top of page

القراءة الأوْلى

مقدمة القراءة الأوْلى للكلمات الفرشية

مقدمة القراءة الأوْلى للكلمات الفرشية


المقصد من هذا الكتاب حسم أمر الكلمات الفرشية، وهي الكلمات المختلف فيها بين القراءات المختلفة، ويقولون بأنه لا توجد قواعد مطردة للتعامل معها.

والحسم يتم بالتوصل إلى القراءة الأوْلى لهذه الكلمات من بين ما هو متوفر من القراءات، وليس بإحداث قراءات جديدة.

ويجب الإيمان والتسليم بأن الكتاب المنزل من عند الله هو كتاب واحد، وليس مصاحف متعددة، وأنه منزل وميسر بلسان النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ، وليس بلغات العرب المتعددة.

وقد يكون لنفس الكلمة قراءة واحدة أخرى، على الأكثر، ولكن هذه القراءة إنما تضيف إفادة جديدة ذات صلة بالأحرف القرءانية الحقيقية، وليس بلغات الأعراب، أما القراءات الأخرى فإنما هي من باب التفسير للكلمة القرءانية.

وليس المقصود شقّ الشعرة وإغراق السمكة دفاعًا عن أي قراءة نسبوها إلى أحد القراء، أو تعقب وتفنيد هذه القراءة، وإنما استخلاص القراءة الأوْلى من بين كل القراءات، هذه القراءة الأوْلى هي القراءة القرءانية، وهي ليست بمختلقة، بل هي أفضل قراءة ثابتة، وليس فيها أي شيء من إشكالات القراءات الأخرى.

ولا يتضمن ذلك أي تشكيك في شيء، وإنما الذي يثير الشك والريبة هو وجود آلاف القراءات المختلفة لكلمات القرءان، خاصة وأن أكثر الاختلافات إنما ترجع إلى اختلاف لغات العرب والأعراب، كما أن كل القراءات لم تؤد إلى أي تضاد أو تناقض في معاني العبارات، وإنما كلها متسقة ومتوافقة، Ils sont tous cohérents et compatibles ، They are all consistent and compatible.

ومن أسباب تعدد القراءات أن القارئ قد يكون ما كتبه تفسيرا لما يعرفه، أو أن يكون قد عبر عما كان يحفظه، هو أو أحد تلامذته، بأقرب الألفاظ إلى ما كان يحفظه.

ويجب العلم بأن الذكر محفوظ بطرق القراءة الممكنة لكل كلمة، وأنه قد يكون للكلمة قراءتان، يمكن أن يتضمن كلٌّ منها إفادة وإثراءً للمعنى، وما كان كذلك هو من مقتضيات إنزال القرءان على سبعة أحرف، وهي لا علاقة لها بلغات أو لهجات القبائل العربية.

أما الاختلافات الناتجة عن لغات القبائل العربية فلا إلزام فيها، فكل ما ثبت أنه نتيجة لغة عربية، غير لغة قريش، لا إلزام فيه، وما كان بلغة قريش هو أوْلى.

ويجب العلم بأن العربية الشائعة، والقواعد اللغوية، المستنبط أكثرها من الشعر الجاهلي، قد تختلف عن قواعد اللسان العربي المبين، لذلك لزم العمل على استنباط هذه القواعد مما لا خلاف عليه من أحرف القرءان، ولذلك كان من مسلمات دين الحقّ أن القرءان هو المصدر والمرجع الرئيس لعلوم اللسان العربي.

ولا توجد أي اختلافات خطيرة في الكلمات الفرشية بين القراءات المختلفة، فلا توجد قراءتان متناقضتان.

كما أن شرط موافقة العربية إنما هو لما لم يتواتر من الكلمات، وهو لا يؤدي إلى أي دوْر أو استدلال دائري، فعدد كلمات القرءان هو حوالي 77437، الكلمات التي لا خلاف عليها من حيث الفرش تشكل أكثر من 90% من عدد هذه الكلمات، وهي كافية تمامًا لاستخلاص كل أسس اللسان العربي القرءاني، وما لم تتعرض له ليس بشيء، فهذه الأسس هي التي يجب أن تُستعمل لحسم أمر ما أُشكل أو تشابه عليهم، وقد ثبت أن القرءان لا يعبأ ببعض عناصر النحو المشتق من الشعر الجاهلي المشكوك في أمر الكثير منه.

