top of page

نظرات في المذاهب

بطلان عقيدة البداء الشيعية 4

بطلان عقيدة البداء الشيعية 4


البداء: معناه الظهور بعد الخفاء، قال تعالى:

{وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (47) وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (48)} الزمر

فلقد كان خافيًا عنهم ما أعده الله لهم، كما كان خافيًا عنهم سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا، فظهر لهم كل ذلك.

والبداء يعني أيضًا: حدوث رأي جديد لم يكن من قبل، قال تعالى: {ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِين} [يوسف:35].

فهذا الرأي حدث منهم بالطبع بعد دراسة الموقف دراسة جيدة وحساب كافة ردود الأفعال، فهو ناتج عن نشاط بشري وزيادة علم بالأمر، والإحاطة به من كافة جوانبه، وذلك لا محالة مسبوق بنقص كل ذلك.

وكل معاني البداء الأخرى تدور حول تجدد الرأي أو القول بناءً على أمرٍ آخر، قد يكون معلومًا، وقد يكون مجهولا.

فالذين بدا لهم في القرءان هم الناس، وذلك لنقصٍ فيهم تمثل في أعمال غير صالحة، فكل معاني البداء تشير إلى حدوث أمرٍ أو انكشاف أمر بعد حدوث علم أو مداولة أو تشاور.

وكل هذه المعاني لا يجوز أن تُنسب إلى الله تعالى، وذلك لكماله الذاتي المطلق، وما هو لازم ذلك من كمال سمة العلم وتنزهه عن التغير، فالله تعالى منزه عن أن تبدو له البداءات في أي شيء، خاصة وأنه خالق كل شيء.

ولم يرد في القرءان أبدًا نسبة البداء إلى الله تعالى.

أما الشيعة فقد قالوا بالبداء، وغلوا فيه إلى حد أنهم يعتبرونه من لوازم الإيمان.

ولا شك أنهم اختلفوا في معنى هذا البداء:

فمنهم من أخذ بالمعنى المعلوم، وقال: إن الله تبدو له البداوات، وإنه يريد أن يفعل الشيء في وقت من الأوقات، ثم لا يحدثه بسبب ما يحدث له من البداء، وجعلوا النسخ من هذا الباب.

وفرقة أخرى قالت: إذا اطلع الناس على الأمر فلا يجوز فيه البداء، أما ما لم يطلعوا عليه -بل لا يزال في علم الله- فجائز عليه البداء فيه!!!

وقد نسبوا إلى أئمتهم وعلمائهم أقوالا تعلى من شأن البداء، وتبين مكانته في مذهبهم، منها:

"ما عبد الله بشيءٍ مثل البداء".

وهذا قول باطل، فالقرءان، وهو المصدر الأوحد لأمور الدين الكبرى، لم ينص على ذلك، والأمور الدينية الكبرى، ومنها العبادات الكبرى، مذكورة بالنصّ في القرءان الكريم، وليس فيها البداء.

ومن أقوالهم الأخرى:

"ما عُظِّم الله بمثل البداء"، "لو علم الناس ما في القول بالبداء من الأجر ما فتروا عن الكلام فيه"، "ما تنبأ نبي قط حتى يقر لله بخمس: بالبداء والمشيئة والسجود والعبودية والطاعة".

ولا يوجد في القرءان أي دليل على ذلك، وهناك أمور أخرى ملزمة للنبيين ذكرها القرءان الكريم.

ومن أقوالهم الأخرى:

"ما بعث الله نبيا إلا بتحريم الخمر، وأن يقر لله بالبداء".

ولا يوجد أي دليل قرءاني على ذلك، ولقد بُعث النبيون، وعلى رأسهم خاتمهم، بأمور كبرى أخطر بكثير من هاذين الأمرين.

