الأوامر الشرعية، وهي ما يجب أن يتحقق للمرء من القيام بالأمر الديني، والحكم الجزئية منصوص عليها في الكتاب، وكل مجموعة من الأحكام الجزئية يجمعها مقصد عظيم، فالتدبر والتفكر والتذكر والذكر والفقه والعقل يجمعها كلها استعمال ملكة القلب الذهنية وبالتالي تزكيتها، فتزكية الملكات القلبية هي مقصد جامع لكل ذلك، وذلك من لوازم إعداد الإنسان الرباني.

أما الانشغال بالعلل المنضبطة الظاهرة والقياس لإحداث أحكام لا حصر لها فليس مطلوبا إلا في نطاق شكليات العبادات وأحكام المعاملات والعقوبات والأحكام القضائية في الخلافات الجزئية بين الناس، ولا يجوز أن يعرقل العمل على تحقيق مقاصد الدين العظمى.

وبعض العلل الظاهرة المنضبطة التي قالوا بها لم تعد كذلك بعد التقدم العلمي، ومن ذلك ترتيب ثبوت النسب على عقد الزواج الصحيح، فيمكن الاحتكام الآن إلى الفحص الجيني.

وعندهم أن مباحث العلة لم توضع إلا لمصالح الخلق التي تنحصر في جلب النفع لهم ودفع الضرر عنهم، وهذه المصالح عندهم هي:

المصالح الضرورية وهي التي تتوقف عليها حياة الناس الدينية والدنيوية وترجع إلى حفظ خمسة أشياء:

الدين والنفس، والعقل، والعرض، والمال، فحظ كل واحد منهما ضروري للناس.

المصالح الحاجية، وهي ما يحتاج إليه الناس لليسر والسعة، واحتمال مشتاق التكليف، وأعباء الحياة، فهي رفع المشقة ودفع الحرج بتخفيف التكاليف، ومن ذلك قصر الصلاة والفطر في رمضان وإباحة المسح على الخفين، وهذه إذا فقد لا يختل نظام حياتهم ولا تعم فيهم الفوضى، كما إذا فقد الضروري، ولكن ينالهم الحرج والضيق.

المصالح الحاجية للناس بهذا المعنى ترجع إلى رفع الحرج عنهم، والتخفيف عليهم ليحتملوا مشاق التكليف، وتيسر لهم طرق التعامل والتبادل وسبل العيش.

وأما المصالح التحسينية: فهي ما تقتضيه المروءة والآداب وسير الأمور على أقدام منهاج، ويجمعها قسم مكارم الأخلاق ومحاسن العادات وكل ما يقصد به سير الناس في حياتهم على أحسن منهاج.

هل يمكن أن تكون مقاصد الدين الضرورية هي مجرد الحفاظ على الدين والنفس، والعقل، والعرض، والمال؟ ألا يحقق النظام العلماني مثلا ذلك بأفضل من الدين الأعرابي الأموي المتخصص في قتل النفوس وانتهاك حقوق الإنسان وازدراء العقل؟!

وهذا يعني أيضًا أن المقاصد الضرورية تتضمن فرض التكاليف على الناس، بينما تتضمن المقاصد الحاجية تخفيفها عنهم!!!! هل إذا ألزمت أحدهم بأن يعمل في حقلك 24 ساعة في اليوم ثم قلت له: رأفة بحالك يمكنك أن تعمل فقط 22 ساعة تكون قد خففت عنه، ما هو المقصد الحقيقي من التكليف؟

ويلاحظ المكانة التي اختصوا بها مكارم الأخلاق!! ولذلك لا غرو أن كان معتنقو الدين الأعرابي أسوأ الأمم أخلاقا وأزهدهم في العمل النافع

وقد زعموا مثلا أن علة تحريم الخمر الحفاظ على العقل، فهل لديهم أي نص يقول بذلك؟ وهل مذاهبهم التي تحرم وتجرم عمليا استعمال العقل -إلا في القياس لإحداث حكم ديني يكبلون به الناس ويزيدون به من الإصر والأغلال عليهم- تسعى حقا للحفاظ على العقل؟

