التقويم الحقيقي وبدايات شهر رمضان الحقيقي وأشهر الحج
000
مقدمة1
يقدم هذا الكتاب خلاصة بحثنا المتعلق بالتقويم العربي وما يترتب عليه من الأمور مثل الأشهر الحرم وتوقيتات الحج وشهر رمضان.
والتقويم The calendar مبني على استعمال ظواهر طبيعية متكررة ودورية لحساب الزمان، فلابد بالطبع من ارتباط الوحدات الزمنية الرئيسة المناسبة للإنسان (يوم-شهر-سنة) بظواهر فلكية دورية Periodical astronomical phenomena يمكن أن يلاحظها وأن يدركها هذا الإنسان وتتناسب مع عمره المحدود ومقاييسه الزمنية، ويمكن مع ذلك الاستناد إليها لإصلاح أي خلل.
وكون الظواهر الفلكية المناظرة للوحدات المعلومة مختلفة ومستقلة يجعل الحاجة إلى التقويم (بمعنى التصحيح Correction) أمرًا ملحا، واختلاف الطرق التي اتبعتها الشعوب على مدى التاريخ لمعالجة هذه المشكلة هو الذي تسبب في وجود تقاويم عدة.
فكل وحدة زمنية مناسبة للإنسان لابد من ارتباطها بدورة فلكية حقيقية يمكن ملاحظتها، ولكن الدورات الفلكية الطبيعية الأكبر لا تساوي أعدادا صحيحة Integers من الدورات الأصغر، وهذا ما يستلزم التقويم (بمعنى التصحيح Correction) في أي تقويم The calendar، ولولا التقويم لتراكمت الفروق وخرجت بالتقويم عن مقاصده ولما أمكن الانتفاع به، فالمقصود أصلًا بالتقويم هو معالجة آثار الفروق للحفاظ على مفهوم الدورية على مستوى الشهر والسنة.
وقد كان خروج التقويم عن مقاصده لتراكم الفروق وتأثيرها هو دائمًا الدافع وراء التقويم، فالتقويم كان دائمًا لنفع الإنسان، وقد جُعل من أجل الإنسان ولتسهيل حياته، ولم يُجعل الإنسان من أجل التقويم.
فالتقويم العربي هو شمسي قمري، فالأشهر فيه قمرية، وكل شهر منها يعادل المدة اللازمة لدورة قمرية كاملة -أو بالأحرى متوسط دورة قمرية كاملة- حول الأرض، وهذا هو الشهر الطبيعي.
ومصطلح الشهر يُطلَق على أمرين متميزين رغم أنه يعادل في كليهما دورة قمرية كاملة؛ أحدهما هو الدورة الطبيعية التي يمكن أن تبدأ من أية نقطة على الدورة لتنتهي عندها، والآخر هو الشهر العربي المحدد الذي يبدأ بمولد الهلال، والمفهوم الأول لازم لمعاملات شرعية عديدة مثل حساب العدة، أما الثاني فلازم للصيام والحج.
والسنة يجب أن تكون شمسية، وهي تعادل دورة كاملة للأرض حول الشمس، فهي السنة الطبيعية التي يمكن بها معرفة مواقيت الفصول المناخية، فتوقيتاتها ثابتة فيها، فهي التي ينتج بمرورها الفصول الأربعة، وهي تتضمن اعتدالين (اعتدال ربيعي واعتدال خريفي) متتاليين.
والسنة الشمسية تتضمن بالتحديد اثني عشر شهرا قمريا طبيعيا، ولا يمكن أن تزيد أو تنقص عن ذلك.
والتقويم بمعنى تصحيح Correction هو أمر لازم لكل تقويم بمعنى Calendar، وهو لازم للحفاظ على مفهوم السنة.
فالسنة الشمسية ستظل دائما تساوي اثني عشر شهرًا قمريا طبيعيا بالمفهوم الأصلي بالإضافة إلى عدة أيام، ولا شيء في ذلك، فكما سبق القول لا يمكن أن تحتوي الوحدة الأكبر على عدد صحيح Integer من الوحدات الأصغر، لابد من بقاء كسور، فالشهر لا يساوي عددا صحيحا من الأيام بالضبط، وكذلك الأمر بالنسبة للسنة، وإضافة شهر التقويم لن يغير من عدة الشهور القمرية في السنة الشمسية.
