top of page

نظرات في المذاهب

25a

المُتَشَابِه1

اللفظ الخفي بالمعنى الحقيقي هو المتشابه بأنواعه.

وكل الآيات التي تذكر ما هو منسوب إلى الله تعالى هي بالضرورة متشابهات، ذلك لأنها تستعمل لغة بشرية للتعبير عن شئون من له الغيب الذاتي المطلق ومن له أيضا الغيب النسبي، واللغة البشرية كما هو معلوم لها مدلولاتها المشتقة من هذا العالم المادي الحسي أو التي اعتاد الإنسان وألف أن يقيدها بأمور هذا العالم، ورغم أن بعض المفردات الأصلية للغة العربية مازالت تتضمن ما يدل على أصلها العلوي المحكم فلقد اندثر تقريبا العلم بذلك، كما أن جل تلك المفردات قد اكتسب أيضًا الطابع الحسي المادي.

واللغات البشرية لا يمكن أن تعبر تعبيرا دقيقا عن الأمور التي لا ذوق للإنسان فيها ولا خبرة له بها حتى وإن كانت هذه الأمور من الأمور المادية، ومع ذلك فلابد أن لهذه الآيات من المعاني والمدلولات ما يدركه من أجاد اللسان العربي إذا ما التزم بأسس التعامل مع القرءان، وتلك المعاني والمدلولات هي ما يطالب المسلم بمعرفته وبالإيمان به، وهذا الإيمان يعني ويقتضي أن يعلم الإنسان أن الله تعالى فوق كل التصورات والمفاهيم وأنه لا يجوز لإنسان أن يحاول تقييده بتصوراته فضلاً عن أن يحاول إلزام غيره بها.

وآيات الأسماء والسمات والأفعال الإلهية لم تأت ليمررها الناس أو ليسوقوها سوقا واحدا كما يقول عباد الأسلاف وإنما ليتدبروها وليعملوا بمقتضياتها وليزكوا أنفسهم بها، فمجيء الرب سبحانه يوم القيامة والملائكة صَفًّا صَفًّا يجب أن يوقع الخوف والإجلال والوجل في قلب القارئ المتدبر مع وجوب تنزيه الله سبحانه عما يمكن أن يخطر ببال البشر بخصوص هذا المجيء فإنه سبحانه ليس كمثله شيء، فلابد من حضوره حضورا يدركه الكل ولا يستريبون فيه ولا يسعهم إنكاره.

ومن البديهي أنه سبحانه لن يأتي ساعيا على قدمين أو محمولا على محفة كما يتصور البعض، ويجب على الناس أن يعلموا أن التعبير في القرءان هو على أعلى درجة من الدقة، وقد قال تعالى:

{وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22)} الفجر

فهو لم يقل "وجاء الله"، هذا بينما في آية أخرى قال:

{هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ (2)} الحشر.

ورغم أن النص هاهنا هو على أن الله هو الذي أتاهم من حيث لم يحتسبوا فالذي يجب التفكر فيه هو مدلول العبارة، فالله تعالى مع كل الناس أينما كانوا، فهذا القول لا يدل على أي انتقال مكاني، وإنما يجب أن يُفقه في سياق الآية، وهي تشير إلى تجلٍّ إلهي خاص كان آلاته هو النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ والمؤمنون الذين أطبقوا عليهم في هجوم مباغت مفاجئ جزاءً وفاقا لخيانتهم.

وبالنسبة إلى المجيء في يوم القيامة، فهو غير منسوب إلى الله تعالى، بل إلى رب الرسول، فالمعاني والدلالات والتجليات تعتمد على الاسم الذي أُسندت إليه، وهذه النسبة تشير إلى تجلٍّ إلهي خاص يكون للرسول فيه المقام المحمود.