قالوا في شروط العلة:

الأصل الذي ورد النص بحكمه قد يكون مشتملا على عدة أوصاف وخواص، وليس كل وصف في الأصل يصلح أن يكون علة لحكمه، بل لابد في الوصف الذي يعلل به حكم الأصل من أن تتوفر فيه جملة شروط. وهذه الشروط استمدها الأصوليين من استقراء العلل المنصوص عليها، ومن مراعاة تعريف العلة، ومن الغرض المقصود من التعليل وهو تعديه الحكم إلى الفرع. وبعض هذه الشروط اتفقت على اشتراطا كلمة الأصوليين، وبعضها لم تفق عليها كلمتهم.

شروط العلة المتفق عليها أربعة:

أولها: أن تكون وصفا ظاهرا: ومعنى ظهوره أن يكون محسوسا يدرك بحاسة من الحواس الظاهرة، لأن العلة هي المعرف للحكم في الفرع فلابد أن تكون أمرا ظاهرا، يدرك بالحس كالإسكار في حرمة الخمر.

فالعلة علامة على الحكم، ولا تصلح لذلك إذا كانت هي نفسها خفية.

لهذا لا يصح التعليل بأمر خفي لا يدرك بحاسة ظاهرة لأنه لا يمكن التحقق من وجوده ولا عدمه.

وهذا الكلام لا يصلح إلا في استخراج أحكام جزئية متعلقة بالمنازعات بين الناس.

قالوا: وثاني شروط العلة أن يكون وصفا منضبطا: ومعنى انضباطه أن تكون له حقيقة معينة محدودة يمكن التحقق من وجودها في الفرع بحدها أو بتفاوت يسير، لأن أساس القياس تساوي الفرع والأصل في علة حكم الأصل، وهذا التساوي يستلزم أن تكون العلة مضبوطة محدودة حتى يمكن الحكم بأن الواقعتين متساويتان فيها، ومن ذلك الشدة المؤدية إلى السكر في حرمة الخمر.

الخمر مأمور باجتنابها نهائيا، ولو كان السكر وحده هو علة تحريمها لتم السماح بتعاطي القليل منها، ويمكن معرفة المزيد من أسباب تحريمها بالرقي الجوهري والتقدم العلمي.

والعلة المذكورة يمكن أن يُستبدل بها الآن وجود الكحول في المأكول أو المشروب.

وقالوا إنه قد يكون الوصف المناسب للحكم غير منضبط فيقيم الشارع مكانها مظنة لها مثل السفر أو المرض بالنسبة للصيام!!

وهم هنا يتقولون على الله تعالى ويقحمون أمرًا غير مذكور مكان أمرٍ مذكور ومنصوص عليه صراحة، وذلك في سبيل إثبات وتبرير قواعدهم.

ويغني عن ذلك الأخذ بمحض ما ذكره القرءان عن الصيام كأمر تعبدي ومعه أحكامه ومقاصده.

فالمقصد من الصيام التحقق بالتقوى والشكر.

والعذر المذكور صراحة والذي يبيح الإفطار وقضاء عدة من أيام أخر هو المرض أو الكون في حالة سفر

وهناك عذر آخر هو كون الصيام يستنفد طاقة الإنسان، وحيث أن هذه الحال لا يُنتظر أن تتغير فعلى الإنسان فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ.

وبالطبع يمكن استنباط أن هذه الأعذار هي لدفع الحرج عن الناس، ولكون الدين دين يسر، وذلك لكون الله تعالى رؤوفا رحيما.

لهذا لا يصح التعليل بالأوصاف المرنة غير المضبوطة، التي تختلف اختلافا بينا باختلاف الظروف والأحوال والأفراد، فلا تعلل إباحة الفطر في رمضان للمريض أو المسافر بدفع المشقة بل مظنتها وهو السفر أو المرض.

