نظرات في المذاهب
24
من قولنا في الدلالات
ما يسمونه بالدلالة يجب أن يكون مفهوم أو معنى الجملة القرءانية، أي العبارة القرءانية الكاملة، وهذا المعنى يجب التوصل إليه بالنظر إلى العبارة الخاصة في سياقها الخاص، وهو الآية القرءانية كاملة، وفي سياقها الأوسط وهو مجموعة العبارات المحيطة بها، وفي سياقها المعنوي، وهو كل الآيات التي تذكر شيئا عن المسألة التي هي محل النظر وقيد البحث، وفي سياقها القرءاني العام.
وبذلك يتضح أن ما يسمونه بدلالة الاقتضاء لا يجوز أن تدرج كدلالة مستقلة، فاللفظ المقتضى تقديره في العبارة هو خطوة أولى لازمة يمكن بعدها تصنيف الدلالة لتكون واحدة من الدلالات الثلاث المتبقية، وهذا اللفظ يمكن التوصل إليه بشيء من التدبر وفق المنهج القرءاني، والقرءان يخاطب قومًا يفقهون ويعقلون بصفة عامة، ويفقهون اللسان العربي بصفة خاصة، فتحريم لحم الخنزير يعني تحريم أكل لحم الخنزير دون الحاجة إلى كتابة كلمة "أكل" صراحة.
وبذلك فإن التصنيف هو من حيث نوعية معنى العبارة ككل، وليس من حيث معنى الألفاظ المفردة فقط، فإذا كان قد أمكن تقسيم الألفاظ من حيث المعنى إلى ظاهر ومحكم، أو إلى اسم لغوي واسم شرعي فإن دلالات العبارات تصنف من حيث المعنى إلى:
1. المعنى أو المفهوم الأولي، وهو الدلالة الظاهرة للعبارة، أو منطوق العبارة، وهو المعنى الذي يتبادر إلى الذهن بمجرد سماع العبارة والمعتمد على إدراك معاني ألفاظها وأسلوبها في إطار الخبرة بالقرءان واللسان العربي.
2. المعنى أو المفهوم التالي أو الثانوي، وهو دلالة الدلالة، وهو ما تدل عليه الدلالة الظاهرة، فهو المعنى المترتب على فقه الدلالة الظاهرة، وهو فحوى ومفهوم العبارة، ويمكن أن يتعدد.
3. إشارة النصّ، وهو المعنى الذي تشير إليه العبارة ودلالاتها من حيث أنه من لوازمها ولوازم مفاهيمها، وهذه الإشارة من الأمور المفتوحة، بمعنى أنها قابلة للاتساع برقي الإنسان في ذاته وباطراد التقدم ماديا ومعنويا.
4. مقتضى العبارة، وهو كل ما تقتضيه العبارة من الكيان المسلم، فهي تقتضي بالضرورة أن يعلم شيئا أو أشياء، وأن يفعل شيئا أو أشياء، والفعل هو الفعل بمفهومه العام، فالإيمان مثلا فعل، والصيام فعل، وإقامة الصلاة فعل ... الخ.
1