ويزعم المشبهة أن له سبحانه يدًا وأيدي وقدما وساقا وعينا وأعينا.... الخ بالمعنى الذي وضع له اللفظ في زعمهم أو بالمعني الحرفي أو الدارج ويجرِّمون أية محاولة لتفسير العبارات وفقا لقواعد وأساليب اللغة وطرق استخدام العبارات ووجود المجاز، لذلك أوقعوا أنفسهم في القول بأن كل ما ذكروه هالك، ذلك لأن الكتاب نص على أن كل شيء هالك إلا وجهه، كذلك يؤدي مسلكهم هذا إلى افتعال وجود اختلاف في الكتاب العزيز، وعليهم أن يعلموا أن القرءان عربي وأنه يستخدم الأساليب اللغوية العربية الفنية والبلاغية.

والله سبحانه ليس كمثله شيء، وكل ما خلقه مكون من أجزاء، أما هو فلا أجزاء له بل هو الأحد الصمد الذي له البساطة المطلقة واللطف المطلق فلا تركيب في ذاته، وبالتالي فإن الإضافة إليه هي من باب إضافة السمة إلى صاحبها أو من باب بيان الخصوصية أو التشريف أو من باب بيان الملكية للأمر المضاف من حيث أن كل ما سواه هو بالأصالة ملك له وآلة من آلاته يفعل بها ما يشاء، أو من باب استعمال ما ألفه العرب من أساليب لغوية فالقرءان هو بلسان عربي مبين، ولذا يجب استنباط المعنى المقصود للإضافة من السياق، ولا يجوز أبدًا تصور أن إضافة الأشياء إليه هي كإضافة جزء إلى كل أو جوارح إلى جسم.

ومن أمثلة ذلك قوله تعالى: {إنَّ الذين يُبايعونَك إنَّما يُبايعونَ الله}، فالمراد من الآية بيان أنه سبحانه الحفيظ والرقيب على تلك البيعة وعلى مدى التزام الناس بها ولذا توعد الناكث ووعد الموفي بثواب عظيم، والآية تبين أيضاً علوَّ قدر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ، ولكن هذا لا يعني كما زعم البعض أنه هو؛ فالكتاب كله والرسالة كلها يقوضان هذا الزعم الباطل، وليس الغرض من الآية كما هو بيِّن وواضح النص على أن له يدا بالمعني الذي يريده المشبهة، واليد التي كانت فوق أيديهم هي يد الرسول وقد أضافها الرب إلى نفسه تشريفا وتكريما للرسول وبيانا لعلو قدره وشأنه وكذلك لأن كل يد هي يده من حيث أنه خالقها ومالكها وأنها آلة له يفعل بها ما يشاء.

ولقد قال أيضا: {وما رميْتَ إذْ رميْتَ ولكنَّ الله رمَى}، فهو هاهنا لم ينف الرمي عن عبده بعد أن أثبته له إلا ليبيِّن أن كل فعل هو بالأصالة له، ذلك لأنه سبحانه أصل كل أمر وجودي إيجابي ولأن الفعل إنما يتم بمقتضى قوانينه وسننه وبالآلات التي خلقها وبرأها، ولكن هذا لا يعني نفي انتساب الفعل إلى الإنسان نفيا مطلقا؛ فهو له من حيث أنه قد صدر عنه متوافقا مع طبيعته الذاتية واختاره بمحض إرادته وكان محلا لصدوره، فلابد لذلك أن يكون محلا لآثاره.

*****

إن من مقاصد نسبة أشياء مثل الأيدي والأعين إلى الله سبحانه هو بيان أن له كيانا حقيقيا فعالا وأنه ليس بروح أو بمعنى مجرد كما يظن البعض، ولكن لا يجوز الزعم بأن هذه الأشياء هي جوارح أو أعضاء له، والعبارات اللغوية التي تنسب اليد إلى الله مثلا يمكن التعامل معها كما يلي:

1. إذا كانت تأتي في تركيب لغوي معلوم للعرب فيجب الأخذ به.

2. إذا كانت من المجاز المشهور عند العرب فيجب الأخذ به.