***

قالوا: وثاني شروط العلة أن تكون وصفا مناسبا: ومعنى مناسبته أن يكون مظنة لتحقيق حكمة الحكم، أي أن ربط الحكم به وجودا وعدما من شأنه أن يحقق ما قصده الشارع بتشريع الحكم من جلب نفع أو دفع ضرر، لأن الباعث الحقيقي على تشريع الحكم والغاية المقصودة منه هو حكمته، ولو كانت الحكمة في جميع الأحكام ظاهرة مضبوطة لكانت هي علل الأحكام، لأنها هي الباعثة على تشريعها، ولكن لعدم ظهورها في بعض الأحكام وعدم انضباطها في بعضها، أقيمت مقامها أوصاف ظاهرة مضبوطة ملائمة ومناسبة لها. وما ساغ اعتبار هذه الأوصاف عللا للأحكام ولا أقيمت مقام حكمها إلا أنها مظنة لهذا الحكم، فإذا لم تكن مناسبة ولا ملائمة لم تصلح علة للحكم. فالإسكار مناسب لتحريم الخمر لأن في بناء التحريم عليه حفظ العقول، والقتل العمد العدوان مناسب لإيجاب القصاص لأن في بناء القصاص عليه حفظ حياة الناس، والسرقة مناسبة لإيجاب قطع يد السارق والسارقة لأن في بناء القطع عليها حفظ أموال الناس.

لهذا لا يصح التعليل بالأوصاف غير المناسبة، وتسمى بالأوصاف الطردية أو الاتفاقية التي لا تعقل علاقة لها بالحكم؛ أي الأمور غير الموضوعية.

رابعها: أن يكون متعديا، فلا يكون وصفا قاصرا على الأصل: ومعنى هذا أن تكون وصفا يمكن أن يتحقق في عدة أفراد ويوجد في غير الأصل، لأن الغرض المقصود من تعليل حكم الأصل تعديته إلى الفرع، فلو علل بعلة لا توجد في غير الأصل لا يمكن أن تكون أساسا للقياس. ولهذا لما عللت الأحكام التي هي من خصائص الرسول، بأنها لذات الرسول لم يصح فيها القياس.

وقد قسموا ما يسمونه بالعلة من ناحية اعتبار الشارع إياها وعدمه، فقالوا:

قدمنا في بحث "شروط العامة" أنه ليس كل وصف في الأصل يصلح أن يكون علة لحكمه، وأنه لا يصح التعليل بوصف إلا إذا كان ظاهرا منضبطا مناسبا، وبيَّنا أن المراد بمناسبة الوصف للحكم أن يكون مظنة لحكمته، بحيث يكون بناء الحكم عليه وربطه به من شأنه أن يحقق المصلحة التي شرع الحكم من أجلها. ونقرر هنا أنه للاحتياط يشترط أن يكون الوصف المناسب مع ظهوره وانضباطه قد اعتبره الشارع علة بأي نوعه من أنواع الاعتبار.

فتحدثوا عن مسالك العلـة، والمراد بها: الطرق التي يمكن أن تُعرف بها، وأشهر هذه المسالك ثلاثة:

أولا: النص: فإذا دل نص القرءان أو السنة على أن علة الحكم هي هذا الوصف كان هذا الوصف علة بالنص ويسمى العلة المنصوص عليها وكان القياس بناء عليه هو في الحقيقة تطبيق للنص. ودلالة النص على أن الوصف علة قد تكون صراحة وقد تكون إيماء أي إشارة وتلويحا لا تصريحا.

فالدلالة صراحة هي: دلالة لفظ في النص على العلية بوضعه اللغوي مثل ما إذا ورد في النص لعلة كذا، أو لسبب كذا، أو لأجل كذا، وإذا كان اللفظ الدال على العلية في النص، لا يحتمل غير الدلالة على العلية، فدلالة النص على علية الوصف صريحة قطعية كقوله تعالى في تعليله بعثه الرسل: 

(رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) [النساء: 165]،

 وقوله في إيجاب أخذ خمس الفيء للفقراء والمساكين: 

(كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ) [الحشر: 7]،

 وقوله في ترتيب العقوبة الدنيوية على عصيانهم لرسولهم، 

{فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَّابِيَة}[الحاقة:10].