والتقويم يُسمَّى تقويمًا شمسيا قمريا، إذا كان يأخذ بالشهر القمري الطبيعي، ويأخذ بالسنة الشمسية وفقًا لمفهومها العام، والسنة الشمسية وفقًا للمفهوم العام هي أي سنة تتضمن تقويمًا بأي طريقة من الطرق بهدف الحفاظ على العلاقة بين الأشهر -مهما كان نوعها- وبين الفصول المناخية، وذلك بمقتضى أن السنة الشمسية هي بالضرورة سنة الفصول المناخية.
والذي كان يهم العرب بصفة أساسية هو إصلاح الخلل في الأشهر العربية لكي تظل في مواسمها المناخية الطبيعية، بمعنى أن تظل لأسماء الأشهر معانيها، وأن يكون للتقويم فوائده المعلومة، وكانوا يعرفون الخلل عندما تتأخر بداية الربيع شهرًا، أي من ربيع الأول إلى ربيع الآخر، أو من ملاحظة تأخر جماد حبوب الشعير من جمادى الأولى إلى جمادى الآخرة، فكانوا يضيفون شهر تقويم لإصلاح ذلك الخلل، ومن البديهي أن ملاحظة أية ظاهرة طبيعية أخرى تؤدي إلى نفس النتيجة، فالأمر دوري.
وحقيقة علم العرب بالفصول المناخية هي حقيقة منطقية وتاريخية، وحاصل كلام المعاجم اللغوية هو أن الفصول عند العرب كانت ستة، يتضمن كل فصل شهرين قمريين.
ولشهر ربيع الأول ارتباط ضروري بالاعتدال الربيعي، ولذلك فلشهر رمضان ارتباط ضروري بالاعتدال الخريفي، ويمكن استغلال ذلك لعمل التقويم اللازم الذي يجعل الأشهر في مواسمها المناخية الطبيعية ويحافظ للتقويم على مفهومه ومعناه.
ولا علاقة لشهر رمضان بالقيظ أو الحرّ الشديد، فقد جاء في لسان العرب: الرَّمَضُ المطر يأْتي قُبُلَ الخريف فيجد الأَرض حارّة محترقة، والرَّمَضِيُّ من السحاب والمطر: ما كان في آخر القَيْظِ وأَوّلِ الخَرِيف، فالسحابُ رَمَضِيٌّ والمطر رَمَضِيٌّ، وإِنما سمي رَمَضِيّا لأِنه يدرك سُخونة الشمس وحرّها.
وفي اللاتقويم المستعمل لا يحتكر شهر رمضان الحرّ الشديد، فهذا الحر يدور مع الأشهر، وبالتالي فلا يوجد أي أساس لمزاعمهم.
أما شهرا القيظ عند العرب فهما رجب وشعبان، بينما في اللاتقويم المستعمل يدور القيظ أيضًا مع الأشهر.
وإضافة شهر التقويم هو لإعادة الأشهر القمرية إلى مواضعها الحقيقية، أما السنة الشمسية ذاتها فلا تتأثر بذلك، بل إنه يمكن العمل بالتقويم الگريگوري المستعمل الآن في حساب السنين باعتبار السنة فيه شمسية؛ أي إنه يوفي بما يلزم لمفهوم الحول والدورية The periodicity، فلا يلزم أبدًا استعمال سنوات قمرية لا وجود لها، فتتابع من 12 شهرا قمريا لا يعني شيئا، فالنهاية لا تلتحم أبدًا بالبداية وفق أي معيار، أما الأشهر الطبيعية فهي الأشهر القمرية، لذلك يجب أن يستمر حساب الأشهر بالأهلة لتحديد مواقيت الصيام والحج، وهذا ما يوجبه القرءان.
أما النسيء المذموم فلا علاقة له بمسألة التقويم، فالنسيء هو التلاعب بالأشهر الحرم بالتأخير لأغراض غير قانونية مثل الاستمرار في الحرب أو الصيد، وإقدام العرب على ذلك مع حرصهم على بقاء عدة الأشهر الحرم كان يؤدي أحيانا إلى اختلال عدد الشهور في السنة.