ومن مروياتهم التي تبين المقصود بالبداء ما نقله الكليني عن أبي حمزة الثمالي قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: يا ثابت، إن الله وقَّت هذا الأمر - أي خروج المهدي - في السبعين، فلما قُتل الحسين صلوات الله عليه اشتد غضب الله تعالى على أهل الأرض فأخّره إلى أربعين ومائة، فحدثناكم فأذعتم الحديث، فكشفتم قناع الستر ولم يجعل الله له بعد ذلك وقتا عندنا، {يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَاب} [الرعد:39].

قال أبو حمزة: فحدثت بذلك أبا عبد الله عليه السلام فقال: قد كان ذلك، (الكافي).

فهذا هو البداء، وهذا هو معناه الحقيقي، فهم يجعلون الله تعالى يغير كلمته وقوله وتقديره عدة مرات، وهم يتحدثون وكأنه ظهر له سبحانه ما لم يكن قد قدره وعلمه، ويجعلون التقديرات الإلهية متغيرا معتمدا Dependent variable على أعمال الناس.

وقالوا لبيان وشرح ذلك: "إنه لا يمتنع أن يكون الله تعالى قد وقّت هذا الأمر في الأوقات التي ذكرت، فلما تجدّد ما تجدّد تغيرت المصلحة واقتضت تأخيره إلى وقت آخر، وكذلك فيما بعد ويكون الوقت الأول، وكل وقت لا يجوز أن يؤخر مشروطا بألا يتجدد ما تقتضي المصلحة تأخيره إلى أن يجيء الوقت الذي لا يغيره شيء فيكون محتومًا".

ومهما حاولوا، فهذا القول منهم يتضمن الزعم بأنه قد ظهر له سبحانه ما لم يكن علمه أو قدره، كما أنهم يجعلونه وكأن متفرغ لحساب احتمالات تصرف البشر ووضع البدائل المتعددة.

وقد زعموا أن المختار الثقفي تنبأ لجيشه بالانتصار على مصعب بن الزبير، فلما هُزِم راجعوه فقال لهم: إن الله تعالى كان قد وعدني بذلك، لكنه بدا له، وتلا عليهم: {يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَاب}.

وزعموا أنه كان يقول عندما لا يتحقق ما تنبأ به: "إذا جاز النسخ في الأحكام جاز البداء في الأخبار".

وبغض النظر عن مدى صحة القصة إلا إنها تبين أن معنى البداء كان معلوما، وأن هذا هو تفسيرهم للآية، وهذا ما يتمسكون به بالفعل، وهذه هي الآية التي يحتجون بها.

ومن الواضح أن معنى البداء عندهم بالنسبة للأخبار كمعنى النسخ للأحكام، ونسخ الحكم يبطله بحكمٍ آخر، كذلك نسخ الخبر يبطله بخبر آخر، وهذا هو البداء.

ولكن نسخ الحكم قد يكون من شريعة إلى شريعة لاختلاف الناس ولتطور البشرية، أما نسخ الخبر فهو يعني لا محالة أن الخبر الأول كان كاذبا أو باطلا، والقائلون بالنسخ والتبديل لم يجعلوا مجالهما الخبر، وإنما الحكم.

فالقول بالبداء يتضمن لا محالة طعنًا في كمال العلم الإلهي والإحاطة الإلهية.

*******

يقول الشيعة:

مجمل القول في البداء:

"ومُجْمَل القول في البَدَاء إن الله تعالى عالم بكل شيء ما كان وما هو كائن وما سيكون وإن علمه غير حادث ولا يتجدد، لكنه سبحانه وتعالى علّق أمورا على بعضها بحيث إذا أتى الإنسان بها تغيرت الأمور بالنسبة إليه وظهرت له، أي للإنسان، بصورة لم يكن يتوقعها وعلى هذا الأساس تؤول الأحاديث التي تشير إلى البداء."

ويقولون: "والبداء إنما يكون في القضاء الموقوف، المعبّر عنه بلوح المحو والإثبات، والالتزام بجواز البداء فيه لا يستلزم نسبة الجهل إلى الله سبحانه، وليس في هذا الالتزام ما ينافي عظمته وجلاله.