لم يكن يحقّ لهم الاستشهاد بالآية النساء: 165في أمرٍ كهذا، فلا يحق لهم قياس أحوال البشر على الشؤون الإلهية، والله تعالى لا يُسأل عمَّا يفعل، وليس لأحد عليه حجة أصلا، وإنما هو لعظيم سماته وعلوّ شأنه يتنزل لخلقه، ويعاملهم وفق منطقهم.

أما في آية الحشر 7 فهو سبحانه يعلن المقصد من إيجاب أخذ خمس الفيء للفقراء والمساكين، وهو منع احتكار الأغنياء للثروة، وهذا المقصد هو من لوازم وتفاصيل مقاصد الدين العظمى، وهو مذكور في القرءان صراحة أو ضمنا، ويصدقه أفعال الرسول وأقواله.

قالوا: وإذا كان اللفظ الدال على العلية في النص يحتمل الدلالة على غير العلية، فدلالة النص على علية الوصف صريحة ظنية، مثل قوله تعالى: 

(أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) [الإسراء: 78]،

 وقوله: 

(فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ)[النساء: 160]

 وقوله: 

(وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ) [البقرة: 222]،

 وقول الرسول في طهارة سؤر الهرة: "إنها من الطوافين عليكم والطوافات"، وإنما كانت دلالة النص على العلية ظنية في هذا الأمثلة لأن الألفاظ الدالة عليها فيها، وهي: اللام، والباء، والفاء، وإن، كما تستعمل في التعليل تستعمل في غيره، وإن كان التعليل هو الظاهر من معانيها في هذه النصوص.

قالوا: وأما دلالة النص على العلية إيماء أي إشارة وتنبيها، فهي مثل الدلالة المستفادة من ترتيب الحكم من الوصف واقترانه به، بحيث يتبادر من هذا الاقتران فهم علية الوصف للحكم وإلا لم يكن للاقتران وجه، وذلك مثل قوله: "لا يقضي القاضي وهو غضبان".

ومن النص ما يكون إيماءً إلى العلة كذكر المحكوم عليه بوصف بعينه، فالتعبير بالمشتق يشعر بعلية ما منه الاشتقاق، فالتعبير بالمشتق اسم الفاعل السارق يشير إلى علية المصدر "السرقة".

إنه لا يجوز التسوية بين النصوص التي أوردوها، فلكل نص معانيه وأحكامه، فقوله تعالى: 

{أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقرءان الْفَجْرِ إِنَّ قرءان الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء:78]

 هو لبيان توقيتات الصلاة، والعلاقة بين إقامة أي صلاة وبين وقتها ليست علاقة علية، وإنما هي جزء من تعريفها، فصلاة الفجر مثلا هي الصلاة التي تؤدي في وقت الفجر.

أما قوله سبحانه:  

{فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} [النساء: 160]

 فهو ينص على سبب من أسباب تشديد التشريع على أمة قد خلت، وكان تحذيرا بصفة خاصة لقوم الرسول حتى لا يظلموا أنفسهم فيتم التشديد عليهم، فقد كان من مقاصد شريعة الدين الخاتم التيسير ووضع الإصر والأغلال عن الناس، فاقتضى ذلك وجوب تحذريهم من كل ما يمكن أن يتم به التشديد عليهم، وقد خُتِم أمر التشريع بختم النبوة.

والأمر الآخر فهو تبيين شيء من عواقب الظلم حتى لا يقترف الناس شيء منه، فالظلم من أركان المنظومة الشيطانية، وهو يجلب اللعنة على من يتورط فيه.

ومن الواضح شدة خلطهم بين السنن الكونية والسببية الطبيعية وبين السببية الوضعية التي تربط الأمر الديني بعلته الظاهرة أو سببه الموضوع (شرط تحققه)، وكذلك هم يخلطون بين المقاصد وبين العلل.