3. من يعلم الدلالات الحقيقية للأمور المضافة باللغة العلوية المحكمة الأصلية عليه أن يأخذ بها، وهي متسقة تماما مع ما سبق.

4. ما لا يجوز هو استبطان أن اليد هي جارحة أو عضو مثلما هو الحال بالنسبة إلى الإنسان مثلا، ثم إظهار تحفظ شكلي مثل البلكفة المشهورة.

*****

إن العلم من حيث أنه سمة ذاتية إلهية هو سابق على الأشياء وليس بتابع لها، وبذلك العلم خُلِقت الأشياء ودُبِّر الأمر، فعلى المستوى الإلهي لا يجوز القول بأن المعلوم متقدم على العلم، أو بنفس المعنى القول بأن العلم تابع للمعلوم، فهذا القول يتضمن خلطًا بين العلم من حيث أنه سمة إلهية وبين العلم الذي يُقصد به المعلومات عن الشيء الخارجي.

إنه إن كان المقصود بالعلم في هذا القول السمة الإلهية، فلا يصح قولهم، فالعلم الإلهي متقدم تقدمًا مطلقًا على الكائنات، ولا ريب في ذلك.

أما إذا كان المقصود بالعلم المعلوم نفسه، فيكون المعنى: المعلوم تابع للمعلوم!

ولكن الصياغة الدقيقة لهذا القول هي: المعلومة عن الشيء مترتبة على وجود الشيء.

فهذه الصياغة تصلح للمخلوق.

أما بالنسبة للخالق فإن هذا الموجود إنما خُلِق بعلم الله، فهو الذي خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا.

ولتلك السمة الإحاطة أيضا بالأشياء بعد تفصيلها وتحققها وظهورها، ويعبر عن ذلك في القرءان بالصيغ الفعلية، ولا يصح قولهم: "إن الله علم في الأزل ما سيفعله فلان الذي سيخلقه بعد عدة مليارات من السنين"، ذلك لأنه لابد من مرتبة كان الله فيها ولا شيء معه ولم يكن الإنسان فيها شيئا مذكورا، والعلم إنما يتعلق بالأشياء، وهو سبحانه من حيث هو لا يمر عليه الزمن ولا يتقادم؛ وإنما الزمن من مقتضيات أسمائه، وإنما هو من لوازم مخلوقاته وتفصيل آياته.

أما ما سيفعله إنسان ما بعد سنة من الآن مثلا فهو من مجالات التقدير الإلهي الذي له الإحاطة بهذا الأمر من حيث كافة احتمالاته، وإنما يتعلق العلم بنواتج هذا التقدير، ولابد من فرقان بين المعلومات المقدرة وبين المعلومات المتحققة، وبمقتضى السنن الإلهية تترتب النتائج على المعلومات المتحققة رغم تطابق الطائفتين بالنسبة إليه سبحانه.

ولكن الذي تهدف إليه عبارة "العلم تابع للمعلوم" في إطار نظريتهم هو أن الخالق قد خلق المخلوق وفق عينه الثابتة في العلم، وأن الخالق لا يملك إلا أن يفعل ذلك، وبذلك تقوم الحجة للخالق على المخلوق!

ولكن ماذا عن العين الثابتة؟ سيقولون إنها مخلوقة، ذلك لأنها حقيقة في العدم، والعدم غير مخلوق.

وهذه مغالطة، فلابد أن لهذه العين الثابتة ما تتميز به عن العدم المحض، وهي بالتأكيد ليست بأزلية، وإنما طرأت بعد أن لم تكن.

وبذلك يكون المذهب جبريا، وهم لم يفعلوا إلا إخراج هذه الأعيان من نطاق الملك الإلهي بزعم أنها عدم، كما أنهم أخضعوا الخالق أيضًا للضرورة والجبرية، ولذلك أيضًا اضطروا إلى نفي الاختيار الإلهي أو إفراغه من مضمونه، كما اضطروا إلى نفي العدل عندما جعلوه مجرد تحقيق الشيء الخارجي وفق ما كان في العلم.