وطريقة التقويم المقدمة هنا هي طريقة سهلة ودقيقة ومنطقية، وهي تغني عن الغوص في التراث بكافة صوره وعن مراجعة التواريخ القديمة وعن الحسابات الفلكية المعقدة، وهي لا تستلزم أبدًا أي تحديد بتاريخ إهمال عمل التقويم اللازم؛ أي عمل التصحيح اللازم للتقويم، كما لا تستلزم علمًا بالفلك.
فهي الطريقة التي كان من الممكن لأناس كانوا يعيشون بمعزل عن الحضارات المعقدة أن يطبقوها بسهولة ويسر، هذا فضلا عن أنها لا تستلزم معرفة مدى حدث الخلل في التقويم، فهي تستند إلى ظواهر طبيعية حقيقية، ويمكن لكل فرد أن يتحقق من سهولة تطبيقها بنفسه.
وفي كل الأحوال فمجرد الحرص على الحفاظ على الارتباط بين شهرٍ معين وبين ظاهرة مناخية يؤدي بالضرورة إلى اكتشاف ما يلزم للتقويم، وهذا ما حدث معنا وتحققنا منه، ومن البديهي أن تتشابه الحلول لنفس المسألة، مع وجود اختلافات في الحدود المقبولة.
ولم أكن أود أصلا الخوض في موضوع التقويم، ذلك لأنه يستلزم الرجوع إلى مراجع كثيرة في مجالات متباعدة، وهذا ما لا أميل إليه عادة، وعندما اضطررت للبحث في مسألة التقويم كان الهدف الوصول إلى الحقيقة وإلى حلّ عملي وسهل وقابل للتطبيق لكافة مشاكل اللاتقويم الهجري المستعمل الآن، وكان الهدف الاستناد أساسًا إلى القرءان واستعمال أكبر قدر ممكن من العلم والمنطق وأقل قدر من الآثار التي هي في مجملها ظنية كما هو معلوم.
وأكبر حجة ضد التقويم المستخدم أنه لا يتسق أصلا مع اسمه، فلا يجوز إطلاق المصطلح "سنة" على تتابع من 12 شهرًا قمريا، فلا توجد ظاهرة طبيعية دورية ثابتة تناظر هذه الفترة الزمنية بحيث يمكن إجراء ما يلزم من معايرة وتقويم وتصحيح، فتتابع من 12 شهرا قمريا لا يكوِّن سنة، ولكن السنة تضم بالضرورة 12 شهرا قمريا طبيعيا.
وقد بدأنا نشر ملخص لنتائج بحثنا المتعلقة بالتقويم العربي في سنة 2013 م، وذلك في كتاب دائرة المعارف (1)، 2013، وتوالى بعد ذلك نشر أجزاء منه على مواقعنا الإلكترونية إلى أن نشرنا مقالة كبيرة عنه في المدونة في إبريل 2014م.
ولم يكن لدينا أدنى شك في أن مسألة التقويم لا علاقة لها بموضوع النسيء، ولذلك لم نشر إلى موضوع النسيء إلا إشارة عابرة في البحث الأصلي، جاءت في هذه الفقرة:
"أما النسيء المذموم فهو التلاعب بالأشهر الحرم بالتأخير لأغراض غير قانونية مثل الاستمرار في الحرب أو الصيد، فالنسيء يعني ويتضمن التأخير، التأخير فقط، وليس التقديم مثلا".
ولم نفاجأ بالهجوم الظالم من شتى طوائف وسلالات وأتباع "ما ألفوا عليه آباءهم"، ولكن المفاجأة كانت لأن الناس كانوا على يقين من أن مسألة التقويم هي بعينها مسألة النسيء والذي هو زيادة في الكفر بنص آية قرءانية، وقد تبيَّن أن المسؤول عن ذلك أحد الباحثين الذي بنى بحثه على وجود خطأ في تشكيل الآية التي تنهى عن النسيء، وسمَّى شهر التقويم بشهر النسيء! ومازال أكثر الناس يقعون في هذا الخطأ.