فالقول بالبداء هو الاعتراف الصريح بأن العالَم تحت سلطان الله وقدرته في حدوثه وبقائه، وإن إرادة الله نافذة في الأشياء أزلا وأبدًا.

بل وفي القول بالبَدَاء يتضح الفارق بين العلم الإلهي وبين علم المخلوقين، فعلم المخلوقين، وإن كانوا أنبياء أو أوصياء، لا يحيط بما أحاط به علمه تعالى، فإن بعضا منهم وإن كان عالما، بتعليم الله إيّاه، بجميع عوالم الممكنات لا يحيط بما أحاط به علم الله المخزون الذي استأثر به لنفسه، فانه لا يعلم بمشيئة الله تعالى، لوجود شيء، أو عدم مشيئته إلا حيث يخبره الله تعالى به على نحو الحتم.

والقول بالبداء يوجب انقطاع العبد إلى الله وطلبه إجابة دعائه منه، وكفاية مهماته، وتوفيقه للطاعة، وإبعاده عن المعصية.

فان إنكار البَدَاء والالتزام بأنّ ما جرى به قلم التقدير كائن لا محالة، دون استثناء، يلزمه يأس المعتقد بهذه العقيدة عن إجابة دعائه، فإن ما يطلبه العبد من ربّه إن كان قد جرى قلم التقدير بإنفاذه فهو كائن لا محالة، ولا حاجة إلى الدعاء والتوسل، وإن كان قد جرى القلم بخلافه لم يقع أبدا، ولم ينفعه الدعاء ولا التضرّع، وإذا يئس العبد من إجابة دعائه ترك التضرع لخالقه، حيث لا فائدة في ذلك.

وكذلك الحال في سائر العبادات والصدقات التي ورد عن المعصومين (عليهم السَّلام) أنها تزيد في العمر أو في الرزق، أو غير ذلك مما يطلبه العبد.

وهذا هو سر ما ورد في روايات كثيرة عن أهل البيت (عليهم السَّلام) من الاهتمام بشأن البداء.

فقد رَوى الصدوق في كتاب " التوحيد ": " ما عُبد الله عَزَّ وجَلَّ بشيءٍ مثل البداء ".

ورَوى بأسناده عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) قال: " ما بعث الله عَزَّ وجَلَّ نبيا حتى يأخذ عليه ثلاث خصال: الإقرار بالعبودية، وخلع الأنداد، وإن الله يُقدّم ما يشاء و يؤخّر ما يشاء " .

والسر في هذا الاهتمام أن إنكار البداء يشترك بالنتيجة مع القول بأن الله غير قادر على أن يغيّر ما جرى عليه قلم التقدير، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرا.

وبالتالي فإن للاعتقاد بالبداء أثرا تربويا لأن الإنسان العاصي مدةً من العمر إذا ظن أو اعتقد أن العصيان والشقاء قدره المقدَّر عليه من جانب الله وأنه لا يمكنه تغييره من سيء إلى حسن، أو من حسن إلى أحسن، لتَمادى في غيِّه وعصيانه وفي تمرُّده وطغيانه، ولم يحاول تحسين أعماله و تصرفاته، على العكس من الشخص الذي اعتقد بأنه لو غيَّر سلوكه غيَّر الله له مصيره وأنه عَزَّ و جَلَّ قادر على ذلك، فإن مثل هذا الإنسان سيحاول تغيير حالته و سلوكه ليحصل على مصير جيِّد".

https://www.islam4u.com/ar/almojib/%D9%85%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%82%D8%B5%D9%88%D8%AF-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D8%A1-%D8%8C-%D9%88-%D9%85%D8%A7-%D8%B1%D8%A3%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%8A%D8%B9%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%85%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A%D9%87-%D8%9F

الردّ

باختصار لا علاقة لكلمة "البداء" المسكينة بكل هذه المعاني المهولة، وليس من حق أحد أن يعطي لكلمة تكون متشابهة مبهمة ملتبسة Ambiguousإذا ما نُسبت إلى الله كل هذه المعاني لتمرير ما يشاؤون، أو لمعالجة مشكلة لديهم.