كما يجب العلم بأن الترخيص للقبائل بأن تقرأ القرءان بلغاتها لا يعني أبدًا أنه نزل من المصاحف ما هو بعدد القبائل العربية الرئيسة، ولا أن لسان القرءان هو مزيج من لغات القبائل الرئيسة، ولا أن المسلمين ملزمون بمعرفة كل ما نتج عن ذلك من قراءات وأوجه للقراءة تخطى عددها المئات.

والكتاب يبين أنه لا توجد أي اختلافات خطيرة في الكلمات الفرشية بين القراءات المختلفة، فلا توجد قراءتان متناقضتان.

وما هو ثابت ومعترف به أن كل قراءة من قراءات القراء المشهورين مركبة من عدّة روايات، وهذا لا يعني أي اضطراب في المتن، فهامش الاختلاف محدود، وذلك لتقييده بأمور ثابتة، ومنها الرسم وقواعد اللغة العربية والنقل.

ولا يتوفر التقييد بالرسم مثلا في المرويات.

والذين لن يجدوا في القرءان اخْتِلَافًا كَثِيرًا هم من يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءان، التدبر النوراني الإيماني الحقاني، ولذلك فيجب مثل هذا التدبر النوراني الإيماني للقرءان، والنظر في القرءان بالقرءان.

أما ما لدى الناس الآن فيوجد فيه اختلاف، هو من الناحية العددية والكمية كثير، أما من الناحية المعنوية الحقيقية فهو قليل، ووجوده أمر بديهي، لا يزعج من هو على بصيرة من أمره، وعلى علم بحقائق الأمور.

واستخلاص القراءة الأوْلى هو في الحقيقة استخلاص للقرءان المنزل من بين أكثر من ألف طريقة ووجه لقراءة القرءان.

والاختيار الآن لا يمكن أن يكون اجتهادا في إحداث أو وضع قراءة جديدة تحت أي ذريعة، ومن الذرائع المزعومة القول مثلا بأنه حدثت أخطاء عند التنقيط.

ولكنه اختيار من بين ما هو متوفر من القراءات التي اختلفوا فيها، فقط لا غير، وما يتمخض عنه هو علم تراكمي، قابل للبناء عليه واستكماله.

ولقد أكَّد الله تعالى على أهمية قراءة ما تيسر من القرءان وخاصة عند قيام الليل، ثم في كل الأوقات، هذه القراءة هي أمرٌ قرءاني كبير ملزم لكل مسلم، وهو أكبر من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والإنفاق في سبيل الله، وقراءة ما تيسر من القرءان متعلقة بمقدار ما يستطيع المسلم أن يقرأه طبقًا للوقت المتاح ولإمكاناته، والقراءة تكون بالتدبر والتفكر والفقه والتلاوة والترتيل، وليس بمجرد تحويل الشكل المرسوم إلى صوت مسموع، فما تيسر يتضمن ما هو في وسع الإنسان من قدرة على النظر والتدبر والتفكر والفقه.

وليس ما تيسر هو أن يقرأه بما يحلو له من لغات القبائل العربية، والتي ألقت بطابعها على القراءات الشائعة.

فالذي أوحاه الله إلى رسوله، وهو واحد، هو قرءان واحد.

والخلاصة أن المقصد أن يكون لدى كل مسلم قرءان واحد، به القراءة الأولى فيما اختلفوا فيه يمكنه أن يقبل على قراءته بتدبر وتفكر، كما يمكنه أن يقوم بالأوامر الدينية الكبرى الخاصة بكتاب الله.

وليس مطلوبًا من المسلم أن يقرأ القرءان كله على وتيرة واحدة، مثلما هو الحال فيما يسمونه بقراءة الترتيل أو قراءة التجويد، هذا هو عمل القراء المحترفين، أو يمكن أن يُستعمل لأغراض التعليم، وإنما المطلوب أن تعبر القراءة عن مشاعر المسلم الصادقة الناتجة عما يقرأ، فيجب التفاعل البناء والحيّ مع القرءان، وإقامة صلة وثيقة به، ودعمها وترسيخها.

*******

1

bottom of page