وهكذا صار لزامًا على الناس لكي يقتنعوا بمسألة التقويم أن يرتابوا في تشكيل القرءان، وانتقل النقاش إلى مجال آخر! وصار من محاور الجدل والنزاع مواضيع مثل: متى تمَّ تشكيل القرءان؟ وهل توجد مخطوطة أصلية للقرءان أم لا؟ هذا مع أن القرءان محفوظ بصيغته الصوتية عبر سلاسل واصلة إلى الرسول وأن الآيات القرءانية شديدة الوضوح، فهي تتحدث عن نسيء يؤخرون بموجبه الشهر الحرام عن موضعه المعلوم، وقد يؤدي إلى التلاعب بعدد الأشهر في السنة.
ومع ذلك فقد اضطررنا إلى الرجوع إلى الآثار لدراسة ما هو مفهوم النسيء عند العرب قبل الإسلام وتحديده بالدقة اللازمة، وقد أدرجنا نتائج البحث في هذا الكتاب، وهي متفقة مع الفقرة السابقة.
وكما قلنا قديمًا فإن موضوع التقويم -مثله مثل سائر أبحاثنا- لم ينتج عن أية مطالعات مطولة في المراجع أو الكتب التراثية، وإنما اعتمد أساسا على النظر في المعلومات القرءانية والعلمية والمنطقية ذات الصلة، والحجج المقدمة هنا تتضافر ويعضد بعضها بعضا، وهي قوية وكافية تماما، ولكن بعض الناس يريدون أدلة تراثية صارخة؛ بمعنى أن يجدوا مثلا وثائق مكتوبة تبين كل شيء بخصوصه وموقعًا عليها ممن تسببوا في هذا الخطأ الفادح!!!!
وسدنة مذاهب هؤلاء المساكين يعلمون جيدًا أن جلّ دينهم مأخوذ من مرويات ظنية غير موثقة أصلا!!! وأنهم يأمرون الناس بالتعبد وفق الظن الغالب، وأنه لا توجد أية وثيقة شرعية تتضمن المرويات التي بنوا عليها دينهم!!!! ولكن المشكلة هي أن أكثر الناس يجهلون ذلك!!
ولكنَّا قلنا أيضًا: "ومع ذلك نحن على ثقة من أن الأدلة التراثية لإثبات نتائج بحثنا ستتوالى"، وهذا ما حدث بالفعل، وخاصة في الفترة الأخيرة، فالأدلة تتكشف ويتوالى ظهورها، كما يزداد العالمون ببطلان اللاتقويم المستعمل، ووجوب أن يُستبدل به تقويم صحيح.
وقد تبيَّن لنا حديثًا أن كل الباحثين في التقويم يأخذون بالدورة الميتونية التي لم نكن نعلم عنها شيئا عندما بدأنا النظر في مسألة التقويم وأحكمنا طريقتنا، وقد تبين بالبحث أن العمل وفق طريقتنا يتفق تماما مع هذه الدورة الطبيعية دون حاجة إلى العلم بها، أو الالتزام المسبق بها.
ففي كل الأحوال فإن الحرص على ارتباط شهر معين بحدث مناخي محدد يؤدي بالضرورة إلى اكتشاف ما يلزم للتقويم، ومن البديهي أن تتشابه الحلول الناتجة عن ذلك في الأمور الجوهرية.
فحساباتنا تثبت أن مراعاة ثبات أي ظاهرة فلكية مع الأشهر يؤدي تلقائيا إلى الأخذ بالدورة الميتونية الطبيعية، والظاهرة التي نأخذ بها هي وجوب أن يتضمن شهر رمضان الحقيقي الاعتدالَ الخريفي.
ولأسباب عديدة رأينا أنه من الضروري أن نؤكد عليها في هذا البحث فإننا نوصي بالأخذ بطريقتنا فقط، فهي لا تستلزم العلم بتوقيت حدوث خطأ في التقويم، ولا تتأثر بتغير قيمة الوحدات الزمنية وتغير مواقع الفصول على مدى القرون، ويمكن أن يبدأ الباحث المفرد بالعمل بها مبتدئا من أية سنة.