وخلاصة الفروق بين المصطلحات التي يستعملونها:

العلة: وصف مناسب ظاهر منضبط ناط به الشارع الحكم كجعله الجريمة علة للعقوبة عليها، والإتلاف علة لضمان المتلف والعقد علة لترتب آثاره عليه، وذلك يمكن القبول به على مستوى المعاملات والعقوبات.

السبب: كالعلة وإن كان من الممكن أن يكون غير مناسب للحكم كجعل دلوك الشمس سببا لوجوب الصلاة، فهو أعم من العلة لتضمنه ما جُعل شرطا لوجوب العبادات.

الحكمة: ما ترتب على ربط الحكم بعلته أو سببه من جلب مصلحة أو دفع مضرة.

أما نحن فنستعمل المصطلحات الآتية بالنسبة للأمر الديني:

الحكمة السابقة: ما اقتضى هذا الأمر.

الحكمة اللاحقة: ما ترتب على الأمر على المستوى الوجودي، وهذا يتضمن المقصد المسمى منه.

المقصد: الغاية المطلوب تحققها من القيام بالأمر أو العمل بمقتضاه، فهو من الحكمة اللاحقة.

الحكمة: هي المصطلح الجامع لما سبق، فهي تفاصيله.

ومن مصطلحاتهم:

تخريج المناط (العلة): الاجتهاد في استنباط العلة إذا لم يكن منصوصا عليها، فهو استنباط علة لحكم شرعي ورد به النص ولم يرد نص بعلته ولم ينعقد إجماع على علته.

تنقيح المناط: الاجتهاد في تخليص العلة مما يشوبها من أوصاف لا دخل لها في العلية.

تحقيق المناط: هو النظر في تحقق العلة التي تثبت بالنص أو بالإجماع أو بأي مسلك في جزئية أو واقعة غير التي ورد فيها النص.

قالوا: ((قوله تعالى: 

{فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} [ الحشر/2] ,

 فوجه الدالة في هذه الآية ان الله تعالى أمرنا بالاعتبار من حال اليهود من بني النضير الذين حلت بهم الهزيمة والجلاء من المدينة على أيدي المسلمين عندما نكثوا العهد مع الرسول، والمقصود بذلك قياس حالنا بحالهم حتى لا يصيبنا ما أصابهم فهذه دعوه في القرءان إلى التفكر في هذه المسألة بطريق القياس، فإذا هذه دعوه إلى التفكر بطريق القياس ولولم يكن القياس حجه لما أمرنا الله تعالى بتفكر بهذه الطريق)).

من الواضح حرصهم على إقحام القياس في أمور لا علاقة له بها، والاعتبار بالنظر إلى مصير من أجرموا يؤدي إلى معرفة سنة كونية خاصة بالمكلفين، ولا علاقة له بالقياس المستعمل لإحداث حكم ديني، فالقياس عندهم يترتب عليه إحداث حكم ديني ملزم وليس استنتاج سنة أو قانون، المجال مختلف تماما.

قالوا: ((قوله تعالى 

{ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِين}[الأنبياء:104]،

 ووجه الدلالة من هذه الآية ان الله تعالى قد نبه الخلق إلى إمكان البعث في حقه سبحانه بطريقة قياسه على إمكان الابتداء من العدم , يعني قاس الله تعالى البعث إمكان البعث على إمكان ابتداء الخلق من العدم، ولو لم يكن القياس حجة ملزمه في النظر لما أورده الله تعالى منبه به خلقه إلى أمر البعث)).

هذا القول يبين مدى جرأتهم على ربه وتقولهم عليه لإثبات ما أحدثوه في الدين، فهم يجعلونه سبحانه يستعمل القياس لكي يعطوه الشرعية ولكي يعطوا لأنفسهم الحق في استعماله وإحداث أحكام في الدين به.