وقولهم: "إن إنكار البداء يشترك بالنتيجة مع القول بأن الله غير قادر على أن يغيّر ما جرى عليه قلم التقدير" هو تعسف غير مقبول، وهو عند التمحيص وإعطاء الأمور معانيها الحقيقية متهافت، ومن السهل الردّ عليه بمجرد القول بأن الله على كل شيء قدير، والشيء هو الذي تعين وفق سننه هو التي هي مقتضيات أسمائه هو التي هي لوازم ذاته هو، فلا يمكن أن يتناقض مع ما قدره.

والله تعالى يختار من كل التقديرات التي تتعين بسبب فعل إنساني ما يحققه أو يخلقه، فهذا أمره وشأنه، فالاختيار هو فعلٌ إلهي ثابت، ولا علاقة له بالبداء، وكان من الأولى أن ينسبوا إلى الله تعالى ما نسبه إلى نفسه من أفعال في كتابه بدلا من استعمال كلمات موهمة مشكلة لم ترد منسوبة إليه في القرءان، فالفعل "بدا" لم يرد إلا خاصًّا بالمخلوقات.

ويقولون: "لكنه سبحانه وتعالى علّق أمورا على بعضها بحيث إذا أتى الإنسان بها تغيرت الأمور بالنسبة إليه وظهرت له، أي للإنسان، بصورة لم يكن يتوقعها".

الردّ

وما علاقة ذلك بمفهوم البداء الذي ينسبونه إلى الله تعالى؟ أما كل أمور الإنسان فهي محكومة بسنن إلهية كونية لا تبديل لها ولا تحويل، ومصيره والكثير مما يحدث له في الدنيا مترتب على أفعاله الاختيارية.

وتعليق أمرٍ بأمر هو كما يلي على سبيل المثال:

إذا فعل الإنسان س سيترتب على ذلك ص

أما إذا فعل ع سيترتب على ذلك غ.

وكما هو واضح، هذا أمرٌ محكوم بالسنن الكونية التي قدرها واقتضاها الله تعالى، فهو الأعلم بكل ما يمكن أن يصدر عن الإنسان كاستجابة لفعل أو أمر معين، وهو أيضًا الأعلم بما سيصدر عنه بالفعل، فلا مفاجآت بالنسبة له، وإنما يمكن أن تحدث المفاجآت للملائكة الموكلة بالإنسان أو للناس أو حتى للإنسان نفسه.

ويقولون: "والبداء إنما يكون في القضاء الموقوف، المعبّر عنه بلوح المحو والإثبات، والالتزام بجواز البداء فيه لا يستلزم نسبة الجهل إلى الله سبحانه، وليس في هذا الالتزام ما ينافي عظمته وجلاله، والقول بالبداء يوجب انقطاع العبد إلى الله وطلبه إجابة دعائه منه، وكفاية مهماته، وتوفيقه للطاعة، وإبعاده عن المعصية، فإن إنكار البَدَاء والالتزام بأنّ ما جرى به قلم التقدير كائن لا محالة، دون استثناء، يلزمه يأس المعتقد بهذه العقيدة عن إجابة دعائه، فإن ما يطلبه العبد من ربّه إن كان قد جرى قلم التقدير بإنفاذه فهو كائن لا محالة، ولا حاجة إلى الدعاء والتوسل، وإن كان قد جرى القلم بخلافه لم يقع أبدا، ولم ينفعه الدعاء ولا التضرّع، وإذا يئس العبد من إجابة دعائه ترك التضرع لخالقه ، حيث لا فائدة في ذلك".

الردّ

القضاء المنسوب إلى الله تعالى لا يكون موقوفًا، بل هو واجب النفاذ، ما قضاه الله لابد من تحققه ونفاذه، قال تعالى: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُون} [البقرة:117]، {قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاء إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُون} [آل عمران:47].

