نظرات في المذاهب
27
ألفاظ العموم
كل لفظ من ألفاظ العموم موضوع لغةً لاستغراق جميع ما يصدق عليه من الأفراد، وإذا ورد اللفظ العام في نص شرعي دل ذلك على ثبوت الوصف المنصوص عليه لكل ما يصدق عليه من الأفراد، ويجب الأخذ بعموم اللفظ العام حتى يثبت تخصيصه علما بأن نصوص القرءان متسقة متكاملة.
ولا يلزم إقحام ما يسمونه بأسباب النزول لظنيتها في التعامل مع النصوص، ويمكن فقط الاستئناس بها.
وكل عام هو مخصص بصفة عامة بأسس دين الحق وبالروح العامة للدين ككل ومما هو ثابت من عناصره ومن المنطق ومن السياق الذي ورد فيه اللفظ العام.
وتخصيص العام هو تبيين أن المقصود منه ابتداءً بعض أفراده لا جميعها؛ أي قصر العام على بعض أفراده، أو هو تبيين أن الحكم المتعلق بالعام هو من ابتداء تشريعه حكم لبعض أفراده، والتخصيص في أحيان كثيرة ليس إلا تحديدا للاسم أو المصطلح الشرعي.
وما ورد في الآثار بخصوص مسألة السارق مثلا يشير إلى أن تحديد معنى السارق كمصطلح شرعي منوط بأولي الأمر وأن من لوازم وتفاصيل هذا التعريف تحديد حد أدنى إذا تم تجاوزه يعتبر السارق لغويا سارقا من حيث الشرع.
ودلالة العام على كل أفراده قطعية ما لم يكن ثمة دليل على خروج بعضهم منه، وذلك بمقتضى معناه، فهو يتضمن الشمول والاستغراق.
ولا يجوز تخصيص عام القرءان بالمرويات الظنية، وكل مزاعمهم في هذا الشأن مردود عليها، وهي مبنية على مغالطة معلومة جيدا A well-known fallacy، فهم يقتطعون عبارة من آية ومن السياق، ويتجاهلون ما ورد في السياق وفي باقي القرءان في نفس المسألة، ثم يستخلصون النتيجة التي أرادوا فرضها مسبقا.
وألفاظ العموم هي:
1. ما دل على العموم بمادته مثل: كل، جميع، كافة، قاطبة، عامة، أجمعون
2. أسماء الشرط، منها "من، ما، حيث، أن، إذا، متى، أين" ونحو ذلك من ألفاظ أسماء الشرط.
3. أسماء الاستفهام
4. الأسماء الموصولة
5. المعرف بـ"الـ" الاستغراقية مفردا كان أم مجموعا
6. المعرَّف بالإضافة أو بـ"الـ" الجنسية من الجموع وأسمائها
7. اسم الجنس المحلى بـ"الـ".
8. النكرة في سياق النفي أو النهي أو الشرط أو الاستفهام الإنكاري أو الموصوفة بوصف عام (عبد مؤمن، قول معروف)
وأما المعرف بـ(ألـ) العهدية، فإنه بحسب المعهود فإن كان عامًّا فالمعرَّف عام، وإن كان خاصًّا فالمعرَّف خاص.
ويجب العلم بأنه يلزم دائما فقه النظم القرءاني والمنهج القرءاني، فأكثر ما وُصف بأنه عام هو مخصص بالأسس العامة للدين وبفقه اللسان العربي وبالمنطق القويم، فاللفظ "كل شيء" مثلا لا يدل بالضرورة على عموم، وإنما هو مقيد بما سبق ذكره، فالسياق يخصصه وإن لم يُذكر التخصيص صراحة.
كما يجب العلم بأن الأصوليين و(الفقهاء) كانوا مقيدين متأثرين دائما بالنظرة (القانونية) إلى الدين.
ويُلاحظ مثلا أن إضافة حرفي التعريف (الـ) قد يجعل الاسم في الوقت ذاته اسما شرعيا واسما عاما واسم جنس.
وكل لفظ من ألفاظ العموم موضوع لغةً لاستغراق جميع ما يصدق عليه من الأفراد، وإذا ورد اللفظ العام في نص شرعي دل ذلك على ثبوت الوصف المنصوص عليه لكل ما يصدق عليه من الأفراد، ويجب الأخذ بعموم اللفظ العام حتى يثبت تخصيصه علما بأن نصوص القرءان متسقة متكاملة، ولا يلزم إقحام ما يسمونه بأسباب النصوص لظنيتها في التعامل مع النصوص، ويمكن فقط الاستئناس بها، ومن الأفضل تغيير هذا الاسم وتسميتها بمناسبات التنزيل، وهم ملزمون بذلك من حيث عقيدتهم في القرءان.
والقول بأنه "ما من عام إلا وخُصِّص" ليس صحيحا بالضرورة، فهناك ألفاظ عامة قد يتعارض تخصيصها مع الإيمانيات الإسلامية، فيجب النظر إلى الأمور من وجهة نظر الدين ككلٍّ واحد.
أما العام الذي لم يخصص أو لا يمكن تخصيصه فهو قطعي في العموم، لذلك فهو قطعي الدلالة على استغراقه لجميع أفراده، وإذا خصص صار ظاهرًا في دلالته على ما بقي بعد التخصيص، أي ظني الدلالة عليه، فالعام الذي لم يخصص قطعي الدلالة على استغراقه جميع الأفراد، وإذا خصص صار ظني الدلالة على ما بقي من أفراده بعد التخصيص، فاللفظ العام موضوع حقيقة لاستغراق جميع ما يصدق عليه معناه من الأفراد، واللفظ حين إطلاقه يدل على معناه الحقيقي قطعا، فالعام بدون قرينة تخصصه يدل على العموم قطعا، ولا يصرف عن معناه الحقيقي إلا بدليل.
فالعام يجب الأخذ بعمومه حتى يقوم على تخصيصه دليل، وهو يمكن أن يخصص بدليل، وتخصيصه بغير دليل تأويل غير مقبول، ولكن الدليل يمكن أن يدرك من الروح العامة للدين ككل ومن المنطق ومن السياقات اللغوية والمعنوية التي ورد فيه اللفظ العام.
1