فالمجال مختلف تماما، ولا يجوز قياس أفعال البشر على الأفعال الإلهية، الآية تتحدث عن سنة إلهية كونية، ولا دخل للقياس بأمر كهذا، والآية من المتشابهات التي لا يجوز القياس عليها، وهم لا يعرفون كيف بدأ الخلق ليعرفوا كيف سيعاد، والله تعالى لم يقل إنه بذلك يستعمل القياس، ولم يستعمل القياس لاستنتاج شيء، وسبحانه وتعالى عن ذلك، ولقد بدأ الخلق على غير مثال سابق، وسيعيده على غير مثال سابق.

فالله تعالى لا يعلل أفعاله لخلقه، وإنما يخاطبهم على قدر عقولهم، ولا يجوز القياس على ذلك لإعطاء البشر حقّ التشريع في الدين، فالتشريع في الدين حق لله وحده، وقد يأذن للمرسلين بشيء من التشريع، وقد انقضى ذلك بختم النبوة.

***

قالوا: ((أتى أعرابي أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ان امرأتي ولدت غلاما اسود ويقصد بهذا التعريض بنفي كونه ابنه، فقال الله رسول الله رسول الله عليه وسلم "فهل لك من ابل قال نعم، قال فما ألوانها , قال حُمر قال هل فيها من أورق قال ان فيها لأورق قال فأن ترى ذلك جاءها (الأورق هنا المقصود بها الحمرة المشهوبة بالسواد) فقال النبي صلى الله عليه وسلم فمن أين جاء ذلك فقال فأن ترى ذلك جاءها قال الرجل لعل عرقاً نزعه " أي جذبه " من أحد أجداد هذا البعير فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: وهذا ويقصد ابن الأعرابي وهذا لعله نزعه عرق، حديث متفق عليه، ووجه الاستدلال من هذا ان النبي صلى الله عليه وسلم قد استعمل القياس هنا لإفهام السائل وإزالة الشك عن ذهنه فقاس الغلام الأسود من أبوين أبيضين على الجمل الأورق من الإبل الحمر فكما ان الجمل يحتمل ان يكون نزعه عرق من عروق أجداده فكذلك الغلام، وان لم يكن القياس حجه لما استعمله النبي صلى الله عليه وسلم، حجة في هذا المقام.

لا يوجد استعمال للقياس هنا، ولكن الرسول يستدل للأعرابي بقوانين الوراثة السارية على الإنسان والنبات والحيوان، ولا علاقة لذلك بإحداث أحكام دينية بالقياس، هذا بالإضافة إلى أنه لا يجوز إحداث أصل ديني بالاستناد إلى مروية ظنية.

إنه يجب التأكيد على أنه لا يجوز إثبات أصل ودليل ديني سيستعمل لاستنباط أحكام ملزمة للعالمين بالمرويات الآحادية الظنية.

قالوا: ((ما ورد عن حديث معاذ رضي الله عنه لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم قاضيا إلى اليمن وقال له بما تقضي يا معاذ إذا عرض لك قضاء قال بكتاب الله فقال فإن لم تجد قال فبسنة رسول الله قال فإن لم تجد قال اجتهد رأيي ولا آلو يعني لا أقص،ر فضرب النبي صلى الله عليه وسلم على صدره، وقال الحمد الله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله، أو كما قال صلى الله عليه وسلم، ومن صور الاجتهاد استعمال القياس ولو كان الاجتهاد بالقياس غير سائر لحذره النبي صلى الله عليه وسلم من العمل به، ووجه الدلالة من هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قد اقر معاذ على الحكم بالاجتهاد في حال عدم وجود نص من القرءان او من السنة)).

المروية حجة قوية عليهم، واستعمالها يكشف من جديد حقيقة أمرهم!

المروية تتحدث أساسًا عن القضاء بين الناس وليس عن إحداث أحكام دينية!

