top of page

نظرات ونظريات في اللغة العربية

الڤِرْب (مقدمة)

الڤِرْب اصطلاح يعبر عن كل كلمة تتضمن في بنيتها واستعمالها زمنا، فهو بذلك يتضمن الكلمات المعبرة عن كل ما يصدر عن الكائن من أفعال فيزيائية أو فيسيولوجية أو نفسية أو قلبية أو أحاسيس أو مشاعر، كما يتضمن الكلمات التي تُطلق على الحالات والأفكار والعواطف والأحاسيس والانفغالات وحالات الوجود وعلى عمليات الاتسام أو الاتصاف، كما يليق بحقيقة الكائن، وكذلك يتضمن ما يسمونه بالأفعال الناسخة أو الناقصة.

وقد اخترنا مصطلح الڤِرْب بدلا من مصطلح الفعل لأن الفعل "فعَل، يفعَل" هو نفسه أحد عناصر الڤِرْب، فالفعل هو ما يُقابل الكلمة الإنجليزية To do، والتي لها معناها الخاص، فضلًا عن كونها فعلٍا مساعدا، فالفعل هو ڤِرْب من الڤِرْبات.

والمشكلة أنهم من بعد أن اختاروا كلمة الفعل الخاصة لتمثل كل الأفعال الأخرى فإنهم اضطروا لاستعمال كلمة "الحدث" ليعبروا عن معنى الفعل وتعريفه وتعريف اسمه! فسيعرفون الفعل على أنه ما دلّ على حدث وزمن! وسيسمون اسم الفعل باسم الحدث.

والمشكلة أن "الحدث" هو نفسه فعل من الأفعال، وهو لا يمكن أن يعبر عن كل أنواع الفعل، فهو لا يعبر عن أفعال الاتسام ولا عن النواسخ مثلا.

فتعريفهم للفعل خاطئ بالضرورة ويتضمن دورًا، كما أن كلمة "حدث" لا تشمل كل أنواع الأفعال، ومما هو خارج نطاقها من الأقسام الكبيرة أفعال الاتسام (الاتصاف)، ولا يمكن تعريف العام المجهول بالخاص المجهول.

وهكذا يمكن بصفة مبدئية تعريف الڤِرْب على أنه فعلٌ بالمفهوم العام مقترن بزمن، والحدث هو فعلٌ خاص من هذه الأفعال، ومن هذه الأفعال مجموعات يمكن أن ينطبق عليها اسم الحدث، ومنها أفعال الحركة بمفهومها العام، أي الأفعال الفيزيائية شديدة الاعتماد على الزمن، ومنها أفعال اتصاف واتسام أقل اعتمادا على الزمن.

والفرق بين الڤِرْب وبين الفعل أن الفعل هو حالة خاصة منه، فهو يشمل كل ڤِرْب يمكن لكلمة "فعل" أن تحل محله بمثل ما يفعل الڤِرْب الإنجليزي To do، فهو ما دلّ على فعلٍ وزمن، والفعل قد يكون فعل نشاط أو إجراء Action، وقد يعبر عن عملٍ قلبي، ذهني أو وجداني.

أما الڤِرْب فيزيد على ذلك أنه يعبر عن حالة A stateأو عن اتسامٍ بسمة، فهو بذلك يشمل مجموعة كبيرة مما يُسمَّى بالأفعال اللازمة التي لا تعبر إلا عن محض اتسام (اتصاف)، والكثير من هذه الأفعال يأتي على الوزن "فَعُل".

والڤِرْب هو المسنَد الذي يتضمن في بنيته زمنًا بطريقة صورية، بعكس الاسم الذي لا يتضمن زمنًا في بنيته.

*****

إن كلمة فعل في التقسيم الثلاثي (اسم، فعل، حرف) طبقًا لتعريفهم للفعل لا تنطبق على قسم كبير من الكلمات، مثل النواسخ، ولذلك يسمونها بالاسم الخاطئ (الأفعال الناقصة)، كما يسمون بعضها بالأفعال الجامدة، وهذا هو دأبهم عندما يجدون ما لا يدخل تحت تعريفاتهم ومصطلحاتهم.

فهذه النواسخ والنواقص بكافة أنواعها لا تدخل تحت تعريف الفعل، وما يناظرها مناظرة دقيقة في الإنجليزية لا يمكن أن يحل محله Verb to do.

وبالأحرى فإن ما يسمونه بالأفعال غير تامة التصرف، ومنها الجوامد، لا تدخل تحت تعريف الفعل.

ومن العجيب أن يكون تعريف الفعل عندهم حدث مقترن بزمن ثم يجعلون النواسخ أفعالا!

فمن مجموعات الكلمات التي لا تدخل تحت تعريفهم للفعل:

كان وأخواتها، وظنّ وأخواتها، وأفعال المقاربة، والرجاء، والشروع، وهي كاد وأخواتها.

ومجموعة "وظنّ وأخواتها" التي تنقسم من حيث معناها إلىأفعال القلوب (أفعال الرجحان أفعال اليقين)، وأفعال التحويل والتصيير.

هذه الأفعال هي من الڤِرْبات، وليست من الأفعال.

*****

والفعل من حيث البنية، أو المبنى، ماض ومضارع وأمر، فهذه الأقسام الثلاثة تختلف من حيث المبنى، وهي فوق ذلك تختلف من حيث الدلالة الزمنية أيضًا، فمن حيث المبنى فلكل منها صيغته الخاصة ما بين مجردة أو مزيدة، كما أن لكل واحد منها يمتاز بسمات خاصة.

وأما من حيث المعنى فإن هذه الأفعال الثلاثة تختلف في دلالتها بصيغها على الزمن، فإذا كان الفعل الثلاثي، مثلا، على صيغة "فعل" فالزمن هو الماضي، وإذا كان على صيغة "يفعل" أو "اِفْعل" ونحوهما، فالزمن هو الحال أو الاستقبال.

هذا الزمن البنيوي ليس حقيقيا واقعيا، أما الزمن الحقيقي الواقعي فإنما يحدده السياق، لذلك قد يُسمَّى أيضًا بالزمن السياقي، وأنواع الزمن السياقي أكثر بكثير من الأزمنة التي تقدمها البنية.

وقد يجرد السياق الفعلَ من الدلالة الزمنية، ويجعله دالًّا على أمور أخرى غير الزمن.

فالقول بأن الڤِرْب هو اقتران فعل بزمن هو على المستوى الصرفي، أي من حيث البنية، أي من حيث المبنى، أما من حيث المعنى في السياق فقد يعبر عن زمنٍ آخر، بل قد لا يكون له أي دلالة زمنية.

فالقسم المسمى بالڤِرْب أوسع بكثير من المقصود بالفعل أو بالحدث عند اللغويين.

ويجب العلم بأن كلمة "فعْل" في ذاتها هي مفهوم أولي لا يمكن التعبير عنه بعبارة تخلو من دور، فهو لا يُدرك إلا بأن يكون مسبوقًا بخبرة أو ذوق، وكذلك الأمر بالنسبة لكل الأفعال، والمعنى المحض للفعل يشير إليه اسم الفعل، وهو من الأسماء المعنوية.

*******

1

bottom of page