top of page

نظرات في المذاهب

15

القول في موضوع الحيل

القول هنا خاص بالحيل التي يراد بها التملص من أمرٍ شرعي وجب القيام به، وليس بالحيل التي هي التدابير المشروعة التي يلجأ إليها الإنسان لتصريف أموره وقضاء حاجاته والتي هي مضادة في معناها للعجز

من يتصور بأنه يمكن أن يخادع ربه بالحيلة فهو ينطلق من تصور خاطئ عن ربه، فهو لا يعلم أنه يعلم ما يجول في أعماق نفسه، وهو يتصور أن الدين نظام شكلي لا جوهر له، وكل ذلك يمكن أن يودي به.

ويجب العلم بأن الله تعالى عندما قال لأيوب: 

{وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّاب} [ص:44] 

هو الذي دبر له الأمر ليحله من يمينه لعلمه بسمو نفسه ونبل مشاعره، ولذلك أثنى عليه في الآية، والناس لا تعلم يقينا تفاصيل القصة، ولله تعالى أن يفعل ما يشاء، ولكن ليس من حق أي امرئ أن يتخذ من ذلك ذريعة ليحتال هو على ربه، فقياسهم كان خاطئا خطأً فادحا!

أما مسألة يوسف مع أخيه واحتياله على إخوته ليبقيه معه فلا علاقة لها بالأحكام الشرعية، ولا يجوز أن تُتخذ أصلا للقول بشرعية الحيل، وكان الاحتيال فيها على إخوة يوسف الذين تآمروا من قبل لقتله ثم وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ.

أما الاحتيال فيما يسمونه بـ(فقه الحيل) فهو على الله تعالى نفسه للتملص من أوامره، فلا يحق لأحد أن يستند إليها للإعطاء أي شرعية أو مصداقية لهذا اللافقه.

ولم يرد هاهنا نص على حكم شرعي يلزم العمل به، ولقد كان يوسف قد أخبر أخاه بحقيقته من قبل، قال تعالى:

 {وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَاْ أَخُوكَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُون} [يوسف:69]

والأمر كان أيضًا بتدبير إلهي ليحقق لعبده ما أراده من استبقاء أخيه بعد أن دبر الأمر ليحضره من البدو، قال تعالى: 

{.... كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَن يَشَاء اللّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مِّن نَّشَاء وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيم} [يوسف:76]

*******

وفي الحقيقة هم مصرون دائما على اقتطاع العبارة من آيتها وسياقها في صالح التكثير من المصطلحات والتفريعات، فلفظ مطلقات مثلا يشمل أي نوعٍ خاص منهن ورد ذكره في القرءان، ويجب اعتبار كل هذه النصوص بمثابة نص واحد متكامل.

*******

العبادة بمعناها العام هي كل تفاصيل الطاعة لله، فهي امتثال أمره واجتناب نهيه، وكل ألوان العبادة ينتفع بها الإنسان وأسرته وقومه والناس أجمعين مع تفاوت كبير في مقادير النفع، والله تعالى غني عنها، ولكنه يريد الخير لعباده الذين خلقهم ذوي إرادة واختيار.

أما العبادة بمعناها الخاص فهي امتثال الأوامر الخاصة بالعلاقة بين العبد وربه، فهي سعي لأداء حق الرب على العبد، وباعتبارها خاصة من عامة، فليس الإنسان وحده هو الذي ينتفع بها بل ينتفع معه أسرته وقومه والناس أجمعين، وإن كان بطريقة خفية غير مباشرة.

ويتبقى من ألوان العبادة العامة العبادات التي ينتفع بها الآخرون انتفاعا مباشرا مثل الإحسان إلى الوالدين وإيتاء الزكاة والإنفاق في سبيل الله واحترام حقوق وكرامة الإنسان والعمل الصالح .... الخ

********

إن حالة وجود رسول يقود أمة خالصة من المؤمنين في حالة حرب مع الذين كفروا بهذه الرسالة وصمموا على إبادة المؤمنين هي حالة خاصة، انتهت، ولن تتكرر، وكان لها أحكامها الخاصة بها، هي الأحكام الخاصة بأقوام الرسل.

والذي حدث من بعد الرسول أن أكثر الناس نكثوا على أنفسهم، وانقلبوا على أعقابهم، وعادوا من بعده -رغم تحذيره لهم- كفارا وضرب بعضهم رقاب بعض، فتمزقت الأمة وتفرق الدين، وأفسدوا في الأرض وسفكوا الدماء وتورطوا في الفتن، وأبادوا خير أمة أُخرجت للناس، وهم الصفوة من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، فلم تعد توجد فرقة محسوبة على الإسلام الآن من حقها أن تدعي أنها على الدين الخالص، ولا يجوز الآن أن يدعي أحدهم لنفسه مكانة النبي الخاتم، ولا أن يطالبهم بما كان له على الناس من حقوق.

والموجود الآن هو الأوطان، والوطن، سواء أكان عريقا موغلا في القدم أم كان حديثا أسسته الإمبريالية الغربية، لم تنشأ حدوده السياسية الثابتة، إلا على أيدي الإمبريالية الغربية في القرن الماضي، هذا الوطن هو لمواطنيه الآن بيتهم الكبير، ولا ينتظر أن يتغير هذا الوضع في المستقبل القريب، وشياطين الغرب يحاولون استغلال عدوانية وهمجية الدين الأعرابي الأموي للقضاء على فكرة الوطن في الشرق الأوسط ليكون حقل تجارب يمكن منه استنتاج ما سيحدث على مستوى العالم لو تحطمت هذه الفكرة بكل أدبياتها وتقاليدها، هذا بالإضافة إلى الأسباب الأخرى.

1

bottom of page