وفي الحقيقة توجد مشاكل عويصة متعلقة بمحاولات مضاهاة التقويم الهجري بالتقويم الميلادي، ولا مفرّ من حدوث أخطاء إذا بُنِي التقويم على وجود توافقات تاريخية فيما بينهما لأسباب عديدة، وتوجد مشاكل أخرى متعلقة بمحاولة تحديد التواريخ بافتراض سنة معينة لبدء الدورات الميتونية، ذلك لأنهم لم يأخذوا في الاعتبار بالدقة اللازمة ترنح زاوية محور الأرض، ولا التغير في الدورات الطبيعية الفلكية مع الزمن، لذلك فالالتزام بمراعاة ظاهرة مناخية ثابتة هو أفضل وسيلة.
فالطرق الأخرى تحاول تحديد وقت بدء انحراف التقويم، وتبني حساباتها على ذلك، فأي خطأ في حساب بداية التقويم لن يمكن تصحيحه، كما أنها تأخذ بمفهوم السنوات الكبيسة التي يكون عدد الأشهر فيها ثلاثة عشر شهرا، مستبطنة التسليم بوجود سنة قمرية! وهي لا تتسق مع المتطلبات القرءانية، بل تتضمن تشكيكا في تشكيل إحدى آياته!
وقد رأينا أن نضيف بعض البيان فيما يتعلق بالمفهومين المذكورين في الطبعة الأولى للشهر القمري.
ووفقًا لطريقتنا فشهر رمضان الحقيقي يتضمن الاعتدال الخريفي، أي هو الشهر العربي القمري الذي يتضمن هذا الاعتدال، وبذلك فهلاله يظهر، طبقًا لحساباتنا، في الفترة من 25 أغسطس إلى 22 سبتمبر.
والطريقة تقوم على إضافة شهر التقويم بعد انتهاء السنة التي أصبح الانزياح ينذر بألا يتضمن شهر رمضان القادم الاعتدال الخريفي، أي عندما يتبين أن بداية شهر رمضان القادم ستكون قبل 52 أغسطس، وعنده يجب إضافة شهر التقويم قبل شهر رمضان هذا، وقبل شهر ربيع الأول الذي يتضمن الاعتدال الربيعي؛ أي في بداية السنة الجديدة.
ولقد تبين أن إضافة شهر التقويم في طريقتنا تتم تلقائيًّا وفق دورية ثابتة، وهي:
(3، 2، 3، 3، 3، 2، 3).
بمعنى أنه من سنة بدء الحساب، وهي في الحسابات التي يتضمنها هذا الكتاب سنة 2012، يمر، بصفة طبيعية طبقًا للشروط الموضحة، ثلاث سنوات، وذلك قبل إضافة شهر التقويم، ثم تمر سنتان ليُضاف شهر التقويم التالي، ثم تمر ثلاث سنوات قبل الإضافة التالية، ثم تمرّ ثلاث سنوات أخرى لتتم إضافة الشهر التقويم، ثم تمر ثلاث سنوات أخرى لتتم إضافة الشهر التقويم، ثم تمر سنتان قبل إضافة شهر التقويم، ثم تمرّ ثلاث سنوات أخرى لتتم إضافة الشهر التقويم في بداية الدورة الجديدة، لتكتمل بذلك دورة كاملة، وهذه الأرقام تحقق الأرقام المستعملة للإضافة وفق الدورة الميتونية، والدورة تأخذ 19 سنة، ثم يتكرر نفس الأمر بنفس الترتيب.
ومن البديهي أنه بغض النظر عن سنة البدء سيتم اكتشاف نفس التتابع الدوري، ولكن الدورة يمكن أن تأخذ أي شكل آخر مثل (3، 3، 2، 3، 3، 3، 2)، (2، 3، 3، 3، 2، 3، 3) ... الخ.
وبذلك يتحقق شرط الدورة الميتونية دون العلم بها! وإنما بالالتزام بإبقاء الاعتدال الخريفي في شهر رمضان.
وقد ثبت أن توقيت بدء رمضان شبه ثابت في السنوات المتناظرة في كل دورة، بمعنى أنه إذا أتى في السنة (س) في التوقيت (ص) سيأتي في نفس التوقيت في السنوات س + (ن × 19)، حيث (ن) عدد صحيح يبدأ بالرقم 1، أو بصياغة أكثر عمومية شهر رمضان له نفس البداية في السنوات الشمسية س + (ن × 19)، حيث (ن) أي عدد صحيح؛ موجب أو سالب.