والحق أن هذه العين الثابتة ليست إلا حقيقة الشيء وماهيته الأولية، وأنها تتعين وفق مضيّ وجريان وسريان السنن الإلهية الكونية، فمثلها كمثل ما يؤلفه (أو يقدره بمعنى يصممه) الإنسان في ذهنه من الأشياء ثم يحققه في العالم الخارجي وفق ما ألفه أو صممه أو قدَّره في ذهنه.

فهذا الشيء المقدر ليس أمرًا معدومًا، وهو قد يكون تصميمًا لمبنى مثلا، فتتجلى كفاءة المنفذ في تحقيقه وفق ما قدره تمامًا، وهذا المنفذ قد لا يكون نفس الشخص المصمم، والشيء ها هنا هو جماد لا يملك أن يتحرك أو يتغير.

ولكن الشيء المقدر قد يكون متضمنًا في حقيقته إمكان التغير والتحرك، وقد يتضمن إمكانية التغير الذاتي والتطور.

فالله سبحانه هو الذي قدَّر حقيقة الإنسان، وجعل من لوازمها الإرادة الحرة والمشيئة والاختيار وإمكانية التغير على المستوى الجوهري وفقًا لآثار أعمال الإنسان الاختيارية، هذه الحقيقة لا تحكم على الإنسان المجسد لها أن يكون كافرا، وإنما يمكن أن يوجد هذا الإنسان في بيئة كافرة أو مشركة، فهو هاهنا ليس مسؤولا عن ذلك، ولكي يُحاسب وفق دين الحق ّيجب شرط توفر البلاغ المبين بالنسبة له.

وكما سبق بيانه فإن مقدر الشيء على مستوى المخلوقات ومنفذه بحيث يظهر في العالم الخارجي قد يكون عدة أشخاص.

أما على المستوى الإلهي فالذات الإلهية واحدة، وإنما تتعدد أسماؤها، هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى، فالحلقة الإلهية الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ (وأسماؤها التفصيلية) هي التي تقدر وتخلق وتنفذ وتعطي الصورة للكائن الظاهر المتحقق في عالمه.

والإنسان المتحقق نتيجة ماهية معينة يتصرف وفق مقتضى هذه الماهية الأولية، ولكنه بأفعاله الاختيارية يتطور على المستوى الجوهري.

لكل ذلك فعبارة "العلم تابع للمعلوم" لا تعني إلا نوعًا من المعلومات التي تتعلق بأفعال الإنسان الظاهرة المتحققة، والتي هي مناط الحساب، ولكن هذا العلم مسبوق بالتقدير، بمعنى أن الفعل الإنساني مقدَّر قبل تحققه الفعلي، وهناك علم متعلق بنواتج التقدير، فالعلم الإلهي محيط بالإنسان في كافة أطواره، وهو بالبديهة من السمات التي ترتب عليها وجوده وتقدير كل ما يمكن أن يصدر عنه.

*****

إن الله تعالى قد أضاف إلى نفسه أو إلى ضمائر تعود عليه بعض الأشياء لمقاصد ومعانٍ يمكن استنباطها من العبارات القرءانية استرشادا بالإيمان التام والتسليم بأنه ليس كمثله شيء، ولكن البعض يحاولون إلزام الناس بأن هذه المضافات إليه هي بعينها ما يعرفه الناس عنها بحجة أنه لا يجوز صرف الألفاظ عن ظواهرها، وهكذا ألزموا الناس بالإيمان بأن له يدا وبأن له يدين وبأن له أيدي...الخ بالمعاني الدارجة، إن الله سبحانه عندما قال:  

{إنَّ الذين يُبايعونَك إنَّما يُبايعونَ الله، يدُ الله فوقَ أيديهم}

  لم يلزم الناس بالإيمان بأن له يدا وإلا للزم لمن زعم هذا أن يقول بأن الرسول هو الله، فظاهر العبارة يدل على أنه أدخل نفسه في المبايعة بمعنى أنه جعل من نفسه رقيبًا على تنفيذها؛ يثيب من وفَّى ويعاقب من نكث وهذا يدل على عظم أمر وأهمية تلك المبايعة.