ووجود ما يُسمَّى بألواح المحو والإثبات يحتاج هو نفسه إلى نصٍّ صريح، أما الثابت فهو أن الله تعالى يمحو ما يشاء ويثبت، فالمحو والإثبات فعلان إلهيان، فهو سبحانه يمحو مثلا آية الليل، ويجعل آية النهار مبصرة، ويمحو آثار الذنوب، ولكنه لا يمحو سمة من سماته هو ولا تقديرا من تقديراته.

فمن الأولى نسبة هذين الفعلين إلى الله، وليس الفعل الذي لم يرد.

ومن الأمور الثابتة أنه رتب بعض الأمور على أفعال البشر، واقتضى لذلك وقدَّر سننًا ثابتة، فرتب الجزاء على الفعل الاختياري، وهذه سنن إلهية لا علاقة لها بالبداء، وليس من حقّ أحد أن يضع على سنة إلهية عنوانا من عنده ليلزم الناس به.

والإنسان عندما يدعو ربه فهو لا يعمل بمقتضى عقيدة البداء، بل بمقتضى علمه بأسماء إلهية ثابتة منها: "المجيب، القريب المجيب، السميع"، وبمقتضى الأمر الإلهي: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِين} [غافر:60]

والله تعالى يستجيب له بمقتضى أسمائه ولصدق قوله وحقانيته، وليس لأنه يتصف بالبداء.

والاستجابة قد تتضمن تحقيق عين ما طلبه الإنسان إذا اتسق ذلك مع السنن الإلهية الكونية، وقد جعله الله تعالى سببًا لتغيير حالة الإنسان، مثل سعيه لطلب الرزق مثلا، وحتى إن لم يتحقق عين ما طلبه الإنسان فسيكون للدعاء أثره الطيب للإنسان في أمور أخرى، فللدعاء جدواه في كل حال، ويكفي أن الله تعالى قد تعهد بالاستجابة لمن يدعوه.

وكل طوائف المسلمين مجمعون على جدوى الدعاء فهذا أمرٌ لم ينفرد به أحد، ولم يحدثه في الدين أحد.

ويقول بعض الشيعة بعد ذلك: كيف تنكر جدوى الدعاء؟؟!!! أنت جبري، أنت سلفي!!!! أنت تريد أن تشكك الشيعة في عقيدتهم!!!!!

وبالطبع لا علاقة بين تنزيه الله تعالى عن البداء وبين إنكار جدوى الدعاء، مثلما أنه لا علاقة بين البداء وبين إحياء الأرض بالماء.

ومن أقوال أئمة الشيعة الباطلة التي ما أنزل الله بها من سلطان:

"ما عُظِّم الله بمثل البداء"! "لو علم الناس ما في القول بالبداء من الأجر ما فتروا عن الكلام فيه"، "ما بعث الله نبيا إلا بتحريم الخمر أولا، وأن يقر لله بالبداء ثانيا"

ابحثوا عنها في مراجعكم، ولا تبادروا بإنكار وجودها!

*******

يقولون: "إن من لا يؤمن بالبداء يعتقد أن ما كتبه على البشر لا يستطيع تغييره"

ويقولون: "إنه يكتب على الناس أشياء، والبداء يعني أنه يغير ما كتبه لأن يده غير مغلولة"

نقول: مثل هذا الكلام مبني على جهلٍ بمعنى الكتابة عندما تُنسب إلى الله تعالى، وعلى تفسير خاطئ للقدرة الإلهية، وهو يتضمن محاولة فرض قول خاطئ بالاسترهاب، وذلك في قولهم: "والبداء يعني أنه يغير ما كتبه لأن يده غير مغلولة"!!!!!!