ومن الجدير بالذكر أنه لم يرد أي أثر يدل على أن العرب عرفوا الدورة الميتونية، ولكن من الواضح أنه -كما حدث معنا نحن- أن الالتزام بمراعاة تضمن شهر رمضان للاعتدال الخريفي يؤدي إلى عمل التقويم وفق هذه الدورة دون العلم بها! ذلك لأنها دورة طبيعية غير مفتعلة.
وذلك يحدث مثلا مع كل من قرروا الأخذ بالدورة القمرية الطبيعية لتحديد الأشهر، فيمكن أن يأخذ بعضهم بلحظة مولد القمر كبداية للشهر، بينما يأخذ آخرون بلحظة اكتمال البدر، ومن البديهي أنه يمكن دائمًا عمل علاقات بين كافة الاختيارات الممكنة، فالظاهرة الطبيعية واحدة.
ومما سبق يتضح الأساس الطبيعي للقول بأن شهر رمضان هو الشهر القمري الذي يتضمن الاعتدال الخريفي، وأن إضافة شهر التوقيت تكون بهدف الاستمرار في تحقيق ذلك، الأساس هو أن توقيتات الإضافة تحدث بدورية متفقة مع الدورة الميتونية، هذه الدورية هي: (3، 3، 2، 3، 3، 3، 2)، أي إنه بدءا من السنة صفر، سيتم إضافة شهر التقويم في السنوات: (3، 6، 8، 11، 14، 17، 19)، ولكن تتميز طريقتنا بأن لا يلزم معرفة السنة صفر، ويمكن البدء بأي سنة للحساب، وعندها قد تكون الدورية هي مثلا: (3، 2، 3، 3، 3، 2، 3)، وعندها سيتم إضافة شهر التقويم في السنوات: (3، 5، 8، 11، 14، 16، 19)، وقد تكون السنة صفر هي 2028 مثلا، وبالعمل بطريقتنا تكون الدورية هي: (2، 3، 3، 2، 3، 3، 3)، فيجب إضافة شهر التقويم في السنوات (2، 5، 8، 10، 13، 16، 19).
إن الطريقة المقدمة في بحثنا هي طريقة سهلة ودقيقة ومنطقية، وهي تغني عن الغوص في التراث بكافة صوره وعن مراجعة التواريخ القديمة وعن الحسابات الفلكية المعقدة، فهي الطريقة التي كان من الممكن لأناس كانوا يعيشون بمعزل عن الحضارات المعقدة أن يطبقوها بسهولة ويسر! وبالطبع لا يمكن لعربي أو أعرابي أن يتبع طريقة ناسا في الحساب!
ونحن دورنا هو تحديد التقويم السليم، وذلك يتضمن وجوب أن يكون رمضان هو الشهر القمري الذي يتضمن الاعتدال الخريفي، وهذا الشهر يبدأ طبقًا لحساباتنا في الفترة من 25 أغسطس إلى 22 سبتمبر، أما حساب الوقت الدقيق لميلاد هذا الهلال، فهو أمر علمي محض يقوم به علماء الفلك!
أما قولهم بأن إضافة شهر التقويم تجعل السنة 13 شهرا فيعني بالضرورة أن السنة عندهم قمرية، ويمكن أن يكون عدد الشهور فيها 12 أو 13 شهرا، ولا يوجد شيء اسمه سنة قمرية أصلا، أما نحن فنأخذ بالسنة الشمسية الحقيقية التي تتحقق فيها مراعاة الفصول المناخية ومواسم الزراعة الطبيعية، والتي لا يمكن أن يكون عدد الأشهر القمرية الطبيعية فيها أكثر من 12 شهرا، والأخذ بالسنة الشمسية لا يوجب الأخذ بأسماء الشهور المستعملة، فالسنة الشمسية هي حقٌّ للبشرية جمعاء، وساهمت في اكتشافها شعوب عديدة.
ومن المثير للتعجب أنهم يأخذون بالتقويم بالنسبة للشهر القمري دون أن يثير أحدهم أي ضجيج، هذا مع أن هذا التقويم يجعل شهورا عديدة لا تبدأ، برؤية الهلال، والحق أن تقويم الأشهر يحتم ألا تبدأ بعض الشهور برؤية الهلال!