ولما قال سبحانه:

{تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (14)}

 القمر لم يلزم الناس بالإيمان بأن له أعينا بالمعني الحسي الدارج، فالآية ليست إعلانا عن شيء من خصائص كنهه الذاتي، فالقول يدل على أن السفينة كانت محوطة بالحفظ والعناية الشديدة والرعاية الخاصة، ومازال العرب عندما يعبرون عن حفظهم وعنايتهم الشديدة بشيء يشيرون إلى أعينهم.

وبالتأكيد كان ثمة آلات استخدمها الله لإنجاز ذلك هم الملائكة الموكلون، والقرءان كتاب عربي يستخدم الأساليب اللغوية والبلاغية والفنية العربية لإبراز ما أراد من المعاني، ويلاحظ أن الناس في تعاملهم اليومي عندما يتعهدون برعاية أمرٍ ما والحفاظ الشديد عليه فإنهم يشيرون إلى أعينهم إيماءً إلى هذا المعني القرءاني، فالقرءان أنزل قرءانا عربيا غير ذي عوج، وهو يستخدم التعبيرات التي درج العرب على استخدامها وألفوها، نعم إن البدو والأعراب يصرون على الاستخدام البدائي شديد الحسية للغة ولكن تلك هي مشكلتهم، ولا يجوز لهم أن يفرضوا تصوراتهم على هذا الدين، وإذا كان البعض لأسباب تاريخية قد حاول تجريد العبارات من معانيها المعلومة من السياق وإنزالها إلى ادني مستوي من الدلالة الحسية وإنكار المجاز وغيره من الأساليب البلاغية فعلى المسلمين أن ينزهوا أنفسهم عن تلك الردة وأن ينزهوا ربهم عن تشبيهات البدو والأعراب والحنابلة والوهابية.

*****

إنه يجب العلم بأنه قد يعبر بلفظ المصدر (أو اسم المعنى) عن المفعول به أو مجال عمل الفعل أو الناتج عن الفعل، فيسمى المعلوم علما والمقدور قدرة والمفعول فعلا والمأمور أمراً والمخلوق بالكلمة كلمة، كما يُسمَّى الناتج عن الكلام كلاما أو كلمة والناتج عن الخلق خلقا، ولو أدرك المتكلمون في العقائد هذه الحقيقة لما أوقعوا أنفسهم في الإشكالات والمغالطات.

*****

كل العبارات اللغوية عندما تُنسب إلى الله تعالى تصبح نوعا جديدا من العبارات، فلا يجوز إلزامها لا بالمعاني الدارجة الحسية ولا بالمعاني اللطيفة المعنوية، فكما لا يجوز تشبيه الله بالمباني كذلك لا يجوز تشبيهه بالمعاني، فله سبحانه الإحاطة بها جميعا والعلو المطلق فوقها جميعا، وقد وقع السلفية في النوع الأول من التشبيه، ووقع الأشعرية والمعتزلة في النوع الثاني منه، أما المجتهدون الجدد فلا يعرفون شيئا عن العقائد أصلا، وليس لديهم مفهوم صحيح عن الدين فعلا، وأكثرهم يظن أن الدين مجرد مذهب اجتماعي أو نظام قانوني، أو مجرد منهج للإصلاح الأخلاقي، ولذلك نقول دائما إن طريقنا فريد، ولم يعرف مثله مذهب من المذاهب المحسوبة على الإسلام فضلا عن الأديان الأخرى التي لم يبلغ تنزيهها لله تعالى شيئا مما فعلنا، وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِين.

1

bottom of page