والاجتهاد بالرأي لا يعني بالضرورة استعمال القياس، القاضي يحكم بما استقر في ضميره من مقارنة الأدلة واقوال المتنازعين وشهادات الشهود، ولا علاقة لذلك بالقياس، والقاضي لا يشرع، وإنما يعمل ما يعلمه من القوانين في المنازعات الجزئية بين الناس، فهو لا يضيف شيئا إلى القانون فضلا عن الدين، وما يصدره يبقى حكما بشريا قابلا للنقض، ولا يجوز القول: "ولو كان الاجتهاد بالقياس غير سائر لحذره النبي صلى الله عليه وسلم من العمل به"، ولقد حذرهم النبي إجمالا من الإحداث في الدين كبيان للأمر القرءاني بأن الحكم الديني والتشريع لله وحده، فهو ليس مسؤولا عن محدثاتهم، ويمكن لكل محدث لأصل ديني مثل الاستحسان أو الاستصلاح أو عمل الصحابي .... الخ مثلا أن يحتج بمثل هذا القول!!!! ولا يجوز إثبات أصل ودليل ديني يمكن استعماله لاستنباط أحكام ملزمة للعالمين بالمرويات الآحادية الظنية.

قالوا: عمل الصحابة بالقياس في اجتهاداتهم فقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يجتهدون , ويلحقون النظير بالنظير يعني المماثل بالمماثل ولم ينكر احد منهم على ألأخر فتواه بناء على القياس ولو كان الاحتجاج غير سائر او غير حجه لبادروا إلى الإنكار على من يستعمله فهذا يتقرر بحجية القياس في هذا المسألة والأدلة في هذا كثيرة، في استعمال القياس من قبل النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة فان بعض العلماء قد ألف مؤلفات مستقلة في أقيسه النبي، وهي أمثله قد تخرج أحيانا او كثيرة جداً قد تخرج عن حد الحصر.

كل هذه مزاعم لا تلزم أحدا بشيء، وليست بحجة لإثبات أي شيء فضلا عن استخدامها لإحداث أصل ديني يُذكر مع كتاب الله، والمزاعم وردت بالطبع في مرويات آحادية ظنية !!!! ولا يجوز إثبات أصل ودليل ديني يمكن استعماله لاستنباط أحكام ملزمة للعالمين بالمرويات الآحادية الظنية، هذا مع أنه ثبت بمروياتهم أيضًا ذم (الصحابة) للقول في الدين بالرأي أو العمل بالقياس!

قالوا: ((لم يخالف في حجية القياس إلا قلة شذت عن الأمة من أبرزهم الظاهرية وبعض المعتزلة وبعض الروافض، لكن العلماء في الجملة لم ينظروا إلى خلاف هؤلاء وحكموا أن القياس من الأدلة المتفق عليها لأن الخلاف من القلة أو من الشذوذ يحكم بأنه خلاف معدوم وغير موجود، فالمسألة متفق عليها، والعلماء في حكمهم بعدم الاعتداد بمخالفه لكونهم ممن لا يعتد برأيه في المسألة)).

قلنا: هذا آخر ما يلجؤون إليه عندما يعوزهم دليل يمكن الاعتداد به، وكلامهم تافه ومتهافت يدين من كتبه ولا يستحق مجرد النظر فيه ولا يجوز أن يصدر ممن يزعم أنه عالم بأصول الدين، بل هو كلام كائن إقصائي عدواني، وهذا الكلام لا يصلح بالطبع لإعطاء الحجية التي تجعل من المتكسبين بالدين ماكينات تعمل باستمرار لإنتاج أحكام دينية ملزمة للناس كافة.

قالوا: ((بهذا تتقرر حجية هذا الدليل كدليل من الأدلة المتفق عليها)).

لم تثبت أي حجية للقياس بل ثبت تهافت كل حججهم للأخذ به.

والخلاصة أن القياس هو آلية اجتهادية لا يوجد ما يعطيها الحجية أو المصداقية، فلا يجوز استعمالها لإحداث عناصر دينية، ولكن يمكن استعمالها لسنّ قوانين وضعية أو للحكم في القضايا الجزئية

1

bottom of page