وفي الحقيقة إنه لا معنى للرقم 12 إلا أنه عدد الأشهر القمرية الطبيعية الذي يمكن أن تستوعبه السنة الشمسية، أما في اللاتقويم المستعمل فلا يوجد أي حدّ طبيعي لعدد الأشهر، ذلك لأنه لا يرتبط بأي ظاهرة فلكية طبيعية.
إن المقصد من إضافة شهر التقويم هو معالجة انزياح الأشهر القمرية عن مواضعها الفصلية، فبإضافته تعود الأشهر إلى مواسمها التي أعطتها أسماءها، فيبدأ الربيع في فصل ربيع الأول، وكذلك لتعود أشهر الجماد الى فصل جماد الحبوب (الشعير والقمح) والحصاد وأشهر الحج الى فصل الخريف وبداية الشتاء، وهو الفصل الأفضل بالنسبة لمناخ مكة الصحراوي ليكون موسما للحج وفتح الأسواق فيها حيث يكون الطقس رائعا والحرارة معتدلة، وليحدث التبادل التجاري والثقافي وليشهد الناس منافع لهم، وليس ليقتلهم الحر القائظ أو ضربات الشمس المروعة! وكذلك يمكن لقريش أن تقوم برحلتي الشتاء والصيف في أشهر محددة معلومة، ومن البديهي أن هاتين الرحلتين مرتبطتان بالمواسم الزراعية وأوقات الحصاد في الشمال والجنوب، فما هي قيمة تقويم لا يلبي للناس حاجات بيئتهم المعيشية في عصور لم تكن تتوفر فيها وسائل الاتصالات الحديثة؟ وهذه أدلة كافية وبراهين مبينة للباحث عن الحق غير العابد لتراث الأسلاف وما ألفى عليه آباءه.
ولقد أكد القرءان على أن الشمس والقمر لازمان للعلم بعدد السنين والحساب، وهذا أيضًا هو الثابت تاريخيا، فلزوم كل من الشمس والقمر للعلم بعدد السنين والحساب حقيقة قرءانية وتاريخية راسخة، لا يحقّ لأحد أن يماري فيها.
وقد أكدنا أن التقويم الصحيح لا يتنافى مع كون الأهلة مواقيت للناس ولا مع كون الصيام يجب لرؤية هلال رمضان، فالشهر القمري هو هو في الحالتين، وهو الفترة الزمنية التي تبدأ بظهور القمر هلالا في الأفق الغربي بعد الغروب مباشرة، ليختفي في اليوم التاسع والعشرين ليظهر بعدها معلنا بدء شهر قمري جديد، أما منازل القمر فهي مواضعه في الأبراج بانتقاله وازدياد حجمه إلى أن يصبح بدرا في اليوم الرابع عشر والذي من بعده يبدأ في التضاؤل التدريجي ليصبح شكله كالعرجون القديم كما ورد في القرءان الكريم.
ويبين هذا الكتاب حقيقة مرويات عاشوراء وعلاقتها بمسألة التقويم.
ويقدم الكتاب المفهوم الصحيح لأشهر الحج المعلومات وأيامه المعدودات والمعلومات، وقد تطلب ذلك تقديم مفهوم اليوم في القرءان، ويوضح الكتاب العلاقة بين أشهر الحج والأشهر الحرم، كما يقدم نظرات جديدة في الآيات ذات الصلة بهذه الأمور.
فأشهر الحج هي الأشهر الحرم المتصلة، وهي (ذو القعدة، ذو الحجة، محرم)، وهي تعادل تقريبا: (نوڤمبر، ديسمبر، يناير).
ويمكن أداء الحج في أي شهرٍ منها، والحج أيام معدودات معلومات، كل يومٍ منها يُنسب إلى ما يتم فيه من شعائر الحج.
إنه يجب على كل مسلم أن يلتزم بالتقويم السليم ليتمكن من أداء ركني الصيام والحج في التوقيتات السليمة، ولكن يجب أن يكون ذلك في حدود وسعه واستطاعته، فهو ليس مكلفًا بما ليس في وسعه، كما أنه يجب دائمًا الحرص على وحدة الأمة وتجنب إثارة الفتنة.
*******
1