الكتابة هي فعلٌ إلهي ثابت، والاسم "الكاتب" هو من الأسماء الحسنى المفردة، والكتابة هي التدوين أو التسجيل أو الإثبات أو الفرض أو الحفظ أو العزم أو التقدير أو الإيجاب، وكل أمر اجتمعت أسباب تحققه وارتفعت موانع ذلك يكون قد تم كتابته وإيجابه، فالكتابة تقتضي اجتماع أمور شتى لتقرير أمرٍ أو حكم أو تعيينه أو تقدير قانون بهدف إنفاذه، وآثار أفعال الإنسان العائدة عليه إذا ما تأكدت وثبتت ورسخت بتكرار تلك الأفعال يقال إنها كتبت.

والكتابة المنسوبة إلى الله سبحانه هي فعل إلهي يعبر عن مقتضيات القوانين والسنن الإلهية في كون من الأكوان، وهو بالنسبة إليه منزه عن التقيد بالزمان، لذلك فإنه سبحانه يوجب ما اقتضته قوانينه وسننه في وقته المقدر بمقتضى تلك القوانين وبالنظر إلى أحوال الكون، فالكتابة تعبر عن حتمية تحقق أمرٍ ما وإيجابه، وهي أيضا تعبِّر عن إيقاع آثار العمل بالإنسان والأمة بمقتضى القوانين، وكل ذلك يكون من حيث كل منظومة الأسماء الحسني.

وعُبِّر بالكتابة أيضا عن تراتبية الأسماء والسمات ومقتضيات ذلك، فللرحمة التقدم عند التعامل مع الكيانات المخيرة، ولقد تمثل ذلك في مضاعفة آثار الأعمال الحسنة وفي تقليل تأثيرات الأعمال السيئة أو سترها أو محوها.

أما القدرة الإلهية فهي على الأشياء الخاصة بمجال القدرة، فالله على كل شيء قدير، والشيء هو الذي تعين وفق سننه هو التي هي مقتضيات أسمائه هو، فلا يمكن أن يتناقض مع ما قدَّره، والذات والأسماء والسمات الإلهية ليست من مجالات القدرة، فلا معنى لكي يقول أحدهم مثلا: هل يستطيع ربك أن يجعل من نفسه ثلاثة؟!

والله تعالى ذكر أنه يمحو ما يشاء، وليس ما كتبه، فما هو مكتوب من الأمور الكونية الخاصة بالإنسان من حيث أنه مكلف إما أنه حدث بالفعل وتحقق، وإما أنه لابد من تحققه.

وماذا عن آثار أعمال الإنسان؟

هذه الآثار محلها هو الإنسان نفسه، وأمرها يخضع لنسق من السنن خاص بالمخيرين، والذي يتولى كتابة أعمالهم وآثارها هو الملائكة الموكلة بالإنسان، وهم آلات تنفيذ وتفعيل السنن الخاصة بالإنسان، هذه الآثار قابلة للمحو والاثبات طبقًا لنسق من السنن يربط الأسباب بالنتائج.

*******

قال الشيعة الإمامية:

(((إنّ البداء في اللغة هو الظهور بعد الخفاء، قال تعالى: {..... وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُون} [الزمر:47]

والبداء بهذا المعنى لا يُطلق على الله سبحانه بتاتا، لاستلزامه حدوث علمه تعالى بشيء بعد جهله به.

وها هي بعض النصوص الخاصة بالبداء:

"ما عُبِد الله عزّ وجلّ بشيء مثل البداء"، "ما بعث الله عزّ وجلّ نبياً حتّى يأخذ عليه ثلاث خصال: الإقرار بالعبودية، وخلع الأنداد، وأنّ الله يقدّم ما يشاء ويؤخّر ما يشاء"، "ما بعث الله نبياً قط إلا بتحريم الخمر، وأن يقرّ له بالبداء"

إلى غير ذلك من مأثوراتهم عليهم السلام في هذا المجال.

لقد اتَّفقت الإماميّة تبعا لنصوص الكتاب والسنة والبراهين العقلية على أنّه سبحانه عالم بالأشياء والحوادث كلّها غابرها وحاضرها ومستقبلها، كلّيها وجزئيّها، وقد وردت بذلك نصوص عن أئمة أهل البيت عليهم السلام.

قال الإمام الباقر عليه السلام: "كان الله ولا شيء غيره، ولم يزل الله عالما بما يكون، فعلمه به قبل كونه كعلمه به بعدما كوَّنه"

وقال الإمام الصادق عليه السلام: "فكلّ أمر يريده الله فهو في علمه قبل أن يصنعه ليس شيء يبدو له إلا وقد كان في علمه، إنَّ الله لا يبدو له من جهل"

إلى غير ذلك من النصوص المتضافرة في ذلك.

ممّا تقدّم يظهر أنّ المراد من البداء الوارد في أحاديث الإماميّة ويعَدُّ من العقائد الدينية عندهم (ليس معناه اللغوي) أفهل يصح أن يُنسَب إلى عاقلٍ - فضلاً عن باقر العلوم وصادق الأمّة - القول بأنّ الله لم يُعبَد ولم يُعظَّم إلّا بالقول بظهور الحقائق له بعد خفائها عنه، والعلم بعد الجهل؟!

حاشاهم ذلك، بل إنّ ما تقدّم معنا من النصوص المرويّة عندهم يؤيّد أنّ المراد من البداء في كلمات هؤلاء العظام عليهم السلام غير ما يفهمه المعترضون، بل مرادهم من

البداء ليس إلّا أنّ الإنسان قادر على تغيير مصيره بالأعمال الصالحة والطالحة، وأنّ لله سبحانه تقديرا مشروطا موقوفا، وتقديرا مطلقا، والإنسان إنّما يتمكّن من التأثير في التقدير المشروط، وهذا بعينه قدرٌ إلهيّ، والله سبحانه عالم في الأزل، بكلا القسمين كما هو عالم بوقوع الشرط، أعني: الأعمال الإنسانية المؤثّرة في تغيير مصيره وعدم وقوعه.

قال الشيخ المفيد: قد يكون الشيء مكتوبا بشرط فيتغيّر الحال فيه، قال الله تعالى: ﴿ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَه﴾

فتبيّن أنّ الآجال على ضربين، وضرب منهما مشترط يصحّ فيه الزيادة والنقصان، ألا ترى قوله تعالى: ﴿وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ﴾

وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ﴾

فبيّن أنّ آجالهم كانت مشترطة في الامتداد بالبر والانقطاع عن الفسوق، وقال تعالى فيما أخبر به عن نوح عليه السلام في خطابه لقومه: ﴿اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا﴾

فاشترط لهم في مدّ الأجل وسبوغ النعم الاستغفار، فلو لم يفعلوا قطع آجالهم وبتر أعمالهم واستأصلهم بالعذاب، فالبداء من الله تعالى يختصّ بما كان مشترطاً في التقدير وليس هو انتقال من عزيمة إلى عزيمة، تعالى الله عما يقول المبطلون علوا كبيرا.)))

الردّ

يقولون: "البداء ليس إلّا أنّ الإنسان قادر على تغيير مصيره بالأعمال الصالحة والطالحة، وأنّ لله سبحانه تقديرا مشروطا موقوفا، وتقديرا مطلقا، والإنسان إنّما يتمكّن من التأثير في التقدير المشروط، وهذا بعينه قدرٌ إلهيّ، والله سبحانه عالم في الأزل، بكلا القسمين كما هو عالم بوقوع الشرط، أعني: الأعمال الإنسانية المؤثّرة في تغيير مصيره وعدم وقوعه."

لا علاقة لكلمة "بداء" بهذه الأمور أصلا، هل المطلوب هو إقحام كلمة "بداء" بأي سبيل من السبل؟! ولا يجوز إلزام الله سبحانه بأنواع مختلفة من التقديرات لفرض كلمة لم ينسبها إلى نفسه.

التقدير الإلهي الخاص بإنسان واحد في مسألة واحدة هو واحد، وهو الذي سيصدر عن الإنسان بمحض إرادته واختياره، أما التقديرات التي يمكن ألا تحدث فهي تقديرات من هم من دونه، وهذا الإنسان هو محكوم بسنن كونية تربط أفعاله بنتائجها اللازمة، وتقتضي اجتماع مجموعة من الأمور (الأسباب) لتتحقق نتائج معينة، وهذا لا يؤدي إلى أي تغيير في التقدير الإلهي المنسوب إلى من لديه العلم المحيط الكامل كمالا مطلقا، والذي خلق الإنسان، وخلق وقدَّر ما يسري عليه من السنن.

وبالنسبة لقولهم "البداء ليس إلّا أنّ الإنسان قادر على تغيير مصيره بالأعمال الصالحة والطالحة" فلا علاقة بين البداء وبين هذا الأمر، وما هو هذا المصير الذي يقولون إن الإنسان قادر على تغييره؟ ومن الذي حدَّد وقدَّر هذا المصير؟

من الأولى القول إن مصير الإنسان في الدار الآخرة يتحدد ويتعين كنتيجة لازمة لأفعاله الاختيارية، وأن هذه الأعمال من أسباب ما يحدث له في الدنيا، ولا علاقة لكل ذلك بالبداء.

إن السنن الإلهية ثابتة، لا تبديل لها ولا تحويل، والتقدير المنسوب إلى الله تعالى لا يكون مشروطًا أو موقوفًا، ذلك لأن له العلم المحيط الكامل، ومن السنن الإلهية أن لأفعال الإنسان الاختيارية نتائجها اللازمة، وأن مصيره معلق بمدى ونوعية استجاباته للأوامر الشرعية، هذه أمور تتم بمقتضى السنن الإلهية التي تأخذ في اعتبارها ما لدى الإنسان من إرادة محدودة واختيار محدود.

ولا علاقة لكل ذلك بما يسمونه بالبداء، ولا يجوز تصور أن من سمات وشؤون الله تعالى المبادرة بكتابة شيء على الإنسان ثم المبادرة بتغييره بناءً على فعلٍ إنساني!

ما يكتبه الله تعالى هو الأمر الثابت الذي لا تبديل له ولا تحويل.

ويتساءلون "أفهل يصح أن يُنسَب إلى عاقلٍ - فضلاً عن باقر العلوم وصادق الأمّة - القول بأنّ الله لم يُعبَد ولم يُعظَّم إلّا بالقول بظهور الحقائق له بعد خفائها عنه، والعلم بعد الجهل؟"!

الردّ

أنتم الذين أحدثتم المشكلة، وتسببتم في هذا الخلط بإصراركم على الباطل بدلا من العودة إلى الحق، والسبب معلوم، لديكم أقوال منسوب إلى أئمة هم عندكم أشباه آلهة أو معصومون، ولم يبق لكم -أنتم البشر الفانون- إلا أن تحاولوا شقّ الشعرة وإغراق السمكة لتأويل كلام ظاهر البطلان.

*******

يقول الشيعة: "إذا كان البداء باطلا فلا جدوى من الدعاء وأعمال البرّ"!

وهذا يُظهِر أنهم يظنون أن البداء يعني تغيير وتبديل السنن الإلهية!!

إن إجابة الدعاء هي كإحياء الأرض بالماء، سنة إلهية كونية، لا علاقة لها بالبداء، إنه لا يجوز لأحد القول: "إن الله تعالى قد بدا له أن يغير ما قدره على فلان بعد أن دعا" بمثل ما أنه لا يجوز له القول: "إن الله تعالى قد بدا له أن يحيي الأرض بعد أن نزل عليها ماء".

ولقد قلنا كثيرا، ولكن دون جدوى معهم، إن الإنسان عندما يدعو ربه فهو لا يعمل بمقتضى عقيدة البداء، بل بمقتضى علمه بأسماء إلهية ثابتة منها: "المجيب، القريب المجيب، السميع"، وبمقتضى الأمر الإلهي: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِين} [غافر:60]

والله تعالى يستجيب له بمقتضى أسمائه ولصدق قوله وحقانيته، وليس لأنه يتصف بالبداء.

*******

1

bottom of page